المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما ورد في حديث الإسراء وظاهر الآية من الدنو



فيصل السلمي
16-02-2006, 12:12 AM
ما ورد في حديث الإسراء وظاهر الآية من الدنو

--------------------------------------------------------------------------------

ما ورد في حديث الإسراء وظاهر الآية من الدنو

والقرب من قوله (دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) فأكثر المفسرين أن الدنو والتدلى منقسم ما بين محمد وجبريل عليهما السلام أو مختص
بأحدهما من الآخر أو من السدرة المنتهى قال الرازي وقال ابن عباس هو محمد دنا فتدلى من ربه وقيل معنى دنا قرب وتدلى زاد في القرب وقيل هما بمعنى واحد أي قرب وحكى مكى والماوردي عن ابن عباس هو الرب دنا من محمد فتدلى إليه أي أمره وحكمه * وحكى النقاش عن الحسن قال دنا من عبده محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى فقرب منه فأراه ما شاء أن يريه من قدرته وعظمته قال وقال ابن عباس هو مقدم ومؤخر تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه قال فارقني جبريل وانقطعت عنى الأصوات وسمعت كلام ربى عز وجل وعن أنس في الصحيح (عرج بى جبريل إلى سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه بما شاء وأوحى إليه خمسين صلاة) وذكر حديث الإسراء وعن محمد بن
__________
(قوله قاب قوسين) في الكشاف أي مقدار قوسين عربيتين والقاب والقيب والقاد والقيد والقيس: المقدار والتقدير في الآية فكان مسافة قربه مثل قاب قوسين، وفى أنوار التنزيل: والمقصود من الآية تمثيل تحقيق استماعه لما يوحى إليه بنفى البعد والملبس (قوله الرفرف) في البيان: الرفرف البساط) وقيل لما كان من الديباج وقيل الفراش وفى الصحاح الرفرف ثياب خضر يتخذ منها المحابس: الواحدة رفرفة والرفرف أيضا كسر الخبا وجوانب الدرع وما يدلى منه: الواحدة رفرفة (*)

كعب هو محمد دنا من ربه فكان قاب قوسين.
وقال جعفر بن محمد أدناه ربه منه حتى كان منه كقاب قوسين.
وقال جعفر بن محمد والدنو من الله لا حد له ومن العباد بالحدود.
وقال أيضا انقطعت الكيفية
عن الدنو: ألا ترى كيف حجب جبريل عن دنوه ودنا محمد إلى ما أودع قلبه من المعرفة والإيمان فتدلى بسكون قلبه إلى ما أدناه وزال عن قلبه الشك والارتياب ؟ قال القاضى أبو الفضل وفقه الله: اعلم أن ما وقع من إضافة الدنو والقرب هنا من الله أو إلى الله فليس بدنو مكان ولا قرب مدى بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمد الصادق ليس بدنو حد وإنما دنو النبي صلى الله عليه وسلم من ربه.
وقربه منه إبانة عظيمه منزلته وتشريف رتبته وإشراق أنوار معرفته ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته ومن الله تعالى له مبرة وتأنيس وبسط وإكرام ويتأول فيه ما يتأول في قوله: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا.
على أحد الوجوه نزول إفضال وإجمال وقبول وإحسان قال الواسطي من توهم أنه بنفسه دنا جعل ثم مسافة بل كل ما دنا بنفسه من الحق تدلى بعدا يعنى عن درك حقيقته إذ لا دنو للحق ولا بعد وقوله قاب قوسين أو أدنى فمن جعل الضمير عائدا إلى الله تعالى لا إلى جبريل على هذا كان عبارة عن نهاية القرب ولطف المحل وإيضاح المعرفة والإشراف على الحقيقة من محمد صلى الله عليه وسلم وعبارة عن إجابة لرغبة وقضاء
__________
(قوله مدى) بفتح الميم وتخفيف المهملة والتنوين أي غاية (قوله مبرة) أي برا (*)

المطالب وإظهار التحفى وإنافة المنزلة والمرتبة من الله له ويتأول فيه ما يتأول في قوله (من تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا ومن أتانى يمشى أتيته هرولة) قرب بالإجابة والقبول وإتيان بالإحسان وتعجيل المأمول.
فصل) في ذكر تفضيله صلى الله عليه وسلم في القيامة
بخصوص الكرامة حدثنا القاضى أبو على حدثنا أبو الفضل وأبو الحسين قالا أخبرنا أبو يعلى حدثنا السنجى حدثنا ابن محبوب حدثنا الترمذي حدثنا الحسين ابن يزيد الكوفى حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن الربيع ابن أنس عن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا أيسوا، لواء الحمد بيدى وأنا أكرم ولد آدم على ربى ولا فخر) * وفى رواية ابن زخر عن الربيع بن أنس في لفظ هذا الحديث
__________
(قوله التحفى) بالمثناة الفوقية والحاء المهملة المفتوحة والفاء المشددة المكسورة أي المبالغة في الإلطاف والإكرام (قوله وإنافة) بكسر الهمزة وتخفيف النون أي زيادة (قوله وأبو الحسين) هو المبارك بن عبد الجبار، وفى بعض النسخ الحسن غير مصغر وليس بالحسين (قوله عن ليث) هو ابن أبى سليم بضم السين وفتح اللام أبو بكر القرشى مولاهم الكوفى أحد العلماء، يروى عن مجاهد وطبقته (قوله ولا فخر) أي قلت ذلك امتثالا بأمر ربى لا افتخارا (قوله ابن زخر) الإفريقى العابد (*)

(أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا شفيعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا أبلسوا لواء الكرم بيدى وأنا أكرم ولد آدم على ربى ولا فخر ويطوف على ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون) وعن أبى هريرة رضى الله عنه (وأكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيرى) وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما نبى يومئذ
آدم فمن سواه إلا تحت لوائى وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر) وعن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع) وعن ابن عباس رضى الله عنهما (أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لى فأدخلها فيدخلها معى فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر) وعن أنس (أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الناس تبعا) وعن أنس
__________
(قوله أبلسوا) أي يئسوا ومنه قوله تعالى (فإذا هم مبلسون) (قوله حلق الجنة) الحلقة بالتسكين الدروع، وكذلك حلقة الباب وحلقة القوم، والجمع: الحلق على غير قياس، وقال الأصمعى: الجمع حلق مثل بدرة وبدر وقصعة وقصع، وحكى يونس عن أبى عمرو بن العلاء حلقة في الواحد بالتحريك والجمع حلق وحلقات (*)

رضى الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا سيد الناس يوم القيامة وتدرون لم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين.
) وذكر حديث الشفاعة وعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال (أطمع أن أكون أعظم الأنبياء أجرا يوم القيامة) وفى حديث آخر (أما ترضون أن يكون إبراهيم وعيسى فيكم يوم القيامة ؟ ثم قال إنهما في أمتى يوم القيامة: أما إبراهيم فيقول أنت دعوتي وذريتي فاجعلني من أمتك وأما عيسى فالأنبياء إخوة بنو علات أمهاتهم شتى وإن عيسى أخى ليس بينى وبينه نبى وأنا أولى الناس به) قوله أنا سيد الناس يوم القيامة هو سيدهم في الدنيا ويوم القيامة ولكن أشار صلى الله عليه وسلم لانفراده فيه بالسودد والشفاعة دون غيره إذ لجأ الناس إليه في ذلك فلم يجدوا
سواه والسيد هو الذى يلجأ الناس إليه في حوائجهم فكان حينئذ سيدا منفردا من بين البشر لم يزاحمه أحد في ذلك ولا ادعاه كما قال تعالى (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) والملك له تعالى في الدنيا والآخرة لكن في الآخرة انقطعت دعوى المدعين لذلك في الدنيا وكذلك لجأ إلى محمد صلى الله عليه وسلم جميع الناس في الشفاعة فكان
__________
(قوله بنو علات) العلات بفتح العين المهملة جمع علة وهى الضرة سميت بذلك لأن الرجل تزوجها على أولى كانت قبلها، ثم عل من هذه والعلل الشرب الثاني فبنوا العلات أولاد الرجل من نسوة شئ، والمعنى أن الأنبياء متفقون في أصول الشريعة متباينون في فروعها.



سيدهم في الأخرى دون دعوى وعن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (آتى باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك) وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حوضى مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك كيزانه كنجوم السماء من شرب منه لم يظمأ أبدا) وعن أبى ذر نحوه وقال طوله ما بين عمان إلى أيلة يشخب فيه ميزابان من الجنة * وعن ثوبان مثله وقال أحدهما من ذهب والآخر من ورق، وفى رواية حارثة بن وهب كما بين المدينة وصنعاء
__________
(قوله وعن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم (قوله من الورق) بفتح الواو وكسر الراء وهى الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة بتعويض الهاء في آخره عن الواو في أوله (قوله عمان) قال ابن الأثير حديث الحوض من مقامي إلى عمان بفتح العين
وتشديد الميم مدينة قديمة بالشام من أرض البلقاء فأما بالضم والتخفيف فهو صقع عند البحرين وله ذكر في الحديث وقال السهيلي عمان بضم العين وتخفيف الميم قرية باليمن سميت بعمان بن سنان من ولد إبراهيم فيما ذكروا، وأما بفتح العين وتشديد الميم فقرية بالشام قرب دمشق سميت بعمان بن لوط بن هاران كان يسكنها فيما ذكروا وقال المزى يتعين ضم العين والتخفيف لقوله في الحديث الآخر أيلة وصنعاء (قوله إلى أيلة) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية بلدة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين المدينة الشريفة وبين دمشق، وبينها وبين مصر نحو ثمان مراحل (قوله يشخب) بضم الخاء المعجمة وفتحها (قوله حارثة) بالحاء المهملة والمثلثة (قوله وصنعاء) بفتح الصاد المهملة وسكون النون بعدها عين مهملة وهمزة ممدودة: مدينة اليمن العظمى وهى صنعاء اليمن ويقال في النسب إليها صنعاني على غير قياس، وأما صنعاء الروم فقرية في الجانب الغربي من دمشق في ناحية الروم (14 - 1) (*)

وقال أنس أيلة وصنعاء وقال ابن عمر كما بين الكوفة والحجر الأسود، وروى حديث الحوض أيضا أنس وجابر بن سمرة وابن عمر وعقبة ابن عامر وحارثة بن وهب الخزاعى والمستورد وأبو برزة الأسلمي وحذيفة بن اليمان وأبو أمامة وزيد بن أرقم وابن مسعود وعبد الله ابن زيد وسهل بن سعد وسويد بن جبلة وأبو بكر وعمر بن الخطاب وابن بريدة وأبو سعيد الخدرى وعبد الله الصنابحى وأبو هريرة والبراء وجندب وعائشة وأسماء بنتا إبى بكر وأبو بكرة وخولة بنت قيس، وغيرهم رضى الله عنهم أجمعين.
(فصل) في تفضيله بالمحبة والخلة: جاءت بذلك الآثار الصحيحة واختص على ألسنة المسلمين بحبيب الله.
أخبرنا أبو القاسم بن إبراهيم
الخطيب وغيره عن كريمة بنت أحمد حدثنا أبو الهيثم وحدثنا حسين
__________
(قوله والمستورد) بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح المثناة الفوقية هو ابن شداد بالشين المعجمة (قوله وأبو برزة) بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها زاى (قوله وسويد بن جبلة) سويد بضم السين المهملة وفتح الواو وجبلة بفتح الجيم والباء الموحدة (قوله الصنابحى) بضم الصاد المهملة وتخفيف النون وكسر الباء الموحدة والحاء المهملة، قيل صحابي نسب إلى جده اسمه صنابح (قوله جندب) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها، هو ابن عبد الله بن صعنان البجلى (قوله وخولة بنت قيس) هي الأنصارية النجارية زوج حمزة بن عبد المطلب وقيل زوج حمزة خولة بنت تامر وقيل تامر لقب قيس (قوله عن كريمة) قال ابن ماكولا كريمة بفتح الكاف وكسر الراء ثم قال وكريمة بنت أحمد بن محمد المروزية سمعت جامع البخاري من الكشميهنى.



ابن محمد الحافظ سماعا عليه حدثنا القاضى أبو الوليد حدثنا عبد بن أحمد حدثنا أبو الهيثم حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف حدثنا محمد ابن إسماعيل حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح حدثنا أبو النضر عن بسر بن سعيد عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت أبا بكر) وفى حديث آخر (وإن صاحبكم خليل الله) ومن طريق عبد الله بن مسعود وفد اتخذ الله صاحبكم خليلا، وعن ابن عباس قال جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرونه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم عجبا إن الله اتخذ إبراهيم من خلقه
خليلا وقال آخر ماذا بأعجب من كلام موسى كلمه الله تكليما وقال آخر فعيسى كلمة الله وروحه وقال آخر آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم فسلم وقال (قد سمعت كلامكم وعجبكم إن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلا وهو كذلك وموسى نجى الله وهو كذلك وعسيى روح الله وهو كذلك وموسى نجى الله وهو كذلك وعيسى روح الله وهو كذلك وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر
__________
(قوله عبد بن أحمد) من غير إضافة عبد إلى ابن هو أبو ذر الهروي (قوله فريح) بضم الفاء وفتح اللام هو ابن سليمان العدوى المدنى (قوله أبو النضر) بالضاد المعجمة هو سالم بن أبى أمية المدنى (قوله عن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة.



وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فيد خلنيها ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر) في حديث أبى هريرة رضى الله عنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: إنى اتخذتك خليلا فهو مكتوب في التوراة اس حبيب الرحمن قال القاضى أبو الفضل وفقه الله: اختلف في تفسير الخلة وأصل اشتقاقها فقيل الخليل المنقطع إلى الله الذى ليس في انقطاعه إليه ومحبته له اختلال وقيل الخليل المختص واختار هذا القول غير واحد وقال بعضهم أصل الخلة الاستصفاء وسمى إبراهيم خليل الله لأنه يوالى فيه ويعادي فيه وخلة الله له نصره وجعله إماما لمن بعده وقيل الخليل أصله الفقير المحتاج المنقطع مأخوذ من الخلة وهى الحاجة فسمى بها إبراهيم لأنه قصر حاجته على ربه وانقطع إليه بهمه ولم يهمه ولم يجعله قبل
غيره إذ جاءه جبريل وهو في المنجنيق ليرمى به في النار فقال ألك حاجة ؟
__________
(قوله فهو مكتوب في التوراة اس) هكذا وقعت هذه اللفظة في النسخ المعتمدة على هذه الصورة وهى ألف بعدها سين مهملة ثم جرة، وفى بعض النسخ مكتوب بازائها على الطرة ذكر ابن جبير بخطه في كتابه أن هذه اللفظة وقعت في طرة (الأم) المبيضة بخط مؤلفه كما هي هنا مبهمة فحكيتها كما وقعت (قوله من الحلة بفتح الخاء المعجمة وهى الحاجة (قوله قبل غيره) بكسر القاف وفتح الموحدة (قوله وهو في المنجنيق) بفتح الميم والجيم وبكسر الميم ذكرهما أبو عبيد بن سلام في الغريب وفى الصحاح والمنجنيق التى يرمى بها الحجارة معربة وأصلها بالفارسية - من جى نيك - أي ما أجودنى، وهى مؤنثة.



قال: أما إليك فلا، وقال أبو بكر بن فورك: الخلة صفاء المودة التى توجب الاختصاص بتخلل الأسرار وقال بعضهم أصل الخلة المحبة ومعناها الإسعاف والإلطاف والترفيع والتشفيع، وقد بين ذلك في كتابه تعالى بقوله (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلم يعذبكم بذنوبكم) فأوجب للمحبوب أن لا يؤاخذ بذنوبه قال هذا والخلة أقوى من البنوة لأن البنوة قد تكون فيها العداوة كما قال تعالى (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) الآية ولا يصح أن تكون عداوة مع خلة فإذا تسمية إبراهيم ومحمد عليهما السلام بالخلة إما بإنقطاعهما إلى الله ووقف حوائجهما عليه والانقطاع عمن دونه والإضراب عن الوسائط والأسباب أو لزيادة الاختصاص منه تعالى لهما وخفى ألطافه عندهما وما خالل بواطنهما من أسرار إلهيته ومكنون غيوبه ومعرفته أو لاستصفائه لهما واستصفاء قلوبهما عمن سواه حتى
لم يخاللهما حب لغيره ولهذا قال بعضهم الخليل من لا يتسع قلبه لسواه وهو عندهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم (ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا) لكن أخوة الإسلام واختلف العلماء أرباب القلوب أيهما أرفع: درجة الخلة أو درجة المحبة ؟ فجعلهما بعضهم سواء فلا يكون الحبيب إلا خليلا ولا الخليل إلا حبيبا لكنه خص إبراهيم بالخلة ومحمدا
__________
(قوله والأسرار) بفتح الهمزة جمع سر (قوله وخفى إلطافه) بالخاء المعجمة أو المهملة والإلطاف بكسر الهمزة مصدر، وبفتحها جمع لطف.



بالمحبة وبعضهم قال درجة الخلة ارفع واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذا خليلا غير ربى عز وجل) فلم يتخذه وقد أطلق المحبة لفاطمة وابنيها وأسامة وغيرهم وأكثرهم جعل المحبة أرفع من الخلة لأن درجة الحبيب نبينا أرفع من درجة الخليل إبراهيم وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب ولكن هذا في حق من يصح الميل منه والانتفاع بالوفق وهى درجة المخلوق فأما الخالق فمنزه عن الأعراض فمحبته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أسباب القرب وإفاضة رحمته عليه وقصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه وينظر إليه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث (فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ولسانه الذى ينطق به) ولا ينبغى أن يفهم من هذا سوى التجرد لله والانقطاع إلى الله والأعراض عن غير الله وصفاء القلب لله وإخلاص الحركات لله كما قالت عائشة رضى الله عنها كان خلقه القرآن برضاه يرضى وبسخطه يسخط، ومن هذا عبر بعضهم عن الخلة بقوله:
قد تخللت مسلك الروح منى * وبذا سمى الخليل خليلا فإذا ما نطقت كنت حديثى * وإذا ما سكت كنت الغليلا فإذا مزية الخلة وخصوصية المحبة حاصلة لنبينا محمد صلى الله عليه
__________
(قوله وقصواها) بضم القاف والقصر (قوله كنت الغليلا) في الصحاح الغلة حرارة العطش وكذلك الغليل يقول منه غل الرجل يغل غلا فهو مغلول على ما لم يسم فاعله (*)

فيصل السلمي
16-02-2006, 12:14 AM
وسلم بما دلت عليه الآثار الصحيحة المنتشرة المتلقاة بالقبول من الأمة وكفى بقوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله) الآية، حكى أهل التفسير أن هذه الآية لما نزلت قال الكفار إنما يريد محمد أن نتخذه حنانا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم فأنزل الله غيظا لهم ورغما على مقالتهم هذه الآية (قل أطيعوا الله والرسول) فزاده شرفا بأمرهم بطاعته وقرنها بطاعته ثم توعدهم على التولى عنه بقوله تعالى (فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) * وقد نقل الإمام أبو بكر بن فورك عن بعض المتكلمين كلاما في الفرق بين المحبة والخلة يطول جملة إشاراته إلى تفضيل مقام المحبة على الخلة ونحن نذكر منه طرفا يهدى إلى ما بعده، فمن ذلك قولهم: الخليل يصل بالواسطة من قوله (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض) والحبيب يصل إليه به من قوله (فكان قاب قوسين أو أدنى) وقيل الخليل الذى تكون مغفرته في حد الطمع من قوله (والذي أطمع أن يغفر لى خطيئتي والحبيب الذى مغفرته في حد اليقين من قوله (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) الآية والخليل قال (ولا تخزني يوم يبعثون) والحبيب قيل له (يوم لا يخزى الله النبي) فابتديئ بالبشارة قبل
السؤال والخليل قال في المحنة حسبى الله والحبيب قيل له (يا أيها النبي حسبك الله) والخليل قال (واجعل لى لسانه صدق في الآخرين) والحبيب قيل له (ورفعنا لك ذكرك) أعطى بلا سؤال، والخليل قال

(واجنبني وبى أن نعبد الأصنام) والحبيب قيل له (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وفيما ذكرناه تنبيه على مقصد أصحاب المقال من تفضيل المقامات والأحوال و (كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) فصل في تفضيله صلى الله عليه وسلم بالشفاعة والمقام المحمود قال الله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) أخبرنا الشيخ أبو على الغساني الجيانى فيما كتب به إلى نحطه حدثنا سراج بن عبد الله القاضى حدثنا أبو محمد الأصيلي حدثنا أبو زيد وأبو أحمد قالا حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا إسماعيل بن أبان حدثنا أبو الأحوص عن آدم بن على قال سمعت ابن عمر يقول إن الناس يصيرون يوم القيامة جثى كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع لنا يا فلان اشفع لنا حتى تنتهى الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه
__________
(قوله على شاكلته) أي عادته أو جبلته التى طبع عليها (قوله أبو الأحوص) بالحاء والصاد المهملتين (قوله جثى) بضم الجيم وفتح المثلثة المخففة قال ابن الأثير الجثا جمع جثوة بالضم وهو الشئ المجموع ومنه أن الناس يصيرون يوم القيامة جثى جمع جثوة بالضم وهو الشئ المجموع ومنه أن الناس يصيرون يوم القيامة جثى وتروى هذه اللفظة بتشديد المثلثة جمع جاث وهو الذى يجلس على ركبتيه وفى الصحاح الجثوة والجثوة والجثوة ثلاث
لغات: الحجارة المجموعة وجثى الحرم بالضم وجثى الحرم بالكسر أيضا ما اجتمع فيه من حجارة الحمام وجثا على ركبتيه يجثو ويجثى جثوا وجثيا على فعول فيهما وقوم جثى أيضا مثل جلس جلوسا وقوم جلوس ومنه قوله تعالى (ونذر الظالمين فيها جثيا) وجثيا أيضا بكسر الجيم إتباعا لما بعدها من الكسر (*)

وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود) وعن أبى هريرة سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى قوله (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) فقال هي الشفاعة * وروى كعب بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم (يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتى على تل ويكسوني ربى حلة خضراء ثم يؤذن لى فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود) * وعن ابن عمر رضى الله عنهما وذكر حديث الشفاعة قال فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة فيومئذ يبعثه الله المقام المحمود الذى وعده * وعن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قيامه عن يمين العرش مقاما لا يقومه غيره يغبطه فيه الأولون والآخرون، ونحوه عن كعب والحسن، وفى رواية هو المقام الذى أشفع لأمتى فيه * وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنى لقائم المقام المحمود قيل وما هو قال ذلك يوم ينزل الله تبارك وتعالى على كرسيه) الحديث * وعن أبى موسى رضى الله عنه عنه صلى القله عليه وسلم (خيرت بين أن يدخل نصف أمتى الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة لأنها أعم أترونها للمتقين، ولكنها للمذنبين الخطائين) * وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قلت
__________
(قوله أترونها) بضم المثناة الفوقية وفتح الراء أي أتظنونها (قوله للمتقين) بالمثناة الفوقية جمع متقى وفى بعض النسخ للمتقين
بالنون والقاف قال الحافظ المزى روى ابن عرفة في جزئه هذا الحديث أترونها للمتقين ولكنها للمذنبين الخاطئين المتلوثين، وأما إذا لم يكن ذكر المتلوثين فيضبط بالوجهين، والمتلوثين بميم مضمومة ومثناة فوقية مفتوحة ومثلثة مكسورة، ولوث الماء: كدره (*)

يا رسول الله ماذا ورد عليك في الشفاعة فقال (شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق لسانه قلبه) * وعن أم حبيبة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اريت ما تلقى أمتى من بعدى وسفك بعضهم دماء بعض وسبق لهم من الله ما سبق للأمم قبلهم فسألت الله أن يؤتينى شفاعة يوم القيامة فيهم ففعل) * وقال حذيفة يجمع الله الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا سكونا لا تكلم نفس إلا بإذنه فينادى: محمد فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهتدى من هديت وعبدك بين يديك ولك وإليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك تبارك وتعاليت سبحانك رب البيت قال فذلك المقام المحمود الذى ذكر الله) * وقال ابن عباس رضى الله عنهما إذا دخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة فيبقى آخر زمرة من الجنة وآخر زمرة من النار فتقول زمرة النار لزمرة الجنة ما نفعكم إيمانكم فيدعون ربهم
__________
(قوله وينفذهم البصر) قال ابن الأثير قال أبو حاتم: أصحاب الحديث يرونه بالذال المعجمة، وإنما هو بالمهملة أي يبلغ أولهم وآخرهم البصر حتى يراهم كلهم ويستوعبهم، من نفذ الشئ وأنفدته (قوله فينادى) بفتح الدال ومحمد بلا تنويل على أنه منادى محذوف الأداة أو بالتنوين، على أنه قائم مقام الفاعل لينادي (قوله والشر ليس إليك) أي لا يتقرب به إليك أو لا يصعد إليك إنما يصعد إليك الكلم الطيب أو لا يضاف
إليك أدبا وإن كنت موجدا له بالحقيقة إذ ليس الشر شرا بالنسبة إلى حكمتك فإنك لا توجد شيئا عبثا (قوله لا ملجأ) بهمزة في آخره والأجود تخفيفها لتناسب (منجا) فإنه مقصور (*)

ويضجون فيسمعهم أهل الجنة فيسألون آدم وغيره بعده في الشفاعة لهم فكل يعتذر حتى يأتو محمد صلى الله عليه سلم فيشفع لهم فذلك المقام المحمود، ونحوه عن بن مسعود أيضا ومجاهد وذكره على بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال جابر بن عبد الله ليزيد الفقير سمعت بمقام محمد، يعنى الذى يبعثه الله فيه قال قلت نعم قال فإنه مقام محمد المحمود الذى يخرج الله به من يخرج يعنى من النار، وذكر حديث الشفاعة في إخراج الجهنميين) وعن أنس نحوه وقال فهذا المقام المحمود الذى وعده، وفى رواية أنس وأبى هريرة وغيرهما دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال صلى الله عليه وسلم (يجمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة فيهتمون - أو قال فيلهمون - فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا) ومن طريق آخر عنه ماج الناس بعضهم في بعض، وعن أبى هريرة: وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم مالا يطيقون ولا يحتملون فيقولون ألا تنظرون من يشفع لكم فيأتون آدم فيقولون زاد بعضهم أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شئ اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا ألا ترى ما نحن فيه فيقول إن ربى غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله
__________
(قوله ليزيد الفقير) هو ابن صهيب: كان يشكو فقار ظهره فقيل له الفقير (*)

مثله ولا يغضب بعده مثله ونهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما بلغنا ألا تشفع لنا إلى ربك فيقول إن ربى غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله نفسي نفسي قال في رواية أنس ويذكر خطيئته التى أصاب سؤاله ربه بغير علم وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه: وقد كانت لى دعوة دعوتها على قومي اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى إبراهيم فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقولون أنت نبى الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول إن ربى قد غضب اليوم غضبا فذكر مثله ويذكر ثلاث كلمات كذبهن نفسي نفسي لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله وفى رواية فإنه عبد آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا قال فيأتون موسى فيقول لست لها ويذكر خطيئته التى أصاب وقتله النفس نفسي نفسي ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فاوتى فأقول أنا لها فأنطلق فأستادن على ربى فتؤذن لى فإذا رأيته
__________
(قوله عن الشجرة) قيل هي شجرة الكرم، وقيل السنبلة (قوله بلغنا) بفتح الغين المعجمة قال النووي وضبطه بعض المتأخرين بالفتح والإسكان ويدل للأول ألا ترون ما قد بلغكم، ولو كان بالإسكان لقال بلغتم.



وقعت ساجدا وفى رواية فأتي تحت العرش فأخر ساجدا، وفى رواية فأقوم
بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها إلا أنه يلهمنيها الله، وفى رواية فيفتح الله على من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلى، قال في رواية أبى هريرة فيقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول يا رب أمتى يا رب أمتى فيقول أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ولم يذكر في رواية أنس هذا الفصل وقال مكانه ثم أخر ساجدا فيقال لى يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفع وسل تعطه فأقول يا رب أمتى أمتى فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربى فأحمده بتلك المحامد وذكر مثل الأول وقال فيه مثقال حبة من خردل قال فأفعل ثم أرجع وذكر مثل ما تقدم وقال فيه من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل فأفعل وذكر في المرة الرابعة فيقال لى ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفع وسل تعطه فأقول يا رب ائذن لى فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك إليك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائى لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله، ومن رواية قتادة عنه قال فلا أدرى في الثالثة أو الرابعة فأقول يا رب ما بقى في النار إلا من حبسه القرآن أي من وجب عليه
__________
(قوله فأخر ساجدا) في مسند احمد أن كل سجدة: جمعة من جمع الدنيا (*)

الخلود * وعن أبى بكر وعقبة بن عامر وأبى سعيد وحذيفة مثله قال فيأتون محمدا فيؤذن له وتأتى الأمانة والرحم فتقومان جنبتى الصراط، وذكر في رواية أبى مالك عن حذيفة فيأتون محمدا فيشفع فيضرب
الصراط فيمرون أولهم كالبرق ثم كالريح والطير شد الرجال ونبيكم صلى الله عليه وسلم على الصراط يقول اللهم سلم سلم حتى يجتاز الناس وذكر آخرهم جوازا الحديث، وفى رواية أبى هريرة فأكون أول من يجيز، وعن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم (يوضع للأنبياء منابر يجلسون عليها ويبقى منبرى لا أجلس عليه قائما بين يدى ربى منتصبا فيقول الله تبارك وتعالى ما تريد أن أصنع بأمتك فأقول يا رب عجل حسابهم فيدعى بهم فيحاسبون فمنهم من يدخل الجنة برحمته ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي ولا أزال أشفع حتى أعطى صكاكا برجال قد أمر بهم إلى النار حتى إن خازن النار ليقول يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة، ومن طريق زياد النميري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر ومعى لواء الحمد يوم القيامة وأنا أول من تفتح له الجنة ولا فخر فأتي فآخذ بحلقة الجنة فيقال من هذا ؟ فأقول محمد، فيفتح لى فيستقبلى الجبار تعالى فأخر ساجدا) وذكر
__________
(قوله وشد الرجال) بالجيم هو الصحيح المعروف أي: حزمهم (قوله صكاكا) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الكاف جمع صك بفتح الصاد وتشديد الكاف وهو الكتاب (*)

نحو ما تقدم، ومن رواية أنيس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لأشفعن يوم القيامة لأكثر مما في الأرض من حجر وشجر) فقد اجتمع من اختلاف ألفاظ هذه الآثار أن شفاعته صلى الله عليه وسلم ومقامه المحمود من أول الشفاعات إلى آخرها من حين يجتمع الناس للحشر وتضيق بهم الحاجر ويبلغ منهم العرق والشمس والوقوف مبلغه
وذلك قبل الحساب فيشفع حينئذ لإراحة الناس من الموقف ثم يوضع الصراط ويحاسب الناس كما جاء في الحديث عن أبى هريرة وحذيفة وهذا الحديث أتقن فيشفع في تعجيل من لا حساب عليه من أمته إلى الجنة كما تقدم في الحديث ثم يشفع فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم حسبما تقتضيه الأحاديث الصحيحة ثم فيمن قال لا إله إلا الله وليس هذا لسواه صلى الله عليه وسلم وفى الحديث المنتشر الصحيح (لكل نبى دعوة يدعو بها واختبأت دعوتي شفاعة لأمتى يوم القيامة) قال أهل العلم معناه دعوة أعلم أنها تستجاب لهم ويبلغ فيها مرغوبهم وإلا فكم لكل نبى منهم من دعوة مستجابة ولنبينا صلى الله عليه وسلم منها ما لا يعد لكن حالهم عند الدعاء بها بين الرجاء والخوف وضمنت لهم إجابة دعوة فيما شاؤه يدعون بها على يقين من الإجابة، وقد قال محمد بن زياد وأبو صالح عن أبى هريرة في هذا الحديث
__________
(قوله ومن رواية أنيس) بالتصغير وهو أنصارى روى عنه شهر بن حوشب حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا أشفع - الحديث - ولم يرو عنه غيره، ذكر ذلك ابن عبد البر (*)

(لكل نبى دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له وأنا أريد أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتى يوم اليامة) وفى رواية أبى صالح (لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته) ونحوه في رواية أبى زرعة عن أبى هريرة وعن أنس مثل رواية ابن زياد عن أبى هريرة، فتكون هذه الدعوة المذكورة مخصوصة بالأمة مضمونة الإجابة وإلا فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سأل لأمته أشياء من أمور الدين والدنيا أعطى بعضها ومنع بعضها وادخر لهم هذه الدعوة ليوم الفاقة
وخاتمة المحن وعظيم السؤال والرغبة: جزاه الله أحسن ما جزى نبيا عن أمته وصلى الله عليه وسلم كثيرا.
فصل في تفضيله صلى الله عليه وسلم في الجنة بالوسيلة والدرجة الرفيعة والكوثر والفضيلة حدثنا القاضى أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي والفقيه أبو الوليد هشام بن أحمد بقراءتي عليهما قالا حدثنا أبو على الغساني حدثنا النمري حدثنا ابن عبد المؤمن حدثنا أبو بكر التمار حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد بن أبى أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا
__________
(قوله حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الواو (قوله عن كعب ابن علقمة) وفى بعض النسخ عن كعب عن علقمة وهو غير صواب.



