المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحكام الدم وما يتعلق به



أهــل الحـديث
26-11-2012, 12:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الـدم :وهو على ضربين دم الآدمي ، ودم الحيوان .
أولاً : دم الآدامى وهو على قسمين :-
1- دم الحيض والنفاس :وهو نجس بإتفاق أهل العلماء .
2- دم الإنسان :وهو ما كان غير الحيض وهذا مختلف فيه ، وقد ذهب أصحاب المذاهب الفقهية وشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إلى نجاسة الدم وليس لديهم دليل صريح فى ذلك سوى قوله تعالى ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ الأنعام: 145، واستلزموا من ذلك النجاسة وقد نقل الإجماع على ذلك النووي والقرطبي وابن عبد البر وابن العربى ([1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn1)) قلت : وهذا على الإطلاق .
بينما ذهب جماعة من المتأخرين منهم الشوكانى وصديق خان والألباني وابن عثيمين إلى طهارة دم الإنسان لعدم ثبوت الإجماع واستدلوا بحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ t قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَأُصِيبَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ... الحديث وفيه « فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنْ الدِّمَاءِ » قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَلَا أَهْبَبْتَنِي .([2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn2))
قال ابن حجر في الفتح 1/282 : والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم فى الصلاة لا يبطلها بدليل أنه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن البصري « مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتهمْ » وقد صح أن عمر صلى فى جرحه وهو يثغب دماً ، وهو قول طاووس ومحمد بن على وعطاء وأهل الحجاز وتنخم ابن أبى أوفى دمًا فى صلاته وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم وقيح ، فمسحه بيده ، وصلى ولم يتوضأ . ([3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn3))
قال الألباني : يستبعد عادة أن لا يطلع النبي r على ذلك فلو كان الدم الكثير ناقضا لبينه r لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول وعلى فرض أن النبي r خفي ذلك عليه فما هو بخاف على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فلو كان ناقضا أو نجسا لأوحى بذلك إلى نبيه r كما هو ظاهر لا يخفى على أحد .
حديث عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدَ بن مُعَاذٍ رُمِيَ فِي أَكْحَلِهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r خِبَاءً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ قَرِيبًا ... فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ تَفَجَّرَ كَلْمُهُ ، فَسَالَ الدَّمُ مِنْ جُرْحِهِ ، حَتَّى دَخَلَ خِبَاءً إِلَى جَنْبِهِ ، فَقَالَ الْهنه أَهْلَ الْخِبَاءِ : يَا أَهْلَ الْخِبَاءِ ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَنَظَرُوا فَإِذَا سَعْدٌ قَدِ انْفَجَرَ كَلْمُهُ وَالدَّمُ لَهُ هَدِيرٌ ، فَمَاتَ .([4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn4))
قلت : فلو كان الدم نجساً لأمر بصب الماء عليه كما فعل في بول الأعرابي وكلهما كان في المسجد.
قول النبي r للمستحاضه « إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي »([5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn5))
قال ابن المنذر 2/216 : والمسوي بينهما بعد تفريق النبي r بينهما غير منصف في تشبيهه أحدهما بالآخر وقد أجمع أهل العلم على التفريق بينهما قالوا : دم الحيض مانع من الصلاة ودم الاستحاضة ليس كذلك ودم الحيض يمنع الصيام والوطأ والمستحاضة تصوم وتصلي وأحكامها أحكام الطاهر وإذا كان كذلك جاز وطؤها لأن الصلاة والصوم لا يجبان إلا على الطاهر من الحيض .اهـ
قلت : وفى هذا نقض للإجماع على نجاسة الدم مطلقاً وعلى التسوية بين دم الحيض وغيره في الحكم بالنجاسة دلالةً وإجماعاً .
قال الألباني رحمه الله في الصحيحة 1/300 بعد ذكر الحديث : فهذا يدلك على أن الذين ذهبوا إلى القول بنجاسة الدم إطلاقا ليس عندهم بذلك نقل صحيح صريح فتأمل و جملة القول : أنه لم يرد دليل فيما نعلم على نجاسة الدم على اختلاف أنواعه ، إلا دم الحيض ، و دعوى الاتفاق على نجاسته منقوضة بما سبق من النقول ، و الأصل الطهارة ، فلا يترك إلا بنص صحيح يجوز به ترك الأصل ، و إذ لم يرد شيء من ذلك فالبقاء على الأصل هو الواجب . و الله أعلم اهـ
وعن ابن سيرين قال : نحر ابن مسعود جزوراً فتلطخ بدمها وفرثها ، ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ .([6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn6))
قلت : والراجح القول بطهارة الدم . أما دليل الفريق الأول فلا ينهض بالاحتجاج لما يلي :
1- أن لفظة ( رجس ) من المشتركات اللفظية فهي تحمل أكثر من معنى منها : النجس ، القذر ، القبيح ، المحرم ، اللعنة ، العذاب ، الكفر ، الشر ، الإثم وغيرها وكل هذه المعاني وردت كلها في القرآن الكريم .
