رأيت فيما يرى النائم

[أهــل الحـديث]

أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم



رأيت فيما يرى النائم
سلوى العضيدان

على إحدى القنوات الفضائية استمعت لإحدى الأخوات المشاهدات التي كانت تتصل هاتفياً على مفسر الأحلام، وكانت نبرات صوتها ترتجف خوفاً وهي تقول: ''يا شيخ أنا البارحة حلمت حلم مخيف أرجوك فسره''، وشبك مفسر الأحلام كفيه وعقد حاجبيه باهتمام قائلاً: ''تفضلي أختي''، وبدأت في سرد حلمها بجمل لاهثة وكلمات مبعثرة وأنفاس متلاحقة، ولكأنما تصعد قمة جبل إيفرست، وكان حاجبا المفسر يقتربان من بعضهما ويبتعدان حسب الأحداث الدرامية في الحلم الذي كاد يتحول لمسلسل تركي من طوله الممل، حتى إذا ما انتهت المتصلة من سرد حلمها تنفست الصعداء في انتظار تفسير المفسر الذي بادرها بعدة أسئلة: ''هل تشتكين من وجع في المعدة؟ هل تأتيك وساوس؟ هل تنامين جيدا في الليل؟ هل لك عداوات مع أحد؟ أنت متزوجة أم عزباء؟ كيف أمورك من زوجك؟ وهل وهل وهل..؟.. حتى تخيلت أني أشاهد مسلسل المحقق كونان لا برنامجا لتفسير الأحلام!

من الطبيعي أن يشعر الإنسان ببعض الوجع في معدته إما بسبب وجبة دسمة أو برودة عابرة أو ''نرفزة'' معينة، ومن الطبيعي أيضاً أن ينتابه القلق بسبب ما يجري حوله في هذا العالم المضطرب وبسبب الضغط اليومي الذي يواجهه في العمل أو البيت، ومن الطبيعي أيضا أن ينتاب الإنسان أحياناً نوع من الأرق نتيجة مشكلة يفكر فيها أو مشروع يحلم به أو أقساط عجز عن سدادها، ومن الطبيعي جداً أيضاً أن يحدث بين الزوجين بعض المشكلات التي لا يمكن أن يخلو بيت زوجية منها وإلا كان قبرا لا بيتاً تضج فيه الحياة بأفراده، لكن من غير الطبيعي أن يكون تفسير حلم هو المعول الذي يهد عقل مثل هذه الإنسانة ويرمي بها نحو هوة سحيقة من الخوف والتوجس والدوامة المرعبة من الأفكار السوداء (أنت مسحورة ومن وضع لك السحر إحدى قريبات زوجك فاحذريها)!

هكذا كان تفسير الحلم الذي قطع الكنترول بعده الاتصال ليستقبل المفسر حلما آخر ويستعد لهدم بيت آخر ربما كان آمنا مطمئنا قبل اتصال صاحبته!

دوائر الشك التي ستكبر في عقل هذه الزوجة نحو أهل زوجها، والمعاملة المتخمة بالتوجس والانقباض من حركاتهم وسكناتهم، والعلاقات السيئة التي ستنشأ بينها وبينهم مَن السبب فيها؟ ومن المسؤول عنها؟ سوى هذه التفسيرات التي لا يلقي أهلها بالاً لوقعها السلبي على حياة أسرة بأكملها. مثل هذه البرامج في حاجة إلى ''فلترة''؛ فليس كل من هب ودب مؤهلاً لأن يفسر أحلام النساء ويتلاعب بعقولهن وأموالهن وحياتهن الزوجية والأسرية!

والنبي ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ أوضح لنا أن الرؤيا على جناح طائر متى فسرت وقعت كما فسرت.

وروى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ يقول: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدِّث بها، ـــ وفي رواية: فلا يحدث بها إلا من يحب، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره).

فلا تجعلوا من أحلامكم مصدر قلق لحياتكم الجميلة!

ويا أدعياء تفسير الأحلام.. كفاكم تجارة على حساب مشاعر البسطاء!