المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الضمان الالهي من العذاب



أهــل الحـديث
25-11-2012, 11:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



عنوان المقال
الضمان الإلهي من العذاب
كاتب المقال
د. عويض بن حمود العطوي(بتصرف بسيط من قِبَلِ أم عبد الرحمن بنت خليل)


يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وما كان اللهُ ليعذبَهم وانت فيهم وما كان اللهُ معذبَهم وهم يستغفرون}[الأنفال: 33 ].
هذه بشارة نسوقها من خلال هذه الآية العظيمة:

ما أعجب نظم هذه الآية، وما أعظم ما تحمل من البشارة للمؤمنين، المتّقين المستغفرين إنّهما ضمانان من الله من عذاب الله، المضمونُ هو أشدُ ما يخافه المؤمنون، وهو عذاب الله ونقمته، والضامن هو أعظم مَنْ يرجوه المؤمنون وهو الله جلَّت قدرته.


أيّها المؤمن بربّه، تعال معنا الآن في سياحة تأمليّة تفكيريّة في ظلال هذه الآية لنكشف عن شيء من مدلولاتها، التي تدور حول الضمان المذكور سابقاً. وقبل أن نتعمق في دقائق هذه الآية لابدّ أن ندرك أنّ إقرار العذاب جاء بعد هذه الآية في قوله تعالى: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدّون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياؤه إن أولياؤه إلّا المتّقون ولكنّ أكثرهم لا يعلمون} [ الأنفال: 34 ].



إنّ الضمان الوارد هو في حقّ مَنْ هذه صفته الولاية والتقوى، أمّا المشركون فليس لهم إلّا الضمان الأول المرتبط بوجود النبي صلّى الله عليه وسلّم، أي: وما كان الله يعذبهم وأنت فيهم، وهو معذبهم إذا أنت فارقتهم.(علماً أن بعض العلماء قالوا أن تطبيقك لسنة نبيك أيّها المؤمن يدخل في هذا الضمان).



ويمكننا تلمُّس تلك الدلالات من خلال هذه الوقفات:


أولاً: تأمل رعاك الله طريقة النفي (وما كان الله) في الموضعين، دون أن يقال مثلاً: ولن يعذبهم الله، وذلك لما في نفي (كان) من الدلالة على عراقة النفي، وتأصله وتأكده, فكأنّه قيل: ما كان ليعذبهم في الماضي ولن يعذبهم فيما بقي أو ما يستقبل، وإذا أدركنا أنّ الآية مدارها على الضمان، المراد منه طمأنة المؤمنين، عرفنا سرَّ مجيء النفي بهذه الطريقة المشعرة بزيادة الأمان لأهل الإيمان.


ثانياً: ذكر لفظ الجلالة دون أسمائه الأخرى، وذلك لِما في هذا الاسم الجليل من بثِّ الشعور بقوة الضمان، لِما في لفظ الجلالة "الله" من المهابة والفخامة، وكثيراً ما ذكر هذا الاسم الجليل في مواطن القوة والقدرة، ويدلّ على ذلك تكرر لفظ الجلالة (الله) مع الضمان الثاني ،{وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}[ الأنفال: 33 ].


ثالثاً: مجيء (لام) الجحود، الدّال ذكرها على أنّ الفعل المنفي لا يصدر عادةً من اسمها وهو هنا لفظ الجلالة، إمعاناً في نفي ذلك الفعل وهو هنا العذاب فكأنّه بذلك (جُحد) هذا الفعل عن ذلك الفاعل مبالغة في التنزه عنه؛ لذلك سُمِّيت بلام الجحود.


رابعاً: كون المنفي عنهم هو عذاب الله، وهو أخوف ما يخاف المؤمن، فينفيه عنه وهو غاية سعادته وأنسه.


خامساً: مجيء العذاب المنفي بالفعل المضارع (يعذبهم)، وذلك لِما في الضمان الأول من دلالة الانقطاع لأنّه مؤقت بكون النبي صلّى الله عليه وسلّم موجوداً فيهم، فناسب انقطاع هذا الضمان أن يكون الفعل المعبّر به عنه مضارعاً.


سادساً: مجيء المصروف عنهم العذاب بالضمير المتصل (هم) في المواضع كلّها (ليعذبهم - فيهم - وهم) دون الظاهر بأن يقال: وما كان الله ليعذب المؤمنين وأنت فيهم ، قد يكون فوق أنّه هو الأصل في مثل هذه الحال، لطيفة، جميلة وهي صون ذكرهم بعنوان الإيمان أو التقوى مع العذاب، فذلك أعظم في تكريمهم والإشادة بمكانتهم حتى إنهم لم يذكروا مع العذاب بالصريح بل بالكناية وهو الضمير الغائب ليكون أبعد عن ربطهم بالعذاب.


سابعاً: تعريف النبي صلّى الله عليه وسلّم بضمير المخاطب (أنت) دون الاسم الظاهر بأن يقال: (والرسول فيهم، أو النبي فيهم)، ودون الغائب (وهو فيهم)، لما في المخاطبة من التكريم لأنّ السياق للثناء، بل هو من أعظم الثناء، كما أنّ في (ضمير المخاطب) من دلالة القرب ما لا يخفى، وفي ضمير الغائب من البعد ما لا يخفى.