على فإنه من صلى على مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة) * وفى حديث آخر عن أبى هريرة: الوسيلة أعلى درجة في الجنة * وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لى نهر حافتاه قباب اللؤلؤ قلت لجبريل ما هذا قال هذا الكوثر الذى أعطاكه الله قال ثم ضرب بيده إلى طينته فاستخرج مسكا) وعن عائشة عبد الله بن عمرو مثله قال ومجراه على الدر والياقوت وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج وفى رواية عنه فإذا هو يجرى ولم يشق شقا عليه حوض ترد عليه أمتى
وذكر حديث الحوض ونحوه عن ابن عباس.
وعن ابن عباس أيضا قال الكوثر الخير الذى أعطاه الله إياه وقال سعيد بن جبير والنهر الذى في الجنة من الخير الذى أعطاه الله * وعن حذيفة فيما ذكر صلى الله عليه وسلم عن ربه (وأعطاني الكوثر نهرا من الجنة يسيل في حوضى) وعن ابن عباس في قوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال ألف قصر من لؤلؤ ترابهن المسك وفيه ما يصلحهن * وفى رواية أخرى وفيه ما ينبغى له من الأزواج والخدم.
(فصل) فإن قلت إذا تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر
__________
(قوله حلت عليه) بتشديد اللام أي نزلت (قوله حافتاه) بتخفيف الفاء (قوله إلى طينه) بكسر الطاء المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها نون وهاء للضمير (15 - 1) (*)

وإجماع الأمة كونه أكرم البشر وأفضل الأنبياء فما معنى الأحاديث الواردة بنهيه عن التفضيل كقوله فيما حدثناه الأسدى قال حدثنا السمرقندى حدثنا الفارسى حدثنا الجلودى حدثنا ابن سفيان حدثنا مسلم حدثنا محمد بن مثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية يقول حدثنى ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم يعنى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) وفى غير هذا الطريق عن أبى هريرة قال يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ينبغى لعبد - الحديث) وفى حديث أبى هريرة في اليهودي الذى قال والذى اصطفى موسى على البشر فلطمه رجل من الأنصار وقال تقول ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تفضلوا بين الأنبياء وفى رواية
لا تخيرونى على موسى فذكر الحديث وفيه ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى * وعن أبى هريرة من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب * وعن ابن مسعود لا يقولن أحدكم أنا خير من يونس بن متى وفى حديثه الآخر فجاءه رجل فقال يا خير البرية فقال ذاك إبراهيم، فاعلم أن للعلماء في هذه الأحاديث تأويلات (أحدها) أن نهيه عن التفضيل كان قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم فنهى عن التفضيل إذ يحتاج إلى توقيف وأن من فضل بلا علم فقد كذب وكذلك قوله لا أقول إن أحدا أفضل منه لا يقتضى تفضيله هو وإنما

هو في الظاهر كف عن التفضيل (الوجه الثاني) أنه قاله صلى الله عليه وسلم على طريق التواضع ونفى التكبر والعجب وهذا لا يسلم من الاعتراض (الوجه الثالث) ألا يفضل بينهم تضيلا يؤدى إلى تنقص بعضهم أو الغض منه لا سيما في جهة يونس عليه السلام إذ أخبر الله عنه بما أخبر لئلا يقع في نفس من لا يعلم منه بذلك غضاضة وانحطاط من رتبته الرفيعة إذ قال تعالى عنه (إذ أبق إلى الفلك المشحون - إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) فربما يخيل لمن لا علم عنده حطيطته بذلك (الوجه رابع) منع التفضيل في حق النبوة والرسالة فإن الأنبياء فيها على حد واحد إذ هي شئ واحد لا يتفاضل وإنما التفاضل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والرتب والألطاف وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل وإنما التفاضل بأمور أخر زائدة عليها ولذلك منهم رسل ومنهم أولو عزم من الرسل ومنهم من رفع مكانا عليا ومنهم من أوتى الحكم صبيا وأوتى بعضهم الزبور
وبعضهم البينات ومنهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات قال الله تعالى (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) الآية وقال (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) الآية قال بعض أهل العلم والتفضيل المراد لهم هنا في الدنيا وذلك بثلاثة أحوال أن تكون آيته ومعجزاته أبهر وأشهر أو تكون أمته أزكى وأكثر أو يكون في ذاته أفضل وأظهر وفضله في ذاته راجع إلى ما خصه الله به من كرامته واختصاصه

من كلام أو خلة أو رؤية أو ما شاء الله من ألطافه وتحف ولايته واختصاصه وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن للنبوة أثقالا وإن يونس تفسخ منها تفسخ الربع فحفظ صلى الله عليه وسلم موضع الفتنة من أوهام من يسبق إليه بسببها جرح في نبوته أو قدح في اصطفائه وخط في رتبته ووهن في عصمته شفقة منه صلى الله عليه وسلم على أمته وقد يتوجه على هذا الترتيب وجه خامس وهو أن يكون (أنا) راجعا إلى القائل نفسه أي لا يظن أحد وإن بلغ من الذكاء والعصمة والطهارة ما بلغ أنه خير من يونس لأجل ما حكى الله عنه فإن درجة النبوة أفضل وأعلى وإن تلك الأقدار لم تحطه عنها حبة خردل ولا أدنى، وسنزيد في القسم الثالث في هذا بيانا إن شاء الله تعالى فقد بان لك الغرض وسقط بما حررناه شبهة المعترض وبالله التوفيق وهو المستعان لا إله إلا هو.
فصل في أسمائه صلى الله عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته حدثنا أبو عمران موسى بن أبى تليد الفقيه قال حدثنا أبو عمر الحافظ
حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح
__________
(قوله تفسخ الربع) بضم الراء وفتح الموحدة، في الصحاح: الربع الفصيل ينتج في الربيع وهو أول النتاج والجمع رباع وأرباع مثل رطب ورطاب وأرطاب والأنثى ربعة والجمع ربعات فإذا نتج الفصيل آخر النتاج فهو هبع.

فيصل السلمي
16-02-2006, 12:15 AM
حدثنا يحيى حدثنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لى خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى وأنا العاقب) وقد سماه الله تعالى في كتابه محمدا وأحمد فمن خصائصه تعالى له أن ضمن أسماءه ثناءه فطوى أثناء ذكره عظيم شكره فأما اسمه أحمد فأفعل مبالغة من صفة الحمد ومحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد فهو صلى الله عليه وسلم أجل من حمد وأفضل من حمد وأكثر الناس حمدا فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين ومعه لواء الحمد يوم القيامة وليتم له كمال الحمد ويتشهر في تلك العرصات بصفة الحمد، ويبعثه ربه هناك مقاما محمودا كما وعده يحمده فيه الأولون والآخرون بشفاعته لهم ويفتح عليه فيه من المحامد كما قال صلى الله عليه وسلم ما لم يعط غيره وسمى أمته في كتب أنبيائه بالحمادين فحقيق أن يسمى محمدا وأحمد ثم في هذين الاسمين من عجائب خصائصه وبدائع آياته فن آخر هو أن الله جل اسمه حمى أن يمسى بهما أحد قبل زمانه أما أحمد الذى أتى في
__________
(قوله لى خمسة أسماء) في الأحوذى شرح الترمذي للقاضى أبى بكر بن العربي عن بعضهم إن لله ألف اسم، وللنبى صلى الله عليه وسلم ألف اسم (قوله والعاقب) في الصحاح: وفى الحديث السيد والعاقب، فالعاقب من يخلف السيد بعده وقول النبي
صلى الله عليه وسلم أنا العاقب، يعنى آخر الأنبياء، وكل من خلف بعد شئ فهو عاقبه انتهى (قوله أجل من حمد) بفتح الخاء المهملة وكسر الميم (قوله وأفضل من حمد) بضم المهملة وكسر الميم.



الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك وكذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده صلى الله عليه وسلم وميلاده أن نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالته وهم محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسى ومحمد بن مسلمة الأنصاري ومحمد بن براء البكري ومحمد ابن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمران الجعفي ومحمد بن خزاعي السلمى لا سابع لهم ويقال أول من سمى محمدا محمد بن سفيان واليمن تقول بل محمد بن اليحمد من الأزد ثم حمى الله كل من تسمى به إن يدعى النبوة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه سبب يشكك أحدا في
__________
(قوله ابن أحيحة) بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية (قوله ابن الجلاح) بضم الجيم وتخفيف اللام.
وفى آخره حاء مهملة، ذكره ابن عبد البر وأبو موسى في الصحابة، وأما محمد بن البراء فعده أبو موسى أيضا في الصحابة ومحمد بن سفيان قال أبو نعيم وأبو موسى مختلف في صحبته ومحمد بن مسلمة شهد بدرا وغيرها، ومات بالمدينة، وفى سيرة مغلطاى وأيضا سمى محمد بن عدى بن ربيعة المقرى ومحمد بن عثمان السعدى، قال وأظنهما واحدا، ومحمد الأسيدى ومحمد الغنيمى ومحمد بن عثوارة الليثى ومحمد بن حرمان العمرى ومحمد بن خول الهمذانى ومحمد بن يزيد بن ربيعة ومحمد بن
أسامة بن مالك قال وفى محمد بن مسلمة الأنصاري نظر (قوله ابن اليحمد) هذا ليس قال المصنف لا سابع لهم، وقد ضبط ابن ماكولا وغيره نظير هذا الاسم وهو سعيد بن محمد بضم الياء وسكون المهملة وكسر الميم.



