تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فلنستقبل عامنا الجديد بالطاعات!



أهــل الحـديث
15-11-2012, 05:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي(حفظه الله) وهي بعنوان : "فلنستقبل عامنا الجديد بالطاعات!"،نسأل الله أن ينفعنا و إياكم بها،و يجزي صاحبها خير الجزاء.
فلنستقبل عامنا الجديد بالطاعات!
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن مع مرور الأيام وانقضاء الشهور و الأعوام يُهدم جُزء من عُمر الإنسان،ويَبتعد بذلك عن دنياه ويَقرُب من أُخراه، وسيقف أمام الله جل جلاله ليسأله عن وقته فيما قضاه وعن عمره فيما أفناه، فليعدَّ للسؤال جوابا و للجواب صوابا.
قال صلى الله عليه وسلم:"لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يوم الْقِيَامَةِ حتى يُسْأَلَ:عن عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ،وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ،وَعَنْ مَالِهِ من أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ،وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ".رواه الترمذي(2602)من حديث أبي برزة الأسلمي-رضي الله عنه- وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله-.
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"السَنةُ شجرة، والشهور فروعها،والأيام أغصانها،والساعات أوراقها،والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة،ومن كانت في معصية فثمرته حنظل،وإنما يكون الجداد– أوان قطع ثمر النخل- يوم المعاد فعند الجداد يتبين حلو الثمار من مرها،والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة،وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك". الفوائد(ص164)
إن أهل الأموال والشركات أيها الأحبة يجعلون نهاية كل عام موعدا لمراجعة ما كسبوه وخَسِروه من التجارات!،فحري بمن خلقه الله سبحانه لعبادته وأمره بطاعته،وحذره من معصيته أن يقف مع نفسه لحظات؟!،ويتدبر كيف انقضت من عمره وعامه الذي مر به تلك الأوقات؟!،هل أكثر فيها من أنواع البر والخيرات و التزود من الطاعات ؟ فيشكر على ذلك رب البريات، أم فيها غلبت عليه المعاصي و المنكرات؟! فيبادر بالتوبة و الاستغفار من رب الأرض و السموات، لأن كل دقيقة ذهبت وكل ساعات انقضت وشهور مضت وأعوام مرت،يجدها في صحيفته كُتبت وعليه يوم القيامة عرضت.
أيها الأفاضل قد يسر سبحانه لنا إدراك عام جديد،حُرم غيرنا منه، فلنسأل الله تعالى التوفيق فيه على مرضاته، و لنعزم النية على تصحيح المسار فيه وجبر النقص الذي كان في سابقه،ونبذل الجهد والوسع لاغتنامه في ما يرضي الله تعالى،و لا نضيعه فيما يُغضبه سبحانه ويُسخطه.
قال ابن الجوزي-رحمه الله-:"ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه،وقدر وقته،فلا يضيع منه لحظة في غير قربة،ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل".صيد الخاطر(ص2)
ومن ذلك العلم بما يُشرع في شهوره وأيامه من العبادات للتزود منها وحث الناس عليها،ومعرفة ما ابتدع فيها من المحدثات للابتعاد عنها و تحذير المسلمين منها،فنكون بإذن الله سببا في نشر الخير و السنة وإبطال المنكر وقمع البدعة.
إن شهر الله الحرام أيها الأفاضل هو أول شهور السنة الهجرية وهو من أفضلها عند الله تعالى ولهذا أضيف إليه سبحانه.
قال الإمام ابن رجب-رحمه الله-:"قد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله،فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته،كما نسب محمدا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب،وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته ونسب إليه بيته وناقته".لطائف المعارف(36)
ومما يستحب في هذا الشهر الكريم الإكثار من صيام التطوع،فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم...".رواه مسلم(1163)
وقد تتساءلون أيها الكرام زادكم الله حرصا كيف أكثر نبينا صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان دون محرم؟ مع أنه أخبر أنه أفضل الصيام بعد رمضان ؟
قال الإمام النووي-رحمه الله- :"فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما ". الشرح صحيح مسلم(8 /37)
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-:صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم،وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض،وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده،فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه،ويكون قوله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" ، محمولا على التطوع المطلق بالصيام،وأما ما قبل رمضان وبعده ،فإنه يلتحق به في الفضل". لطائف المعارف(ص153)
وقال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:"اختلف العلماء –رحمهم الله-أيهما أفضل صوم شهر محرم أم صوم شهر شعبان؟ فقال بعض العلماء:صوم شهر شعبان أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه إلا قليلا منه،ولم يحفظ عنه أنه كان يصوم شهر المحرم لكنه حث على صيامه بقوله ( إنه أفضل الصيام بعد رمضان)،وقالوا لأن صوم شعبان ينزل منزلة الراتبة قبل الفريضة،وصوم المحرم ينزل منزلة النفل المطلق،ومنزلة الراتبة أفضل من منزلة النفل المطلق،وعلى كل فهذان الشهران يسن صومهما".الشرح الممتع (6/469)
ويتأكد استحباب صوم يوم العاشر من هذا الشهر و هو يوم عاشوراء،لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحراه، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-،قال:"ما رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فَضَّلَهُ على غيره إلا هذا اليومَ، يوم عاشوراء،وهذا الشَّهْرَ، يعني: شهر رمضان".رواه البخاري(2006)
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-:"ومعنى(يتحرى)أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه".فتح الباري (4/292)
وقد ورد في فضل صومه أجر عظيم و أجر كبير،فعن أبي قتادة الأنصاري-رضي الله عنه- قال :" وسُئل- أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عاشوراء؟،فقال:" يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ".رواه مسلم(1162)
ويستحب صيام يوم قبله لمخالفة اليهود والنصارى،لأنهم يصومون العاشر فقط!، فعن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال:حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يومٌ تُعَظِّمُهُ اليهود والنصارى فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" فإذا كان الْعَامُ الْمُقْبِلُ إن شَاءَ الله صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"،قال– أي ابن عباس (رضي الله عنهما):(فلم يأت العام المقبل حتى تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم).رواه مسلم (1134)
قال الإمام النووي –رحمه الله-:"قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون،يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع،...،قال بعض العلماء:ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر، وفي الحديث إشارة إلى هذا، وقيل: للاحتياط في تحصيل عاشوراء، والأول أولى والله أعلم".الشرح صحيح مسلم (8/12)
واستحب بعض العلماء صيام اليوم الحادي عشر مع التاسع و العاشر في حالة الشك في دخول الشهر حتى لا يفوته العاشر بعون الله،قال الإمام أحمد –رحمه الله- :" فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر".المغني (4/441)
و قال أيضا-رحمه الله-:"من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر، إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام، ابن سيرين يقول ذلك". اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/176)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يبارك لنا في أعمارنا وأوقاتنا،ويجعلها في طاعته، ويتقبل منا أعمالنا ويرزقنا الإخلاص فيها، ويعيننا وإياكم على العلم بالسنة ونشرها بين المسلمين ومعرفة البدع وخمدها،فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي