المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : .. رد على فتوى جواز التصويت للدستور ..



أهــل الحـديث
26-12-2012, 02:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


****
الرد على البراك في دعوته للتصويت على الدستور
( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )
****
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على إمام الموحدين . ****وبعد .
****
فقد اطلعت على فتوى الشيخ عبد الرحمن البراك هداه الله للصواب ورده للحق في تجويز التصويت للدستور .
فوجدتها فتوى باطلة مناقضة لأصل الأصول ومبناها على الرأي المجرد , فليس فيها استدلال بالكتاب والسنة واللذان هما المرجع عند التنازع وإنما استدلال بطاغوت المصلحة المزعومة والتي كلٌ يدعيها ويزعم أنه يريد الإصلاح والمصلحة وليس فهمٌ أولى من فهم , فمرد المصلحة لنصوص الوحي وليس الرأي المجرد والهوى كما سيأتي , ومع ذلك فقد تابعه عليها كثير من الناس .
ولم أكن أظن أن يبلغ الأمر ما بلغ في تلبيس الحق بالباطل واختراع الشبهات المضللة , بل ولم أكن أظن بالناس قبول الباطل بهذه الدرجة مع انتسابهم للتوحيد ودعواهم المعرفة به , وهذا ما خشيه الفاروق عمر t من زلة العالم وجدال المنافق والأئمة المضلون .
لكن كل ذلك يؤكد لنا ما هو متقرر من فشو الجهل بالتوحيد وأن أكثر علم الناس به نظرياً وليس واقعاً عملياً وسرعة الهلكة في هذه الأمة .
وهذه من الفتن التي أخبرنا بها النبي r والتي هي كقطع الليل المظلم التي يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا .
وقد فرح هؤلاء القوم بما عندهم من العلم , وأرادوا أن يثنوا أهل العزائم في رد باطلهم وزعمهم أن الأمر ليس إلا مسألة خلافية لا يبدع فيها المخالف ولا يكفر بل ولا ينكر عليه . وهذا مبلغهم من العلم , ودونهم في إثبات ما ذهبوا إليه خرط القتاد .
والحقيقة أن الأمر إما كفر بالطاغوت واجتنابه أو قبوله وإقراره والإيمان به , وليس هناك حالة ثالثة تستدعيها المصلحة وهي الكفر بحكم الطاغوت مع إقراره والتصويت له كما زعموا .
ومن كثافة فهمهم حاولوا الاستدلال لباطلهم بالمتشابه , وظنوا أنهم على شيء, وهيهات أن يكون في دين الله تعارض أو حجة لمبطل .
لكن لما عميت البصائر وانتكست الفطر عن التوحيد رأوا أن لقولهم أدلة كعمل يوسف عليه السلام تحت ملك مصر . وهذا من فرط الجهل .
وإني لأقول : إن من عقوبة الله لتارك منهج السلف والرد عند التنازع لله وللرسول أن يكل الله العبد لنفسه وما أضعفه حينئذٍ , فيتخبط حتى يكون في حاله عبرة لغيره, ومن ذلك هذا الاستدلال الساقط, فما كفاهم باطلهم بإقرار حكم الطاغوت حتى وقعوا في القدح في رسل الله ولمزهم بالمسبة وهذا ديدن أهل الإشراك, ومخازي من يستدل له ويذكرنا استدلالهم على قبيح صنعهم ولو بالقدح في الرسل المعصومين من الكفر والشرك باستدلال القبورية على جواز دعاء الرسول r بعد موته والاستغاثة به بطلب عمر من العباس الدعاء ورمي الصحابة بهذا الشرك وفعله.
وأوردت هذا الباطل هنا لا للرد عليه لأنه سيأتي في سياق نقض الشبه ولكن سبب المورد له بيان حال من خالف الكتاب والسنة وسعى بالإفساد في الأرض بتجويز الشرك وتهوينه للناس فتأمل ثم تنبه.
****
واعلم رحمك الله أنه سيكون الرد على فتوى الشيخ البراك مبني على أربعة فصول :
الأول : نقض فتوى الشيخ البراك .
الثاني : بيان ردة من ترك الحكم بالشريعة .
الثالث : حقيقة جماعة الإخوان ومرسي الذين افتى لهم البراك .
الرابع : حكم التصويت للدستور وبعض مخازي هذا الدستور وكشف شبهات المجوزين له.
ثم وقفات ووصايا لمريد النجاة.
فأقول وبالله وحده استمد العون ومنه أطلب التوفيق :
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
الفصل الأول : نقض فتوى البراك
****
قوله : ( اختلاف إخواننا أهل السنة حول مسألة التصويت على الدستور ) .
أولاً : أقول : إن هذا من الباطل الذي لا يجوز لمسلم إقراره أو السكوت عنه .
وكأن مسألة التصويت على الدستور مسألة خلافية وليست مسألة اتفاقية لا عبرة بالمخالف فيها كائناً من كان .
وكان الأولى أن يقول : اختلف المنتسبون للإسلام في هذه المسألة فأهل السنة قالوا بكفر مشرع الدستور ومن يقره ومن يصوت له ويدعوا له, والمخالفون منهم من يرى أنه محرم وليس بكفر ومنهم من يرى جوازه . وذلك كما يقال : اختلف المنتسبون لأهل القبلة في علو الله فأهل السنة قالوا بعلوه بذاته واستوائه على عرشه ، والجهمية النفاة قالوا : بأنه ليس في مكان ، والجهمية الحلولية : قالوا أنه في كل مكان .
وهذا هو المقرر في قواعد الأصول وأبواب الخلاف والترجيح والاجتهاد وما يسوغ فيه الخلاف ومالا يسوغ .
ويذكرنا سوق الشيخ ومن يوافقه الخلاف في هذه المسألة وظنهم أنه خلافاً معتبراً , خلاف القبورية والصوفية وجعلهم دعاء الأموات والاستغاثة بالرسول r محل خلاف بين أهل السنة .
ثانياً : متى كان الإخوان من أهل السنة وعند من ؟ وسنأتي بالكلام عنهم . ولكن أقول كنت فيما سبق أقول: إن جماعة الإخوان فرقة مبتدعة من الفرق الثنتين وسبعين فرقة وذلك قبل أن تظهر حقائقها, حتى إذا ظهرت رأيت أنه لا يقال عنها مبتدعة بل ممتنعة عن الشريعة وذلك بقول رؤوسهم وطواغيتهم .
قوله : (واختلافهم في حكمه تحريماً وجوازاً ووجوباً ) .
تجاهل الشيخ قول أهل التوحيد وهو القول بكفر فاعله , والتحريم لا يلزم منه الكفر .
قوله : ( لكل منهم استدلال يؤيد ما ذهب إليه ) .
قلت : ما من مبطل إلا ويستدل على باطله , حتى من ينكر علو الله يستدل لرأيه بأدلة يظن فيها الجاهل الحجة والقوة , وهي على خلاف ذلك .
قوله : ( يحار الناظر فيها ) .
قلت : رحم الله من تكلم بعلم أو سكت بحلم .
والأولى بالمنتسب للعلم إن حار في مسألة أن يسكت حتى يتبين له الحق .
قوله : ( منشأ الخلاف ما في الدستور..) .
قلت ليس هذا منشأ الخلاف وإنما منشأ الخلاف هو شرك التشريع وإقراره , وليس هناك حالة ثالثة كما يوهم المخالف , وسيأتي بيانه في حقيقة التصويت وحكم الدخول في المجالس التشريعية .
وإن البلاء كل البلاء في منح صفة التشريع والتحليل والتحريم وسن الدين لغير الله من الخلق . وهل هو للأرباب الطاغوتية أم لله الواحد القهار, فيا سبحان الله أكل هذا جهل أو تعامي .
قوله : ( ما في الدستور من مواد كفرية ) .
هذا من التلطف الذي في غير مكانه ومرده للتلبيس والتدليس . والدستور قائم على الكفر وهو كفر كله وليس مجرد (فيه كفر) , وفرق بين الأمرين وشتان ما بين الحالين .
و والله لو وجد من يقول يمكن للعذرة الرطبة أن تنظَف حتى تنقلب لعين طاهرة ليكون أقرب عقلاً وشرعاً ممن قال تشريع القوانين والدساتير يمكن أسلمتها مع وجود أصل الإقرار بصفة التشريع لغير الله تعالى .
قوله : ( ما في الدستور من المواد الحسنة ) .
قلت الله سبحانه لا يخلق شراً محضا, واليهود عندهم مواد حسنة , والنصارى أقرب لنا من اليهود وهكذا, وليس في ذلك تجويز لإقرار الكفر.
قوله : ( المقربة لتحكيم الشريعة ) .
قلت وما الذي يمنعهم من تحكيمها بل الإخوان الذين يزكيهم البراك وقفوا أيام الانتخابات مع اللبراليين ضد الذين طالبوا بتحكيم الشريعة وصرحوا بذلك علناً فهل خفي هذا على البراك .
قوله : ( وجهات نظر إخواننا ) .
قلت متى كان التوحيد وما يناقضه محل لوجهات النظر , ومتى كان دعاة الشرك والتشريع إخوان لأهل التوحيد .
أما نحن فنبرأ إلى الله من شركهم ونتقرب إلى الله بمعاداتهم ما داموا على هذا الطريق الشركي .
قوله : ( التصويت على هذا الدستور إن لم يكن واجباً فهو جائز ) .