ثامناً: مجيء الجار هنا (في) دون (مع) مثلاً المشعرة باختلاطه بهم صلّى الله عليه وسلّم، لِما في (في) من دلالة الظرفية المشعرة بقوة إحاطتهم به، فكأنّهم أصبحوا كالظرف الذي يحيط به صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أكثر تصويراً لارتباطه، والتفافهم حوله، واتباعهم له، ولو قيل (وأنت معهم) لربما أشعر ذلك بأنّ معيتهم مؤقتة فقد يكون معهم زمناً ويتركهم آخر، ثمّ إنّ المعيّة لا تتحقق معهم كلّهم، أمّا الظرفية فإنّها مشعرة بوجوده الدّائم فيهم وتأثيره البليغ، وارتباطهم الشديد، وإن لم يبلغه جمعهم كلُّه.


تاسعاً: مع مجيء الجملة الحالية (وأنت فيهم) لتكون قيداً للنفي، فالنفي مرتبط بوجود هذه الحال، وهذا والله هو التكريم، فلأجل وجوده صلّى الله عليه وسلّم، يتفضَّل المولى سبحانه وتعالى بصرف العذاب عنهم، وهذا الضمان يشمل حتى الكفار إمعاناً في تقدير شخص النّبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم، فإنّه لِعَيْن تُجلُّ ألف عين وتُكرم.


عاشراً: إظهار لفظ الجلالة (الله) في مقام الإضمار لأنّه تقدم ذكره، فالمقتضى أن يقال: وما كان معذبهم وهم يستغفرون، ولكنْ في إظهار الاسم الجليل تأكيد للضمان المذكور، وتربية للمهابة المفضية إلى طمأنة المؤمنين بالضمان الثاني وأنّه بقدر الضمان الأول، فالضامن واحد وهو الله جلَّت قدرته.


الحادي عشر: تكرار النفي (وما كان الله) دون أن يقال: (وما كان ليعذبهم وأنت فيهم وهم يستغفرون) لبيان أن الضمانين مختلفان، وأنَّ كل واحد منهما كافٍ لصرف العذاب عنهم، ولا يشترط وجودهما مع بعضهما فلله الحمد والمنّة.


الثاني عشر: مجيء العذاب المنفي في الضمان الثاني بالاسم (معذبهم) بخلاف الأول بالفعل (يعذبهم) لما في الضمان الثاني من الاستمرار والدوام، وهذا ما يدلّ عليه الاسم دون الفعل المشعر بالانقطاع والحدوث، فحيثما دام الاستغفار كان الأمان.


الثالث عشر: مجيء الجملة الحالية (وهم يستغفرون), لبيان أنّ نفي العذاب وصرفه عنهم مرهون بهذا القيد (وهم يستغفرون)، وفي هذا من شحذ الهمّة للاهتمام بشأن الاستغفار ما لا يخفى، وهذه طريقة حبَّذا أن يتنبه لها المربون، وهي تقييد صرف ما يرهبه الإنسان وينفرُ منه بفعل ما تريد تربيته عليه، فهو بهذا يقوم بالمراد وهو يشعر في مقابل ذلك بالعطاء والنفع، فقد رُبِطَ نفي العذاب عنهم بالدوام المتجدد على الاستغفار، فتحقق بذلك حبهم للاستغفار، لأنّه جلب نفعاً يدفع العذاب عنهم.


الرابع عشر: مجيء الاستغفار بالفعل المضارع دون الاسم (وهم يستغفرون)؛ لأنّ المناسب لشأن الاستغفار هو إنشاؤه وإحداثه وتجدده مع دوام في أصل الحالة، والاسم يشعر بوجود ذلك إمّا على وتيرة واحدة، أو مرة واحدة، وكلّ ذلك لا يتناسب مع شأن الاستغفار الذي أسبابه كثيرة ومتنوعة، وقد تختلف من إنسان لآخر بحسب حاله.
الاستغفار: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:"ما من عبد يذنب ذنباً، فيحسن الطهور، ثمّ يقوم، فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له". [ رواه أبو داود (1521) ].


وقال صلّى الله عليه وسلّم:"من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غُفِرَ له وإن كان قد فرَّ من الزحف". [ رواه أبو داود (1517) ].


الخامس عشر: جعل الاستغفار هو الضمان المقابل لضمان وجود النبي صلّى الله عليه وسلّم وادامة صرف العذاب بسببه، فيه رفع لمكانة الاستغفار، وتنويه بها، فهل شعرت بهذا أيّها المؤمن بربه؟ وهل شاركت أفراد الأمّة في إيجاد هذا الضمان واستمراريته؟


أتركُ الإجابة لفكرك وتأملك....


فالفتن كثيرة وما يصيب المؤمنون من البلاء والشقاء والعذاب أكثر. وقد علّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعاءً يقال عند الفزع، ومن مكايدة الشياطين: "أعوذ بكلمات الله التامّات، التي لا يُجاوزهنّ برّ ٌولا فاجر من شرِّ ما خلق, وذرأ وبرأ, ومن شرّ ما ينزل من السماء ومن شرِّ ما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض, ومن شرِّ ما يخرج منها, ومن شرِّ فتن الليل والنهار، ومن شرِّ كل طارق، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن". [ رواه أحمد (3/419) ].

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا كلّها، اللّهم اهدنا لصالح الأعمال والأخلاق، فإنّه لا يهدي لصالحها إلا أنت, واصرف عنَّا سيئ الأعمال والأخلاق لا يصرف سيئها إلا أنت. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.