المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنبيه المعتني لمعنى قولهم “ فلان مودِ ”



أهــل الحـديث
03-12-2012, 02:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



تنبيه المعتني لمعنى قولهم “ فلان مودِ ”






بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد :

نقل أهل المصطلح اختلاف أهل العلم في ضبط وبيان معنى ما أطلقه بعض علماء الجرح والتعديل من قولهم بحروفه (( فلان مود )) .
فقال السخاوي في (فتح المغيث) (2/128-129) : ( وكذا ينبغي تأمل الصيغ فرب صيغة يختلف الأمر فيها بالنظر إلى اختلاف ضبطها ، كقولهم " فلان مود " ، فإنها اختُلف في ضبطها فمنهم من يخففها ، أي هالك ، قال في "الصحاح" : " أودى فلان أي هلك ، فهو مودٍ " ؛ ومنهم من يشددها مع الهمزة، أي حَسَن الأداء؛ أفاده شيخي في ترجمة سعد بن سعيد الأنصاري من "مختصر التهذيب" نقلاً عن أبي الحسن ابن القطان الفاسي، وكذا أثبت الوجهين كذلك في ضبطها ابن دقيق العيد ) . انتهى

وقد تتبعت من وقفت عليه ممن جمع في ألفاظ الجرح والتعديل, فلم أجدهم يخرجون عن هذين المعنيين في بيان قول علماء الجرح والتعديل (( فلان مود )) .
وبتتبع هذه اللفظة في كلام أئمة الحديث وبالأخص أئمة الجرح والتعديل منهم, ظهر لي وجود هذه اللفظة في عباراتهم كما يلي :

1- جاء في سؤالات أبي داود للإمام أحمد :
(309) - قلت لأحمد: عقيل - هو ابن خالد - عندك أكبر من يونس -هو أبن يزيد الأيلي -؟ قال: لا أدري، عقيل ويونس يؤدون الألفاظ.
(310) - معمر كان يحفظ الألفاظ لا يُؤدِّي .

2- وفي العلل ومعرفة الرجال :
(2543) - قلت له : أيما أثبت أصحاب الزهري ؟ فقال : لكل واحد منهم علة إلا أن يونس وعقيلًا يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة وليس هم مثل معمر , معمر يقاربهم في الإسناد.

3- وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم :
قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (4/84) في سعد بن سعيد بن قيس : (سمعت أبي يقول : سعد بن سعيد الأنصاري مؤدي، قال أبو محمد : يعني أنه كان لا يحفظ ، يؤدي ما سمع).

4- وقال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (1/81): (نا محمد بن يحيى انا مسدد قال : قال لي يحيى بن سعيد : قال لي سفيان بن سعيد : كان ابن أبي ليلى مؤدياً، يعني أنه لم يكن بحافظ).

5- وجاء أيضًا في الجرح والتعديل :
قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (7/221-222) : (سألت أبي عن محمد بن جعفر غندر ، فقال : كان صدوقاً ، وكان مؤدياً ، وفي حديث شعبة ثقة) ونقل الذهبي في السير قول أبي حاتم في غندر ولكنه زاد فيه فقال : قال أبو حاتم الرازي: كان غندر صدوقًا مؤديًا، وفي حديث شعبة ثقة، وأما في غير شعبة، فيكتب حديثه، ولا يحتج به.

6- وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (723) :
قال ابن أبي حاتم : سئل أبى عن أبى حذيفة النهدي موسى بن مسعود ومحمد بن كثير .
قال : ما أقربهما وكانا مؤذنين . وسئل عن مؤمل بن إسماعيل وأبى حذيفة فقال : في كتبهما خطأ كثير , وأبو حذيفة اقلهما خطأ.

قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي في الحاشية معلقًا على لفظة (مؤذنين) : مثله في التهذيب ووقع في م (مؤدبين) ولا يبعد أن يكون الصواب (مؤديين) وكلمة مؤدي فسرها المؤلف في ترجمة سعد بن سعيد الأنصاري فراجعها. انتهى

قلت : بعد النظر في تراجم موسى بن مسعود النهدي ومحمد بن كثير العبدي, ترجح لي قوة اختيار الشيخ المعلمي, بالإضافة إلى أني لم أجد من ذكرهما بالتأذين, وأما بالتأديب فقد ذُكر النهدي به عند الذهبي فقط بصيغة التمريض ولم يعزوه, وأما ابن كثير العبدي فلم يُذكر بالتأديب, وزد على ذلك بأن صنيع أبي حاتم وجمعه لهما في صفة واحدة وهي التأذين لا معنى له في بيان حالهما, وأما إذا كانت الصفة هي التأدية فمتجه للكشف عن حالهما, وزد على ذلك بأن حالهما قريب ممن وصف بأنه مؤدي كما ستراه في ملحق التراجم والله أعلم.

تنبيه وإيقاظ :
قد يُشكل على البعض أن بعض من ذكروا في الأمثلة السابقة ممن وصفوا بـ ( مؤدّي ) هم من المشهورين الثقات كأصحاب الزهري يونس وعُقيل وكغندر صاحب شعبة, ولا إشكال في ذلك عند من تنبه للفرق بين الوصف المطلق بـ ( مؤدّي ) وبين الوصف بذلك عند المقارنة بغيره من أقرانه في التوثيق والحفظ, ويزول الإشكال عند التنبه إلى أن بعض الرواة يكون مشهورًا بالتوثيق في حال دون حال, علمًا بأن مدار البحث عن معنى المصطلح ( مؤدّي ) وليس عن ذوات الرواة المذكورين في الأمثلة, فالحكم على آحاد الرواة كما هو معلوم يكون بجمع ما قيل فيه من أوصاف وألفاظ أئمة الجرح والتعديل لذا لزم التنبيه.

ومما تقدم يظهر أن الأئمة تواطئوا على قصدهم بـ ( مودى ) أي ( مؤدّي ) بالتشديد مع الهمزة, وتواطئوا على تفسير الأداء بأنه ضد الحفظ كما يلي :

- قال الإمام أحمد ( عقيل ويونس يؤدون الألفاظ, معمر كان يحفظ الألفاظ لا يُؤدِّي ) .

- وقال أبو حاتم في غندر ( وكان مؤديًا، وفي حديث شعبة ثقة ) فوثقه في شعبة فقط وأثبت له الأداء في غيره, وهذا ما فهمه الذهبي فقال في غندر ( كان غندر صدوقًا مؤديًا، وفي حديث شعبة ثقة، وأما في غير شعبة، فيكتب حديثه، ولا يحتج به ).

- وقال ابن أبي حاتم مفسرًا قول والده في سعد بن سعيد الأنصاري حين وصفه بـ ( مودي ) فقال رحمه الله : ( يعني أنه كان لا يحفظ، يؤدي ما سمع ).

- وكذلك فعل ابن أبي حاتم عند ذكر محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى حين وُصف بأنه ( مودي ) فقال : ( يعني أنه لم يكن بحافظ).

والملاحظ أن أغلب من وُصف بأنه مؤدي ممن مرَّ ذكره, يجتمعون في صفات وهي أنهم من أهل الصدق والفضل, لكنهم سيئو الحفظ, ومنهم صاحب كتاب, فإذا حدّثوا من كتبهم ضبطوا وإذا حدّثوا من حفظهم خلطوا وجاءوا بالأوهام, فلعل من أطلق عليهم صفة الأداء أراد منع إهدارهم جملة مع الاحتياط عند قبول مروياتهم لأن الأصل فيهم سوء الحفظ ووقوع الوهم .

وقد جاء عن الإمام مسلم في كتابه التمييز ما يوحي بهذا المعنى فقد أطلق على من هذه حاله وصف ( المؤدّي ) فقال الإمام مسلم رحمه الله : ( وقد اشترط النبي صلى الله عليه و سلم على سامع حديثه ومبلغه حين دعا له أن يعيه، ويحفظ ثم يؤديه كما سمعه.
فالمؤدي لذلك بالتوهم غير المتيقن مؤد على خلاف ما شرط النبي صلى الله عليه و سلم .... فإن كان المؤدي جاء بخبر عن الرسول صلى الله عليه و سلم بالتوهم، قد أزال معنى الخبر بتوهمه عن الجهة التي قاله، بنقصان فيه أو زيادة ) انتهى المقصود .

