المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع اسم من أسماء رب البريات



أهــل الحـديث
25-12-2012, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ، وعنوانها " وقفات مع اسم من أسماء رب البريات "، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


وقفات مع اسم من أسماء رب البريات


الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن العبد المؤمن كلما ازداد معرفة بربه سبحانه وتعالى ازداد إيمانه وقوي يقينه،يقول الشيخ السعدي-رحمه الله-:"وبحسب معرفته- أي العبد-بربه يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه،وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك: تدبر صفاته و أسمائه من القرآن".تفسير السعدي(1/24)
وقد تتساءلون زاداكم الله حرصا عن طرق تحصيل هذه المعرفة،وكيف السبيل للوصول إليها ؟
يجيبنا عن ذلك الإمام ابن القيم-رحمه الله- فيقول:"المعرفة بابان واسعان:
باب التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها،والفهم الخاص عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
و الباب الثاني: التفكر في آياته المشهودة ،وتأمل حكمته فيها وقدرته و لطفه وإحسانه و عدله وقيامه بالقسط على خلقه.
وجماع ذلك :الفقه في معاني أسمائه الحسنى و جلالها وكمالها و تفرُّده بذلك، وتعلُقها بالخلق و الأمر.
فيكون فقيها في أوامره ونواهيه، فقيها في قضائه و قدره، فقيها في أسمائه و صفاته فقيها في الحكم الديني الشرعي و الحكم الكوني القدري و(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)[الحديد:21]" .الفوائد(ص170)
فالإيمان بأسماء الله عز وجل،وما تضمنته من معاني جليلة و أسرار بديعة،يُنبت في قلب العبد المؤمن ثمارا مستطابة تنفعه في الدار العاجلة،وتفيده في الدار الآجلة بإذنه سبحانه،يقول العز بن عبد السلام-رحمه الله-:"معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا هي أفضل الأعمال شرفا و ثمرا". شجرة المعارف و الأحوال(ص18)
ولهذا يطيب لي أيها الأفاضل في هذا المقال أن أقف معكم مع اسم كريم من أسماء الله جلَّ وعلا،جاءت به النصوص ودلَّت عليه الأخبار،لنفهم ونتدبر بعض معانيه ونستحضر بعض ثمرات الإيمان به، ألا وهو اسم الباري سبحانه"الجبار".
إن اسمه سبحانه ( الجبار) جاء ذكره في القرآن الكريم مرة واحدة،وذلك في قوله تعالى:(هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون)[الحشر:23].
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"الجبار" هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى "الرؤوف" الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به ولجأ إليه".تفسير السعدي(ص946)
وكذلك جاءت السنة الصحيحة بهذا الاسم الجليل،فعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال:قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فلما ركع،مكث قدر سورة البقرة يقول في ركوعه:"سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء و العظمة".رواه النسائي(1049)وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله-.
أيها الأفاضل إن اسم "الجبار" خاص بالله جل وعلا، فهو صفة كمال ومدح له سبحانه، لأن في جبروته تعالى رحمة ، فبجبروته قهر الجبابرة وأذل الأكاسرة.
قال الخطابي-رحمه الله-:"هو الذي قهر الجبابرة من عُتاة خلقه بالعقوبة،وقهر الخلق كلهم بالموت".شأن الدعاء(ص53)
أما بالنسبة للمخلوق الضعيف فهو صفة ذم ونقص نُهي عنها وحُذِّر منها،والنار موعده إذا اتصف به،قال صلى الله عليه وسلم:"تحاجت الجنة و النار،فقالت النار:أوثرت بالمتكبرين و المتجبرين...".رواه البخاري (4850)ومسلم (2846) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-.
قال الشيخ عبد الله الغنيمان –حفظه الله-:" أي: خصصت بأهل التكبر على عباد الله والتجبر والظلم للناس باحتقارهم، وغَمط حقوقهم".شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري(2/191)
أيها الكرام إن للإيمان باسم الله تعالى "الجبار" ثمرات يقطفها العبد المؤمن،ومن ذلك:
- إثبات صفة الجبروت لله عز وجل إثباتا يليق به سبحانه،لا يشبهه في ذلك خلقه ولا يدانيه أحد منهم،كما في قوله سبحانه:(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[الشورى:11]،فهي صفة ذاتية لله عز وجل وهي صفة مدح و كمال.
- التعــبد لله تعالى ودعائه باسمه ( الجبار)، فنتعبد الله باسمه سبحانه، فنقول:"عبد الجبار"، لكن لا يُتعبد بصفاته، فلا يقال:"عبد الجبروت"،كما أنه يُدعى اللهُ تعالى بأسمائه، فنقول:"يا جبار اجبر نقصي وارحمني"،لكن لا ندعو صفاته فنقول : "يا جبروت الله اجبريني!"، فالجبروت ليست هي الله،بل هي صفةٌ لله جل وعلا،والصفة غير الموصوف.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"إن مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث ، وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين".تلخيص كتاب الاستغاثة(1/181).
-تعظيم الله عز وجل والخوف منه، والتواضع له بقبول أحكامه وامتثال أوامره وعدم التجبر والتعالي على الخلق، لأن هذا من خصائص الله سبحانه وتعالى،ولهذا لا يصح أن يسمى المخلوق به.
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر والظاهر،كما لا يجوز تسميتهم بالجبار والمتكبر،والأول والآخر والباطِن وعلام الغيوب".تحفة المودود بأحكام المولود(ص125)
فعلينا أيها الأحبة الأفاضل الحرص على التدبر والوقوف عند معاني أسماء الله جل جلاله الكريمة وصفاته العظيمة التي جاءت بها النصوص الصحيحة لقطف ثمارها والاستفادة منها بزيادة الإيمان وتقوية اليقين بإذن الله تعالى.
والله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا وإياكم خوفه في السر والعلانية،وأن يوفقنا لتحقيق ثمرات الإيمان بأسمائه الجليلة و صفاته الكريمة،فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي