المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ



أهــل الحـديث
27-12-2012, 09:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الخير والشر لا يُصبح عليه الناس بعدما كانوا على غيره بلا تدرجات يبدأونها، فللّه سُنة كونية في بناء المعاني كما له سُنة في بناء المباني، فلكل بناء لَبِنات وللبنات باني وللبناء عجلةٌ زمنية تدور به حتى يكتمل البناء، فالأمّة لا تَكفر حتى تعصي ثم تفجر ثم تكفر، فقوم لوطٍ لم يفعلوا فاحشتهم إلا وقد وقع فيهم السفور ثم الاختلاط ثم زنا النساء ثم لواط النساء ثم لواط الرجال، وقوم نوح لم تنشق لهم الأرض عن الأصنام فعبدوها وإنما صوّروا ثم عظّموا ثم تبركوا ثم عبدوا.

لهذا سمّى الله طريق الشيطان خطوات فقال: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} يتدرّج ويؤنّس بالبدايات حتى لا يستوحش الإنسان من شناعة النهايات، أما الله فيأمر بالإسراع إليه فقال: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وقال موسى: {وعجلت إليك ربي لترضى} لأنه لا وحشة ولا خوف من نهايات الحق.

لقد كانت البشرية على فطرة صحيحة منذ خلق الله آدم وحواء، وقد قال الله لآدم محذّراً: {يا آدم إن هذا عدوٌ لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى}

ذكر الله العُري والجوع بعد التحذير من إبليس وذلك أن أعظم غايات إبليس تتحقق بالتخويف من الفقر، قال تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر} فيخوّف الإنسانَ من الفقر والجوع وضيق الرزق والبطالة، فإذا استحكم في نفس الإنسان الرهبة من ضيق المادة والوجل من اضطراب الاقتصاد والبطالة سوّل له التخلّص من ذلك بوسائل كالتعري والسفور والاختلاط، ولذا ذكر تعالى بعد تخويف إبليس من الفقر أمْرَه بالفاحشة فقال:{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}فربط الأمر بالفواحش بالتخويف من الفقر، فأوامره يُسللها إلى الإنسان تحت تخويف الفقر لينشغل عقله بالغاية فيستسهل الوسيلة، فتأتي هذه الوسائل على نفسٍ مهزومة وَجِلة ضعيفة تقبل بالوسائل مهما بلغت للسلامة من الغاية (الفقر) والعقل إذا خاف من شيء استسهل سبل السلامة منه وإن كان يستصعب تلك السبل وحدها منفردةً من قبل، بل قد يسوّغها وربما شرّعها، فيجعل إبليس تلك السبل وسائل لرغد العيش وطيب الكسب، وليخرج الناس من الفقر وضيق المادة،

وتلك الوسائل بالنسبة إليه غايات، وهذا ما تسلكه الحضارة المادية اليوم بدفع عجلة نمو الماديات والتجارات بإبراز مفاتن المرأة وتسويقها في كل سلعةٍ بالدعاية الإعلامية وجعلها موظفة استقبال للرجال، بل حتى صوتها يُستغل للتسويق المادي عبر الاتصالات، بل واشتهرت المراقص في بلدان الغرب بل وتجارة البغاء ترويجاً للتجارة وتنشيطاً لاقتصاد البلدان، ولهذا تجد كثيراً من يربط علاج البطالة وكسب الرزق باختلاط المرأة وسفورها تضييقاً للحلال وتوسيعاً للحرام وهذه تسويلات إبليس التي حذر الله منها آدم وحواء أول مرّة، ثم حذّر بني آدم كلهم من تكرار إبليس لتلك المكائد والحيل فقال تعالى: {يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما} ثم قال بعد ذلك مبيناً أن تلك الوسائل يتدرّج بها الناس حتى تصبح قناعات راسخة مع تقادم الزمن: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} فتحوّل لديهم التعري والسفور والاختلاط بعد استدامته، من وسيلة إلى ثقافة موروثة بل إلى عقيدةٍ راسخة أمر الله بها!

والله تعالى ينفي ذلك التخويف الإبليسي من الفقر الذي يبني عليه إبليس وسائله المحرّمة، فبعدما ذكر تخويف إبليس ووعده لهم بالفقر قال: {والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً}.

