المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في لفظ كتب في قوله تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا



أهــل الحـديث
22-11-2012, 11:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تأملات في معنى الكتابة من قوله: ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا﴾.
قوله: ﴿كتب﴾
المسألة الأولى: اعلم أن الكتابة تأتي في لسان الشارع على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الكتابة الكونية، وتكون بمعنى التقدير والقضاء، ومنه قوله تعالى:﴿قل لوكنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم﴾ [آل عمران: 154]، بمعنى: «لبرز الذين قدر عليهم القتل إلى مضاجعهم التي سيقتلون فيها».
النوع الثاني: الكتابة الجزائية، وهي كتابة الحسنات والسيئات، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٢١]، بمعنى: (إلا كتب لهم بعملهم هذا حسنات في صحائفهم).
النوع الثالث: الكتابة الشرعية، وتكون بمعنى الفرض والإيجاب، ومنه قوله تعالى: ﴿با أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم﴾ [البقرة: ١٨٣]، بمعنى: (فرض عليكم الصيام).
المسألة الثانية: أنواع تعدي الفعل (كتب).
اعلم أن النوع الثالث وهو الكتابة الشرعية لا يتعدى إلا بحرف الجر (على)، أما الأول والثاني فإنمها يتعديان بـ(اللام) في حالة قضاء الخير وكتابة الحسنة، ومثال قضاء الخير قوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧]، ومثال كتابة الحسنة:﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٢١]
ويتعديان بـ(على) في حالة قضاء الشر وكتابة السيئة، فمثال قضاء الشر قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ [الحشر: ٣]، ومثال كتابة السيئة قوله r: «ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة»[أخرجه مسلم عن أنس].
المسألة الثالثة: فإن قلتَ: قد قال الله تعالى:﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا﴾[التوبة: ٥١]، فعدى الكتابة بـ(اللام) والمعلوم أن المصيبة شر على العبد؟
قلتُ: الجواب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن المراد بالآية: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا أو علينا) [ما كتب لنا من خير أو ما كتب علينا من شر]، وقدم الخير والحسنة ليحاكي ترتيب الآية التي سبقتها، وهي قوله تعالى: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ﴾ [التوبة: ٥٠]، ولم يذكر (أو علينا) لدلالة السياق عليه كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرّ﴾[النحل: ٨١] أي وتقيكم البرد أيضا، ولكن حذفه لدلالة السياق عليه.
الوجه الثاني: أن المراد بقوله: ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا﴾إلا ما كتب الله علينا، و(اللام) تأتي بمعنى (على) كما في قوله تعالى: ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾ [الإسراء: ١٠٧]، فتكون الآية على هذا المعنى قاصرة على الإصابة بالمصيبة فقط.
فإن قلتَ: فلمَ عبر بـ(اللام) ولم يعبر بـ(على)؟
قلتُ: الجواب أن ذلك يحتمل أمرين:
أولهما: أنه عبر بـ(اللام) مكان (على) إغاظة لمن يفرح فيه إذا أصابته المصيبة، فكأنه تعامل مع المصيبة التي أصابته أنها مما كتب الله له لا مما كتب الله عليه ليغيظ أعداءه، فكأنه يقول لهم بلسان حاله: موتوا بغيظكم لن يضرنا كيدكم شيئا، فتأمل هذا المعنى واربطه بآيتي آل عمران تستفد إن شاء الله.
فالسياق واحد مع الآيتين المذكروتين هنا، قال الله تعالى: ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: 119، 120].
الأمر الثاني: أنه عبر بـ(اللام) مكان (على) على اعتبار أنه إن صبر ورضي بقضاء الله فهو مكتوب له لا عليه، فهي لمن تأمل حسنة وليست بمصيبة، ويدل على هذا التوجيه قوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: «عجبا لأمر المسلم إن أمر كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن اصابته ضراء صبر فكان خيرا».