أمره حتى تحققت السمتان له صلى الله عليه وسلم ولم ينازع فيهما وأما قوله صلى الله عليه وسلم وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر ففسر في الحديث ويكون محو الكفر إما من مكة وبلاد العرب وما زوى له من الأرض ووعد أنه يبلغه ملك أمته أو يكون المحو عاما بمعنى الظهور والغلبة كما قال تعالى (ليظهره على الدين كله) وقد ورد تفسيره في الحديث أنه الذى محيت به سيئات من اتبعه وقوله وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى أي على زماني وعهدي أي ليس بعدى نبى كما قال (وخاتم النبيين) وسمى عاقبا لأنه عقب غيره من الأنبياء وفى الصحيح أما العاقب الذى ليس بعدى نبى وقيل معنى على قدمى أي يحشر الناس بمشاهدتي كما قال تعالى (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) وقيل على قدمى على سابقتي قال الله تعالى (أن لهم قدم صدق عند ربهم) وقيل على قدمى أي قدامى وحولي أي يجتمعون إلى يوم القيامة وقيل قدمى على سنتى ومعنى قوله (لى خمسة أسماء) قيل إنها موجودة في الكتب المتقدمة وعند أولى العلم من الأمم السالفة، وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم: لى عشرة أسماء، وذكر منها: طه ويس، حكاه مكى وقد قيل في بعض تفاسير طه إنه يا طاهر يا هادى، وفى يس يا سيد، حكاه السلمى عن الواسطي وجعفر بن محمد، وذكر غيره، لى عشرة أسماء فذكر الخمسة التى في الحديث الأول، قال: وأنا رسول الرحمة ورسول

الراحة ورسول الملاحم وأنا المقفى قفيت النبيين وأنا قيم والقيم الجامع الكامل كذا وجدته ولم أروه وأرى أن صوابه قثم بالثاء كما ذكرناه بعد عن الحربى وهو أشبه بالتفسير وقد وقع أيضا في كتب الأنبياء قال داود عليه السلام اللهم ابعث لنا محمدا مقيم السنة بعد الفترة فقد يكون القيم بمعناه وروى النقاش عنه صلى الله عليه وسلم: لى في القرآن سبعة أسماء: محمد وأحمد ويس وطه والمدثر والمزمل وعبد الله) وفى حديث عن جبير بن مطعم رضى الله عنه هي ست: محمد وأحمد وخاتم وعاقب وحاشر وماح، وفى حديث أبى موسى الأشعري أنه كان صلى القله عليه وسلم يسمى لنا نفسه أسماء فيقول (أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبى التوبة ونبى الملحمة) ويروى المرحمة والراحة وكل صحيح إن شاء الله ومعنى المقفى معنى العاقب وأما نبى الرحمة والتوبة والمرحمة والراحة فقد قال الله تعالى (وأما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وكما وصفه بأنه يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم وبالمؤمنين رؤف رحيم وقد قال في صفة أمته إنها أمة مرحومة وقد قال تعالى فيهم (وتواصوا بالصبر وتواصر بالمرحمة) أي يرحم بعضهم بعضا فبعثه صلى الله عليه وسلم ربه تعالى رحمة لأمته ورحمة للعالمين ورحيما بهم ومترحما ومستغفرا لهم وجعل وأمته أمة مرحومة
__________
(قوله وأنا قيم) والقيم الجامع الكامل، قال ابن الأثير ومنه الحديث أتانى ملك فقال أنت قيم وخلقك قيم) أي مستقيم حسن (قوله ونبى الملحمة) هي موضع القتال (*)

ووصفها بالرحمة وأمرها صلى الله عليه وسلم بالتراحم وأثنى عليه فقال
إن الله يحب من عباده الرحماء وقال الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وأما رواية نبى الملحمة فإشارة إلى ما بعث به من القتال والسيف صلى الله عليه وسلم وهى صحيحة وروى حذيفة مثل حديث أبى موسى وفيه ونبى الرحمة ونبى التوبة ونبى الملاحم وروى الحربى في حديثه صلى الله عليه وسلم أنه قال أتانى ملك فقال لى أنت قثم أي مجتمع قال والقثوم الجامع للخير وهذا اسم هو في أهل بيته صلى الله عليه وسلم معلوم وقد جاءت من ألقابه صلى الله عليه وسلم وسماته في القرآن عدة كثيرة سوى ما ذكرناه كالنور والسراج المنير والمنذر والنذير والمبشر والبشير والشاهد والشهيد والحق المبين وخاتم النبيين والرؤف الرحيم والأمين وقدم الصدق ورحمة للعالمين ونعمة الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم والنجم الثاقب والكريم والنبى الأمي وداعي الله في أوصاف كثيرة وسمات جليلة وجرى منها في كتب الله المتقدمة وكتب أنبيائه وأحاديث رسوله وإطلاق الأمة جملة شافية كتسميته بالمصطفى والمجتبى وأبى القاسم والحبيب ورسول رب العالمين والشفيع المشفع والمتقي والمصلح والظاهر والمهيمن والصادق والمصدوق والهادي وسيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وحبيب الله وخليل الرحمن وصاحب الحوض المورود والشفاعة والمقام المحمود وصاحب الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة

وصاحب التاج والمعراج واللواء والقضيب وراكب البراق والناقة والنجيب وصاحب الحجة والسلطان والخاتم والعلامة والبراهان وصاحب الهراوة والنعلين، ومن أسمائه في الكتب المتوكل والمختار ومقيم السنة والمقدس وروح القدس وروح الحق وهو معنى (البار قليط
في الإنجيل) وقال ثعلب البار قليط الذى يفرق بين الحق والباطل ومن أسمائه في الكتب السالفة ماذ ماذ ومعناه طيب وطيب وجمطايا والخاتم والحاتم.
حكاه كعب الأحبار وقال ثعلب فالخاتم الذى ختم الأنبياء والحاتم أحسن الأنبياء خلقا وخلقا.
ويسمى بالسريانية مشقح والمنحمنا واسمه أيضا في التوراة أحيد روى ذلك عن ابن سيرين
__________
(قوله وصاحب الهراوة) بكسر الهاء أي العصا قال ابن الأثير لأنه كان يمسك بيده القضيب كثيرا وكان يمشى بالعصا بين يديه وتغرز له فيصلى إليها (قوله البار قليط) بالموحدة والألف والراء المكسورة والقاف الساكنة واللام المكسورة والمثناة التحتية الساكنة بعدها طاء مهملة قيل معناه الحامد وقيل الحماد وقيل الحمد وأكثر النصارى على أن معناه المخلص (قوله ماذ ماذ) بميم فألف غير مهموزة فذال معجمة، وفى طرة بعض النسخ إنه بميم مضمومة وإشمام الهمزة ضمة بين الواو والألف (قوله قال جمطايا) بجيم مفتوحة وميم مشددة مفتوحة وطاء مهملة بعدها ألف فمثناة تحتية فألف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال معناه يحمى الحرم ويمنع من الحرام ويوطئ الحلال (قوله والخاتم والحاتم) الأول بالخاء المعجمة، والثانى بالمهملة (قوله مشقح) ضبط هذا الاسم بضم الميم وفتح الشين المعجمة والقاف المشددة، وفى آخره مهملة (قوله والمنحمنا) ضبط بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وبعدها نون مشددة مفتوحة وألف قال أبو الفتح اليعمرى في سيرته هو محمد صلى الله عليه وسلم وكذا قال ابن إسحاق هو بالسريانية محمد صلى الله عليه وسلم (قوله أحيد) ضبط بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية وكسرها وفى آخره دال مهملة (*)

فيصل السلمي
16-02-2006, 12:16 AM
ومعنى صاحب القضيب أي السيف وقع ذلك مفسرا في الإنجيل قال
معه قضيب من حديد يقاتل به وأمته كذلك وقد يحمل على أنه القضيب الممشوق الذى كان يمسكه صلى الله عليه وسلم وهو الآن عند الخلفاء وأما الهراوة التى وصف بها فهى في اللغة العصا وأراها والله أعلم العصا المذكورة في حديث الحوض أذود الناس عنه بعصاي لأهل اليمن * وأما التاج فالمراد به العمامة ولم تكن حينئذ إلا للعرب والعمائم تيجان العرب وأوصفاه وألقابه وسمانه في الكتب كثيرة وفيما ذكرناه منها مقنع إن شاء الله وكانت كنيته المشهورة أبا القاسم * وروى عن أنس أنه لما ولد له إبراهيم جاءه جبريل فقال له السلام عليك يا أبا إبراهيم.
فصل في تشريف الله تعالى بما سماه به من أسمائه الحسنى ووصفه به من صفاته العلى قال القاضى أبو الفضل وفقه الله تعالى ما أحرى هذا الفصل بفصول الباب الأول لانخراطه في سلك مضمونها وامتراجه بعذب معينها لكن
__________
(قوله وأراها والله أعلم العصا المذكورة في حديث الحوض) قال النووي هذا ضعيف لأن المراد تعريفه بصفة يراها الناس معه يستدلون بها على صدقه وإنه المبشر به المذكور في الكتب السالفة فلا يصح تفسيره بعصا تكون في الآخرة والصحيح أنه كان يمسك القضيب بيده كثيرا وقيل لأنه كان يمشى والعصا بين يديه وتغرز له فيصلى إليها (قوله لأهل اليمن) الذى في صحيح مسلم في المناقب لأهل اليمن وهى الجهة التى عن يمين الكعبة ومعناه أذود الناس لأجل أهل اليمن حتى يتقدموا (*)

لم يشرح الله الصدر للهداية إلى استنباطه ولا أنار الفكر لاستخراج جوهره والتقاطه إلا عند الخوض في الفصل الذى قبله فرأينا أن نضيفه إليه ونجمع به شمله فاعلم أن الله تعالى خص كثيرا من الأنبياء بكرامة
خلعها عليهم من أسمائه كتسمية إسحق وإسماعيل بعليم وحليم وإبراهيم بحليم، ونوح بشكور، وعيسى ويحيى ببر وموسى بكريم وقوى ويوسف بحفيظ عليم وأيوب بصابر واسماعيل بصادق الوعد كما نطق بذلك الكتاب العزيز من مواضع ذكرهم وفضل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بأن حلاه منها في كتابه العزيز وعلى ألسنة أنبيائه بعدة كثيرة اجتمع لنا منها جملة بعد إعمال الفكر وإحضار الذكر إذ لم نجد من جمع منها فوق اسمين ولا من تفرغ فيها لتأليف فصلين وحررنا منها في هذا الفصل نحو ثلاثين اسما ولعل الله تعالى كما ألهم إلى ما علم منها وحققه يتم النعمة بإبانة ما لم يظهره لنا الآن ويفتح غلقه.
فمن أسمائه تعالى الحميد ومعناه المحمود لأنه حمد نفسه وحمده عباده ويكون أيضا بمعنى الحامد لنفسه ولأعمال الطاعات وسمى النبي صلى الله عليه وسلم محمدا وأحمد فمحمد بمعنى محمود وكذا وقع اسمه في زبر داود واحمد بمعنى أكبر من حمد وأجل من حمد وقد أشار إلى نحو هذا حسان بقوله: (قوله وموسى بكريم) في سورة الدخان (وقد جاءهم رسول كريم) (قوله بأن حلاه) بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام (قوله غلقة) بفتح الغين المعجمة واللام ما ينغلق به (قوله حسان) هو ابن ثابت الأنصاري عاش هو والثلاثة فوقه من آبائه كل (*)

وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد ومن أسمائه تعالى الرؤف الرحيم وهما بمعنى متقارب وسماه في كتابه بذلك فقال (بالمؤمنين رؤف رحيم) ومن أسمائه تعالى الحق المبين ومعنى الحق الموجود والمتحقق أمره وكذلك المبين أي البين أمره وإلهيته بان وأبان بمعنى واحد ويكون بمعنى المبين لعباده أمر دينهم ومعادهم وسمى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في كتابه فقال (حتى جاءهم الحق
ورسول مبين).
وقال (وقل إنى أنا النذير المبين) وقال (قد جاءكم الحق من ربكم) وقال (فقد كذبوا بالحق لما جاءهم) قيل محمد وقيل القرآن ومعناه هنا ضد الباطل والمتحقق صدقه وأمره وهو بمعنى الأول والمبين البين أمره ورسالته أو المبين عن الله تعالى ما بعثه به كما قال تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم).
ومن أسمائه تعالى النور ومعناه ذو النور أي خالقه أو منور السموات والأرض بالأنوار ومنور قلوب المؤمنين بالهداية وسماه نورا فقال (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) قيل محمد وقيل القرآن وقال فيه (وسراجا منيرا) سمى بذلك لوضوح أمره
__________
واحد مائة وعشرين سنة وعاش حسان ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام وقد شاركه في العيش ستين في الجاهلية وستين في الإسلام حكيم بن حزام ولم يذكر ابن الصلاح غيرهما، وزيد عليه حويطب بن عبد العزى القرشى، وسعيد بن يربوع القرشى وحمنن - بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح النون الأولى - بن عوف القرشى أخو عبد الرحمن بن عوف ومخرمة بن نوفل القرشى الزهري (قوله وشق له) بفتح الشين المعجمة.