نسأل الله السلامة والعافية ونعوذ بالله من الجرأة على الدين .
ولغيره من دعاة الشرك أن يقول : الاستغاثة بالرسول r بعد موته, إن لم تكن واجبة فهي جائزة لأنها من تعظيم الرسل والأنبياء . ونفي علو الله إن لم يكن واجباً فهو جائز لأنه يستلزم نفي النقائص .
والجامع في كل ذلك الإشراك في عبادة الله وفي ربوبيته وصفاته . فكما أن الدعاء لا يكون إلا لله وأمرنا أن نعبد به الله. فكذلك ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) .
قوله : ( وليس في ذلك إقرار بالكفر ولا رضا به ) .
قلت : هذه دعوى عريضة يكذبها الشرع والعقل والواقع , وحقيقة التصويت قائم على الإقرار كما سيأتي بيانه .
قوله : ( فما هو إلا دفع شر الشرين واحتمال أخف الضررين ) .
قلت أعظم الشر الإشراك بالله بترك التحاكم لشريعته والإعراض عن دينه وهذا شرك التعطيل .
وأيضاً شرك التمثيل بإعطاء المخلوق صفة الأمر والنهي والتحليل والتحريم والتشريع وسن الدين .
وهذه الشبة المتهاوية هي عمدة المجوزين للدخول في الانتخابات , وسنأتي على إبطالها في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى .
قوله : ( وليس أمام المستفتين إلا هذا أو ما هو أسوء منه ).
أولاً : لا نسلم أنه لا يوجد إلا هذا أو هذا بل هذا من التخيلات. أو ليس حزب الإخوان صرحوا بترك الشريعة من أول وهلة, أو ليسوا صرحوا بمنابذة المنتسبين للسلفية - مع مخالفتنا لطريقتهم - حين فازوا بصوت كبير في الانتخابات وصرحوا بالحكم بالشريعة فماذا كان موقف حزب الإخوان منهم . فكيف يلبس الحق على الناس ويدعوهم للانخراط مع الإخوان أم أنه علم ما يصلح للإخوان وجهل ما لا يصلح .
ثانياً : لو سلمنا أنه لا يوجد إلا حزب الإخوان فإنا لا نسلم أن غيره أسوء منه وبيان ذلك :
1- أن اللبرالية تحكم بالقوانين الوضعية مع اعترافها أنها ليست من الشريعة وأنها كفر, وهؤلاء يحكمون بالقوانين الوضعية ويزعمون أنها من الشريعة وليست بكفر. فيصير الناس يعلمون أن اللبرالية والعلمانية كفر لأنها لا تحكم بشرع الله , بينما يظنون أن الحكم بالقوانين التي عند الإخوان ليست من الكفر .وهذا أعظم خطرا وأشنع وأسوء .
2- أن جماعة الإخوان قربت الرافضة وفتحت لإيران باباً على المسلمين وهذا ما أقلق أهل الإسلام بل وعقلاء العرب من غير المسلمين فلم تكن الرافضة تحلم بمصر وهاهم اليوم يتربعون في مصر وفلسطين على يد طواغيت الإخوان فهم بذلك أشد سوءً من العلمانية .
3- أن جماعة الإخوان لا تمانع أن يكون رئيس البلاد نصرانياً بل وضعوا نائبهم من النصارى وهذا ما لم يكن في العهود السابقة .
وبهذا يتبين أنهم هم الأسوأ من العلمانية والليبرالية وليس العكس.
ثالثاً : لو سلمنا جدلاً أنهم أحسن حالاً من غيرهم فإن هذا لا يجوّز الدخول معهم في الشرك, ولا مناصرتهم على باطلهم التشريعي .
ومثل هذا يقال على افتراضاتهم : لو فرضنا أننا نعيش في بلد كل من فيه يدينون بالقبورية والطواف بالقبور ودعاء الأموات . لكنهم على درجتين إحداهما غلاة تشرك في الربوبية والألوهية معاً فهي تعتقد في الأولياء أنهم ينفعون ويضرون ويعلمون الغيب كرامة من الله لهم , بينما الأخرى لا تقول بذلك فشركها في الألوهية دون الربوبية فهي لا تريد سوى الشفاعة من الأولياء .
عندها سيقول أرباب المصلحة الدعوية على قاعدتهم الفاسدة المصادمة لأصل الدين التوحيد والكفر بالطاغوت : نحن لا بد أن نطوف بقبر الطائفة الأقل كفراً ونشاركهم في كفرهم ظاهراً مع عدم رضانا به ولا إقرارنا له وإنما من باب الضرورة ولأجل أن ندعوهم للتوحيد تدريجياً وهم أخف ضررا وأقل شراً .
قوله : ( وليس من الحكمة عقلاً ولا شرعاً اعتزال الأمر ) .
تأمل وجه المناقضة لأصل الدين , فالله أمرنا بالكفر بحكم الطاغوت ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) ]النساء: 60 [وأمرنا باجتنابه ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ) ]الزمر: 17[ . واعتزاله : ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ) ]مريم : 48[
والشيخ البراك هداه الله جعل اعتزال تحكيم الطاغوت والتحاكم له خارجاً عن الحكمة .
ووالله إن الحكمة ليست إلا في اتباع الشرع لا في تسويغ الشرك وإدخال الناس فيه .
وهذا ديدن كل من يريد دعوة الناس لبدعة أو محرم . وهو يذكرنا بما قاله بعض المفتين في زماننا : ( ليس من الحكمة ترك المتاجرة بالأسهم وتركها للعلمانيين ) مع أنها تقوم في الحقيقة على الربا.
ولقد بصرنا ربنا بمثل هذه الحِكم المزعومة ودعاة المصلحة والإصلاح في قوله: ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) ]البقرة : 11-12[
قوله : ( بما يتيح الفرصة لأهل الباطل من الكفار والمنافقين من تحقيق مرادهم ) .
إن الذي يتيح الفرصة لأهل الباطل هو ما دعوت الناس إليه في فتواك , وإن أعظم ما يحقق مراد الكفار والمنافقين هو تحكيم الدستور والقوانين الوضعية , وهذا من أعظم غايات الكفار.
والذي يدفع شر هؤلاء لا أظنك تجهله فتأمله في قول المولى سبحانه ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) ]الحج : 40[. وليس الذي يدفع شرهم الانتخابات وانظر ماذا قدمت الانتخابات في بلاد المسلمين من تسلط الأعداء ثم تذكر أن الانتخابات لو فازت بالحكم بالشريعة فسيحول دونها الكفار وخذ مثلاً وعبرة بما جرى للمسلمين في الجزائر.
قوله : ( وأمرهم دائر بين الأجر والأجرين ) .
قلت بل هو دائر بين الدين والخروج عنه , وبين وقبول عذر المتأول والجاهل أوعدم قبوله .
قوله : ( تحكيم الشريعة مطلب كل مسلم ) .
قلت ولكن الذين افتيت لهم ليس تحكيم الشريعة مطلب لهم , بل مطلبهم الديمقراطية مع انتسابهم للإسلام .
يقول مرسي الشريعة مطبقة في الدستور من عام 23 .
ويقول مشعل : لن نحكم بالشريعة في غزة وإنما سنحكم بالقانون الفلسطيني .
ويقول وليد الطبطبائي رأس جماعة الإخوان في الكويت : ( يريدون قيام دولة إسلامية ونحن نريد دولة ديمقراطية ) .
فهل سمعت كلامهم هذا ياشيخ أم أنك دافعت عنهم وأجبت عمن طعن فيهم دون أن تكلف نفسك البحث عن حقيقة دعوتهم وما يبطنون **** **** ****فأين العدل والنظر في أطراف القضية وفقه الواقع .
قوله : ( مع اختلافهم في هذه النازلة ) .
قلت ليس كل اختلاف معتبر ولا كل نازلة الخلاف فيها وارد فقد تكون النازلة فعل كفري كالقوانين الوضعية والدمقراطية واللبرالية والعلمانية.
قوله : ( عليهم أن يجتهدوا في توحيد كلمتهم أمام العدو ) .
لو محضت نصيحتك لقلت: عليهم الرجوع للتوحيد والمطالبة الصريحة بالحكم بالشريعة ومناصرة الموحدين لا أن يخذلوهم ويصدوا الناس عن الحق .
ثم متى كانت دعوة الإخوان البراقة ( توحيد الكلمة ) منهجاً حقا ومتى كانت طريقتهم سبيلا متبعا أين موقع كلمة التوحيد في توحيدهم للكلمة, أما كان الواجب اتخاذ منهج رسولنا r في دعوة الناس للتوحيد مع علمه أنها ستفرق لكن بين الموحد والمشرك .
فالاجتماع الشرعي هو ما كان على كلمة التوحيد وهو حبل الله ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) ]آل عمران : 103[ , والاجتماع البدعي ما كان على الشرك , كما طالب به الإخوان ولهذا الأصل تقاربوا مع الرافضة, والدعوة للاجتماع وخوف تكالب الأعداء هو دعوة المشركين قبلهم ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) ]القصص 57[.
قوله : ( ولا أجد كبير فرق بين التصويت في انتخاب الرئيس والتصويت للدستور ) .
قلت : ما بني على باطل فهو باطل ومن قال أصلاً بجواز انتخاب الرئيس بطرق الانتخابات ودخول الرعاع ودعاة الإلحاد بل والنصارى وتنحية أهل الحل والعقد .
