تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا (نعم للدستور)؟



أهــل الحـديث
16-12-2012, 12:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



لماذا (نعم للدستور)؟
محمَّد بن محمود آل خضير


الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آله وصحْبِه، أمَّا بعدُ:
فبعد اطِّلاعي على الدستور وما تضمَّنه ممَّا يتصل بقضية السِّيادة والديمقراطية، والمادة 219 المفسِّرة لمبادئ الشريعة، أُسجِّل هذه النقاط:
أولًا: على فرْض أن هذا الدستور مشتملٌ على الكُفر - وهو أقْصى ما يُقال فيه - فإنَّه يجوز التصويتُ عليه بنعم، من باب ارتكاب أخفِّ الضررينِ، ولا يُعَدُّ هذا رضًا بالكفر، ولا إقرارًا له؛ لأنَّ الرضا أمرٌ قلبي، ودَلالته لا تقاوم التصريح، (ولا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح)، والشريعة قائمةٌ على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرْءِ المفاسد وتقليلها - ما أمكن.

ونحن بيْن دستور كُفري - على أقصى الفروض - لكنَّ اعتمادَه يعني قيامَ الدولة، ونجاتَها من المؤامرة الداخلية والخارجية، بحسَبِ غلبةِ الظنِّ، كما يعني التمهيدَ لغلبة الإسلاميِّين في البرلمان القادِم - إن شاء الله - وبيْن دستور آخَرَ (كفري أيضًا) يتأخَّر زمنًا يتمكَّن فيه المتآمرون من إسقاط الدولة، وإضعافِ الرئيس، وإضعاف فُرَص الإسلاميِّين في دخول البرلمان، مع احتمال أن يَفقِدَ كثيرًا من الحسَناتِ الموجودة في الدستور الحالي؛ بسبب شدَّةِ الضَّعْف المتوقَّعة آنذاك، والحِرْص على التوافق، وتخاذُل مَن تخاذَل في الأوَّل. والعاقل إذا خُيِّر بين أمرين (باطلين) أحدهما يحفَظ الدولة، ويمنَع سقوطها، ويُتيح الفرصةَ للدعوة والبيان والإحياء؛ فإنَّه لا يتردَّدُ في قَبولِه.
وهو كالهجرة والدخول تحتَ حُكم كافر لا يُظلَم مَن عنده؛ فرارًا من كافر يَضطهِدُ المسلمين ويُعذِّبهم.

وقد نصَّ جمْعٌ من أهل العلم على ما يُفيد في هذه النازِلة:
قال العلَّامة السعديُّ رحمه الله: (ومنها: أنَّ الله يدْفَع عن المؤمنين بأسباب كثيرة، قد يعلمون بعضَها وقد لا يعلمون شيئًا منها، وربَّما دفَع عنهم بسبب قَبيلتِهم أو أهلِ وطنهم الكفَّار، كما دفَع اللهُ عن شعيب رجْمَ قومه بسبب رهطِه، وأنَّ هذه الروابط التي يحصُل بها الدفعُ عن الإسلام والمسلمين لا بأسَ بالسعي فيها، بل ربَّما تعيَّن ذلك؛ لأنَّ الإصلاح مطلوبٌ على حسَب القُدرة والإمكان.
فعلى هذا؛ لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفَّار، وعمِلوا على جعْل الولاية جمهوريَّة يتمكَّن فيها الأفرادُ والشعوب من حقوقهم الدِّينيَّة والدُّنيويَّة، لكان أَوْلَى من استسلامهم لدولةٍ تَقضي على حقوقهم الدِّينيَّة والدُّنيويَّة، وتحرِصُ على إبادتها، وجعْلِهم عملةً وخدمًا لهم، نعمْ إنْ أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحُكَّام، فهو المتعيِّنُ، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبةُ التي فيها دفْعٌ ووقاية للدِّين والدُّنيا مُقدَّمَةٌ، والله أعلم)، انتهى من تفسير سورة القتال.