وبيان نبوته وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به * ومن أسمائه تعالى الشهيد ومعناه العالم وقيل الشاهد على عباده يوم القيامة وسماه شهيدا وشاهدا فقال (إنا أرسلناك شاهدا) وقال (ويكون الرسول عليكم شهيدا) وهو بمعنى الأول * ومن أسمائه تعالى الكريم ومعناه الكثير الخير وقيل المفضل وقيل العفو قيل العلى وفى الحديث المروى في أسمائه تعالى الأكرم وسماه تعالى كريما بقوله (إنه لقول رسول كريم) قيل محمد وقيل جبريل وقال صلى الله عليه وسلم (أنا أكرم
ولد آدم) ومعانى الاسم صحيحة في حقه صلى الله عليه وسلم * ومن أسمائه تعالى العظيم ومعناه الجليل الشأن الذى كل شئ دونه وقال في النبي صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم) ووقع في أول سفر من التوراة عن إسماعيل وسيلد عظيما لأمة عظيمة فهو عظيم وعلى خلق عظيم) ومن أسمائه تعالى الجبار ومعناه المصلح وقيل القاهر وقيل العلى العظيم الشأن وقيل المتكبر وسمى النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب داود بجبار فقال: تقلد أيها الجبار سيفك فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك ومعناه في حق النبي صلى الله عليه وسلم إما لإصلاحه الأمة بالهداية والتعليم أو لقهره أعداءه أو لعلو منزلته على البشر وعظيم خطره ونفى عنه تعالى في القرآن جبرية التكبر التى لا تليق به فقال (وما أنت عليهم بجبار) ومن أسمائه تعالى الخبير ومعناه المطلع يكنه الشئ العالم بحقيقته وقيل معناه المخبر وقال الله تعالى (الرحمن

فاسأل به خبيرا) قال القاضى بكر بن العلاء المأمور بالسؤال غير النبي صلى الله عليه وسلم والمسؤول الخبير هو النبي صلى الله عليه وسلم وقال غيره بل السائل النبي صلى الله عليه وسلم والمسؤول هو الله تعالى فالنبى خبير بالوجهين المذكورين قيل لأنه عالم على غاية من العلم بما أعلمه الله من مكنون علمه وعظيم معرفته مخبر لأمته بما أذن له في إعلامهم به ومن أسمائه تعالى الفتاح ومعناه الحاكم بين عباده أو فاتح أبواب الرزق والرحمة والمنغلق من أمورهم عليهم أو يفتح قلوبهم وبصائرهم بمعرفة الحق ويكون أيضا بمعنى الناصر كقوله تعالى (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر وقيل معناه مبتدئ الفتح والنصر وسمى الله تعالى نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم بالفاتح في حديث الإسراء الطويل من رواية الربيع بن أنس عن أبى العالية وغيره عن أبى هريرة رضى الله عنه وفيه من قوله الله تعالى وجعلتك فاتحا وخاتما وفيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم في ثنائه على ربه وتعديد مراتبه: ورفع لى ذكرى وجعلني فاتحا وخاتما، فيكون الفاتح هنا بمعنى الحاكم أو الفاتح لأبواب الرحمة على أمته والفاتح لبصائرهم بمعرفة الحق والإيمان بالله أو الناصر للحق أو المبتدى بهداية الأمة أو المبدى المقدم في الأنبياء والخاتم لهم كما قال صلى الله عليه وسلم (كنت أول الأنبياء في الخلق

فيصل السلمي
16-02-2006, 12:17 AM
وآخرهم في البعث.
ومن أسمائه تعالى في الحديث الشكور ومعناه المشيب على العمل القليل وقيل المثنى على المطيعين ووصف بذلك نبيه نوحا عليه السلام فقال (إنه كان عبدا شكورا) وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بذلك فقال أفلا أكون عبدا شكورا أي معترفا بنعم ربى عارفا بقدر ذلك مثنيا عليه مجهدا نفسي في الزيادة من ذلك لقوله (لئن شكرتم لأزيدنكم).
ومن أسمائه تعالى العليم والعلام وعالم الغيب والشهادة.
ووصف نبيه صلى الله عليه وسلم بالعلم وخصه بمزية منه فقال (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) وقال (ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) ومن أسمائه تعالى الأول والآخر ومعناهما السابق للأشياء قبل وجودها والباقى بعد فنائها وتحقيقه أنه ليس له أول ولا آخر وقال صلى الله عليه وسلم كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث وفسر بهذا قوله تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن
نوح) فقدم محمدا صلى الله عليه وسلم وقد أشار إلى نحو منه عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومنه قوله (نحن الآخرون السابقون) وقوله (أنا أول من تنشق الأرض عنه وأول من يدخل الجنة أول شافع وأول مشفع، وهو خاتم النبيين وآخر الرسل صلى الله عليه وسلم.
ومن أسمائه تعالى القوى وذو القوة المتين ومعناه القادر وقد وصفه الله تعالى بذلك فقال (ذى قوة عند ذى العرش مكين) قيل محمد وقيل جبريل.
ومن أسمائه

تعالى الصادق في الحديث المأثور وورد في الحديث أيضا اسمه صلى الله عليه وسلم بالصادق المصدوق * ومن أسمائه تعالى الولى والمولى ومعناهما الناصر وقد قال الله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله) وقال صلى الله عليه وسلم (أنا ولى كل مؤمن) وقال الله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين) وقال صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه، فعلى مولاه، ومن أسمائه تعالى العفو ومعناه الصفوح وقد وصف الله تعالى بهذا نبيه في القرآن والتوراة وأمره بالعفو فقال (خذ العفو) وقال (فاعف عنهم واصفح) وقال له جبريل وقد سأله عن قوله (خذ العفو) قال أن تعفوا عمن ظلمك وقال في التوراة والإنجيل في الحديث المشهور في صفته: ليس بفظ ولا غليظ ولكن يعفو ويصفح.
ومن أسمائه تعالى الهادى وهو معنى توفيق الله لمن أراد من عباده وبمعنى الدلالة والدعاء قال الله تعالى (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) وأصل الجميع من الميل وقيل من التقديم وقيل في تفسير طه إنه يا طاهر يا هادى يعنى النبي صلى الله عليه وسلم وقال تعالى له (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) وقال فيه (وداعيا إلى الله بإذنه) فالله تعالى
مختص بالمعنى الأول، قال الله تعالى (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء) وبمعنى الدلالة يطلق على غيره تعالى ومن أسمائه تعالى المؤمن المهيمن قيل هما بمعنى واحد فمعنى المؤمن في حقه تعالى المصدق وعده عباده والمصدق قوله الحق والمصدق لعباده (16 - 1)

المؤمنين ورسله وقيل الموحد نفسه وقيل المؤمن عباده في الدنيا من ظلمه والمؤمنين في الآخرة من عذابه وقيل المهيمن بمعنى الأمين مصغر منه فقلبت الهمزة هاء وقد قيل إن قولهم في الدعاء آمين إنه اسم من أسماء الله تعالى (ومعناه معنى المؤمن وقيل المهيمن بمعنى الشاهد والحافظ والنبى صلى الله عليه وسلم أمين ومهيمن ومؤمن وقد سماه الله تعالى أمينا فقال (مطاع ثم أمين) وكان صلى الله عليه وسلم يعرف بالأمين وشهر به قبل النبوة وبعدها وسماه العباس في شعره مهيمنا في قوله.
ثم احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء تحتها النطق قيل المراد يا أيها المهيمن، قاله القتيبى والإمام أبو القاسم القشيرى وقال تعالى (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) أي يصدق وقال صلى الله عليه وسلم (أنا أمنة لأصحابي) فهذا بمعنى المؤمن.
ومن أسمائه تعالى القدوس ومعناه المنزه عن النقائص المطهر عن سمات الحدث وسمى بيت المقدس لأنه يتطهر فيه من الذنوب ومنه الوادي المقدس وروح القدس ووقع في كتب الأنبياء في أسمائه صلى الله عليه وسلم المقدس أي
__________
(قوله وقد قيل إن قولهم في الدعاء آمين إنه اسم من أسماء الله تعالى) قال النووي
في التهذيب هذا لا يصح لأنه ليس في أسماء الله تعالى اسم مبنى ولا غير معرب وأيضا أسماء الله لا تثبت إلا بالقرآن أو السنة المتواترة وقد عدم الطريقان (قوله من خندف) بكسر الخاء المعجمة وقد تقدم (*)

المطهر من الذنوب كما قال تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أو الذى يتطهر به من الذنوب ويتنزه باتباعه عنها كما قال تعالى (ويزكيهم) وقال (ويخرجهم من الظلمات إلى النور) أو يكون مقدسا بمعنى مطهرا من الأخلاق الذميمة والأوصاف الدنيئة.
ومن أسمائه تعالى العزيز ومعناه الممتنع الغالب أو الذى لا نظير له أو المعز لغيره وقال تعالى (ولله العزة ولرسوله) أي الامتناع وجلالة القدر وقد وصف الله تعالى نفسه بالبشارة والنذارة فقال (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) وقال (إن الله يبشرك بيحيى * وبكلمة منه) وسماه الله تعالى مبشرا ونذيرا وبشيرا أي مبشرا لأهل طاعته ونذيرا لأهل معصيته ومن أسمائه تعالى فيما ذكره بعض المفسرين طه ويس وقد ذكر بعضهم أيضا أنهما من أسماء محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم.
(فصل) قال القاضى أبو الفضل وفقه الله تعالى وها أنا أذكر نكته أذيل بها هذا الفصل وأختم بها هذا القسم وأزيح الإشكال بها فيما تقدم عن كل ضعيف الوهم سقيم الفهم تخلصه من مهاوى التشبيه وتزحزحه عن شبه التمويه وهو أن يعتقد أن الله تعالى جل اسمه
__________
(قوله أذيل) بضم الهمزة وفتح الذال المعجمة وتشديد المثناة التحتية المكسورة (قوله وأزيح) بضم الهمزة وكسر الزاى وفى آخره حاء مهملة: أي أبعد (*)

في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلى صفاته لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به وأن ما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق وعلى المخلوق فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي: إذ صفات القديم بخلاف صفات المخلوق فكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات كذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين إذ صفاتهم لا تنفك عن الأعراض والأغراض وهو تعالى منزه عن ذلك بل لم يزل بصفاته وأسمائه وكفى في هذا قوله (ليس كمثله شئ) ولله در من قال من العلماء والعارفين المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة عن الصفات، وزاد هذه النكتة الواسطي رحمه الله بيانا وهى مقصودنا فقال ليس كذاته ذات ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ اللفظ وجلت الذات القديمة أن تكون لها صفة حديثة كما استحال أن تكون للذات المحدثة صفة قديمة وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة رضى الله عنهم وقد فسر الإمام أبو القاسم القشيرى رحمه الله قوله هذا ليزيده بيانا فقال: هذه الحكاية تشتمل على جوامع مسائل التوحيد وكيف
__________
(قوله وعلى صفاته) بضم العين المهملة وفتح اللام وفى بعض النسخ بفتح العين المهملة وكسر اللام وتشديد المثناة التحتية (قوله عن الأعراض والأغراض) كلاهما بالضاد المعجمة وأحدهما بالغين المعجمة والآخر بالمهملة (قوله ولله در) في الصحاح الدر اللبن يقال في الذم لا در دره أي لا كثر خيره وفى المدح لله دره أي علمه (*)

