المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل كان يستطيع إبليس السجود لآدم ؟!



أهــل الحـديث
22-11-2012, 11:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم






هل كان يستطيع إبليس السجود لآدم ؟!




( مبحث في القدر )

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، و بعد :

قال الله تعالى :
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }.[ البقرة : 34 ] .

سئل سهل بن عبد الله التستري ـ رحمه الله ـ :
لما أمر الله إبليس بالسجود لآدم في هذه الآية ، أراد منه السجود أم لم يرده ؟!
( قوت القلوب في معاملة المحبوب لأبى طالب المكي1/ 222) .

وهذا السؤال غاية في الخطورة ، لإنه إن قال قائل : أراد الله من إبليس السجود ، والجميع يعلم عدم سجود إبليس لآدم ـ عليه السلام ـ فهذا يتضمن أن أرادة إبليس أقوى من أرادة الله ! .
وحاشا لله .. أن يقول مسلم هذا القول ، وتعالى ربنا عن هذا القول علواً كبيراً .

وإن قال قائل : أن الله لم يُرد من إبليس السجود لآدم .
قيل له : فلماذا امره أصلاً ؟! .

و لكن سهل بن عبد الله التستري – جزاه الله عن المسلمين خيراً – سهل علينا الاجابة فقال : أراده ولم يرده .

بيد أن اجابة سهل – رحمه الله – لم تكن سهلة و جاءت كاللغز الذي يحتاج إلى فك شفرته .
ولفك شفرة هذا اللغز ينبغي عليك التعرف على مراتب القدر .
ومعلوم أن الإيمان بالقدر يدخل في الإيمان بأركان الإيمان الستة التي ذكرت في حديث جبريل المشهور .
وأن الخلل في فهم هذه القضية خلل في فهم مسائل الإيمان عند أهل السنة و الجماعة .
ومراتب القضاء والقدر :

( هي المراحل التي يمر بها المخلوق و ينتقل من كونه معلومة في علم الله – عز وجل – وتقديره ، إلى أن يكون مخلوقاً واقعاً بقدرة الله ومشيئته .

وإفراد الله بمراتب القضاء والقدر من اللوازم المترتبة على إفراد الله بالخلق ، لأن إفراد الله - عز وجل – بخلق الأشياء يعني : أن الشيء المخلوق ما تم خلقه إلا بمشيئة الله وإرادته الكونية ، وما شاء كونه إلا لأنه كتبه في اللوح المحفوظ ، وقدره في علمه قبل الكتابة ، فالخلق يدل حتماً على المشيئة ، والتقدير السابق في العلم ) .
منة القدير (1/ 303 ) للرضواني .

وقال ابن القيم – رحمه الله – في ( شفاء العليل ) :
( مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر ، و هي أربع مراتب :
المرتبة الأولى : علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها .
المرتبة الثانية : كتابته لها قبل كونها .
المرتبة الثالثة : مشيئته لها .
المرتبة الرابعة : خلقه لها .
( ص / 29 بتصرف ) .


وقبل الشروع في تفصيل المراتب الأربعة للقضاء والقدر ، ننبه على أن توحيد الربوبية هو أساس الفهم الصحيح لقضية الإيمان بالقضاء والقدر .

فالسلف الصالح يؤسسون فهمهم للقضاء والقدر على توحيد الربوبية ، وإفراد الله بالخالقية ، وما يلزم ذلك من صفات الله ، كالعلم والإرادة والقدرة ، فيستحيل عندهم حدوث أي شيء أو فعل بدون علمه أو قدرته سبحانه وتعالى ، فلا يخرج عن قدرته مقدور ، ولا ينفك عن حكمه مفطور ، ولا يَعذب عن علمه معلوم ، يفعل ما يريد ، ويخضع لحكمه العبيد ، ولا يجرى في سلطانه إلا ما يشاء ، ولا يحصل في ملكه إلا ما سبق به القضاء ، ما علم أنه يكون من المخلوقات أراد أن يكون ، وما علم أنه لا يكون فهو سبحانه وتعالى عالم بما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما لو كان كيف يكون .

ومن شروط صحة إيمان العبد أن يصدق بجميع أقدار الله تعالى خيرها وشرها أنها من الله تعالى ، سابقه في علمه ، جارية في خلقه بحكمه فلا حول لهم عن معصيته إلا بعصمته ، ولا قوة لهم على طاعته إلا برحمته ، ولا يستطيعون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا بمشيئته .

( قوت القلوب لأبي طالب المكي 2 /210 بتصرف بواسطة منة القدير 1 /302 للرضواني ) .


المرتبة الاولى : علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها .

قال الشيخ حافظ حكمي - رحمه الله – :

المرتبة الاولى :

( الإيمان بعلم الله – عز وجل – المحيط بكل شيء من الموجودات والمعدومات والممكنات والمستحيلات ، فعلم ما كان ، وما يكون ، وما لم يكن كيف يكون ، وأنه علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم ، وعلم أرزاقهم وآجالهم ، وأعمالهم في جميع حركاتهم وسكناتهم وشقاوتهم وسعادتهم ، ومن منهم من أهل الجنة ، ومن هو منهم أهل النار من قبل أن يخلقهم ، ومن قبل أن يخلق الجنة والنار ، علم دق ذلك وجليله ، وكثيره وقليله ، وظاهره وباطنه ، وسره و علانيته ، ومبدأه ومنتهاه ، كل ذلك بعلمه الذي هو صفته ، ومقتضى اسمه العليم الخبير ، عالم الغيب والشهادة ، علام الغيوب ) .

(معارج القبول – 3 /930 ).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
( إن علم الله تعالى السابق محيط بالأشياء على ما هي عليه ، ولا محو فيه ولا تغير ، ولا زيادة ولا نقص ، فإنه سبحانه يعلم ما كان ، وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون ) .
( مختصر الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية – 1 /881 ).


وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
( وهو تعالى العالم بما كان ، وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، فيعلم الشيء قبل كونه ، ومع كونه على ما هو عليه ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه ، ولا راد لما قدره وأمضاه ، وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة ) . أهـ
( تفسير القرآن العظيم 2 /341 ).

وقال أبو الحسن الأشعري ـ رحمه الله ـ :
( وندين الله عز وجل بأنه يعلم ما العباد عاملون ، و إلى ما هم صائرون ، وما كان و ما يكون ، وما لم يكون أن لو كان كيف كان يكون ) .
( الإبانة عن أصول الديانة صـ 33 ) .

وقال الإمام النووي :
( فهو سبحانه علم ما كان ، و ما يكون ، وما لا يكون لو كان كيف كان يكون ، وذلك لتفرده بعلم الغيوب ) .اهـ .
( شرح النووي على صحيح مسلم 16 /211 )

قلت :
وعليه أن أئمة أهل السنة والجماعة متفقون على مراتب العلم الإلهي و هي :
علم الله تعالى بما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما لم يكن كيف كان يكون .
ودليل ذلك من كتاب ربنا وسنة نبينا – صلى الله عليه وسلم- لا يحتاج إلى بيان ، ولكن منها :

قول الله تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }. [ لقمان : 34 ] .

وقوله تعالى :
{ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }[ النمل : 65 ]

وقال سبحانه :
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } . [ الحج : 70 ]

وقال عز وجل :
{ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. [ ال عمران : 29 ]

وقال سبحانه :
{ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } [ التوبة : 78 ]

وقال تعالى :
{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } . [ الأنعام : 59 ]

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، و كان عرشه على الماء " .

وعند أحمد والترمذي و غيرهما وصححه الألباني من حديث الوليد بن عبادة بن الصامت قال : حدثني أبي ... يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم ، ثم قال : اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة " ... يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار . أهـ

فهو سبحانه يعلم ما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون – فالمستقبل عنده سبحانه – ماضي ، ألم ترى قوله تعالى : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ...}

وأنه سبحانه اخبر ما سيكون من الكافر يوم القيامة من قوله : { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } ، مع أن يوم القيامة لم يأتي بعدُ ؛ ولكننا نؤمن أن هذا سيكون من الكافر لأنه سبحانه اخبر به .

ونؤمن بأن الله يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون .

قال تعالى :
{ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }[ الأنعام : 26 / 28 ] .

فقضى ـ سبحانه و تعالى ـ أنه لا عودة للخلق إلى الأرض بعد البعث ، ولكن لو عاد هؤلاء المذكورون في الآية إلى الأرض وإلى الحياة الدنيا مرة أخرى ، لعادوا إلى ما نهوا عنه و وقعوا في الشرك مرة أخرى .

وعلى العبد أن يجعل على لسانه وفي كلامه هذه المراتب لعلم ربنا الأزلي . اثباتاً لها ، وتوحيداً له سبحانه وتعالى وعز وجل .

فإن تكلم على أمرٍ مضى يقول : قدر الله وما شاء فعل .

و إن تكلم على أمر سيكون في المستقبل يقول : إن شاء الله ، قال تعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاء الله } [ الكهف : 23 ]

وأن تكلم على أمرٍ يمارسه في الحاضر يقول : ما شاء الله لا قوة الا بالله . قال تعالى :{ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } [ الكهف : 39 ]




والله تعالى اعلم .



يتبع إن شاء الله ...

جمع و ترتيب
أبو صهيب وليد بن سعد