المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رب ارحمهما كما ربياني صغيرا



أهــل الحـديث
14-11-2012, 08:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
أيها الأحبة هذه مقالة أخرى لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( حفظه الله) ، فيها الحث على بر الوالدين و التحذير من العقوق وسائر أنواع الإساءة لهما ، نسأل الله أن ينفعنا و إياكم بها .
رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الله جل جلاله أمر بطاعة الوالدين والإحسان إليهما بالقول والفعل في غير معصية،وحذر من المساس بحقهما ولو بأدنى الألفاظ،فقال تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا)[الإسراء :23].
قال الشيخ السعدي–رحمه الله-:"(فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ):وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه،والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية.(وَلا تَنْهَرْهُمَا)أي:تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا،(وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا) بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما،وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان".تفسير السعدي( 456) بل أمر سبحانه بالرأفة عليهما وحسن معاملتهما حتى وإن كانا مشركين ،قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بي مَا لَيس لك بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[العنكبوت:8].
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله-:"ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم قال ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)أي:وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما فلا تطعهما في ذلك،فإن مرجعكم إلي يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك وأحشرك مع الصالحين،لا في زمرة والديك ،وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا،فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب أي حبا دينيا".تفسير ابن كثير (3 /406)
إن مظاهر بر الوالدين أيها الأحبة كثيرة سواء كان في حياتهما أو بعد مماتهما،والجماع ذلك طاعتهما في غير معصية الله جل جلاله.
قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:"والوالدان هم الأب والأم،والواجب على الإنسان أن يبر بهما،وأن يخدمهما بقدر ما يستطيع،وأن يطيعهما إلا ما فيه ضرر أو معصية لله عز وجل،فإنه لا يطيعهما ".شرح رياض الصالحين(6/190)
فمن البر إليهما في حياتهما:محبتهما والرفق بهما وتجنب غليظ القول في مخاطبتهما،وعدم مناداتهما بأسمائهما بل يناديا بأحب الأسماء لهما كـ: يا أبي،و يا أمي،وغير ذلك من الألفاظ التي تدخل السرور و البهجة على قلبيهما،كذلك تعليمهما ما يحتاجانه خاصة في أمور دينهما،وإذا كبرا في السن ينبغي أن تزداد الرحمة بهما والشفقة عليهما.
ومن البر بهما بعد وفاتهما:طلب المغفرة بالدعاء لهما فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثَةٍ:إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَة،أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ،أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له ". رواه مسلم (1631)
قال المناوي–رحمه الله-:"وفائدة تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه،تحريض الولد على الدعاء للوالد".فيض القدير(1/ 438)
وإكرام صديقهما ومن كانا يحسنان إليه وذلك بزيارتهم وتقديم الهدايا لهم ،والكلام الطيب معهم،والصدقة عليهما،فعن ابن عباس –رضي الله عنهما-:( أَنَّ رَجُلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إن تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال:"نعم "قال:فإن لي مِخْرَافًا-الحديقة من النخل أو العنب أو نحوهما-وَأُشْهِدُكَ أَنِّي قد تَصَدَّقْتُ به عنها".رواه البخاري(2618)
فعلينا أن نتذكر دائما أيها الكرام تعب أمهاتنا وأنينهن أثناء الحمل،وسهرهن على راحتنا خاصة إذا مرضنا،ولهذا كنَّ أحق بالمحبة و التبجيل والصحبة حتى من الآباء،فقد قال رجل للمصطفى صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صَحَابتِي؟قال:" أمُّك"، قال:ثم من؟قال: "أمُّك"،قال:ثم من ؟،قال:"أمُّك"،ثم قال في الرابعة:"ثم أبوك ".رواه البخاري (5971)ومسلم ( 4628) واللفظ له،من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
قال الإمام النووي – رحمه الله-:"قال العلماء:"وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه،ثم إرضاعه،ثم تربيته وخدمته وتمريضه".الشرح على مسلم (16/102)
لكن لا يعني ذلك إهمال حق الآباء من الطاعة في المعروف والبر و الإكرام،فقد كانوا-جزاهم الله عنا خير الجزاء -حريصين جدا على تربيتنا والسعي على توفير حاجياتنا.
ولكن للأسف أيها الأفاضل نجد أن بعض من حُرم التوفيق،بدل أن يجازي من أحسنا إليه،وتعبا في تربيته وسهرا على راحته، نجده يكفر هذه النعمة، ويقابل هذا الإحسان بالإساءة و العقوق،والله المستعان .
جاهلا أن هذا الفعل الشنيع حذر منه الباري جل جلاله، ورسوله صلى الله عليه وسلم وجعله من أكبر الكبائر،فعن أبي بكرة –رضي الله عنه- قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" ألا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟: ثَلَاثًا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ أو قَوْلُ الزُّورِ"،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا فجلس فما زال يُكَرِّرُهَا حتى قلنا لَيْتَهُ سكت).رواه البخاري(6521) ومسلم(87)واللفظ له.
قال الإمام النووي-رحمه الله-:"وأجمع العلماء على الأمر ببر الوالدين،وأن عقوقهما حرام من الكبائر".الشرح على صحيح مسلم ( 16/104)
فنجد أمثال هؤلاء ! يفضلون أزواجهم على آبائهم وأمهاتهم! بل قد يؤدي بهم هذا التفضيل إلى الإساءة للوالدين بالقول و الفعل،حتى وصل الأمر عند بعضهم! لطرح من بذل الوسع في تربيته ورعايته في دار العجزة!،وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونجد البعض الآخر إذا جلس عند والديه ساعة من الزمن يملُّ ويضجر!كأنما جالس على جمر!وإذا جلس عند أصحابه انبسط وانشرح،و الله المستعان.
فيا من تسيء معاملة من كانا سببا في وجودك،وأكرماك وأحسنا إليك في صغرك!تذكر أن فعلك الشنيع هذا يغضب رب العالمين الذي أوصاك بالإحسان إليهما وحذرك من الإساءة لهما،فبادر بالتوبة إلى الله جل جلاله وبر بوالديك وأرحمهما وعاملهما بصدر منشرح واحرص على رضاهما،واعلم أنك مهما قدمت وما ستقدم لهما من أوجه البر بإذن الله،فلن تجازيهما حقهما وتردَّ فضلهما،وليكن دعائك لهما دائما(رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)[ الإسراء: 24]
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يجزي آبائنا وأمهاتنا عنا خير الجزاء،ويحفظ من كان حيا منهما ويرحم و يغفر من مات منهما،ويوفقنا لطاعتهما في غير معصية الله ويجنبنا عقوقهما وسوء المعاملة معهما،فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أبو عبد الله حمزة النايلي