المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبل أن يُذبح المنهج ...



أهــل الحـديث
11-12-2012, 07:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





قبل أن يُذبح المنهج ...


الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا نبى بعده ، و بعد :

أولاً : هو سبيلٌ واحد :

قال الله عز و جل :
{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ الانعام : 153] .

روى أحمد ، و النسائى ، و غيرهما جميعا عن عبد الله بن مسعود قال :
خط لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطاً ، فقال : " هذا سبيل الله " ، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ، ثم قال : " وهذه سُبل على كل سَبيل منها شيطان يَدعو إليه " ، ثم تلا : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا } إلى آخر الآية .

و ذكر الطبري في كتاب ( آداب النفوس ) : بسنده ...عن معمر عن أبان أن رجلاً سأل عبد الله بن مسعود : ما الصراط المستقيم ؟ قال: تركنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أدناه ، و طرفه في الجنة ، و عن يمينه جواد ، و عن يساره جواد ( جمع : جادة ، و هو الطريق ) ، و ثَمَّ رجال يدعون من مرَّ بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، و من أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} . نقلاً من تفسير القرطبى .

وروى ابن بطة فى الإبانة الكبرى ( 165 ) عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال :
أيها الناس إنه لا عذر لأحد بعد السنة فى ضلالة ركبها حسبها هدىً ، و لا في هدىً تركه حسبه ضلالة ، فقد بُيِّنت الأمور ، و ثبتت الحجة ، و انقطع العذر .

و عند ابن بطة ايضاً ( 189 ) عن عبد الله بن مسعود أنه قال :
يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا ( يعنى : مَفْصِل الأنملة ) فإن تركتموهم جاءوا بالطامة الكبرى .

و روى الإمام محمد بن نصر المروزى فى السنة ( 81 ) عن عبد الله بن مسعود أنه قال :
إنكم اليوم على الفطرة ، و إنكم ستُحدثون ، و يحدَثُ لكم ، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأول .

و قال شيخ الاسلام ابن تيمة كما في مجموع الفتاوى ( 4 /57 ) :

وَعَامَّةُ هَذِهِ الضَّلَالَاتِ إنَّمَا تَطَرُّقُ مَنْ لَمْ يَعْتَصِمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ : كَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ : " الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ هُوَ النَّجَاةُ " ، وَقَالَ مَالِكٌ " السُّنَّةُ سَفِينَةُ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ " . وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ وَالشَّرِيعَةَ وَالْمِنْهَاجَ : هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي يُوَصِّلُ الْعِبَادَ إلَى اللَّهِ . وَالرَّسُولُ : هُوَ الدَّلِيلُ الْهَادِي الْخِرِّيتُ فِي هَذَا الصِّرَاطِ . اهـ

و قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف و أصحاب الحديث ص / 297 :


العلم هو السنة ، و الجهل هو البدعة .



ثانياً : { وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] :


قال الله تعالى :
{ فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ]

قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ فى تفسيره ( 6 / 82 ) :

ولذلك يجب أن يُعلم أن من أشد عقوبات الذنوب أن يعاقب الإنسان بمرض القلب والعياذ بالله ، فالإنسان إذا عوقب بهلاك حبيب أو فقد محبوب من المال ، فهذه عقوبة لا شك ، لكن إذا عوقب بانسلاخ القلب فهذه العقوبة أشد ما يكون ؛ يقول ابن القيم :
و الله ما خوفي الذنوب فإنها لعلى طريق العفو و الغفران ، و إنما أخشى انسلاخ القلب من تحكيم هذا الوحي والقرآن ، هذا هو الذي يخشاه الإنسان العاقل ، أما المصائب الأخرى فهي كفارات و ربما تزيد العبد إيماناً. اهـ

و فى الحلية ( 8455 ) عن عطاء بن أبى رباح ـ رحمه الله ـ قال :


بلغنا أن الشهوة و الهوى يغلبان العلم و العقل و البيان .


وروى أبو نعيم فى الحلية ( 15559 ) عن أبى الحسين بن هند الفارسي قال :
المتمسك بكتاب الله هو الملاحظ للحق على دوام الأوقات ، و المتمسك بكتاب الله لا يخفى عليه شيء من أمر دينه ، بل يجري فى أوقاته على المشاهدة لا الغفلة ، فيأخذ الأشياء مَعْدنِها و يضعها فى مَعْدنِها .

و قال الإمام الشافعي كما فى الحلية (13337 ) :

ما أوردت الحق و الحجة على أحد فقبلها منَّي إلا هبته و اعتقدت مودته ، و لا كابر أحد على الحق و دفع الحجة الصحيحة إلا سقط من عيني و رفضته .

و روى الخطيب فى الفقيه و المتفقه ( 1150 ) عن إياس بن معاوية أنه قال :


إن البناء إذا بُني على غير أُسِّ لم يكد يَعتدل .
و الأُس : الأصل


و قال الحسن البصرى ـ رحمه الله ـ كما عند أبو نعيم فى الحلية ( 1825 ) :


إن العالم يرى الفتنة و هي مقبلة ، و يراها الجاهل و هي مدبرة .



ثالثاً : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ :

روى الخطيب البغدادي فى ( الفقيه و المتفقه ) عن ابن عباس ـ عليه الرضوان ـ قال ( 380 ) :

تمتع النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ( أي : في مناسك الحج ) فقال عروة بن الزبير : نهى أبو بكر و عمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : أراكم ستهلكون !! أقول : قال النبى ـ صلى الله عليه و سلم ـ و تقولون : أبو بكر و عمر . ( و فى رواية ) : هذا الذي أهلككم ، و الله ما أرى الإ سيعذبكم .

فقال عروة : هما و الله كانا أعلم بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أتبع لها منك .