ثم هو قياس مع الفارق فانتخاب الرئيس طريقة مبتدعة لكنها ليست كفرية بذاتها , أما التصويت للدستور فردة ظاهرة وكفر بذاتها.
قوله : ( يعلم كل مسلم مدرك للواقع أن الرئيس المسلم المنتخب غير قادر على تحكيم الشريعة ) .
أولاً : إذا كنت يا شيخ مدركاً للواقع حقيقة فأين كلامك في إنكار هذا الرئيس المسلم ! لأمر معلوم من الدين بالضرورة ألا وهو حد السرقة وقوله أنه ليس من الشريعة ؟!
ثانيا : من أين لك أن هذا الرئيس المسلم ! غير قادر على تحكيم الشريعة ؟ ولماذا لم يكن الرئيس الأول هو الآخر غير قادر على تطبيق الشريعة ولا قادر على دفع المظالم ؟ فلماذا جوز هذا الرئيس المسلم الخروج عليه وهو غير قادر مثله ؟ أم أن هذا عاجز وذاك قادر؟ أم أنه الهوى . وعين الرضا عن كل عيب كليلة ***** وعين السخط تبدي المساوئ .
ثالثا : ثم ماذا سيكون حكمك يا شيخ في هذا الرئيس المسلم ! لو علمت أنه لن يحكم بالشريعة ؟
أما نحن فنعلم أنه لن يحكم بالشريعة وليس ذلك رجماً بالغيب ولا دخول في النيات وإنما هي أقوال خرجت من فم هذا الرئيس المسلم ! فهو الذي قال قريباً : مصر تحكم بالشريعة ! ولا أمانع أن يحكم مصر رجل نصراني ! وقطع يد السارق ليست من تطبيق الشريعة ! أوليس هذا الرئيس المسلم هو وحزبه الممتنع عن الشريعة هم من حارب الذين نادوا بالحكم بالشريعة وتحالفوا مع اللبرالية ؟ فما هي هذه الشريعة التي يريد تطبيقها هذا الرئيس المسلم لكنه عجز عنها وهو يقول أن الشريعة مطبقة بالفعل وحد السرقة ليس من الشريعة !.
قوله : (لما يعلم من تمكن رموز الفساد في البلاد ومن حال المجتمع الدولي الذي تدبره أمريكا) .
قلت هذه دوما شعارات الإخوان ؟ وما هو الفساد إن لم يكن الإخوان يدعمونه وهل هناك فسادا أعظم من تنحية الشريعة وعدم الحكم بها والذي تصرح به بلا حياء جماعة الإخوان ؟ .
مساكين والله ما قام الدين والشرع وموالاة المسلمين في قلب هؤلاء ولا قعد.
قوله : ( فالرئيس المصري المنتخب حفظه الله ووفقه ليس له في المجتمع الدولي من يناصره) .
أيجوز أن تدعو بالحفظ لشخص يقول قطع يد السارق ليس من الشريعة وأن الشريعة مطبقة فعلا في القانون المصري والدستور السابق ؟.
قوله : ( فناصروه على مقدوره من تحكيم الشريعة ) .
كيف يجوز مناصرة من هذه فعاله ظاهرة ؟ ومن صرح بعدم الحكم بالشريعة في الرخاء هل سيحكم بها في الضيق والشدة ؟!. وهل يصح أنه ليس في مقدوره الحكم بالشريعة ؟ ولو كان هذا الافتراض صحيحا ؟ أفكان مكرهاً حين قال قطع يد السارق ليس من الشريعة ومصر تحكم بالشريعة أصلاً !!
لكني أقول وأدين الله بما أقول لا تناصروه ثم لا تناصروه ثم لا تناصروه , ومن ناصره وهو يعلم بأقواله هذه فهو آثم شريك له في هذا الإفساد.
يا أهل مصر يا من حكمتكم الروافض أكثر من قرنين حتى هيئ الله لكم جهادهم فأخرجتموهم من أرضكم وكتب الله بأيديكم عزاً للإسلام والمسلمين . أتريدون أن ترجع لكم الرافضة وحاشاكم ؟ وإن كنتم تريدون أن تقوم الرافضة في بلادكم المسلمة فناصروا الإخوان وسيكون ذلك قريبا وترون رايات الروافض بعقر داركم .
قوله : ( أمروا هذا الدستور ) .
قلت : سبحان الله ما أوسع حلم الله ! تمرير الدستور كفر أكبر كما سيأتي تقرير ذلك , وقوله مخالف لمقاصد الشريعة في صد الناس عن وسائل الشرك والكفر ومجانبته واعتزاله .
ثم يقال قد هيئوك لأمر لو فطنت له ****فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
والله إن الإخوان لا يريدون من البراك ولا من غيره إلا ترقيع كفرهم وتمرير شركهم ودستورهم الطاغوتي فإذا انتهوا إلى كفرهم وحصلوا مرادهم رموا البراك كما رموا غيره ومن هو أعظم قدرا منه عندهم, وهذا سيد قطب لما خالفهم في تحكيم الشريعة وجاهد المشرعين نابذوه ولم يعد له ذكر عندهم .
قوله : ( لا يقدر الرئيس أن يصنع أفضل منه ) .
هذا زعم مفترى سبق رده وهو مبلغهم من العلم وظن كاذب مرده إرادة الدنيا والتولي والإعراض عن الدين .
( فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم ) .
قوله : ( ترك التصويت للدستور مما يسر العدو في الداخل والخارج ) .
أولاً : دائما يقوم منهج الإخوان على العواطف واستدراج السذاج, وتخييلهم للجهال أن من يخالفهم عدو للمسلمين وتهويلهم أنهم عليهم ضغط وأنهم إخوان لنا وأنهم مستضعفون وضعاف وغيرها من شعارات الإخوانية التي مل الناس من سماعها .
ثانياً : أشهد بالله أننا نحن أهل الإسلام أعداء لجماعة الإخوان وهذا من فضل الله علينا كما أمرنا الله تعالى من اتباع ملة إبراهيم في عداوة الطواغيت والبراءة منهم . وإننا نقول جميعاً بكل عزة كفرنا بدستوركم وشرككم وتشريعاتكم الكفرية وقدوتنا في ذلك إمام الموحدين فاعلموا :
( إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) ]الممتحنة: 4[.
قوله : ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) .
قلت: ومما لفت نظري أني لم أر في فتوى البراك سوى هذا الدليل وقد جاء عرَضاً , وهو مع هذا استدلال في غير محله , فهل الإصلاح يكون على حساب ترك الكفر بالطاغوت وعلى سبيل الركون إلى الذين ظلموا أو الوقوع في الشرك بالله ****.
قوله : ( ومعلوم أن أحداً منكم لا يقر ما في الدستور مما يناقض الشريعة ولا يرضاه ) .
قلت : هذا جمع بين الضدين وهو فعل للشيء مع دعوى إنكاره في آن واحد , فالتصويت للدستور إقرار له ورضا به كما سيأتي.
ثم إن قولك (ما في الدستور مما يناقض الشريعة) تهوين لشناعة هذا الدستور الكفري الخبيث وكأن الأمر في أصله مشروع وليس بكفر من أساسه وهذا تلبيس للحق بالباطل فاتقوا الله ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) ]البقرة: 42 [.
قوله : ( ولكن يمره ضرورة لدفع ما هو أسوأ منه ) .
قلت : تقدم دفع هذه الشبهة وسيأتي مزيد رد لها .
قوله : ( ولو خير واحد منكم أن يحكم البلاد شيوعياً أو نصرانياً فالشرع والعقل يقضي باختيار أخفهما شراً ) .
هذا لو تصور وقوعه فهو خارج عن موطن النزاع فالكلام في إقرار الدستور والرضا بالتحاكم للطاغوت وعدم الكفر به .
قوله : ( ما يعجز عنه المكلف من الواجبات في حكم ما ليس بواجب ) .
قلت : لو قلت من عجز عن إظهار الكفر بالطاغوت لكان غير مؤاخذ لصحت الدعوى ****.
أما أنت فتجعل الدخول في مجالس الكفر التي يكفر فيها بالله ويستهزء بآيته جائز وإذا دخلها العاجز وأقرهم على كفرهم كان معذوراً فهيهات .
وهناك فرق بين السكوت عن الحق والتكلم بالباطل .
والعجز والإكراه منه الحقيقي المعتبر شرعاً ومنه ما هو دعوى كاذبة لتمرير الكفر وكل مرتد يدعيه .
ثم يقال هذا العجز إلى متى سيكون ولمن سيكون .
قوله : ( والمسلمون معكم بقلوبهم وجهودهم ) .
قلت : صارت موالاة أكثر الناس في هذا الزمان للدنيا والمصالح . وأهل التوحيد مع أهل الحق والسنة وليسوا مع المبتدعة والمضللين والمشرعين للقوانين الوثنية .
قوله : ( وإذا قدر أن يبقى الاختلاف ) .
قلت الخلاف بين الحق والباطل باقٍ إلى قيام الساعة وخلافنا مع هؤلاء مستمر ما بقي هؤلاء الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله والممتنعين عن الشريعة .
قوله : ( فيجب الحذر من تثبيط الناس من التصويت له ) .
سبحان الله كيف صار التوحيد منكرا والشرك واجبا. ألا فليعلم الجميع أن الواجب ليس مصدره ما قرره البراك بل ما قرره الله تعالى لنا وأمرنا به في قوله ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) ]النساء : 60 [ .