ثم إنه يجب أن يُعلم:

أن لكل بلاء خطوات ولكل خطوات غايات، فلم تكن تعرف جزيرة العرب الوثنية، حتى جاء عمرو بن لحي الخزاعي وكان والياً على البيت الحرام فسافر إلى الشام فرأى وثنيتها، ورأى فيها تغييراً وتجديداً وأرادها بمكة، فكان ابن لُحيّ أول من قنن الشرك بمكة ثم ما حَولها، فأتى بالأصنام لتعبد بعد التوحيد الذي كانت عليه العرب، ولا بد لتغيير العقائد والأفكار من حَمَلة يتحملون أوزار أهلها ويبوؤن بإثم الأمة.

بدأت الوثنية تتسلل إلى العرب في أقطارها فعبدت الأوس والخزرج والأزد (مناة) وعبد أهل الطائف وقريش (اللات) (والعزى) وحتى يُسبِغوا عليها تشريعاً إلهياً اشتقوا لها أسماء من أسماء الله فاللات من الله والعزّى من العزيز.

تدرجوا فيها بدايةً من استنكارٍ ووحشةٍ من ذلك المعبود الدخيل، فصرفوا لها التعظيم ثم العبادة تدرجاً حتى تعصبوا لها، وتحولت من معبود عند الملمات إلى مطلبٍ عند الحاجات، إلى تعلِّق لا تخلو النفس منه حتى بلغ بهم الحال كما صح في البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر في الجاهلية فإذا وجدنا حجراً هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجراً جمعنا جُثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناها عليه ثم طفنا به.

فعمرو بن لحي لم يأمرهم بحلب الشاة على التراب ليُصنع الوثن، ولكن هكذا العقول كالعجلة تدور بالعقائد وتبدأ بها من حيث انتهت وتنتهي بها على غير ما بدأت!

ولذا تعصبت قريش على دخيل جاهليتها فقاتلوا محمداً صلى الله عليه وسلم على ذلك وطردوه وآذوه، فرأوا منه دخيلاً على ملّتهم، مبتدعاً لعقيدة وفكرٍ جديد لا يُعرف من قبل.
ولم يكن عمرو بن لحي دعاهم إلى هذه النهايات ولكنه سنّ سُنتها فتحمل وزرها، فكانت عاقبته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ورأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار وهو أول من غيّر ملة إبراهيم وسيب السوائب وبَحَرَ البَحيرة وحمى الحَامي).

وهكذا تبدأ المِلل والأفكار وتنتهي، تبدأ بوجل وتنتهي بعقيدة ثم تعصب، وكما تكون العقائد تكون الأفكار والأخلاق، فقد كانت البشرية تتقلب من علم من الله إلى جاهلية البشر، وقد مرت البشرية بجاهليات متعددة كلما انحرفت بعث الله نبياً يُقيم اعوجاجها، كما قال تعالى في الحديث القدسي: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) وفي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم كلما هلك نبي خلفه نبي)

هكذا تجري عجلة الانحراف وهكذا تجري عجلة التصحيح.

لا تمر تجارة البغاء إلا بمقدماته الاختلاط والسفور والخلوة، فالبغاء آخر عتبات فواحش الأخلاق بعد اللواط، وقد مرت الإنسانية بجاهلية كثيرة صغرى وكبرى، فإن جاءت جاهلية تبعتها نبوة تمحوها، ومن تلك الجاهليات ما قال تعالى فيه: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} وكانت نحواً من ألف سنة وقيل هي بين نوح وإدريس، وكان من صور تبرج تلك الجاهلية مقام النساء مع الرجال كمقام الرجال مع الرجال وهو الاختلاط، قال مجاهد بن جبر -وهو إمام المفسرين من التابعين-: المرأة بين الرجال ذلك تبرج الجاهلية الأولى.
والله لم يوجب على المرأة التكسب كفايةً لها , إلا أنه لم يمنعها منه،
لأن القوامة على الرجل تجب عليه بلا مِنّة، قال الله لآدم: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} جعل الخروج لهما جميعاً وأما الشقاء فلآدم وحده، لأنه في الجنة مكفول الرزق بلا عمل، وفي الدنيا يشقى هو وحده بكسبه، ولا تشقى هيَ به.
وكثيرٌ من يقيس نسب البطالة الغربية ومعالجاتهم لها وينزلها على مجتمعات الإسلام، وذلك فساد في الأصل تبعه فساد في الفرع والنتيجة، فما بطالتهم كبطالتنا لأن قوامتهم ليست كقوامتنا.