وقال الدكتور أحمد بن عبدالرحمن القاضي : (سألتُ شيخَنا [ابن عثيمين] رحمه الله : عن المسلمين في أمريكا؛ هل يُشاركون في الانتخابات التي تَجرِي في الولايات لصالح مرشَّح يُؤيِّد مصالحَ المسلمين؟
فأجاب بالموافقة، دون تردُّد)، انتهى من "ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين).
وسُئل أيضًا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حُكم الانتخابات الموجودة في الكويت، علماً بأنَّ أغلبَ مَن دخلها من الإسلاميِّين ورِجال الدعوة فُتِنوا في دِينهم؟
فأجاب: (أنا أرَى أنَّ الانتخابات واجبةٌ؛ يجِب أن نعيِّن مَن نرى أن فيه خيرًا؛ لأنَّه إذا تقاعس أهلُ الخير، مَن يَحُلُّ محلَّهم؟ أهل الشر، أو الناس السلبيُّون الذين ليس عندهم لا خير ولا شر، أتْباع كل ناعق؛ فلا بدَّ أن نختارَ مَن نراه صالحًا، فإذا قال قائل : اخترْنا واحدًا لكن أغلب المجلس على خِلاف ذلك، نقول: لا بأس، هذا الواحد إذا جعَل الله فيه برَكَةً، وألقى كلمةَ حق في هذا المجلس سيكون لها تأثيرٌ ولا بدَّ، ولكن يَنقصُنا الصدقُ مع الله، نعتمد على الأمور الماديَّة الحِسية، و لا ننظر إلى كلمة الله عز وجل...

فأقول: حتى لو فُرِض أنَّ مجلس البرلمان ليس فيه إلَّا عدد قليل من أهل الحقِّ والصواب، سينفعون، لكن عليهم أن يَصدُقوا اللهَ عز وجل، أمَّا القول: إنَّ البرلمان لا يجوز، ولا مشاركة الفاسقين، ولا الجلوس معهم؛ هل نجلس معهم لنوافقهم؟ نجلس معهم لنبيِّن لهم الصواب.
بعض الإخوان مِن أهل العِلم قالوا: لا تجوز المشاركةُ؛ لأنَّ هذا الرجل المستقيم يجلس إلى الرجل المنحرِف؛ هل هذا الرجل المستقيم جلس لينحرفَ أم ليقيمَ المعوجَّ؟ نعمْ ليقيم المعوج، ويعدِّل المنحرِفَ، إذَا لم ينجحْ هذه المرة نجَح في المرة الثانية؛ (انتهى مختصرًا من فتوى صوتية على الإنترنت).
وجاء في فتاوى اللجة الدائمة ما نصُّه: (هل يجوز التصويتُ في الانتخابات والترشيح لها - مع العلم أنَّ بلادنا تحكُم بغير ما أنزل اللهُ؟

الجواب: لا يجوزُ للمسلم أن يرشِّحَ نفْسه رجاءَ أن ينتظمَ في سلك حكومة تحكُم بغير ما أنزل اللهُ، وتعمل بغير شريعة الإسلام، فلا يجوزُ لمسلم أن ينتخبه أو غيرَه ممَّن يعملون في هذه الحكومة، إلَّا إذا كان مَن رشَّح نفْسه من المسلمين، ومَن ينتخبون يرجون بالدخولِ في ذلك أن يصِلوا بذلك إلى تحويل الحُكم إلى العمل بشريعةِ الإسلام، واتَّخذوا ذلك وسيلةً إلى التغلُّب على نِظام الحُكم، على ألَّا يَعمل مَن رشَّح نفْسَه بعد تمام الدخول إلا في مناصبَ لا تَتنافَى مع الشريعة الإسلامية.
وباللهِ التوفيقُ، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وآله وصحبه وسلَّم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالله بن قعود... عبدالله بن غديان... عبدالرزاق عفيفي... عبدالعزيز بن عبد الله بن باز)، انتهى من فتاوى اللجة الدائمة (23/ 406).