فالله جل وعلا أوجب علينا الكفر بحكم الطاغوت بينما البراك هداه الله يأمر بالتصويت للطاغوت فقارن هديت للحق .
قوله : ( ومن البغي بالتكفير ) .
التكفير إن كان للمسلمين فنعم هذا محرم ومن البغي وهو منهج الخوارج قطع الله دابرهم.
وإن كان لمن كفره الله ورسوله كمن تحاكم للطاغوت وحكم بغير ما أنزل الله وشرع فهذا من التوحيد الواجب وليس من البغي وترك التكفير الواجب مناقض للتوحيد وهو من منهج المرجئة قطع الله دابرها.
قوله : ( أملاه: عبد الرحمن البراك ) .
ياشيخ إن الرجوع للحق خير من التمادي في الباطل وأنتم من أولى الناس بامتثال ذلك لما علمناه منكم ولا يستخفنك الذين لا يوقنون وتذكر وقوفك بين يدي الله تعالى وحينها لن ينفعك من افتيت له , بينما سيضرك تبعية من أقحمته في الشرك إقرارا وفعلا . فتنبه ثم احذر . والسلام .
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
الفصل الثاني : حقيقة جماعة الإخوان
****
أسس هذه الفرقة حسن البنا وقد تأثر بالأفغاني ومحمد عبده . وهو قبوري صوفي ( أجاز أن يقال يارسول الله أغثني ) كما في صحيفة الإخوان في عدد 1352 ويرى التقريب مع الرافضة وهذا ديدن الصوفية لأن القبورية تجمعهما . كما أنه يدعو للديمقراطية. وله أقوال مخالفة كثيرة .
وحزب الإخوان يريدون جمع الكلمة تحت شعار جماعتهم الخبيثة على حساب كلمة التوحيد والانقياد لله U والعمل بشريعته والولاء والبراء في الدين , ونراهم يأنفون من الانقياد للشريعة والتحاكم لها والدعوة للتوحيد.
ولتعلم ما يوجد عند هذه الطائفة من الشرك الأكبر تعال وانظر إلى أتباعها:
فهذه حماس توالي الروافض وترفع شعار الوطنية الفلسطينية وتطمس الهوية الإسلامية وتصرح بعدم الحكم بالشريعة .ولم نتهمها بما لم تقله .
فهذا أحمد يوسف أحد قادتهم في كتابه ( الإخوان المسلمون والثورة الإسلامية الإيرانية في فكر الإمامين البنا والخميني ) يقول : ( الشيعة عز هذا الزمان , وما العيب أن تكون شيعياً ) .
ومشعل يصرح في لقاء معه بأن حكومته لن تحكم بالشريعة .
ويقول الطبطبائي رأس جماعة الإخوان في الكويت : ( يريدون قيام دولة إسلامية ونحن نريد دولة دمقراطية ) .
ومرسي الآخر يقول : ( ليس هناك خلاف بين العقيدة الإسلامية والمسيحية فهما سواء وإنما الخلاف ديناميكي ) وقال : (قطع يد السارق هذه ما هي الشريعة ).
قال إسحاق بن راهوية : ( أجمع العلماء أن على من دفع شيئا أنزله الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر ) التمهيد لابن عبدالبر 4/226.
وحركة النهضة الإخوانية وزعيمها الغنوشي يدعو إلى الحرية السياسية والأخوة الوطنية ونبذ التفريق العقدي والولاء والبراء في الدين . كما في كتابه الحريات في الإسلام .
وفي فتاوى اللجنة: ( إن من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن، وجعل أحكامهم واحدة فهو كافر)1/145.
وأوردت هذا عنهم حتى يتبين لأهل الشريعة حقيقة شعاراتهم الزائفة ودعاواهم الكاذبة في مظاهراتهم الفاشلة وليُعلم أن إلههم هو طاغوت المصلحة .
ومع هؤلاء أقوام يظهرون السلفية ويدّعون التوحيد ويزعمون الغيرة للدين, وهم من أخبث الفرق المحاربة له. ويطالبون دوما بالسكوت عن شرك الإخوان والوقف في وجه من يريد التوحيد .
فيقولون ليس هذا وقت بيان التوحيد لا بد من جمع الكلمة حتى مع الرافضة وغيرهم دون النظر لكلمة التوحيد, وليس هذا وقت المطالبة بالشريعة ولا بد أن يكون الحكم بها تدرجا ولو بعد مائة سنة المهم أننا نصل نحن الإسلاميون للحكم . أقول ثم ماذا ! وهل حكم الناس مقصود بذاته أو لإقامة الدين وتطبيق الشريعة على الكبير والصغير .
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
الفصل الثالث : بيان ردة من ترك الحكم بالشريعة
****
أدلة وجوب الحكم بالشريعة وكفر تاركها : قال تعالى في بيان هذا الأصل :
( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) ]النساء 65[.
( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة ) ]الأحزاب 36[.
( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ) ]النور 51[.
( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ]المائدة 44[.
( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) ]الشورى 21[
( ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) ]آل عمران 64[.
( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) ]التوبة 31[.
( وإن الشياطين ليوحون إلى أولياءهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) ]الأنعام 121[.
( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) ]النساء 60[.
( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) ]المائدة 50[.
( إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ) ]يوسف 40[.
( ولا يشرك في حكمه أحدا ً ) ]الكهف 26[.
( أفغير الله أبتغي حكما ) ]الأنعام 114[.
****
****
أقوال العلماء في ردة من ترك الحكم بالشرع :
قال ابن حزم في الإحكام: ( من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام ) .
قال القاضي عياض : ( فلو طرأ على الخليفة كفر وتغيير للشرع خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل, فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام وخلع الكافر ) شرح النووي على مسلم 12/229 .
وقال الداودي عن خطباء الجمع المنتسبين لأهل السنة في الدولة الفاطمية : ( خطيبهم الذي يخطب لهم ويدعو لهم يوم الجمعة كافر يقتل ولا يستتاب وتحرم عليه زوجته وأحكامه كلها أحكام الكفر ومن صلى خلفه خوفا أعاد ثم لا يقيم إذ أمكنه الخروج من بلدهم ولا عذر له بكثرة عيال وغيره ) . ونقل عنه ابن التين بوجوب الخروج على الحاكم إذا بدل الشريعة وكفر كما في فتح ابن حجر .
وقال عنهم أبو شامة: " قال الإمام أبو القاسم الشاسي لو وفق ملوك الإسلام لصرفوا أعنة الخيل إلى مصر لغزو الباطنية الملاعين فإنهم من شر أعداء الإسلام وقد خرج من حد المنافقين إلى حد المجاهرين لما ظهر في ممالك الإسلام من كفرها وفسادها وتعين على الكافة فرض جهادها وضرر هؤلاء أشد على الإسلام وأهله من ضرر الكفار إذ لم يقم بجهادها أحد إلى هذه الغاية..) مختصر الروضتين 158.
قال ابن خويز منداد: ( ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحلالا لكانوا مرتدين والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة ) تفسير القرطبي 3/364 .
قال الجويني : ( من يتخذ سنن الأكاسرة والملوك المنقرضين عمدة الدين ومن تشبث بهذا فقد انسل من ربقة الدين ) الغياث 221.
قال الجصاص في أحكام القرآن: ( وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئا من أوامر الله تعالى وأوامر رسوله e فهو خارج من الإسلام سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم, وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم ) 3/181.
ويقول الإمام ابن كثير في تاريخه: ( فمن ترك الشرع المحكم المنزل وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ( أي على شرع الله ) من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين) البداية والنهاية 13/119.
قال الشيخ أحمد شاكر معلقاً على كلام ابن كثير في التتار: ( أفرأيت هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير لذلك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكيزخان ألستم ترون أنه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر...) . عمدة التفسير 4/173.
ويقول : ( إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا عذر لأحد ممن ينسب إلى الإسلام كائنا من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها , ألا فليحذر امرؤ نفسه وكل حسيب نفسه, ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين وليبلغوا ما أمروا بتبليغه) .
قال ابن تيمية: ( فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه ولا يخرج عنه إلا كافر ) مجموع الفتاوى 11/262 .
وقال : ( كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يلتزموا شرائع الله وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء ) الفتاوى 28/502 .
وقال عن الدولة العبيدية الفاطمية وحكامها : ****( فإن القاهرة بقي ولاة أمورها نحو مائتي سنة على غير شريعة الإسلام .. واتفق طوائف المسلمين علماؤهم وملوكهم وعامتهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أنهم خارجين عن شريعة الإسلام وأن قتالهم كان جائزا ) . الفتاوى 28/635.
وقال : ( ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا ) الفتاوى 35/372.
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة ****: ( أن من التزم ماجاءت به التوراة والإنجيل ولم يتبع القرآن فإنه كافر ) . فانظر كيف جعل الملتزم بما جاءت به التوراة ولم يتبع حكم الله كافر فكيف بمن التزم القوانين الوضعية التي صدرت من زبالات أفكار الغرب المشركين الذين خرجوا عن دينهم وشرعوا شرائع شتى باطلة .