2- أن الأصل في الأعيان الطهارة إلا ما قام الدليل على نجاسته وغاية ما في الآية التحريم وليس كل محرم بنجس ولكنه العكس .
3- أنه لو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى ( فإنه رجس ) إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة و الدم المسفوح و لحم الخنزير ، لكان ذلك مفيدا لنجاسة الدم المسفوح و الميتة ، و لكن لم يرد ما يفيد ذلك ، بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب ، و الظاهر الرجوع إلى الأقرب وهو لحم الخنزير ، لإفراد الضمير و لهذا جزمنا هنا بنجاسة لحم الخنزير دون الدم الذي ليس بدم حيض . ([7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn7))
4- أما الإجماع فإن كان المقصود به إجماع الأئمة الأربعة فهو منقوض بالأدلة السابقة ، وإن كان المقصود به إجماع الأمة فهو منقوض بقول البخاري وطاووس ومحمد بن على وعطاء والحسن البصري وأهل الحجاز وابن أبى أوفى وعمر وابن عمر وابن مسعود . فأن لهم الإجماع
5- ذكر ابن رشد اختلاف العلماء في دم السمك ، و ذكر أن السبب في اختلافهم هو إختلافهم في ميتته ، فمن جعل ميتتة داخلة تحت عموم التحريم جعل دمه كذلك ، و من أخرج ميتتة أخرج دمه قياساً على الميتة ونقول هم يقولون بطهارة ميتة الآدمى فكذلك دمه على قاعدتهم . ا هـ
القيح والصديد وماء القرح :اختلف أهل العلم في القيح والصديد فقالت طائفة : هما بمنزلة الدم وهو قول النخعي وبه قال مجاهد وعطاء وعروة بن الزبير والزهري وقتادة والشعبي والحكم الليث بن سعد وحماد .
وقالت طائفة ليس في خروج القيح والصديد وضوء ، وهو قول الحسن البصري ، وقال عطاء في الماء الذي يخرج من القرح : ليس فيه شيء ، وكان أبو مجلز لا يرى في القيح شيئاً وقال : إنما ذكر في كتابه عز وجل الدم المسفوح ، وكان الأوزاعي يقول في قرحة سال منها كغسالة اللحم ليس بدم ولا قيح لا وضوء فيه ، وقال أحمد بن حنبل في القيح والصديد هذا كله أيسر عندي من الدم ، وقال إسحاق : كل ما كان سوى الدم لا يوجب وضوءا .
قال ابن المنذر : ليس مع من أوجب في القيح والصديد وماء القرح الوضوء حجة . ([8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn8)) وهو الراجح وقد تبين طهارة الدم فهذا من باب أولى .
ثانياً : دم الحيوان وهو على قسمين :-
1- دم الحيوان غير مأكول اللحم : إن كل حيوان ميتتة نجسة فدمه نجس اتفاقاً كما تدل
عليه الآية ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ الأنعام: 145، وقد تقدم الكلام في الحيوان غير مأكول اللحم وكذا سؤره .
2- دم الحيوان مأكول اللحم :وأما دم الحيوان فالقول فيه كالقول فى دم الآدمى من عدم الدليل على نجاسته وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه نحر جزورا فتلطخ بدمها وفرثها ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ .([9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn9))
وعنه قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ r قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ r وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَبَتَ النَّبِيُّ r سَاجِدًا فَضَحِكُوا . ([10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn10))
ولو كان سلا الجزور والدم نجس ما تمادى النبي r ، فى صلاته والفرس والدم على ظهره ، ولقطع الصلاة ونظف ثيابه .
قلت فيه إيضاح :
- الدم الخارج من حيوان طاهر في الحياة ، نجس بعد الموت فهذا إذا كان في حال الحياه فهو نجس ، لكن يُعفى عن يسيره . مثال ذلك : الغنم والإبل فهي طاهرة في الحياة نجسة بعد الموت .
- الدم الباقي بعد خروج النفس من حيوان مذكى لأنه كسائر أجزاء البهيمة وأجزاؤها حلال طاهرة بالتذكية الشرعية ، فكذلك الدم كدم القلب والكبد والطحال .
- دم السمك وهو طاهر لأنه إذا كانت ميتته طاهرة كان ذلك دليلا على طهارته فإن تحريم الميتة من أجل بقاء الدم فيها بدليل قول النبي r : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ). فجعل النبي r سبب الحل أمرين :
أحدهما : إنهار الدم . الثاني : ذكر اسم الله تعالى .
- دم الذباب والبعوض وشبهه لأن ميتته طاهرة كمل دل عليه حديث أبي هريرة في الأمر بغمسه إذا وقع في الشراب ، ومن الشراب ما هو حار يموت به، وهذا دليل على طهارة دمه لما سبق من علة تحريم الميتة .([11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn11))

([1]) المجموع 2/557 ، والتمهيد 12/74 ، تفسير القرطبى 2/221 ، وأحكام القرآن 1/79 .

([2]) صحيح : البخاري تعليقاً باب من لم يرى الوضوء إلا من المخرجين ، وأبو داود برقم 170 ، وأحمد برقم 14177 ، وصححه الألباني فى صحيح أبى داود برقم 193 .

([3]) فتح الباري 1/282 وصحح هذه الآثار .

([4]) صحيح : البخاري مختصراً برقم 443 ، والطبراني فى الكبير برقم 5187 واللفظ له ، وابن خزيمة برقم 1269 .

([5]) صحيح : البخاري برقم 295 ، ومسلم برقم 502 .

([6]) رواه عبد الرزاق فى مصنفه برقم 460 وهو صحيح .

([7]) الروضة الندية 1/18 صديق الدين خان .

([8]) الأوسط لأبن المنذر 1/181 .

([9]) صحيح : تقدم تخريجه .

([10]) صحيح : البخاري برقم 490 .

([11]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11/202 .