تشبه ذاته ذات المحدثات وهى بوجودها مستغنية وكيف يشبه فعله فعل الخلق وهو لغير جلب أنس أو دفع نقص حصل ولا
بخواطر وأغراض وجد ولا بمباشرة ومعالجة ظهر وفعل الخلق لا يخرج عن هذه الوجوه، وقال آخر من مشايخنا: ما توهمتموه بأوهامكم أو أدركتموه بعقولكم فهو محدث مثلكم، وقال الإمام أبو المعالى: الجوينى: من اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره فهو مشبه ومن اطمأن إلى النفى المحض فهو معطل وإن قطع بموجود اعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد، وما أحسن قول ذى النون المصرى: حقيقة التوحيد أن تعلم أن قدرة الله تعالى في الأشياء بلا علاج وصنعه لها بلا مزاج وعلة كل شئ صنعه ولا علة لصنعه وما تصور في وهمك فالله بخلافه، وهذا كلام عجيب نفيس محقق الفصل الآخر تفسير لقوله (ليس كمثله شئ) والثانى تفسير لقوله (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) والثالث تفسير لقوله (إنما قولنا لشئ إذا أردناه
__________
(قوله ولا بخواطر وأغراض) بالغين المعجمة (قوله وقال أبو المعالى الجوينى) هو إمام الحرمين عبد الملك النيسابوري جاور مكة والمدينة أربع سنين فلذا قيل له إمام الحرمين ثم عاد إلى نيسابور، توفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة (قوله ذى النون المصرى) هو الزاهد العارف اسمه يونان بن إبراهيم الإخميمى كان أبوه نونيا توفى سنة خمس وأربعين ومائتين (قوله والفصل الآخر) هو قوله وما يصور في وهمك والثانى قوله وعلة كل شئ صنعه ولا علة والثالث قوله أن يعلم أن قدر الله في الأشياء بلا علاج وصنعه بلا مزاج (*)

أن نقول له كن فيكون) ثبتنا الله وإياك على التوحيد والإثبات والتنزيه وجنبنا طرفي الضلالة والغواية من التعطيل والتشبيه بمنه ورحمته.
الباب الرابع ففيما أظهره الله تعالى على يديه من المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات قال القاضى أبو الفضل: حسب المتأمل أن يحقق أن كتابنا هذا لم نجمعه لمنكر نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولا لطاعن في معجزاته فنحتاج إلى نصب البراهين عليها وتحصين حوزتها حتى لا يتوصل المطاعن إليها وتذكر شروط المعجز والتحدى وحده وفساد قول من أبطل نسخ الشرائع ورده، بل ألفناه لأهل ملته الملبين لدعوته المصدقين لنبوته ليكون تأكيدا في محبتهم له ومنماة لأعمالهم وليزدادوا إيمانا مع إيمانهم، ونيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ومشاهير آياته لتدل على عظيم قدره عند ربه وأتينا منها بالمحقق والصحيح الإسناد وأكثره مما بلغ القطع أو كاد وأضفنا إليها بعض ما وقع في مشاهير كتب الأئمة، وإذا تأمل المتأمل
__________
(قوله حوزتها) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها زاى (قوله والتحدى) يفتح المثناة الفوقية وفتح الحاء وتشديد الدال المهملتين هو طلب المعارضة.

فيصل السلمي
16-02-2006, 12:18 AM
المنصف ما قدمناه من جميل أثره وحميد سيره وبراعة علمه ورجاحة عقله وحلمه وجملة كماله وجميع خصاله وشاهد حاله وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به فروينا عن الترمذي وابن قانع وغيرهما بأسانيدهم أن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه فلما استبنت وجهه عرفت
أن وجهه ليس بوجه كذاب، حدثنا به القاضى الشهيد أبو على رحمه الله قال حدثنا أبو الحسين الصيرفى وأبو الفضل بن خيرون عن أبى يعلى البغدادي عن أبى على السنجى عن ابن محبوب عن الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب الثقفى ومحمد بن جعفر وابن أبى عدى ويحيى بن سعيد عن عوف بن أبى جميلة الأعرابي عن زرارة ابن أوفى عن عبد الله بن سلام الحديث، وعن أبى رمثة التيمى: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعى ابن لى فأريته فلما رأيته قلت هذا نبى الله، وروى مسلم وغيره أن ضمادا لما وفد عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا
__________
(قوله ابن أبى جميلة) بالجيم المفتوحة (قوله أبى رمثة) بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة، والرمث ضرب من النبات (قوله ضماد) بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الميم وفى آخره دال مهملة هو ابن ثعلبة الأزدي أزد شنوءة كان صديقا للنبى صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، أسلم أول الإسلام وكان يتطيب ويرقى ويطلب العلم (قوله أن الحمد لله) بفتح الهمزة وكسر النون المخففة لا لتقاء الساكنين.



مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قال له أعد على كلماتك هؤلاء فلقد بلغان قاموسي البحر هات يدك أبايعك) وقال جامع بن شداد كان رجل منا يقال له طارق فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال هل معكم شئ تييعونه قلنا هذا البعير قال بكم قلنا بكذا وكذا وسقا من تمر فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا من رجل لا ندرى من هو ومعنا ظعينة فقالت أنا ضامنة
لثمن البعير رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس بكم فأصبحنا فجاء رجل بتمر فقال أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا، وفى خبر الجلندى ملك عمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله
__________
(قوله قاموس البحر) بالقاف والميم قال ابن قرقول عند السجزى قاموس البحر وعند العذري قاعوس البحر وذكره الدمشقي قاموس البحر وهو الذى يعرفه أهل اللغة ورواه أبو داود قاموس أو قابوس على الشك في الميم والباء قال والمعول من هذا كله على قاموس أو قاعوس وقال أبو عبيدة قاموس البحر وسطه وقال أبو الحسين بن سراج: قاعوس البحر الصحيح كأنه من القصس وهو دخول الظهر وتعمقه أي إن كلماتك بلغت عمقه ولجته الداخلة (قوله هات) بكسر المثناة الفوقية (قوله ظعينة) أي امرأة وأصله الهودج الذى يكون فيه المرأة ثم سميت به المرأة قيل ولا يقال للمرأة ظعينة إلا إذا كانت راكبة (قوله لا يخيس) بالخاء المعجمة مضارع خاس أي غدر، ويقال أيضا يخوس (قوله الجلندى) بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون بعدها دال مهملة، في الصحاح جلندا بضم الجيم مقصورا اسم ملك عمان بضم العين وتخفيف الميم، وفى القاموس وجلندى بضم أوله اسم ملك عمان ووهم الجوهرى فقصره.



عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام قال الجلندى والله لقد دلنى على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ولا ينهى عن شئ إلا كان أول تارك له وأنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر ويفى بالعهد وينجز الموعود وأشهد أنه نبى وقال نفطويه في قوله تعالى (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة
لو لم تكن فيه آيات مبينة * لكان منظره ينبيك بالخبر وقد آن أن نأخذ في ذكر النبوة والوحى والرسالة وبعده في معجزة القرآن وما فيه من برهان ودلالة.
(فصل) اعلم أن الله جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجيمع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء كما حكى عن سنته في بعض الأنبياء وذكر بعض أهل التفسير في قوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) وجائز أن يوصل إليهم جميع ذلك بواسطة تبلغهم كلامه وتكون تلك الواسطة إما من غرى البشر كالملائكة مع الأنبياء أو من جنسهم كالأنبياء مع الأمم ولا مانع لهذا من دليل العقل وإذا جاز هذا ولم يستحل وجاءت الرسل بما دل على صدقهم من معجزاتهم وجب نصديقهم في جميع ما أتوا به لأن المعجز مع التحدي من النبي صلى الله عليه وسلم

قائم مقام قول الله صدق عبدى فأطيعوه واتبعوه وشاهد على صدقه فيما يقوله وهذا كاف والتطويل فيه خارج عن الغرض فمن أراد تتبعه وجده مستوفى في مصنفات أئمتنا رحمهم الله فالنبوة في لعة من همز مأخودة من النبأ وهو الخبر وقد لا يهمز على هذا التأويل تسهيلا والمعنى أن الله تعالى أطلعه على غيبه وأسلمه أنه نبيه فيكون نبى منبأ فعيل بمعنى مفعول أو يكون مخبرا عما بعثه الله تعالى به ومنبئا بما أطلعه الله عليه فعيل بمعنى فاعل ويكون عند من لم يهمزه من النبوة وهو ما ارتفع من الأرض معناه أن له رتبة شريفة ومكانه نبيهة عند مولاه منيفة قالو صفان في حقه مؤتلفان وأما الرسول فهو المرسل ولم يأت
فعول بمعنى مفعل في اللغة إلا نادرا وإرساله أمر الله له بالإبلاغ إلى من أرسله إليه واشتقاقه من التتابع ومنه قولهم جاء الناس أرسالا إذا تبع بعضهم بعضا فكأنه ألزم تكرير التبليغ أو ألزمت الأمة اتباعه واختلف العلماء هل النبي والرسول بمعنى أو بمعنيين فقيل هما سواء وأصله من الأنباء وهو الإعلام واستدلوا بقوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى) فقد أثبت لهما الإرسال معا، قال ولا يكون النبي إلا رسولا ولا الرسول إلا نبيا وقيل هما مفترقان من وجه إذ قد اجتمعا في النبوة التى هي الإطلاع على الغيب والأعلام بخواص النبوة أو الرفعة لمعرفة ذلك وحوز درجتها وافترقا في زيادة الرسالة للرسول وهو الأمر بالإنذار والإعلام

كما قلنا وحجتهم من الآية نفسها التفريق بين الاسمين ولو كانا شيئا واحدا لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ قالوا والمعنى وما أرسلنا من رسول إلى أمة أو نبى وليس بمرسل إلى أحد وقد ذهب بعضهم إلى أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ ومن لم يأت به نبى غير رسول وإن أمر بالإبلاغ والإنذار والصحيح والذى عليه الجماء الغفير أن كل رسول نبى وليس كل نبى رسولا وأول الرسل آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وفى حديث أبى ذر رضى الله عنه أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبى وذكر أن رسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر أولهم آدم عليه السلام، فقد بان لك معنى النبوة والرسالة وليستا عند المحققين ذاتا للنبى ولا وصف ذات خلافا للكرامية في تطويل لهم وتهويل ليس عليه تعويل وأما
__________
(قوله الجماء الغفير) في الصحاح قولهم جاؤا جما غفيرا والجماء الغفير وجماء الغفير بالمد في الجماء أي جاؤا بجماعتهم الشريف والوضيع ولم يتخلف أحد منهم وكان فيهم كثرة (قوله الكرامية) نسبه إلى محمد بن كرام بفتح الكاف وتشديد الراء كذا قيده ابن ماكولا والسمعاني وغير واحد وهو الجارى على الألسنة وأنكره محمد بن الهيضم وغيره من الكرامية وحكى فيه ابن الهيضم وجهين أحدهما التخفيف وفتح الكاف وذكر أنه المعروف في ألسنة مشايخهم وزعم أنه بمعنى كريم أو بمعنى كرامة والثانى التخفيف وكسر الكاف على لفظ جمع كريم وحكى هذا عن أهل سجستان قال ابن الصلاح ولا يعول على الأول وهو ما رواه السمعاني في الأنساب قال وكان والده يحفظ الكرم فقيل له كرام قال الذهبي وفيما قاله السمعاني نظر فإن كلمة كرام علم على والد محد سواء (*)