وقال سليمان بن سحمان : ( التحاكم إلى الطاغوت كفر وذكر الله في كتابه أن الفتنة أكبر من القتل والفتنة هي الكفر والشرك, فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الإسلام التي بعث الله بها رسوله e ) الدرر5/510. ****
وقال شيخنا حمود التويجري : ( ومن أعظم المكفرات شرا وأسوأها ما ابتلي به كثيرون من اطّراح الأحكام الشرعية والاعتياض عنها بحكم الطاغوت من القوانين والأنظمة الافرنجية ... وآل الأمر بكثير منهم إلى الردة والخروج من دين الإسلام بالكلية ) الإيضاح والتبيين 28 .
وقال الشنقيطي في أضواء البيان : ( والعجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام).
وقال: ( وبهذه النصوص التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله على ألسنة رسله, إنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم ) أضواءالبيان4 /83 . 7/162-584-614 . تأمل كيف اعتبر مجرد إتباع القوانين الوضعية كفر وشرك مخرج لصاحبه من الملة فكيف بواضعها !. وقد أشبع تفسيره كلاماً في الحكم وكفر الحاكم بغير ما أنزل الله .
وقال محمد بن إبراهيم: ( البلد الذي يحكم بالقانون ليس دار إسلام وتجب الهجرة منه عند القدرة ) الفتاوى 6/188.
وقال شيخنا عبدالعزيز بن باز في وجوب تحكيم شرع الله: ( فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه فهو العابد لله ومن خضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه فقد عبد الطاغوت وانقاد له ) ****.
يقول ابن باز في رسالته نقد القومية : ( وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة ) .
وقال ابن عثيمين في القول المفيد في باب شرك الطاعة : ( أما بالنسبة لمن وضع قوانينا تشريعية مع علمه بحكم الله وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين فهو كافر ) .
وقال الشيخ عبدالله بن حميد: ( من أصدر تشريعاً عاما ملزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهو كافر خارج من الملة..). رسالته أهمية الجهاد.
****
مسألة : صفات من يستحق الحكم وسن الدين والتشريع للحلال والحرام :
لا خلاف بين المسلمين قاطبة أن الحكم والتشريع والتحليل والتحريم والأمر ****والنهي وسن الدين خاص بالله تعالى لا يشاركه فيه أحد, وأن الله تعالى هو وحده الذي يحكم عباده فيأمرهم وينهاهم وعلى العباد أن يطيعوه وينقادوا لشرعه, ويثابوا بهذه الطاعة ويعاقبوا بمعصيته, فالحكم خاص بالله عز وجل ولا يجوز إلا له بإجماع الأمة , ومن خالف هذا الإجماع من المسلمين فقد كفر, ومن زعم أن لغير الله U حق الحكم والتشريع والتحليل والتحريم والأمر فقد كفر إجماعاً, وهذا المبدأ يجب أن يعلمه كل مسلم ويعتقده ولن يدخل الجنة أحد إلا بعد إيمانه بهذا الأصل .
وحتى يقطع الله الحجة على المشركين ذكر سبحانه العلة التي استوجب لأجلها اختصاصه وتفرده بهذا الأمر وبين سبحانه في مواضع كثيرة من كتابه صفات من يستحق أن يشرّع ويسن الدين ويحلل ويحرم ويأمر وينهى ويحكم ويقضي وأنها لا يمكن أن توجد إلا في الخالق وحده الذي خلق فسوى وقدر فهدى والذي يعلم وحده بما يصلح لخلقه وعبيده وما ينفعهم وما يضرهم وما يحصل الخير لهم وما يدفع الشر عنهم وأن هذه الصفات العظيمة لا يوجد منها شيء في المخلوقين ألبته فهي من خصائص الرب تبارك وتعالى التي لا يشاركه فيها أحد ( ألا له الخلق والأمر ). فمن له الخلق والأمر والشرع استحق أن يأمر وينهي ويحكم.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان: ( اعلم أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة صفات من يستحق أن يكون الحكم له فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة التي سنوضحها الآن ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية فينظر هل تنطبق عليه صفات من له التشريع سبحان الله وتعالى عن ذلك فإذا كانت تنطبق عليهم ولتكون فليتبع تشريعهم وإن ظهر يقيناً أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك فليقف بهم عند حدهم ولا يجاوز بهم إلى مقام الربوبية سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته أو حكمه أو ملكه . فمن استحق الربوبية استحق الألوهية والربوبية مستلزمة للألوهية ). وقال : ( فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور ويتوكل عليه ...).
****
مسألة : حالات ومناطات وأقسام الذين يكفرون بالحكم بغير ما أنزل الله :
الأول : الجاحد المستحل . وهذا مرتكب كفر التكذيب والجحود .
وهذا هو الجانب الاعتقادي في كفر الحكم بغير ما أنزل الله, فالكفر فيه كفر اعتقادي, ويدخل تحت هذه الحالة والقسم أكثر من عشرين صورة, منها : الجاحد, والمجوز والمستحل, المفضل حكم غير الله أو الممثل والمساوي له بحكم غيره, الشاك في حكم الله في فضله أو في وجوبه, المستخف بحكم الله, المبغض الكاره لحكم الله, من يسب حكم الله ويلمزه ويقدح فيه ويعترض عليه , المحارب لحكم الله ومن يصد عنه, المعترف بحكم الطاغوت المؤمن به, والمصحح لحكم الطاغوت أو المتوقف في تكفيره, المحب لحكم الطاغوت , الراضي به, والمادح له والفرح به والداعي إليه والمدافع عنه , والمذعن المستسلم الملتزم به, والرافض والمعرض والممتنع عن حكم الشريعة. وهؤلاء كلهم كفار بالإجماع.
الثاني : المشرع والمبدع والجالب للقوانين والملزم بها والمحلل والمحرم بغير سلطان من الله ومن ينحي الشريعة وحكم الله أو بعض شرعه وحكمه ويستبدله بشرائع وقوانين أخرى مضاهية لحكم الله , وهذا مرتكب لشرك التشريع والحكم . وهذا كافر بالإجماع . وقد انبرى العلماء لجهاد هذا الكفر والشرك من حين حصوله وكفروا أصحابه ومن أبرزهم :أحمد شاكر ومحمد بن إبراهيم والشنقيطي وابن حميد وابن باز.
تنبيه : خلاف المرجئة الشنيع في عدم اعتبارهم التشريع ناقضاً , فخالفت المرجئة الإجماع ومذهب أهل السنة وأقوال العلماء حيث اشترطوا فيه الاستحلال, وظنوا أنه مثل الحكم قي القضية العينة مستدلين جهلاً بقول ابن عباس كما سيأتي وعارضوا كتاب الله في كفر من حكم وشرع في دين الله وحلل وحرم .
الثالث : الحاكم بغير ما أنزل الله والممتنع المعرض عن الشريعة الملتزم حكم الطاغوت وهذا ارتكب ما يسمى بشرك الحكم . وهو من يقوم بشرك الحكم فيباشر الحكم بغير ما أنزل الله كمن يحكم بالقوانين المصادمة للشريعة , معرضاً عن حكم الله عز وجل متولياً عنه وتركاً له وراداً لحكم الله تعالى منقاداً ملتزما بحكم غيره .
الرابع : المطيع للمشرعين الحاكمين والمتحاكم للطاغوت برضاه واختياره معرضا وممتنعاً عن التحاكم للشريعة مع وجود من يحكم بها. وهو كافر ولو لم يستحل فعله . وارتكب صاحبه ما يسمى بشرك الطاعة والإتباع والتحاكم .
فعندنا أربع مناطات مكفرة الجحود وشرك التشريع وشرك الحكم وشرك الطاعة والتحاكم, الأول كفره اعتقادي والبقية كفرهم عملي وكل الأقسام الأربعة كفر مخرج من الملة إلا في حالة واحدة .
ضابط الحكم الذي لا يخرج من الملة وصفة الحاكم به :
من يحكم متعمدا بغير ما أنزل الله في قضية معينة ، وواقعة عينية لشخص معين وحادثة مفردة بداعي الشبهة أو الشهوة أو الهوى أو الظلم, وليس ديدنه ذلك فليس ملتزما الحكم بغير ما أنزل الله وإنما هي حالات فردية وقضايا معينة . كأن يحكم على قريب له سرق بغير حد السرقة.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم : ( وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها , أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ) الفتاوى12/280 .
وقال في رسالته تحكيم القوانين : ( القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله وهو الذي لا يخرج من الملة - والذي قال فيه ابن عباس كفر دون كفر- وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى ) .
قال المحدث أحمد شاكر معلقاً على كلام ابن عباس: ( وهذه الآثار عن ابن عباس - كفر دون كفر - مما يلعب به المضلون في عصرنا هذا من المنتسبين للعلم ومن غيرهم من الجراءة على الله حيث يجعلونها عذراً في إباحة القوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت بلاد المسلمين).
قال ابن تيمية : ( وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص وأما إذا حكم حكماً عاماً في دين المسلمين ..) 35/388.
وقال : (ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر ... وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة ولا يحكمون في الأمور الكلية ) منهاج السنة 5/130 .
