المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حديث الآحاد بين اشكالية الإصطلاح وسلبية المضمون - عصر النصر



أهــل الحـديث
01-12-2012, 11:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



حديث الاحاد
بين اشكالية الاصطلاح وسلبية المضمون

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى اله وصحبه اجمعين والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين، أما بعد:

فقد مثل حديث الآحاد على مر التاريخ موضع اختلاف ونزاع بين العلماء المسلمين، إذ أحدث هذا المصطلح إشكاليةً علمية في الاصطلاح أولا ثم في المضمون الذي احتواه، مما كان له اثر بالغ فيما بعد في عدة قضايا من أهمها قضية الاستدلال والاعتبار لهذا النوع من الحديث في سائر أبواب العلم .

ومن هنا يأتي هذا المقال ليلقي الضوء على هذا الموضوع المهم الذي له في التاريخ حظوة عززتها الاختلافات العقدية.

البناء المصطلحي عند علماء الحديث :

يمثل المصطلح مرحلة من مراحل العلم عموما، وهو في كل علم دليل على نضجه واكتماله، كما أن لكل علم من العلوم خصوصياتٍ بنيويةً تظهر في تركيبه المصطلحي، فالعلوم الشرعية مثلا تختلف اصطلاحاتها عن العلوم التجريبية من حيث إن المراد بالأول الامتثال لأمر الشارع الحكيم... إلى غير ذلك من الفروقات، وكذلك العلوم الإسلامية تختلف فيما بينها في عملية البناء المصطلحي، وهذا يعود كما قدمت لخصوصية كل علم من هذه العلوم، ومن هنا يمكن القول: إن لعلم الحديث خصوصياتٍ ظهرت بصورة جلية في مصطلحاته، ومن أبرز هذه الخصوصيات :

أ****- واقعية علم الحديث:

فهو علم يتعامل مع السنة النبوية على أنها أمر واقع مُتَمَثِلَةً بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، وهذا بطبيعة الحال انعكس على مصطلحاته فهي تعبر عن واقعية بحيث تبعد عن الفرض والترف العلمي.

فتجد علماء الحديث لا يتوسعون في اطلاق المصطلحات، بل يضيّقون حتى إن المصطلح الواحد يشمل أكثر من معنى، فتجد دلالته واسعة، خصوصا عند المتقدين من اهل الحديث.

واما البعد عن الفرض فهو امر ضروري بالنسبة لعلماء الحديث يعود الى غرضهم من معالجة الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم, المنسوبة اليه.

ب****- علاقته المباشرة بالحديث النبوي:

وهو ما يعبر عنه بالأصالة: حيث يعد تمييز الأخبار, والحكم عليها, ووضعها في مراتبها الحكمية, اهم اعمال علم الحديث فكانت اطلاقاته تراعي هذه الاغراض العلمية, فهو يميز بين اطلاق الصحيح على ما توفرت فيه شروطه وبين الضعيف عند اختلال شرط او اكثر ، كما يميز بين أنواع الضعيف بدقة تعبر عن اصالته فلا يطلق النكارة الا في حدود معينة ذات مقاييس حديثية, كمخالفة الضعيف للثقات, او تفرده في موضع لا يحتمل تفرده, او مخالفته لأصل, او لما هو صحيح.

ومن هنا يظهر لنا دقة اهل الحديث في اطلاق الالقاب الحديثية ، حيث راعى علماء الحديث بالاضافة الى ما ذكر الجانب الشرعي في اطلاق القابهم ، من ذلك مراعاتهم لدرجات الضعيف ، فما كان ضعفه قريب لم يجوزوا ان يطلقوا عليه النكارة او الشذوذ ومن باب أولى الوضع .

عوامل البناء المصطلحي عند المحدثين :

من تأمل في اصطلاحات الحديث يرى انها تتضمن معانيَ يصح ان يطلق عليها عوامل بناء للمصطلح الحديثي هي :

1- المعنى اللغوي ، حيث يعد القاعدة الاساسية ، للبناء المصطلحي ، وقد مثل هذا المعنى المفهوم الاولي للمصطلح الحديثي, وهو متميز بالاتساع ، وهذه طبيعية المفاهيم عموما ، وهذا لازم لكل مصطلح فلا بد ان ينطلق في بادئ أمره من المعنى اللغوي .

ومن هنا يظهر لنا خطأ كثير من المتأخرين في التعامل مع المفاهيم الحديثية ، فمنهم من أهملها على اعتبار انها معنى لغوي لا اصطلاحي ، ومنهم من تعامل معها تعامل المصطلح وبنا عليها احكاما .

