المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحذير البشر من خطر التشاؤم بشهر صفر!



أهــل الحـديث
12-12-2012, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( حفظه الله) ، وهي بعنوان "تحذير البشر من خطر التشاؤم بشهر صفر!"، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها أيها الأفاضل.


تحذير البشر من خطر التشاؤم بشهر صفر!


الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن نسبة العبد ما يلحقه من الضرر أو الأذى لغير فاعله الحقيقي وهو الله جل جلاله،هو من باب التشاؤم الذي كان من الاعتقادات الباطلة والأوهام الزائفة عند أعداء الرسل وأهل الجاهلية،فقوم صالح (عليه السلام)تشاءموا منه،وقالوا:(اطيَّرنا بك وبمن معك)[النمل:47]،وفرعون ومن معه تطيروا بموسى(عليه السلام)ومن آمن معه،قال تعالى:(وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه)[الأعراف:131]،وكذلك كفار قريش كانوا يتشاءمون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبدعوته الكريمة وينسبون إليه ما يصيبهم من شر،قال سبحانه:(وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك)[النساء :78]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون،المعرضين عما جاءت به الرسل،المعارضين لهم:أنهم إذا جاءتهم حسنة،أي:خصب وكثرة أموال،وتوفر أولاد وصحة،قالوا:(هذه من عند الله)وأنهم إن أصابتهم سيئة أي:جدب وفقر ومرض وموت أولاد وأحباب قالوا:(هذه من عندك)أي:بسبب ما جئتنا به يا محمد.
تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم،كما تطير أمثالهم برسل الله،كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى(فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه)،وقال قوم صالح:(اطيرنا بك وبمن معك)،وقال قوم ياسين لرسلهم:(إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم)،فلما تشابهت قلوبهم بالكفر،تشابهت أقوالهم وأفعالهم،وهكذا كل من نسب حصول الشر،أو زوال الخير،لما جاءت به الرسل أو لبعضه،فهو داخل في هذا الذم الوخيم".تفسير السعدي(ص188)
وقد رد الله عليهم هذا الاعتقادات الباطلة والأقوال الكاذبة،وبين لهم أن الخير و الشر والنفع والضر هو من عنده سبحانه وبتقديره،قال تعالى:(قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا)[النساء :78]
قال الإمام ابن القيم–رحمه الله-:"ولو فقهوا أو فهموا لما تطيروا بما جئت به-أي نبينا صلى الله عليه وسلم-،لأنه ليس فيما جاء به الرسول ما يقتضى الطيرة،فإنه كله خير محض لا شر فيه،وصلاح لا فساد فيه وحكمه لا عبث فيها، ورحمة لا جور فيها".مفتاح دار السعادة(2/233)
وللأسف الشديد أيها الأحبة الكرام،لقد توارث كثير من جهلة المسلمين اليوم عن أهل الجاهلية هذا الاعتقاد الفاسد، فأصبحوا يتشاءمون بالمرئي أو المسموع،أو بالأزمان والشهور،وبالأخص شهر صفر أو بيوم الأربعاء منه!.
قال الإمام ابن رجب-رحمه الله-:"وأما تخصيص الشؤم بزمان دون زمان كشهر صفر أو غيره،فغير صحيح،وإنما الزمان كله خلق الله تعالى،وفيه تقع أفعال بني آدم فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه،وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو مشؤوم عليه،فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى".لطائف المعارف(ص75)
فنجد بعضهم يمتنع في شهر صفر عن بعض الأعمال كالتجارة والسفر!والبعض الآخر عن عقد النكاح والزواج فيه! ظنا منهم أنهم لن يربحوا في تجارتهم،ولن يوفقوا في أنكحتهم!وهذا كله نتيجة الجهل بالدين وضعف عقيدة التوحيد في نفوسهم ومخالطة أهل البدع وقلة من يرشد الناس إلى المنهج القويم،ويبين لهم الطريق المستقيم،ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
قال الإمام ابن رجب–رحمه الله-:"وكثير من الجهال يتشاءم بصفر،وربما ينهى عن السفر فيه،والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها".لطائف المعارف(ص74)
نعم قد نهى نبينا صلى الله عليه وسلم عن ذلك وحذر أمته منه،فعن أبي هريرة–رضي الله عنه-قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَا عَدْوَى،ولا طِيَرَةَ،ولا هَامَةَ،ولا صَفَرَ".رواه البخاري(5380)واللفظ له ومسلم(2220)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"(ولا صفر)قيل:إنه شهر صفر،كانت العرب يتشاءمون به ولا سيما في النكاح.
وقيل:إنه داء في البطن يصيب الإبل وينتقل من بعير إلى آخر،وعلى هذا; فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام ،وقيل: إنه نهي عن النسيئة،وكانوا في الجاهلية ينسئون،فإذا أرادوا القتال في شهر المحرم استحلوه،وأخروا الحرمة إلى شهر صفر،وهذه النسيئة التي ذكرها الله بقوله تعالى:(فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ)[التوبة :37]،وهذا القول ضعيف،ويضعفه أن الحديث في سياق التطير،وليس في سياق التغيير،والأقرب أن صفر يعني الشهر،وأن المراد نفي كونه مشؤوما; أي:لا شؤم فيه،وهو كغيره من الأزمان يقدر فيه الخير ويقدر فيه الشر.
وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفيا للوجود،لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير;فالمؤثر هو الله،فما كان منها سببا معلوما، فهو سبب صحيح،وما كان منها سببا موهوما،فهو سبب باطل،ويكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا، ولكونه سببا إن كان باطلا".القول المفيد على كتاب التوحيد(1/564)
إن من ضرر التشاؤم أيها الأفاضل وعواقبه الوخيمة أنه يُنقص توحيد العبد وذلك لأنه يُضعف توكله على الله جل وعلا،
ويفتح عليه باب التعلق بغيره سبحانه،ويجعل للشيطان عليه سبيلا،وبالتالي يفتقد السكينة والطمأنينة من قلبه،والعياذ بالله.
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:"التطير هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع،فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره،وامتنع بها مما عزم عليه:فقد قرع باب الشرك،بل ولجه،وبرئ من التوكل على الله،وفتح على نفسه باب الخوف، والتعلق بغير الله".مفتاح دار السعادة(2/246)
أيها الأحبة الأفاضل قد أراد بعض من يعاني من هذا الاعتقاد الفاسد مداواته فأخطأ الطريق وضل السبيل وعالج البدعة بالبدعة فخص شهر صفر دون بقية الشهور بالتفاؤل والخيرية وهذا كله من تلبيس الشيطان عليهم.
قال الشيخ ابن عثيمين–رحمه الله-:"والأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله عز وجل،فصفر كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر،وبعض الناس إذا انتهى من شيء في صفر أرَّخ ذلك وقال: انتهى في صفر الخير،وهذا من باب مداواة البدعة ببدعة،والجهل بالجهل،فهو ليس شهر خير ولا شهر شر".القول المفيد على كتاب التوحيد(1/567)
وقال الشيخ بكر أبو زيد-رحمه الله-:"وبعض يقول:(صفر الخير)تفاؤلاً يردُّ ما يقع في نفسه من اعتقاد التشاؤم فيه،وهذه لوثة جاهلية من نفسه من نفس لم يصقلها التوحيد بنوره".معجم المناهي اللفظية(ص340)
فمن أراد علاج الطِّيرة وإذهاب التشاؤم فعليه أن يَلزَم الأدوية الشرعية التي تفيده وتُذهب ما به بإذن الله ، ومن ذلك :
1- أن يتوكل على الله حق التوكل وأن يمضي فيما عزم عليه ، ولا يترك للشيطان مدخلا عليه ، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-قال:قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(الطِّيَرَةُ شِرْكٌ )،ثم قال ابن مسعود –رضي الله عنه- :"وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ" .رواه الترمذي(1614)،وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله-.
قال ابن عبد البر - رحمه الله-:"ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( نهى عن التطير )،وقال (لا طِيَرة )؛وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتطيرون،فنهاهم عن ذلك،وأمرهم بالتوكل على الله؛لأنه لا شيء في حكمه إلا ما شاء،ولا يعلم الغيب غيره".التمهيد ( 24 / 195)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :"فإذا تطير إنسان بشيء رآه أو سمعه; فإنه لا يعد مشركا شركا يخرجه من الملة، لكنه أشرك من حيث إنه اعتمد على هذا السبب الذي لم يجعله الله سببا، وهذا يضعف التوكل على الله ويوهن العزيمة، وبذلك يعتبر شركا من هذه الناحية، والقاعدة: "إن كل إنسان اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سببا; فإنه مشرك شركا أصغر.
وهذا نوع من الإشراك مع الله; إما في التشريع إن كان هذا السبب شرعيا،وإما في التقدير إن كان هذا السبب كونيا، لكن لو اعتقد هذا المتشائم المتطير أن هذا فاعل بنفسه دون الله; فهو مشرك شركا أكبر; لأنه جعل لله شريكا في الخلق والإيجاد.
ثم قال –رحمه الله- :"لا يجوز للإنسان أن ترده الطيرة عن حاجته، وإنما يتوكل على الله ولا يبالي بما رأى أو سمع أو حدث له عند مباشرته للفعل أول مرة; فإن بعض الناس إذا حصل له ما يكره في أول مباشرته الفعل تشاءم، وهذا خطأ; لأنه ما دامت هناك مصلحة دنيوية أو دينية; فلا تهتم بما حدث".القول المفيد (1/575-579)
2-أن يسأل الله تعالى أن ييسر له الخير ويبعد عنه شر الشيطان ووسوسته ، فعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ" قالوا :يا رَسُولَ اللَّهِ ما كَفَّارَةُ ذلك؟ قال:"أن يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللهم لاَ خَيْرَ إلا خَيْرُكَ وَلاَ طَيْرَ إلا طَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ".رواه الإمام أحمد في المسند(2/220) وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله- في الصحيحة(1056)
قال المناوي –رحمه الله-:"فينبغي لمن طرقته الطيرة أن يسأل الله تعالى الخير ويستعيذ به من الشر ويمضي في حاجته متوكلا عليه".فيض القدير(6/136)
قال الشيخ سليمان بن عبد الله –رحمه الله- :"هذا كفارة لما يقع من الطيرة، ولكن يمضي مع ذلك ويتوكل على الله، وفيه الاعتراف بأن الطير خلق مسخر مملوك لله، لا يأتي بخير ولا يدفع شرًّا، وأنه لا خير في الدنيا والآخرة إلا خير الله، فكل خير فيهما فهو من الله تعالى تفضلاً على عباده، وإحسانًا إليهم وأن الإلهية كلها لله ليس فيها لأحد من الملائكة والأنبياء عليهم السلام شركة، فضلاً عن أن يشرك فيها ما يراه ويسمعه مما يتشاءم به".تيسير العزيز الحميد(1/367)
قال الشيخ الفوزان –رحمه الله- :"فالحاصل؛ أن الطيرة تُعالج بهذه الأمور الثلاثة:
أولاً: التوكُّل على الله.
ثانياً: المضي وعدم التأثر بها، ولا تظهر على تصرُّفاتك، وما كأنها وُجدت.
والثالثة: أن تدعوَ بهذه الدعوات الواردة في الأحاديث، فإذا دعوتَ الله بهذه الدعوات فإن الله يعافيك من الطيرة ويُمدُّك بإعانته ونصره وتوفيقه". إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد(2/15)
فهذه الأوصاف الإيمانية والأدوية النبوية النافعة لمن أراد أن يتعالج من مرض التطير ويذهب عنه التشاؤم،بإذن الله .
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يطهر قلوبنا وقلوبكم من مرض الشرك و البدعة، ويثبتنا وإياكم على التوحيد والسنة فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





أبو عبد الله حمزة النايلي