****
مسألة : أوجه كون الحكم والتحاكم لغير شرع الله شركاً أكبر وكفر مخرج من الإسلام :
الحكم بما أنزل الله له علاقة بمسائل الدين وحقائقه الظاهرة والباطنة فإذا زال الحكم بما أنزل الله وتركه الإنسان ونقضه فقد نقض هذه الأمور, فالحكم بغير ما أنزل الله موقع في الشرك وناقض لشهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله وناقض للتوحيد بأنواعه وناقض لحقيقة الإسلام والإيمان وأركانه . وبيان ذلك :
أن من الأشياء التي نثبتها لله الحكم كما أثبته لنفسه, وهو من الأمور الداخلة في معاني الربوبية والألوهية, فمن حكم بغير ما أنزل الله فقد أشرك في الربوبية ومن تحاكم إلى هذا الطاغوت فقد أشرك في الألوهية, والحكم يجب أن ننفيه عن غير الله, ومن حكم بغير ما أنزل الله أو تحاكم إلى حكم الطاغوت وأثبت الحكم لغير الله فإنه لا يعد كافرا بالطاغوت بل مؤمن بالطاغوت .
فالحكم من صفات الله وأفعاله التي تفرد الله بها ( ولا يشرك في حكمه أحدا ً ) ]الكهف 26[. ( ألا له الحكم ) ]الأنعام : 62[ ( ألا له الخلق والأمر ) ]الأعراف : 54[ ( أفغير الله أبتغي حكما ) ]الأنعام 114[.. والحكم عبادة يجب فيه التوحيد ( إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ) ]يوسف 40[. يعني لا تتحاكموا إلا إليه ومن تحاكم إلى غيره فقد عبده .
وتأمل قوله U: ( أفغير الله أبتغي حكماً ) ]الأنعام: 121[. فإذا كانت طاعة المشركين المشرعين الحاكمين بغير ما أنزل الله شرك فكيف بحال الحاكم أو المشرع ؟.
وقوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) ]النساء 60[. فإذا كفَّر الله U المتحاكم لغير الشرع فكيف بالحاكم نفسه ؟ إنه يستحق أن يسمى طاغوتاً لأنه تجاوز الحد وقد سماه الله طاغوتاً بنص القرآن .كما سمى U الذي يحكم بغير ما أنزل الله ربا لأنه جوز لنفسه التشريع ومشاركة الله في أفعال ربوبيته وأخص أوصافه : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) ]التوبة : 31 [.
والحاكم المشرع متطاول على ربوبية الله عز وجل لأن الحكم لا يكون إلا للرب عز وجل فلا يأمر إلا من يخلق فمن له الخلق والتدبير له الأمر والحكم والطاعة . والله تعالى يقول : ( ولا يشرك في حكمه أحدا ً ) ]الكهف 26[. ( ألا له الحكم ) ]الأنعام : 62 [ ( ألا له الخلق والأمر ) ]الأعراف : 54 [. وهذا الحاكم المشرك المشبه يقول بل ليس له الحكم وحده وإنما له ولغيره وليس له الأمر وحده بل لنا مثل ما له. ومن هذا الباب إنكار الرسول r على حكيم بن حزام t حين كان يسميه قومه أبا الحكم فقال :" إن الله هو الحكم " وغير كنيته لما رأى في صفته اقتضاء المماثلة لله عز وجل, مع أنه لا يحكم إلا بما أنزل الله فكيف بالذي يقع في الاسم والمسمى يسمى بالحاكم ويحكم بغير ما أنزل الله ويشرع ؟ ولذلك أرباب القوانين يسمون محاكمهم وبرلماناتهم بالسلطة التشريعية ومن هذا الباب يضاهون بها سلطان الله وينازعونه اختصاصه بالأمر .
وترك حكم الله من أعظم صفات المنافقين : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ً ) ]النساء 61[.
وتنحية الشريعة وعدم تحكيمها فيه قدح في الله وفي رسله ودينه وشريعته وكتبه, فمن حكم بغير ما أنزل الله فقد وقع في سب الله والرسول r والقدح فيهم والاستهزاء بهم والإعراض عن شرعهم وعدم الإيمان به . إذ أن في فعله لمز للشارع ولشرعه وسب للفعل وللمفعول والفاعل فقد سب فعل الله تعالى ( وهو التشريع والحكم ) وسب الحاكم ( وهو الله عز وجل ) وسب حكمه ( وهو شرعه , وسب القرآن كلام الله عز وجل وشرع الله عز وجل المنزل بشريعة الله تعالى ) وسب الذي أرسله بها ( وهو محمد r ) (والصحابة الذين نقلوها وتقبلوها ) فهو واقع في لمز الله عز وجل ونسبة النقائص إليه فمن حكم بغير ما أنزل الله أو شرع فقد جعل لنفسه الكمال ولغيره النقص إذ لو أن في غير أمره أو حكمه كمال لأخذ بحكم غيره ولكن رأى أن حكمه أفضل من حكم غيره ولذلك الحاكم بغير ما أنزل الله ساب لله عز وجل محتقر ومستخف بأمره هازل بشريعته مبغض لها .
ومن لم يحكم بما أنزل الله لا يعد مسلماً ولا مؤمنا والدليل على ذلك قوله تعالى : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ) ]النور 51[ , أي لا يقبل لهم قول ولا عمل إلا أن يقولوا سمعنا وأطعنا وانقدنا وتابعنا الرسول e وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) ]النساء 65[. ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة ) ]الأحزاب 36[.
****
مسألة : لو أن شخص حكم بما أنزل الله ولكن لم يكفر بحكم ما سواه :
فهذا لا يعتبر من أهل التوحيد ولا آمن بالله وحده بل هو مشرك مؤمن بالطاغوت كافر بالله. لأنه U أمرنا بالكفر بحكم الطاغوت وتكفير تاركه وأنه مجرد زاعم للإيمان في قوله : ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) .
ولا يمكن أن يجتمع في قلب المؤمن الموحد إيمان بحكم الله تعالى مع عدم الكفر بحكم ما سواه أو قال : لا أتعرض لأحكام القوانين الوضعية ولا أكفر بها ولا أكفر بأصحابها لا يمكن أن يكون هذا في قلب مؤمن فلا يقبل الله عز وجل من مؤمن إيماناً بحكم الرسول e حتى يكفر بحكم الطاغوت الجاهلي كما أمرنا الله U في خطابه لعباده : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) ]النساء 60[. فلا قسم غير ذلك , إما حكم الله يجب الإذعان له , أو حكم الطاغوت الجاهلي ويجب الكفر به واجتنابه .
****
مسألة: الجهل بالتوحيد في العبادة والحكم لا يعذر صاحبه:
كثير ممن يدعى أنه مسلم ويقول لا إله إلا الله هو جاهلا بها, فيقول : لا أعلم أن الحكم أمرنا الله به فهو لا يعلم أن من معنى لا إله إلا الله أن لا يحكم إلا بما أنزل الله وأن الحكم من العبادة التي لا تصرف إلا لله وهذا لا ينفعه قوله للا إله إلا الله مع جهله بمعناها .
قال سليمان في التيسير: (النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا عمل بمقتضاها، فإن ذلك غير نافع بالإجماع . فتباً لمن كان أبو جهل وغيره أعلم منه بـلا إله إلاَّ الله ) .
فكما أنه لا يدعى إلا الله ولا يسجد إلا له فكذلك لا يحكم المسلم إلا بما أنزل الله ولا يتحاكم إلا إلى شرع الله ، ويؤمن بأنه لا حاكم إلا الله.
قال محمد بن إبراهيم: ( وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخ لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه فكما لا يسجد الخلق إلا لله ولا يعبدون إلا إياه ولا يعبدون المخلوق فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد الرؤوف الرحيم دون حكم المخلوق الظلوم الجهول ) .
****
مسألة: تحكيم الشريعة واجب على الفور :
الحكم بالشريعة ركن في التوحيد والبراءة من الحكم بغيرها من ديمقراطية وأحكام بشرية وقوانين وضعية والكفر بها كلها ركن الدين الأعظم وهو من حقيقة الكفر بالطاغوت الذي يجب أن يكون ملازماً للمسلم حتى يموت ولابد أن يكون مقصوداً, ونبذها وتركها ردة بمجرد فعلها كما قررناه بالأدلة والنقولات من كلام أهل العلم وبينا أوجه الكفر في ذلك.
ومع هذا كله إلا أننا نرى في هذه الأيام من ينتسبون للإسلام ويتسمون بالحركات الإسلامية وهم يصرحون بما يناقض الإسلام من أصله وذلك بأنهم سيحكمون بالديمقراطية ولن يحكموا بالشريعة وأنهم سيحكمون بقانون بلادهم كما هو الحال في حماس ومصر والبلاد التي قامت بها المظاهرات, ويتعللون بأنهم لا يستطيعون الحكم بالشريعة, أو أنهم سيحكمون بها بالتدريج كأن الوحي يتنزل عليهم, وليعلم هؤلاء ومن يبرر لهم أن مجرد ترك الحكم بالشريعة ردة صريحة لا شك فيها , وأن ما ابتدعوه من الأعذار لا تبرر لهم هذا الشرك الأكبر.
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
****
الفصل الرابع: حكم التصويت على الدستور وبعض مخازيه وكشف شبهات المخالفين
****
المسألة الأولى: تعريف الدستور وسيادته :
الدستور هو الحكم الأساسي للدولة المتعلق بالرئيس وحكومته ونظام حكمه . وهو يعتبر أعلى درجات القوانين مكانة لأنه متعلق بأصل الأحكام وطريقتها ونظامها وصفة قانونها وطريقة الحكم والسياسة في البلد والدولة عند القانونين.
أما السيادة فهي الجهة الآمرة للدولة والسلطة العليا التي لا سلطة فوقها ولا ترضخ لأمر أحد والتي لها حق التشريع والأمر والنهي .
