المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (باب قول الله تعالى: ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا



أهــل الحـديث
29-12-2012, 02:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


(باب قول الله تعالى: ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?[الأعراف:180]) هذا الباب في وجوب تعظيم أسماء الله الحسنى، وأن من تعظيمها أن لا يُلحد فيها وأن يدعى الله جل وعلا بها.
والأسماء الحسنى هي الحسنة البالغة في الحسن نهايته، فالخلق يتسمون بأسماء لكن قد لا تكون حسنة أو قد تكون حسنة ولكن ليست بالغة في الحسن نهايته؛ لأن الحُسن في الأسماء يكون راجعا إلى أنّ الصفة التي اشتمل عليها ذلك الاسم تكون حقا فيمن تسمى بها، ويكون قد بلغ نهاية ذلك الوصف، والإنسان لو تسمى باسم فيه معنى فإنه لا يُنظر فيه إلى أن المعنى قد اشتملت عليه خصاله، فيسمى صالحا وقد لا يكون صالحا، ويسمى خالدا وقد لا يكون خالدا، ويسمى محمدا وقد لا يكون كثير خصال الحمد، وهكذا فإن الإنسان قد يسمى بأسماء لكن قد تكون في حقه حسنى.
والله جل وعلا له الأسماء الحسنى البالغة في الحسن نهايته، وهي الأسماء المشتملة على الصفات صفات الكمال والجلال والجمال والقدرة والعزة والجبروت وغير ذلك، وله من كل اسم مشتمل على صفة أعلى وأعظم الصفة والمعنى الذي اشتملت عليه الصفة، والناس وأهل العلم إذا فسروا الأسماء الحسنى فإنما تقريب ليدلوا الناس على أصل المعنى، أما المعنى بكماله فإنه لا يعلمه أحد إلا الله جل جلاله، ولهذا(78) [قال عليه الصلاة والسلام في دعائه:«لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
فالناس حين يفسرون أسماء الله جل وعلا فإنهم يفسرون ذلك بما يُقَرِّب إلى الأفهام المعنى، أما حقيقة المعنى على كماله فإنهم لا يعونه؛ لأن ذلك من الغيب، وكذلك الكيفية فإنهم لا يعونها؛ لأن ذلك من الغيب.
فالله جل وعلا له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، ومن الأسماء ما لا يكون حسنا](79) إلا بقيد مثل الصانع والمتكلم والمريد والفعال أو الفاعل ونحو ذلك، فهذه الأسماء ولا تكون كمالا إلا بقيد:
في أن يكون متكلما بما شاء إذا شاء، بما تقتضيه الحكمة وتمام العدل، فهذا يكون محمودا، ولهذا ليس من أسماء الله المتكلم.
كذلك الصانع قد يصنع خيرا، وقد يصنع غير ذلك، والله جل وعلا ليس من أسمائه الحسنى الصانع لاشتماله على هذا وهذا، فإذا أطلق من جهة الخبر فيعني به ما يقيد بالمعنى الذي فيه كمال.
كذلك فاعل أو فعّال، فإن الفعال قد يفعل أشياء لا توافق الحكمة، وقد يفعل أشياء لا يريدها؛ بل مجبر عليها، والكمال أن يفعل ما يريد ولا يكون مجبرا لكمال عزته وقهره، ولهذا قال الله جل وعلا عن نفسه ?فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ?(80)، لأن تقييد كونه فعالا لما يريد هذا هو الكمال.
فيه أشياء كثيرة من ذلك معروفة في مباحث الأسماء والصفات.
وأسماء الله الحسنى تنقسم باعتبارات من جهة المعنى.
قال طائفة من أهل العلم:
إن منها أسماء الجمال: وأسماء الجمال لله جل جلاله هي الأسماء المشتملة على حسن في الذات أو حسن في المعنى وبِرٍّ بالعباد والمخلوقين، فيكون من أسماء الجمال صفات الذات، واسم الله الجميل، ويكون من أسماء الجمال البر والرحيم والودود ونحو ذلك والمحسن وما أشبه ذلك.
ومن أسماء الله ما هو من الجلال: يقال هذه أسماء الجلال، وأسماء الجلال لله هي التي فيها ما يدل على جلال الله، وهو عظمته وعزته جل وعلا وجلاله حتى يجل مثل القهار والجبار والقدير والعزيز ونحو ذلك والمقيت وأشباه هذه الأسماء فهذه أسماء الجلال.
وهناك أسماء في تقسيمات مختلفة تُطلب من كلام ابن القيم رحمه الله أو من كلام الشراح.
فإن المقصود -إذن- أنّ العبد المؤمن الموحد أن يتعرَّف إلى الله جل وعلا بأسمائه وصفاته، ولا يتم حقيقة التوحيد في قلب العبد حتى يعلم أسماء الله جل وعلا ويعلم صفات الله جل وعلا، فإن العلم بها تتم به حقيقة التوحيد.
والعلم بها على مراتب:
منها أن يعلمها إثباتا؛ يعني يثبت ما أثبت الله لنفسه، وما أثبته له رسوله (، فيؤمن أن هذا الاسم من أسماء الله، وأن هذه الصفة من صفات الله جل وعلا.
والثاني أن يسأل الله جل وعلا بأسماء الله وصفاته بما يوافق مطلوبه؛ لأن الأسماء والصفات نتعبد لله جل وعلا بها بأن فادعوه بها -كما جاء في هذه الآية وسيأتي بين ذلك إن شاء الله-.
الثالث من الإيمان بالأسماء والصفات أن ينظر إلى آثار أسماء الله وصفاته في الملكوت، فإذا نظر إلى الأسماء والصفات في الملكوت وتأمل ذلك علم أن كل شيء ما خلا الله باطل، وأن الحق الثابت اللازم هو الله جل وعلا، وأن سوى الله هو الباطل وزائل وآيل إلى الهلاك، ?كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ?[القصص:88].
قال (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) اللام هنا في قوله (وَلِلَّهِ) هي لام الاستحقاق؛ يعني الأسماء الحسنى البالغة في الحسن نهايته مستحَقة لله جل وعلا والله مستحق ذلك، قال (فَادْعُوهُ بِهَا) يعني إذا علمتم أن الله هو المستحق لذلك وآمنتم بذلك فادعوه بها وهذا أمر، وقوله (فَادْعُوهُ بِهَا) الدعاء هنا فُسر بالثناء والعبادة وفسر بالسؤال والطلب، وكلاهما صحيح، فإننا ندعو الله بها يعني نحمده ونثني عليه بها، فنعبده متوسلين إليه بهذه الأسماء والصفات، بالأسماء الحسنى واشتملت عليه من الصفات العلا، والثاني أن نسأل بها؛ يعني إذا كان لنا مطلوب نتوجه إلى الله فنسأله بتلك الأسماء بما يوافق المطلوب، فإذا سألنا الله المغفرة نأتي بصفات الجمال، إذا سألنا الله النصرة نأتي بصفات الجلال، وهكذا فيما يتناسب، وهناك تفصيلات أيضا لهذا الأمر.
المقصود أن قوله جل وعلا (فَادْعُوهُ بِهَا) يعني اسألوه بها أو أعيدوه وأثنوا عليه بها جل وعلا، فيشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
والباء في قوله (بِهَا) يعني متوسلين بها، هي باء الوسيلة.
(وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ)، (ذَرُوا) يعني أتركوا، وهذا يعني أن المسلم واجب عليه أن يبتعد عن حال الذين يلحدون في أسماء الله جل وعلا، والإلحاد في أسماء الله هو الميل والعدول بها عن حقائقها إلى ما لا يليق بالله جل وعلا.
وهذا الإلحاد مراتب:
من مراتب الإلحاد في أسماء الله وصفاته أن يسمى البشر المعبودين يسميهم بأسماء الله، كما سموه اللات من الإله، والعزى من العزيز، ونحو ذلك.
ومن الإلحاد في أسماء الله أن يجعل لله جل وعلا ولد، وأن يضاف المخلوق إليه إضافة الولد إلى والده، كحال النصارى ذا نوع من الإلحاد في أسماء الله جل وعلا في صفاته.
ومن الإلحاد إنكار الأسماء والصفات، أو إنكار بعض ذلك، كما فعلت الجهمية الغلاة فإنهم لا يؤمنون باسم من أسماء الله ولا بصفة من صفات الله إلا الوجود والموجود؛ لأن هذه الصفة هي التي يستقيم معها برهانهم بحلول الأعراض عن الأجسام ودليل ذلك على الوحدانية كما هو معروف في موضعه.
ومن الإلحاد أيضا والميل بها عن الحق الثابت الذي يجب لله جل وعلا فيها أن تؤول وتصرف عن ظاهرها إلى معاني لا يجوز أن تصرف إليها، فيكون ذلك من التأويل.
والواجب الإيمان بالأسماء والصفات، وإثبات الأسماء والصفات، واعتقاد ما دلت عليه، وترك التعرض لها بتأويل ونحوه، وهذا قاعدة السلف؛ فنؤمن بها ولا نصرفها عن حقائقها بتأويل أو بمجاز أو نحو ذلك، كما فعل المعتزلة وفعلته الأشاعرة والماتريدية وطوائف.
كل هذا نوع من أنواع الإلحاد.
وإذا تقرر ذلك فيكون الإلحاد -إذن- منه ما هو كفر ومنه ما هو بدعة بحسب الحال الذي ذكرنا.
فالحال الأخيرة وهي التأويل وادعاء المجاز في الأسماء والصفات هذه بدع وإلحاد لا يصل بأصحابه إلى الكفر، أما نفي وإنكار ومجد الأسماء والصفات كحال الجهمية فهذا كفر، وهكذا فعل النصارى ومشركي العرب.
قال (ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس: ?يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ?[الأعراف:180]: يشركون.) يعني يجعلون اللات من الإله، فينادون اللات وعندهم أنهم نادوا الإله فصار شركا.
قال (وعنه: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز. وعن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها.) وهذه مرتبة من مراتب الإلحاد في الأسماء؛ لأن الله جل وعلا له الأسماء الحسنى، فمن أدخل اسما لم يثبت في الكتاب والسنة أنه من أسماء الله فقد ألحد؛ لأنه مال وعدل عن الحق الذي يجب في الأسماء والصفات إلى غيره، والحق هو أن تُثبِت لله ما أثبته لنفسه إذْ لا أحد أعلم بالله من الله جل جلاله وتعاظم شأنه، وكذلك لا أحد أعلم من الخلق بالله جل وعلا من رسوله محمد (، فمن أدخل فيها ما ليس منها فقد ألحد، كمن قال في أسماء الله الماكر والمستهزئ والصانع وجعل ذلك من الأسماء الحسنى فإن ذلك لا يجوز، وإطلاق هذه الأسماء على الله جل وعلا لا يجوز، ومنها ما يجوز بتقييد في باب الإخبار.من كتاب كفاية الستزيد