المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوقفة الثانية مع كتاب فجر الأندلس، للدكتور حسين مؤنس



أهــل الحـديث
18-12-2012, 10:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الوقفة الثانية مع كتاب فجر الأندلس، للدكتور حسين مؤنس


بقلم: أحمد الظرافي


عناصر البحث:

أولا: تمهيد: المستشرقون وتلامذتهم وكتابة تاريخ المسلمين في الأندلس

ثانيا: كتاب فجر الأندلس للدكتور حسين مؤنس نموذجا

وتحت هذا العنوان يتم مناقشة وتفنيد الشبهات التالية:

1- أثر فتن العصبية على الفتوح في غالة " 102 - 112هـ"
2- حقيقة إغراق يزيد وهشام ابني عبد الملك في العصبية
3- من أغضب من؟!
4- التوظيف المزدوج لذكرى معركة مرج راهط
5- يزيد بن أبي مسلم كان قيسيا فصار يمنيا
7- الحملة الشعواء على الكلبية اليمنية
8- هشام بن عبد الملك وميوله العصبية المزاجية
9- ابتداء الخصومة بين القيسية واليمنية في الأندلس
10- سر اختيار عبيدة السلمي لعبد الرحمن الغافقي لولاية الأندلس
11- عصبية ابن الحبحاب هل كانت للعرب أم للقيسبة؟!
12- أمثلة أخرى من العبث بأنساب الأعلام والشخصيات

أخيرا: هل كان حسين مؤنس يجهل أنساب القبائل العربية؟!


أولا: تمهيد
المستشرقون وتلامذتهم وكتابة تاريخ المسلمين في الأندلس


أرسى المستشرقون، الذين كانت لهم الباع الطولى، في كتابة تاريخ الأندلس الإسلامي، أسسا، ومبادئ عامة، لكتابة هذا التاريخ، يتم بمقتضاها إبراز جانب الصراع العنصري والقبلي والطائفي والإقليمي، الذي دار بين المسلمين في هذا القطر بعد الفتح، على حساب الجوانب الأخرى الكثيرة المشرقة في هذا التاريخ، اللهم إلا جانب الحضارة المادية، لبرزوها وحديثها عن نفسها، ولأن الرقي المادي، ليس دليلا على الرقي الأخلاقي، وعلى سمو الجانب الروحي.

ومن المعروف أن المستشرقين، هم الخصوم المحترفون للإسلام، وأهله. ومع ذلك، فقد جاء تلامذتهم، من المؤرخين العرب المعاصرين، فتهجوا نهجهم، واتبعوا مذاهبهم، ولم يفطنوا لأهدافهم الخبيثة، وأغراضهم الدنيئة، لتشويه التاريخ الإسلامي، ولهدفهم غير المعلن، وهو تحصين المجتمعات الغربية من الإسلام، وتنفيرهم منه.

فصارت العادة المتبعة لكتابة تاريخ الأندلس الإسلامي، من قبل مؤرخينا العرب، أن يكون هناك فصل للصراع العربي البربري، وفصل آخر للصراع البلدي الشامي، وفصل ثالث للصراع القيسي اليمني. حتى أن أخبار هذه الصراعات القبلية العنصرية الإقليمية الدموية تغطي الجزء الأكبر من تاريخ الأندلس، في عهد الولاة ( 95-138هـ) .

وللتأكد من ذلك يكفي الرجوع إلى كتاب ( تاريخ مسلمي أسبانية) بأجزائه الثلاثة للمستشرق الهولندي الشهير، رينهرت دوزي (-1883) ، أو كتاب ( تاريخ أسبانية الإسلامية )، لتلميذه المتتشرق الفرنسي ليفي بروفنسال، وهما من صنف المستشرقين المعتدلين والراسخين في معرفتهم بتاريخ الأندلس.

بل يُعتبر دوزي، كما قال الأمير شكيب أرسلان، أوثق أوروبي كتب عن الأندلس. وقد نشر نصوصاً أندلسية كثيرة، بجانب عمله تكملة المعجمات العربية. فما بالك بغلاة المستشرقين وعلى رأسهم المستشرقون الأسبان المتعصبون.

ففي كتاب دوزي " تاريخ مسلمي أسبانية" كلاما معناه أن بغض قيس لليمن، وبغض اليمن لقيس، هو أشدّ من بغض العرب للأمم الأعجمية . كما قال الأمير شكيب أرسلان في كتابه " تاريخ غزوات العرب في فرنسا ".

ولا يخفى على كل ذي لب أن في هذا الكلام فرية مزدوجة، أو ذات شقين أحدهما بغض قيس ليمن والعكس. والثانية: "بغض العرب للأمم الأعجمية"، فكأن البغض هو الأصل في علاقة العرب بهذه الأمم، أو ما يسمى اليوم بـ "الآخر".

فجاء تلامذتهم من المؤرخين العرب فنسجوا على هذا المنوال، وقد أكثروا من قصص وأخبار الصراعات بين القيسية واليمنية، حتى سودوا صفحات وصفحات، من تلك القصص والأخبار، بل لا تخلو من أخبار هذا الصراع صفحة من الصفحات.

فصار أي وال يأتي لإدارة شئون الأندلس، لا بد أن يقفوا على أصله، لأنه بناء على ذلك الأصل، تتحدد التهمة، ويصدر الحكم، فإذا كان هذا الوالي قيسيا فهو يتعصب للقيسية، ويضطهد اليمنية، وإذا كان يمنيا فهو يتعصب لليمنية، ويضطهد القيسية، حسب نظريتهم .

وإذا كان من هؤلاء أو أولئك، ولم يستطيعوا أن يدمغوه بالعصبية القبلية، اعتبروه حالة شاذة ونادرة واستثناء من القاعدة.

وأما عندما يكون العامل يمنيا، وجاء من طرف قيسي أعلى سلطة منه، أو العكس، فإنهم يلجأون، إلى تبريرات سخيفة وواهية لتعليل ذلك، بل وقد يلحقوه في النسب بمن ولاه واستعمله، ولو تزويرا وتلفيقا، كما سنرى نماذج من ذلك لا حقا.

أما الدافع لذلك فهو لكي لا تهتز نظريتهم، حول العداء المتأصل بين القيسية واليمنية، وأيضا لكي لا يتعارض ذلك مع التبويب لخطة الكتاب، أما أخوة الدين، فلا حديث عنها.

ولأن الوقائع التاريخية لا تسير طبقا لذلك التبويب المدرسي الحدي ( الصراع بين القيسية واليمنية...الخ) صار هذا التبويب مدرجة إلى الكذب والتلفيق، والخلط في أسماء القبائل، كما سنرى، في هذه الوقفة مع كتاب ( فجر الأندلس ) للمؤرخ المعاصر الدكتور حسين مؤنس.