فهي قد تكون خاصة للمعين كرئيس البلد وقد يشترك فيها معه أعضاء مجلس التشريعي أو البرلمان أو مجلس الشعب أو مجلس الأمة ونحوهم.
وهذا من أعظم الكفر والشرك لأن السيادة من خصائص الله وهي من حقوق الله عز وجل فالسيد هو الله عز وجل, فهو رب الخلق وهو آمرهم وهو سيدهم وحده لا شريك له, فلا أمر فوق أمره ولا شرع أعظم من شرعه ولا حكم أوجب للاتباع من حكمه ومن وضع حكمه فوق حكم الله فهذا أشنع كفراً وأشد شركاً ونفاقاً وأغلظ ردة والعياذ بالله .
قال عبدالعزيز بن باز: ( وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة ) نقد القومية ****.
المسألة الثانية : الديمقراطية تعني حكم الشعب بالشعب .
والديمقراطية تعتبر دينا باطلاً ومن دان بها أو رضي بها فهو كافر خارج عن الملة .
والديمقراطية أخذت النصيب الأوفر في شرك الحكم والتشريع. وهي دين شركي لا يمت لدين الإسلام بصلة ومن ابتغاها أو دعا لها فقد دعا لغير الإسلام ويعد كافرا بإجماع المسلمين . قال تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ) ]آل عمران: 85[
ومن الدعوات الفاسدة المتعلقة بهذا الشرك ****:
الدعوة لأسلمة القوانين : وهي المطالبة بإبقاء القوانين مع تغيير ما يخالف الإسلام منها لتوافق أحكام الشريعة . وهي دعوة شنيعة وفيها الاعتراف بأصل القوانين وتجويز التشريع الشركي .
والدعوة لتقنين الشريعة : وهي المطالبة بأن تصاغ أحكام الشريعة على شكل مواد وتكون مثل هيئة القوانين .
****
المسألة الثالثة : لا يمكن اجتماع الإسلام والشريعة مع الديمقراطية والقوانين الوضعية:
لأن الحكم بالشريعة من صميم التوحيد والديمقراطية وتشريع القانون أو الحكم به من الشرك ولا يجتمع التوحيد والشرك ولا يتلاقيان أبداً بل يتعارضان, كما أنه لا يمكن الإيمان بهما جميعاً فالقانون طاغوت يجب الكفر به ولا إيمان لمن لا يكفر به عند المسلم, ولا يعتبر المسلم قابلا للشرع حتى يرفض غيره, ومن ادعى أنه يقبل غير الشرع من القوانين ، فإنه يعد بذلك غير مؤمن بالشريعة ولا قابلا لها فقبوله لدين الله وإيمانه به يستلزم رفضه لما سواها وكفره بالقوانين .
عليه فالقانون لا يجتمع مع الشريعة لا في الحكم والتحاكم ولا في الإيمان بهما فلا يعتبر من حكم بالقانون أنه حاكم بالشريعة ولا يعتبر أنه مؤمن بالله من لم يكفر بالقانون وأهله .
أيضا المشرع في دين المسلمين هو الله وحده (ولا يشرك في حكمه أحدا ) , أما المشرع في الديمقراطية والقوانين فهو مخلوق طاغوت مشرك.
أيضاً الله تعالى أمر رسوله بالأخذ بشريعته وعدم اتباع غيرها من أهواء الخلق ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) ]الجاثية : 18[, والديمقراطية ليست من الشريعة وإنما هي من أهواء الذين لا يعلمون .
****
المسألة الرابعة: البرلمانات والمجالس التشريعية :
من أعظم محاضن شرك التشريع والقوانين الوضعية ما يسمى بالمجالس التشريعية المتمثلة في البرلمان ومجالس النيابة ومجلس الأمة ومجلس الشعب ونحوها . وهذه المجالس لا يجوز دخولها حتى ولو كان قصد الداخل فيها الإصلاح وظن وجود المصلحة فيها فإنما عمله عين الكفر والإفساد, وقد ضل من جوز الدخول في هذه البرلمانات بقصد تغيير الأحكام المخالفة للشريعة ولم يفقه علة المسألة ومناط الكفر فيها.
لأن أصل الحكم فيها قائم على التشريع والوسيلة التي يراد الوصول بها إلى الغاية وسيلة كفرية شركية.
والدخول في المجالس التشريعية لا يجوز من جهات :
الأولى : أنها قائمة على منح صفة التشريع والحكم والأمر والطاعة والتحليل والتحريم لطاغوت مشرك جعل من نفسه نداً لله في أخص صفاته.
الثانية : أنهم اتخذوا وسيلة محرمة كفرية لأمر واجب الأمر الواجب هو الحكم بالشريعة .
الثالثة : عدم النفع فيها والواقع يشهد بذلك .
الرابعة : أنه حتى لو حكم القانون في مسألة بحكم الشرع, كأن يحرم الخمر ويمنع بيعه وشربه بالقانون الصادر من المجلس, فإنما تحريمه بتحريم هؤلاء لا بتحريم الله عز وجل والحكم فيه بحكمهم لا بحكم الله عز وجل فحكمه في هذا القانون وافق حكم الله عز وجل لا تعمداً وقصداً, وهذا يوجد حتى في القوانين الأوروبية ما يوافق الأحكام الشرعية وهذا لا يمنع من كفر القانون، لأن مجرد وضع القانون واستشراف خاصية التشريع يعد كفراً ناقلاً من الملة.
إذا تبين لك هذا الأصل علمت خطأ بعض المنتسبين للعلم والدعوة الذين يجوزون الدخول في مجالس النيابة والبرلمان القائمة على شرك الحكم والتشريع والتحليل والتحريم, وكل ذلك باسم الإصلاح ويدعون وجود المصلحة ولم يعلم هؤلاء الجهلة أن أعظم المصالح هي إقامة التوحيد وأعظم المفاسد الوقوع في الشرك وأنت كما ترى كيف وقع هؤلاء في الشرك من أوسع أبوابه بل ويسعون إلى تهوينه وتجويزه , فليتنبه لذلك وليتفطن الموحد لهذه الخدعة الكفرية وليتق الله من يسوغ الدخول في هذه الأوجه الكفرية الشركية .
****
المسألة الخامسة : بعض مخازي الدستور الطاغوتي :
أن فيه الشرك الأكبر واتخاذ الأحبار والرؤساء أربابا من دون الله .
أن فيه تأليه المخلوق ومنحه صفات الربوبية من الأمر والتشريع وسن الدين والأمر والنهي والتحليل والتحريم .
أن فيه إقرار الكفر وسب الله ورسوله ودينه والإيمان بالطاغوت وإباحة الفواحش.
أن فيه تنحية للشريعة وطعن فيها وفيمن شرعها ومن جاء بها.
أن فيه صد للناس عن دين الله .
أن فيه إبطال لعقيدة الولاء والبراء , وتسوية المسلم بالكافر مطلقا بدعوى الوحدة الوطني والحقوق.
****
المسألة السادسة : معنى التصويت للدستور:
التصويت يعني أن يظهر الشخص صوته ورأيه في الدستور إما بإقرار الدستور أو رفضه .
فيقول من أقره أوافق عليه وأقره وأرضى بأن أكون محكوماً به .
فالتصويت بمعنى الإقرار والقبول والرضا والموافقة .
والدستور تقدم معناه .
****
المسألة السابعة : حكم التصويت للدستور وبيان ردة فاعله ومجوزه :
وبالتعريف السابق للتصويت على الدستور يتبين كفر من صوت للدستور وأقره وقبله ووافق عليه ورضيه من جهتين :
أنه تحاكم للطاغوت ولم يكفر به فمن يصوت للدستور فحقيقة فعله أنه يقول أريد التحاكم إلى الطاغوت ولا أكفر به , وقد كفر الله فاعل ذلك كما قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) ]النساء 60[ . ولأنه رضي بالشرك الأكبر وتشريع الدين لغير الله وسن الأحكام والحلال والحرام بيد الطواغيت .
وهذا الحكم القاضي بردة من يفعل التصويت للدستور ومن يجوزه ولو لم يفعله لا خلاف بين علماء المسلمين فيه , وإنما الخلاف واقع في مسألة: هل يعذر المصوت والمنتخب والمفتي لهم بالجواز بجهله أو تأويله أو لا بناءً على مسألة العذر بالجهل في الشرك هل يعذر أم لا؟.
بل من حضر مجالسهم ولم يصوت أو ينتخب أو يقر لكنه جالسهم من غير إكراه فهو مثلهم وحكم الله عليه بالنفاق وأولئك بالكفر بنص القرآن قال تعالى: ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث ****غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ) ]النساء: 140[ وقال لرسوله : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) ]الأنعام: 68[.
ثم اعلم أن الإسلام لا يصح إلا باعتزال الشرك وأهله :
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن :" فلا يتم لأهل التوحيد توحيدهم إلا باعتزال أهل الشرك وعداوتهم وتكفيرهم ".
قال الشيخ عبداللطيف بن عبد الرحمن : "والمرء قد ينجو من الشرك ويحب التوحيد، ولكنه يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم. فيكون متبعاً لهواه داخلاً من الشرك في شعب تهدم دينه وما بناه، تاركاً من التوحيد أصولاً وشعباً لا يستقيم معها إيمانه .. وقال : أصل الأصول لا استقامة له ولا ثبات له إلا بمقاطعة أعداء الله وحربهم وجهادهم والبراءة منهم، والتقرب إلى الله بمقتهم وعيبهم" .