قال الخطيب : قد كان أبو بكر و عمر على ما وصفهما به عروة ، إلا أنه لا ينبغي أن يُقَلَّدَ أحدٌ فى ترك ما ثبتت به سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ .

و روى ابن عبد البر ( 980 ) عن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ أنه قال :


إنما أنا بشر أخطئ و أصيب ، فانظروا في رأيي ، فكلما وافق الكتاب و السنة فخذوا به ، و كلما لم يوافق الكتاب و السنة فاتركوه .


و عند أبو نعيم فى الحلية ( 4007 ) : كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يوماً جالساً فغطى رأسه ، ثم اضطجع فبكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟! قال :


رياء ظاهر ، و شهوة خفية ، و الناس عند علمائهم كالصبيان في حجور أمهاتهم ، ما أمروهم به ائتمروا ، وما نهوهم عنه انتهوا . اهـ


و عن صالح بن مهران كما فى الحلية أنه قال ( 15726 ) :


كل صاحب صنعة لا يَقدر أن يعمل في صناعته إلا بآلة ، و آلة الإسلام العلمُ ، و إذا رأيت العالم لا يتورع في علمه فليس لك أن تأخذ منه .



و سُئل سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ كما فى الحلية ( 9315 ) :


أيُّ شيء شر ؟! قال : اللهم غَفراً ، العلماء ـ أي : إذا فسدوا .


و روى ابن أبي شيبة في المصنف في كتاب الفتن عن حذيفة بن اليمان ـ رضى الله عنه ـ قال ( 38725 ) :

إن أخوف ما أخاف عليكم أن تؤثروا ما ترون على ما تعلمون ، و أن تضلوا و أنتم لا تشعرون .


و عند ابن أبى شيبة فى المصنف ( 38498 ) و صححه الحاكم فى المستدرك عن حذيفة بن اليمان ـ رضى الله عنه ـ قال :

إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا ، فلينظر فإن كان رأى حلالا كان يراه حراما فقد أصابته الفتنة ، وإن كان يرى حراما كان يراه حلالا فقد أصابته .


و عن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ كما عند الدارمي ( 193 ) قال :
كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يَهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ، إذا ترك منها شيء ، قيل : تركت السنة ، قالوا : و متى ذلك ؟ قال : إذا ذهبت علماؤكم ، و كثرت جهلاؤكم ، و كثرت قراؤكم ، و قَلت فقهاؤكم ، و كثرت أمراؤكم ، و قَلت أمناؤكم ، و التمست الدنيا بعمل الآخرة ، و تفقه لغير الدين .

و روى ابن أبي شيبة فى المصنف من كتاب الفتن ( 38361 ) ، عن هلال بن خبَّاب قال :


سألت سعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟! قال : إذا هلك علماؤهم .


و لهلاك العلماء وجوه :

أولها : موتهم ، كما فى حديث قبض العلم بقبض العلماء وهو فى الصحيحين .

و الوجه الثانى : أن يشتروا بآيات الله ثمناً قليلا ً ، و يشتروا الدنيا بالاخرة ، فيهلك الناس بهلاكهم .

و الوجه الثالث : إذا حادوا بالناس عن المنهج القويم و الصراط المستقيم الذي كان عليه سلفنا الصالح ، و قالوا بآرائهم و قدّموها على قول الصحابة ، و من تبعهم بإحسان من الأئمة ، فابتدعوا في الدين ما ليس منه .


و أخيراً : جماعة واحدة لا جماعات :

روى أحمد فى مسنده ( 21607 ) ، و ابن خزيمة فى صحيحه ( 1486 ) عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول :


عليك بالجماعة ، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .



و عند ابن ماجة بسند صححة الألباني ( 3989 ) عن عوف بن مالك ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار "، قيل : يا رسول الله من هم ؟

قال : " الجماعة " .



و فى رواية : سئل ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن صفة هذه الجماعة فقال : ما أنا عليه وأصحابي .

و يقول الشيخ بكر أبو زيد في حكم الانتماء ألى الفرق و الأحزاب ص / 107 :

الاسلام مبني على الوحدانية ، فالرب الخالق المعبود واحد ، و الرسول واحد ، و القبلة و احدة ، و الحق واحد ، فالدعوة إلى ذلك واحدة بسبيل واحدة ، و المسلمون حزب واحد ، قال تعالى : { أولئك حِزْبُ الله أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون } [ المجادلة : 22 ] . اهـ

قلت :
و معلوم أن تعدد السُبل بتعدد الأحزاب حلٌّ لعُرى الجماعة ، و تبديد للسبيل إلى سُبل بينهما من الاختلاف و الاضطراب ما هو معلوم ، و لهذا يتوجب على أهل هذه الجماعة التماس طريق سلفهم الصالح حتى يعودوا بالمسلمين مرة أخرى إلى الخلافة الراشدة بعيداً عن أهواء الناس من تلك الحزبيات و البدع .

أخرج أحمد فى المسند ( 18406 ) و صححه الشيخ ناصر الدين فى الصحيحة ( 5 ) عن حذيفة بن اليمان ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ـ يعنى : طريق النبوة ـ ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً عاضاً ـ أي : وِراثيا ـ فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً جبرية ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت .

فلن تعود الأمة إلى الخلافة الراشدة ، و الحكم بشريعة الرحمن إلا بالتماس منهاج النبوة ، و الثبات عليه ، و الإيمان أنه لا سبيل سواه ، و التبرء من المناهج المخالفة له التى يُزين لها شياطين الانس و الجنِّ .

فنسأل الله بكرمه و لطفه الثبات على هذا المنهاج حتى الممات ، و أن يتوفانا على الامر العتيق .


و صلى الله على محمد و على اله و صحبه و سلم .


جمع و ترتيب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 19 / 3 / 2012