المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ومن مزلات الأقدام ومضلات الأفهام منازعة الأحكام الشرعية بالأحكام القدرية للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي حفظه الله



أهــل الحـديث
14-11-2012, 12:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


ثمَّ ذكرت له زوجه عِلَّة ذلك وركونها إليه، فأخبرته بالاحتجاج بأمرٍ قدري, وهو ما يقعُ لها من أنها تضرب عليها عينُها, ثمَّ إذا رقاها الرجل اليهودي سكنت، فردَّ عليها ابن مسعودٍ رضي الله عنه بالأمر الشرعي, وأخبر عما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إذا ألَمَّ به أو بأحدٍ بأسٌ - أي مرضٌ وعِلَّة- وهو الدعاء المذكور.

ومن مزلات الأقدام ومضلات الأفهام منازعة الأحكام الشرعية بالأحكام القدرية، وهذا واقعٌ في أحوال الناس كثيرًا، يحتجُّون على الشرع بالقدر، والله سبحانه وتعالى تعبدنا بشرعه لا بقدره، فالمؤمن مأمورٌ بأن يتبع الشرع لا أن يأتمر بالقدر.

ومنازعةُ الشرع بالقدر شواهدها في أحوال الناس تعمُّ حياتهم جميعًا، فتجدها في باب السياسة، وباب الاقتصاد، وباب العلم، وباب الأخلاق وغير ذلك، ينازعون الأحكام الشرعية بالأحكام القدرية، وصاحب السياسة يُقدمُ الحكم القدري من الواقع في أمور الناس على الحكم الشرعي، ويجعله حاكمًا على الشرع فيقع في الغلط، والمتكلمُ في الأمور الدينية ربَّما شَطَّ فوقع في هذا الغي، فاحتجَّ بالأقدار على الشرائع، فتجد أحدهم يتكلم في مسألةٍ فيُلَيّن القول فيها احتجاجًا بتواطئي الناس على ذلك, مع كون الأمر المدعى تواطؤ الناس عليه مما حرمه الشرع وحظره، فمثله مما لا يدخله عموم البلوى أو غير ذلك من المآخذ الموجبة للمسامحة عند الفقهاء، وإنما الموجب عنده هو مراعاة القدر، فهو يراعي القدر باعتبار حال الرَّعية أحيانًا، وباعتبار حال الراعي أحيانًا، بما ينتهي إليه نظره فيما يؤمله من مقاصده ومآربه.

ومن الناس من يدعو الخلق فيقدم الحكم القدري على الحكم الشرعي، فتجده يحتجُّ بالأمر القدري على حكمٍ شرعي، كمن يستحسن طرائق من الإصلاح لا تساعد النصوص على إثباتها، ويحتج على إثباتها بأنها مما ثبت نفعه، فيجعل الحجَّة بذلك كونها نافعةً، وينسى قول الله سبحانه وتعالى في الخمر والميسر: {قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس}، فوُجود المنافع القدرية لا يوجب الإذن بهما لمَّا تقرر حكمهما الشرعي، فكذلك ما لم يعلم أنه ثابتٌ شرعًا على وجه الجواز فإنه لا يَجوز الاحتجاج على جوازه بكونه نافعًا قدرا، كمن يجمع الفساق على آلة عودٍ أو ما كان في معناها، ويذكر قصائد زهديةً تذكر الناس بالآخرة، فإنه لو صلح من الفساق جمٌّ غفيرٌ بهذه الطريقة، فإنها لا تكون شرعيةً، ولا يحتجُّ على نفعها بوقوع حكمها قدرا، وقل مثل هذا في سائر ما يدندن عليه الناس اليوم في أبواب السياسة أو الاقتصاد أو العلم أو الأخلاق.

ومما يُؤسف عليه أن كثيرًا من طلاب العلم لايفهمون من ذكر هذه المسألة إلَّا ما ذكره أبو العباس ابن تيمية في ((التدمرية))، لمّا قرر هذا الأصل، فيجعلون مناط اعْمَالِها هو جملةٌ من الأبواب الشرعية، ولا يغمرون أبواب الأحكام بهذه القاعدة فيما يقع من أحوال الناس، فإن من أُشرب قلبه فهم هذه القاعدة ثمَّ اعتبر أحوال الناس، وجد أكثر الناس ينازعون الشرع بالقدر، فليكن المرء على ذُكْرٍ من ذلك، لئلا يغلط على الشريعة فيما ينسبه إليها من الأحكام.

من شرح إبطال التنديد باختصار شرح كتاب التوحيد