الوحى فأصله الإسراع فلما كان النبي يتلقى ما يأتيه من ربه بعجل سمى وحيا وسميت أنواع الإلهامات وحيا تشبيها بالوحى إلى النبي وسمى الخط وحيا لسرعة حركة يد كاتبه ووحى الحاجب واللحظ سرعة إشراتهما ومنه قوله تعالى (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) أي أومأ ورمز وقيل كتب ومنه قولهم الوحا الوحا أي السرعة السرعة وقيل أصل الوحى السر والإخفاء ومنه سمى الألهام وحيا ومنه قوله تعالى (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) أي يوسوسون في صدورهم ومنه قوله (وأوحينا إلى أم موسى) أي ألقى في قلبها وقد قيل ذلك في قوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) أي ما يلقيه في قلبه دون واسطة.
(فصل) اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة هو أن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها وهى على ضربين ضرب هو من
نوع قدرة البشر فعجزوا عنه فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه كصرفهم عن تمنى الموت وتعجيزهم عن الإتيان بمثل القرآن
__________
عمل في الكرم أو لم يعمل، وأقول هذا لا يضر السمعاني لجواز أن يكون صار علما عليه بالغلبة لعمله في الكرم وهو صبى وهجر ما وضع علما عليه بعيد الولادة وكان ابن كرام سجن بنيسابور ثمانية أعوام لأجل بدعته ثم أخرج فسار إلى بيت المقدس ومات بالشام في صفر سنة خمس وخمسين ومائتين (قوله الوحا) بفتح الواو والحاء المهملة في الصحاح والوحا السرعة تمد وتقصر، ويقال الوحا الوحا بمعنى البدار (*)

على رأى بعضهم ونحوه وضرب هو خارج عن قدرتهم فلم يقدروا على الإتيان بمثله كإحياء الموتى وقلب العصا حية وإخراج ناقة من صخرة وكلام شجرة ونبع الماء من الأصابع وانشقاق القمر مما لا يمكن أن يفعله أحد إلا الله فيكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الله تعالى وتحديه من يكذبه أن يأتي بمثله تعجيز له.
واعلم أن المعجزات التى ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته وبراهين صدقه من هذين النوعين معا وهو أكثر الرسل معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا كما سنبينه وهى في كثرتها لا يحيط بها ضبط فإن واحدا منها وهو القرآن لا يحصى عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجز عنها، قال أهل العلم وأقصر السور (إنا أعطيناك الكوثر) فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة ثم فيها نفسها معجزات على ما سنفصله فيما انطوى عليه من المعجزات ثم معجزاته صلى الله عليه وسلم على قسمين قسم منها علم قطعا ونقل إلينا
متواتر كالقرآن فلا مرية ولا خلاف بمجئ النبي به وظهوره من قبله واستدلاله بحجته وإن أنكر هذا معاند جاحد فهو كإنكاره وجود محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا وإنما جاء اعتراض الجاحدين في الحجة به فهو في نفسه وجميع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة ووجه إعجازه معلوم ضرورة ونظرا كما سنشرحه، قال بعض أئمتنا (*)

ويجرى هذا المجرى على الجملة أنه قد جرى على يديه صلى الله عليه وسلم آيات وخوارق عادات إن لم يبلغا واحد منها معينا القطع فيبلغها جميعها فلا مرية في جريان معانيها على يديه ولا يختلف مؤمن ولا كافر أنه جرت على يديه عجائب وإنما خلاف المعاند في كونها من قبل الله وقد قدمنا كونها من قبل الله وأن ذلك بمثابة قوله صدقت فقد علم وقوع مثل هذا أيضا من نبينا ضرورة لا نفاق معانيها كما يعلم ضرورة جود حاتم وشجاعة عنترة وحلم أحنف لإتفاق الأخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم هذا وشجاعة هذا وحلم هذا وإن كان كل خبر بنفسه لا يوجب العلم ولا يقطع بصحته والقسم الثاني ما لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين نوع مشتهر منتشر رواه العدد وشاع الخبر به عند المحدثين والرواة ونقلة السير والإخبار كنبع الماء من بين الأصابع وتكثير الطعام ونوع منه اختص به الواحد والاثنان ورواه العدد اليسير ولم يشتهر اشتهار غيره لكنه إذا جمع إلى مثله اتفقا في المعنى وأجتمعا على الإتيان بالمعجز

فيصل السلمي
16-02-2006, 12:18 AM
(قوله حاتم) هو والد عدى بن حاتم هلك عن كفره وقدم ابنه عدى سنة تسع في شعبان وكان نصرانيا فأسلم (قوله عنترة) هو ابن معاوية بن شداد العبسى كان شديد السواد وأما زبيبة كانت أمه سوداء لأبيه، كان من أشهر فرسان العرب وأشدهم بأسا (قوله الأحنف) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح النون
بعدها فاء هو ابن قيس أبو بحر التميمي اسمه الضحاك وقيل صخر، أسلم في زمنه عليه السلام ودعا له عليه السلام ولم تتفق له رواية (*)

كما قدمناه قال القاضى أبو الفضل وأنا أقول صدعا بالحق إن كثيرا من هذه الآيات المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم معلومة بالقطع أما انشقاق القمر قالقرآن نص بوقوعه وأحبر عن وجوده ولا يعدل عن ظاهر إلا بدليل وجاء برفع إحتماله صحيح الأخبار من طرق كثيرة ولا يوهن عزمنا خلاف أحرق منحل عرى الدين ولا يلتفت الى سخافة مبتدع يلقى الشك على قلوب ضعفاء للمؤمنين بل نرغم بهذا أنفه ونئبذ بالعراء سخفه وكذلك قصة نبع الماء ونكثير الطعام رواها الثقات والعدد الكثير عن الجماء الغفير عن العدد الكثير من الصحابة ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متصلا عمن حدث بها من جملة الصحابة وأخيارهم أن ذلك كان في موطن اجتماع الكثير منهم في يوم الخندق وفى غزوة بواط وعمرة الحديبية وغزوة تبوك وأمثالها من
__________
(قوله أخرق) بالخاء المعجمة ضد الرفيق (قوله سخافة) بفتح السين المهملة والخاء المعجمة المخففة، يقال سخف الرجال بالضم سخفا وسخافة أي رق عقله (قوله نرغم) بضم أوله يقال أرغم الله أنفه ألصقه بالرغام بفتح الراء وهو التراب (قوله العراء) بفتح العين المهمة وتخفيف الراء والمد هو الفضاء لاستر به (قوله سخفه) بضم السين المهملة (قوله في يوم الخندق) قال ابن اسحاق كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس وقال أبو سعيد في ذى القعدة وقال ابن عقبة سنة أربع (قوله بواط) بظم الموحدة وتخفيف الواو وفى آخره طاء مهملة جبل من جبال جهينة (قوله عمرة الحديبية) كانت في السنة السادسة سن الهجرة خرج لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ذى القعدة وقال ابن سعد خرج إليها يوم الاثنين بهلال ذى القعدة (قوله وغزوة تبوك) كانت في السنة التاسعة (*)

محافل المسلمين ومجمع العساكر ولم يؤثر عن أحد من الصحابة مخالفة للراوى فيما حكاه ولا إنكار عما ذكر عنهم أنهم رأوه، كما رواه فسكوت الساكت منهم كنطق، الناطق، إذ هم المنزهون عن السكوت على باطل والمداهنة في كذب وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم ولو كان ما سمعوه منكرا عندهم وغير معروف لديهم لأنكروه كما أنكر بعضهم على بعض أشياء رواها من السنن والسير وحروف القرآن وخطأ بعضهم بعضا ووهمه في ذلك مما هو معلوم فهذا النوع كله يلحق بالقطعي من معجزاته لما بيناه وأيضا فإن أمثال الأخبار التى لا أصل لها وبنيت على باطل لابد مع مرور الأزمان وتداول الناس وأهل البحث من انكشاف ضعفها وخمول ذكرها كما يشاهد في كثير من الأخبار الكاذبة والأراجيف الطارئة وأعلام نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الواردة من طريق الآحاد لا تزداد مع مرور الزمان إلا ظهورا ومع تداول الفرق وكثرة طعن العدو وحرصه على توهينها وتضعيف أصلها وإجهاد الملحد على إطفاء نورها إلا قوة وقبولا ولا للطاعن عليها إلا حسرة وغليلا وكذلك إخباره عن الغيوب وإنباؤه بما يكون وكان، معلوم من آياته على الجملة بالضرورة وهذا حق لا غطاء عليه وقد قال به من أئمتنا القاضى والأستاذ أبو بكر وغيرهما رحمهم الله وما عندي أوجب قول القائل.
__________
(قوله يلحق) بفتح أوله (قوله وإخباره عن العيوب) بكسر الهمزة (*)

إن هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد إلا قلة مطالعته للأخبار
وروايتها وشغله بغير ذلك من المعارف وإلا فمن اعتنى بطرق النقل وطالع الأحاديث والسير لم يرتب في صحة هذه القصص المشهورة على الوجه الذى ذكرناه ولا يبعد أن يحصل العلم بالتواتر عند واحد ولا يحصل عند آخر فإن أكثر الناس يعلمون بالخبر كون بغداد موجودة وأنها مدينة عظيمة ودار الإمامة والخلافة وآخاد من الناس لا يعلمون اسمها فضلا عن وصفها وهكذا يعلم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة وتواتر النقل عنه أن مذهبه إيجاب قراءة أم القرآن في الصلاة للمنفرد والإمام وإجزاء السية في أول ليلة من رمضان عما سواه وأن الشعافعى يرى تجديد النية كل ليلة والاقتصار في المسح على بعض الرأس وأن مذهبهما القصاص في القتل بالمحدد وغيره وإيجاب النية في الوضوء واشتراط الولى في النكاح وأن أبا حنيفة يخالفهما في هذه المسائل وغيرهم ممن لم يشتغل بمذاهبهم ولا روى أقوالهم لا يعرف هذا من مذاهبهم فضلا عمن سواه وعند ذكرنا آحاد هذه المعجزات نزيد الكلام فيها ببانا إن شاء الله تعالى.
__________
(قوله بغداد) يجوز في داليه الإعجام والإهمال، قال صاحب القاموس بغداد بمهلتين ومعجمتين وتقديم كل منهما وبغدان وبغدين ومغدان مدينة دار السلام وهى عمرت في زمن أبى جعفر المنصور العباسي أخى السفاح سنة خمس وأربعين ومائة وكانت قبل ذلك مبقلة وسبب تسميتها بغداد أن كسرى أقطعها لخصى له وكان ذلك الخصى يعبد صنما في الشرق يقال له بعد فسماها ذلك الخصى بغدادا أي عطية ذلك الصنم