2- الدرجة الحكمية : يمكن ان نصنف المصطلحات الحديثية في الغالب في نوع المصطلح النقدي وهو الذي يتماشى وطبيعية هذا العلم كما تقدم, حيث يعمل على تميز انواع الحديث ، وهي تمثل حاجة واقعية جاءت مع تقدم الوقت حيث تعددت الأخبار وتنوعت , وهذا يقتضي ان يوضع لكل حديث مرتبة تناسبه, ومن ثمَّ تكون اساسا لكثير من الاحكام الحديثية.

3- نوع الضعف : وهو اخص مما سبق ، حيث يُعنى المصطلح الحديثي ببيان درجة الحديث من حيث صحته وضعفه ، وهو مقياس دقيق لا يعرف له التاريخ مثيل ، كما يراعى في نوع الضعف ما يتعلق بالإسناد او المتن فتجد ان هناك مصطلحات تعم الاثنين ومنها ما يفرق .

4- درجة الضعف : فما دام ان القاعدة الأساسية والعامل الأساسي في تكوين المصطلح هو إعمال المعاني اللغوية ، فلا بد ان يعبر عن كل نوع من انواع الضعف بما يناسبه ، وقد اعتنى اهل الحديث ببيان هذه الفروقات بين انواع الحديث من خلال مصطلحاته وبنوا على ذلك أحكاما .

اذن من تأمل ما تقدم من عوامل بناء المصطلحات الحديثية ونظر في الواقع التطبيقي لعلماء لعلماء الحديث استطاع ان يتعرف على خصائص المصطلحات الحديثية ، ومن ثم استطاع التميز بين المصطلح الذي يجري على مقاييس صحيحة ، والمصطلح الذي فقدت من بنائه تلك المقاييس .

مصطلح الاحاد :

اتفقت كلمة الباحثين على ان اول من ادخل مصطلح الاحاد في ضمن المصطلحات الحديثية هم المعتزلة وذلك من خلال تقسيم السنة الى قسمين احاد وتواتر ، الا ان هذا التقسيم لم يلق رواجا في صفوف اهل الحديث الاوائل منهم لغربت معناه وبعده عن واقعهم الحديثي، لذلك كانت كتب علوم الحديث المسندة التي تعتبر اول ما صنف في هذا الباب خالية من مثل هذا التقسيم ، ككتاب "المحدث الفاصل " للرامهرمزي ،و " معرفة علوم الحديث" للحاكم ابي عبدالله، واول من ادخله من علماء الحديث هو الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه "الكفاية في اصول الرواية"، وقد كان لهذا الادخال اسباب يضيق المقام عن ذكرها،الا اني اكتفي بسبب واحد يعد مقنعا في تعليل فعل الخطيب وهو من هو في علم الحديث الا وهو وجوب العمل بخبر الاحاد اذا كان صحيحا، وهذا المعنى قد افرغ عملية التقسيم من مضمونها عند بعض اهل الحديث اقصد المتأخرين منهم.

ولكن هل يصح ادخال هذا المصطلح في ضمن المصطلحات الحديثية؟!

لمعرفة الجواب عن هذا لا بد من النظر فيما تقدم ذكره من عوامل البناء المصطلحي وبعد ذلك تطبيقها على مصطلح الاحاد .

اولا :من جهة المفهوم : لو تجاوزنا المرحلة المتأخرة التي ظهر فيها مصطلح الاحاد وهذا بطبيعة الحال كفيل برده ،ثم نظرنا في وجود مفهوم اولي يعبر عن مصطلح الاحاد من بين المفاهيم التي استخدمها علماء الحديث الاوائل من الصحابة والتابعين واتباعهم لما وجدنا له اي مفهوم يصح ان يعبر عنه على عكس بقية المصطلحات الحديثية.

ثانيا: من جهة المعنى: تقدم معنا ان المصطلحات الحديثية جاءت معبرة عن واقع ؛ لذلك جاءت معانيها تمثل حقيقة السنة النبوية ، معبرة عن خصائصها فكانت الأحكام المترتبة عليها فيها مراعاة لهذا الجانب ، واما مصطلح الاحاد فلا مراعاة فيه لخصوصيات علم الحديث فإن المعنى الذي اشتمل عليه هذا المصطلح وقسيمه المتواتر تقوم على تقسيم السنن والتفريق بينها بلا موجب للتفريق، كما سيأتي في القسم الثاني من المقال تفصيل ذلك.

كما تقدم معنا ان المصطلحات الحديثية في غالبها مصطلحات تتضمن معانىَ نقدية حيث تميز بين أنواع الاحاديث من جهة الصحة والضعف، ومن جهة درجات كل منهما، ونوع الضعف الذي تضمنه، وهذه المعاني هي التي تتناسب مع الحديث النبوي، واما ما تضمنه مصطلح الاحاد ومثله التواتر من معنى فلا يتناسب مع الحديث النبوي لما تقدم.