وجاء في قرار مَجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي حولَ موضوع : مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين:
(الحمدُ لله وحْدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعدَه؛ نبينا محمَّد، وعلى آله وصحْبِه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمقرِّ رابطة العالم الإسلامي بمكَّةَ المُكرَّمة في الفترة من 22ـ27 شوال 1428هـ، التي يوافقها 3- 8 نوفمبر2007م، قدْ نظر في موضوع : "مشاركة المسلِم في الانتخابات مع غير المسلمين في البِلاد غير الإسلامية"، وهو من الموضوعات التي جرَى تأجيل البتِّ فيها في الدورة السادسة عشرة المنعقدة في الفترة من 21ـ26 شوال 1422هـ لاستكمالِ النظر فيها..

وبعد الاستماعِ إلى ما عُرِض من أبحاث، وما جرَى حولها مِن مناقشات، ومداولات، قرَّر المجلس ما يلي:
1- مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية مِن مسائل السياسة الشرعيَّة، التي يَتقرَّرُ الحُكم فيها في ضوء الموازنة بيْن المصالح والمفاسِد، والفتوى فيها تختلفُ باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.
2- يجوز للمسلم الذي يَتمتَّعُ بحقوق المواطنة في بلدٍ غيرِ مسلم المشاركةُ في الانتخابات النيابيَّة ونحوها؛ لغلبةِ ما تعودُ به مشاركته من المصالح الراجحة؛ مثل: تقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام، والدِّفاع عن قضايا المسلمين في بلده، وتحصيل مُكتسبات الأقليَّات الدِّينيَّة والدُّنيويَّة، وتعزيز دَورِهم في مواقع التأثير، والتعاون مع أهل الاعتدال والإنصاف لتحقيقِ التعاون القائِمِ على الحقِّ والعدل، وذلك وَفقَ الضوابط الآتية:
أولًا: أن يَقصِد المشارك مِن المسلمين بمشاركته الإسهامَ في تحصيل مصالح المسلمين، ودرْء المفاسِد والأضرار عنهم.
ثانيًا: أن يغلُبَ على ظنِّ المشاركين من المسلمين أنَّ مشاركتهم تُفضي إلى آثار إيجابية، تعود بالفائدة على المسلمين في هذه البِلاد؛ من تعزيز مركزهم، وإيصال مطالبهم إلى أصحاب القرار، ومديري دفَّة الحُكم، والحِفاظ على مصالحهم الدِّينية والدُّنيوية.
ثالثًا: ألَّا يترتَّبَ على مشاركةِ المسلم في هذه الانتخابات ما يؤدِّي إلى تفريطِه في دِينه.
والله وليُّ التوفيق، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وآلِه وصحْبِه)؛ انتهى.
وعليه؛ فإنَّ نيَّة المسلم في هذه المشاركة: هي تخفيفُ الشرِّ، وإنكارُ ما يُمكن إنكارُه مِن المنكر، مع براءته ممَّا اشتمل عليه مِن باطل.

ثانيًا:
أنصَحُ مَن رأى غير هذا الرأي ألَّا يُصوِّت بـ(لا)، بلْ يمتنع عن المشاركة؛ حتى لا يُسهِمَ في غلبة العلمانيِّين والمتآمرين.
ولنستحضر جميعًا ما جاء في قرار مَجمع الفقه الإسلامي السابق ذِكرُه، مِن أنَّ هذه المسائلَ من مسائل السياسة الشرعيَّة، فهي مسائلُ اجتهاديَّة، لا مجالَ فيها لتكفير الداخل والمشارِك؛ لأنَّ المناط المكفِّر، وهو الإقرارُ والرِّضا، مُنتفٍ مع التصريح بالبَراءة، والإعلانِ بسِيادة الشرع.
وأسأل اللهَ أن يُهيِّئَ لنا من أمرنا رَشدًا، وأن يحفظَ البِلاد والعِباد.

وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه وصحْبِه وسلَّم.