****
المسألة الثامنة : كشف الشبهات المجوزة للدخول في المجالس التشريعية والانتخابات والتصويت للدستور :
شبة : أما من قال أن من صوت غير مقر ولا راضٍ بالكفر :
فالجواب عنها أن نقول هذه دعوى مخالفة للحقيقة وواقع المصوت وهي دعوى لا عبرة لها , وتغيير اسم الشرك ودعوى عدم فعله لا يرفع حكم الكفر عمن باشره . وهو مثل من يسجد للمخلوق ويقول هذا ليس بسجود .
قال ابن القيم : ( ومن أنواع الشرك سجود المريد للشيخ فإنه شرك من الساجد والمسجود له, والعجيب أنهم يقولون ليس هذا بسجود وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراما وتواضعا, فيقال لهؤلاء لو سميتموه فحقيقة السجود وضع الرأس لمن يسجد له قدامه) المدارج 1/ 344 .
قال ابن تيمية : ( ولهذا كان من أتباع المتكلمين من يسجد للشمس ويدعوها كما يدعوا الله تعالى ويصوم لها وينسك لها ويتقرب إليها, ثم يقول إن هذا ليس بشرك, وإنما الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة لي, أما إذا جعلتها سببا وواسطة لم أكن مشركا ) درء التعارض 1/ 227 .
وهنا قاعدة متعلقة بمشركي زماننا وهي أن تغيير الأسماء لا يغير الحقائق والمسمى والحكم , فمثلا يسمون دعاء الأموات والاستغاثة بهم توسلاً, وطائفة تسمي شرك التشريع والتحليل والتحريم والحكم بغير ما أنزل الله نظاماً أو تنظيم إداري وتصويتاً ونحو ذلك . وكل ذلك لا يغير الحقيقة التي وضع الحكم لأجلها فتسمى هذه المعبودات آلهة ويسمى الفعل شركاً ويكفر صاحبه .
شبهة أخرى : أما من قال ماذا تقولون في فتاوى من أجاز التصويت ؟
فنقول العبرة بالدليل وليس بقول فلان وفلان والأدلة كلها نصت على كفر الحاكم بغير ما أنزل الله والمتحاكم إليه وليس عند من أجاز التصويت دليل واحد لا من الكتاب أو السنة, ولا عبرة بمن خالف, فإن خلاف هؤلاء كخلاف علماء الكلام والصوفية في تجويز دعاء الأموات والاستغاثة بالقبور كما هو قول مفتي مكة زيني دحلان وقاضي الرياض ابن سحيم وقاضي فلسطين النبهاني وغيرهم, وهم علماء ومع ذلك لا عبرة بخلافهم بل وحكم العلماء بكفرهم لأنهم من دعاة الشرك.
شبهة : دعوى المصلحة : تقوم هذه الشبهة على أركان فاسدة مجملها :
أن التصويت للدستور طريق للحكم بالشريعة .
وأن التصويت له من باب دفع شر الشرين واحتمال أخف الضررين .
أنه ليس أمام المسلمين إلا هذا أو ما هو أسوء منه . أنهم مكرهين غير راضين . وأيضاً حصول الفتنة في تركه .
والجواب وبالله التوفيق :
1- أن أعظم المصالح إقامة التوحيد وأعظم المفاسد الوقوع في الشرك.
2- أن حصول القتل أشد من وقوع الفتنة التي هي الشرك , وما شرع الله الجهاد وإزهاق الأرواح إلا لتطهير العباد من الشرك وحتى يكون الدين خالصا لله لا يشرك معه أحد من الطواغيت في العبادة .
3- أن في التصويت للدستور والانتخابات شر متيقن وهو الوقوع في الشرك وتسويغه وترك الكفر بالطاغوت . بينما الشر الذي يدّعونه ليس إلا متوهم وهو من وساوس الشيطان وتخويفه ومواعيده .
4- أن الشر الذي ادعوه ولو كان صحيحاً فهو لا يصل إلى الشر الذي دعوا إليه من إدخال الناس في الشرك وعدم الكفر بطاغوت الحكم .
5- أن التصويت ليس طريقاً للحكم بالشريعة بل هو طريق للتحاكم للطاغوت بل هو طاغوت بكونه مدعياً للتشريع .
6- لماذا لا يكون التصويت على تحكيم الشريعة إن كنتم صادقين .
7- أن هؤلاء القوم الذين سنوا هذه الطرق لا يريدون حكم الشريعة وإنما يريدون الديمقراطية الكافرة كما نقلنا عنهم .
8- أن الحل في إقامة الشريعة يكون بالطرق الشرعية التي أمرنا بها من الدفع بالجهاد والقتال ليكون الدين والحكم والعبادة خالصة لله.
9- القول أن هؤلاء مكرهين غير صحيح فهم مختارون ولا يوجد من أكرههم , ومن قال قال الكفر وأقره من غير إكراه معتبر فهو كافر .
قال ابن تيمية: ( الرجل إذا تكلم بالكفر من غير إكراه صح كفره ولم يصح إيمانه ). وهؤلاء تكلموا بالكفر وصرحوا به في قولهم نعم للدستور.
وأما القول أنهم غير راضين فغير صحيح ولو سلمنا بصحته فإقرارهم بالتشريع وتكلمهم بالكفر كفر ولو كانوا غير راضين .
10- القول أنه لا يوجد إلا هؤلاء أو من هو أسوء سبق رده وبيانه ببيان حقيقة الإخوان .
11- أن ترك شيء من الدين بدعوى المصلحة شبهة إبليسيه وقد حذر الله رسوله من ذلك : ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ً ) ]الإسراء : 73 [. وإذا كان هذا في بعض الدين فكيف بأعظم الأصول وهو التوحيد وإخلاص الحكم والتشريع والدين لله , وإذا كان هؤلاء جوزوا التشريع استقلالا من أول الأمر فكيف سيقيمون دولة إسلامية تطبق شرع الله كما يزعمون, وهل يظنون أن دين الله يقوم بالأماني والأوهام .
ثم إن المصلحة إذا لم تنضبط بالنصوص وأدلة الشرع فمردها للهوى وحينئذٍ ليس فهم زيد أولى من فهم عبيد .
شبهة : أن الديمقراطية والتصويت والانتخابات مثل الشورى :
وهذا كذب ظاهر فالشورى ليس فيها تشريع ولا تحليل لحرام وترك للشريعة كما هو في الديمقراطية والانتخابات والتصويت .
شبهة : عمل يوسف عليه السلام عند ملك مصر :
يوسف عليه السلام أقام حكم الله وشرعه وهو القائل : ( إن الحكم إلا لله ) وقال : ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) , فقد كان ممكن له في الأرض يحكم ويأمر فيطاع ولا آمر عليه ولا يطيع أحدا بل هو المطاع.
أوليس أخذ أخاه واسترقه كما هو الحكم في شريعة يعقوب , ولو كان يعمل بدين الملك لما أخذه وهذا يدل على أنه لم يكن يحكم بشرع الملك ولا يتحاكم إلى الطاغوت , ومن زعم أنه تحاكم للطاغوت فقد نفى عنه العصمة واتهمه بالوقوع في الكفر, فيكون قائله قد كفر لوقوعه في سب الأنبياء وتنقصهم . وهل يوسف عليه السلام وقع فيما وقع فيه هؤلاء من القسم على الدستور وعلى تعظيمه واحترامه وعدم مخالفته حاشاه . وهل أقر يوسف حكماً مخالفاً لحكم الله تعالى كما هو حال هؤلاء الزنادقة الضلال .
****
وقفات ووصية لمريد النجاة.
أولاً احذر مجالسة أهل الأهواء والبدع واعلم أن مجالستهم تفسد الدين واقتد بمنهج السلف في ذلك وكلامهم ومنهجهم لا يخفى, وما كان للشيخ البراك أن يقول هذا القول إلا بسبب مجالسة حزب الإخوان ممن لا يخفى حالهم على أحد ولا يستريب أهل التوحيد في أمرهم فاستخفوه إلى ما يريدون, وقد حذره كثير من الناصحين منهم فلم يستجب حتى أوقعوه فيما هو فيه نسأل الله السلامة والعافية .
ثانيا : ليحذر كل من يريد الله والدار الآخرة من تلقي الشبه والإصغاء لها , وليتخذ سبيل السلف في دفع الشبه بعدم سماعها , وكم جاءني من الغيورين للدين بشبه دخلت قلوبهم لما كان دأبهم النظر في النت وتتبع فتاوى هؤلاء والنظر في شبهاتهم حتى أفسدت عليهم توحيدهم واليقين بتوحيد الله فيتنبه لهذا الأمر فهذا دين يعقبه جنة أو نار ومن جاء يوم القيامة بشبهة أو شرك فإنه لم يأت ربه بقلب سليم ، ثم اعلم أن الخلاف في التوحيد والشرك خلاف غير مستساغ ولا معتبر , والحق فيما جاء في الكتاب والسنة ومن ضل فضلاله ليس إلا بسبب من نفسه وإعراضه عن الوحي وتقديم العقل والمصالح على الشرع فتنبه ( قل ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل ) ]يونس : 108 [.
****
****
****
****
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
****
****
كتبه : أبوعلي خالد المرضي
****
الجمعة 8 / 2 / 1434هـ
****
****