ثالثا : من تأمل في شروط الحديث الصحيح وهي خمسة متفق عليها بين اهل الحديث ، وهي بإجمال: الاتصال ، والعدالة ، والضبط ، ونفي الشذوذ, ونفي العلة .

ومن نظر في المصطلحات الحديثية يرى انها تنسجم تماما مع هذه الشروط وتعبر عن مضمونها مثال ذلك لو نظرنا في شرط اتصال السند لوجدنا ان عددًا من المصطلحات تتعلق به حيث يعد الانقطاع القاعدة الاساسية لها وهي المنقطع, والمرسل, والمدلس, والمعلق, والمعضل.

وفي نفي الشذوذ والذي هو –اي الشذوذ- جزء من منظومة التفرد- تتعلق مصطلحات الفرد, والغريب, والشاذ, والمنكر, وزيادة الثقة، وهذا الامر لا ينطبق على مصطلح الاحاد فلا يتعلق باتصال ولا ضبط ولا عدالة ولا نفي شذوذ او علة.

وهنا نخلص الى غربة مصطلح الاحاد عن بقية مصطلحات الحديث, وانه مصطلح افتراضي لا يعبر عن واقع علم الحديث وهو بالمباحث الاصولية اشبه منه بالمباحث الحديثية.

ولعل هذا كما تقدم من أسباب إدخاله الى علم الحديث حيث تأثر بعلم اصول الفقه, وهذا له أسباب لا يتسع المقام لذكرها.

- مضمون حيث الاحاد:

واما ما يتعلق بالمعنى الذي اشتمل عليه مصطلح الاحاد ، فإنه يقوم على حصر طرق الاحاديث وينظر الى عددها ثم يبني على هذا التفريق احكاما يسلم بعضها من نقد ولا يسلم كثير منها ، واهم ما في هذا التقسيم انه فرق بين انواع الاحاديث بلا موجب شرعي ، كما انه –اي التقسيم – عزز جانبا من جوانب القوة والضعف وهو مراعاة العدد دون غيره من موجبات القوة في تصحيح الاحاديث الا ان اهم قضية اشتمل عليها مصطلح الاحاد ، هي قضية ظنية الاحاديث حيث ذهب اكثر المتكلمين الى ان احاديث الاحاد تفيد الظن وجعلوا ذلك قاعدة مطردة في كل احاديث الاحاد ، وقد احتجوا بعدة ادلة ، الا ان الذي يعنينا هنا هي تلك الاحكام المترتبة على القول بظنية احاديث الاحاد ، وقد اختلف القائلون بهذا ولهم في ذلك طريقتان :

- الاولى : طريقة المعتزلة : حيث ذهبوا الى تعميم القول بظنية احاديث الاحاد حتى شمل اصولهم العملية والعلمية .

- الثاني : طريقة الاشاعرة ، خصوصا المتأخرين منهم ، ومن نحى نحوهم كالماتريدية ، حيث اعملوا هذا الامر في اصولهم العلمية لا العملية ، ومن هنا قالوا بوجوب العمل بحديث الاحاد ، ومرادهم في الفقهيات لا مسائل الاعتقاد ، وهذه الطريقة هي التي ورثتها كثير من الفرق والجماعات المعاصرة .

ومن هنا اغفلت كثير من المسائل الاعتقاد التي دلت عليها طائفة من الاحاديث النبوية بحجة انها احاديث احاد وان دلالة الاحاد ظنية ، وعلى هذا بني تقديم العقل باعتبار ان دلالته قطعية وحججه ظاهرة وقوية لا خلاف بين العقلاء فيها !!

من تأمل في صفحات التاريخ الاسلامي يجد انه حفل بقدر كبير من الخلاف في قضايا الاعتقاد سواء في ذلك المسائل او الدلائل او طرق البحث والنظر فاتخذت كل فرقة او طائفة طريقة تسير عليها .

والناظر يلحظ ان من اعظم القضايا التي اثرت في كتابة التاريخ العقدي للمسلمين هي قضية الظن في احاديث الاحاد من خلال اصولها التي بنيت عليها, وعوامل وجودها, او من خلال اثرها في المسائل العقدية و وبهذا يظهر لنا ما في مصطلح الاحاد من إشكالية من جهة مصطلحه وما فيه من سلبية من جهة معناه ومضمونه.


كتبه:
الشيخ عصر بن محمد النصر الأردني
باحث دكتوراة في علوم السنة النبوية
الرمثا - الأردن