فالذي يظهر أن هذا المصطلح عند من أطلقه من الأئمة مأخوذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : " نضر الله امرأ سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه " .
وفي لفظ : " نضر الله امرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه " .
وفي لفظ : " نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها " .

قال العسكري في (الفروق اللغوية ص30-31) : " الفرق بين الأداء والإبلاغ : قد يفرق بينهما بأن الإبلاغ : إيصال ما فيه بيان وإفهام ومنه البلاغة، وهو إيصال الشيء إلى النفس بأحسن صورة من اللفظ.
والأداء : إيصال الشيء على الوجه الذي يجب فيه .
ومنه : فلان أدى الدين أداء .
وقال بعض المحققين : الإبلاغ : يستعمل في المعاني كما في قوله سبحانه { لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ } .
والأداء في الأعيان كما في قوله سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } ". انتهى

قلت : فعلى الفرق بين الأداء والبلاغ لغةً, وبناء على ما جاء في الحديث من اشتراط الوعي والحفظ, فيظهر أن مقصود الأئمة من قولهم ( مؤدّي ) : أي يؤدي الخبر دون ضبط لتمامه وإتقان لألفاظه, وإن كان قد أدّى ما يسمى به مؤديًا لا مبلغًا والله تعالى أعلم .

وبهذا يظهر أن تفسير وصف ( مؤدّي ) بحَسَنُ الأداء فيه بُعدٌ وقد اعترض عليه الباحث محمد خلف سلامة بكلام طيب ونصه : " وأما تفسير ابن القطان لهذه الكلمة فلا أعلم مَن هو سلفه فيه ولا مستنده فيه؛ ثم إنَّ مما يريب في صحته - مع معارضته لتفسير ابن أبي حاتم - أن سعد بن سعيد وابن أبي ليلى ضعيفان عند النقاد، والضعيف كيف يوصف بأنه حسن الأداء ؟! فإنّ حُسن الأداء إن كان المراد به أنه يحدِّث بما سمعه كما سمعه، وأنه يتثبت في أدائه ، فهذا وصف يليق بالثقات ؛ وأما إن كان معناها حسن الأداء المجرد، أي مع قطع النظر عن مطابقة ما أداه لما تحمله، فتكون العبارة محمولة على المعنى اللغوي أي أنه يؤدي الحديث بطريقة واضحة هادئة تعين الطالب على تحمله بإتقان ويسر وسهولة سواء كان ذلك الحديث صحيحاً أو غير صحيح، وأنه يَشترط في مجلس تحديثه شروطاً حسنة قوية وآداباً جميلة شرعية ، فهذا المعنى بعيد عن عرف المحدثين ، والمعنى العرفي للعبارة مقدم على معناها في اللغة ، ثم إن من لا يؤدي الحديث كما سمعه فكيف يوصف بحسن الأداء ، حتى عند إرادة المعنى اللغوي للعبارة ؟ " . انتهى[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn1)

فالحاصل أن تحسين حديث من وصف بالمؤدّي مطلقًا فيه نظر , والواجب التوقف فيه حتى يعضده غيره من المتابعات أو الشواهد أو القرائن الدالة على ثبوت الرواية والله تعالى أعلم .

فهذا جهد بسيط تطفلت فيه على أهل الفن, لعلي أصيب به ما أصابوا من الخير, فما كان من صواب فبتوفيق من الله وحده جل في علاه, وما كان من خطأ فمن جرأتي ومن الشيطان اللعين أخزاه الله والحمد لله رب العالمين, وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه / علي بن عمر النهدي
في رمضان لعام 1431 للهجرة وأتمه في 16 من ذي القعدة من نفس العام .

[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref1) لسان المحدثين نسخة الشاملة .