المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضل علم الأنساب



أهــل الحـديث
09-11-2012, 03:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


فضل علم الانساب :

إن مِن أفضل مَن كتبوا عن فضل وفائدة علم النسب , هو العلامة أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي ( المتوفى:821 هـ) , وقد قمنا بإقتباس بعض مما كتبه في رائعته المسمّاة : ( نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ) .
قال القلقشندي: لا خفاء أن المعرفة بعلم الأنساب من الأمور المطلوبة ، والمعارف المندوبة ؛ لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية ، والمعالم الدينية ، فقد وردت الشريعة المطهرة باعتبارها في مواضع.
منها: العلم بنسب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة ، فإنه لابد لصحة الإيمان من معرفة ذلك ، ولا يُعذر مسلم في الجهل به ، وناهيك بذلك.
ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير آبائه ، ولا ينتسب إلى سوى أجداده ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " الحجرات : 13 , وعلى ذلك تترتب أحكام الورثة فيحجب بعضهم بعضاً ، وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض ، وأحكام الوقف إذا خص الواقف بعض الأقارب أو بعض الطبقات دون بعض ، وأحكام العاقلة في الدية حتى تضرب الدية على بعض العصبة دون بعض وما يجري مجرى ذلك ، فلولا معرفة الأنساب لفات إدراك هذه الأمور وتَعذَّر الوصول اليها.
ومنها اعتبار النسب في الإمامة التي هي الزعامة العظمى ، وقد حكى الماوردي في الأحكام السلطانية الإجماع على كون الإمام قرشياً ثم قال: ولا اعتبار بضرار حيث شذ فجوزها في جميع الناس ، فقد ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " الأئمة من قريش " ولذلك لما اجتمع الأنصار يوم وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سقيفة بني ساعدة وأرادوا مبايعة سعد بن عبادة الأنصاري احتج عليهم الصدِّيق ـ رضي الله تعالى عنه ـ بهذا الحديث فرجعوا إليه وبايعوه ، وقد رويَ أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " قدموا قريشاً ولا تتقدموها " . قال أصحابنا الشافعية: فإن لم يوجد قرشي اعتبر كون الإمام كنانياً من ولد كنانة بن خزيمة ، فإن تعذر , اعتبر كونه من بني إسماعيل ـ عليه السلام ـ فإن تعذر , اعتبر كونه من بني اسحاق ، فإن تعذر اعتبر كونه من جُرهم لشرفهم بصهارة إسماعيل ، بل قد نصّوا أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش . فلولا المعرفة بعلم النسب لفاتت معرفة هذه القبائل وتعذر حكم الإمامة العظمى التي بها عموم صلاح الأمة ، وحماية البيضة ، وكف الفتنة ، وغير ذلك من المصالح.
ومنها اعتبار النسب في كفاءة الزوج للزوجة في النكاح عند الشافعي , حتى لا يكافئ الهاشمية والمطلبية غيرها من قريش ، ولا يكافئ القرشية غيرها من العرب ممن ليس بقرشي ، وفي الكنانية وجهان أصحهما أنه لا يكافئها غيرها ممن ليس بكناني ولا قرشي، وفي اعتبار النسب في العجم أيضاً وجهان أصحهما الاعتبار، فإذا لم يعرف النسب تعذرت معرفة هذه الأحكام ، ومنها مراعاة النسب الشريف في المرأة المنكوحة فقد ثبت في الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " تنكح المرأة لأربع: لدينها ، وحسبها ، ومالها ، وجمالها " فراعى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المرأة الحسب وهو الشرف في الآباء.
ومنها: التفريق بين جريان الرق على العجم دون العرب على مذهب من يرى ذلك من العلماء ، وهو أحد القولين للشافعي ـ رضي الله عنه ـ فإذا لم يعرف النسب تعذر عليه ذلك إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى , وقد ذهب كثير من الأئمة المحدثين والفقهاء كالبخاري وابن اسحاق والطبري إلى جواز الرفع في الأنساب احتجاجاً بعمل السلف فقد كان أبو بكر الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ في علم النسب بالمقام الأرفع والجانب الأعلى ، وذلك أول دليل وأعظم شاهد على شرف هذا العلم وجلالة قدره . وقد صنف في علم الأنساب جماعة من جملة العلماء وأعيانهم كأبي عبيدة والبيهقي وابن عبد البر وابن هرم وغيرهم وهو دليل شرفه ورفعة قدره . انتهى كلام القلقشندي.