المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتاة في عمر الزهور



الــمــاس
03-02-2006, 01:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

فتاة في عمر الزهور

في تلك المدينة الصاخبة بزحمة السكان والمحركات وفي ذلك البيت المتهالك الأطراف المشبع بآلام الفقر قضت هدى التي لم تتجاوز الثانية عشر من العمر حياة الطفولة مع والدها بعد أن تركتهما والدتهما وحيدين في معترك الحياة القاسية ، دخل الأب على ابنته وهي تداعب شعرها بمشطها الرث الذي هلك نصفه وبقي الآخر بعد أن فقد رونقه وجماله وكأنه إرث من عهد سليمان لطول عهده .
قال لها / ابنتي هدى .. تعال يا حبيبتي الوحيدة ـ فأنتي حياتي التي يجب أن أستشيرها قبل أن أقدم على أي عمل أو حماقة .
أجابته / نعم يا أبي . ما ذا تريد ؟
فقال لها / تعال اجلس بجواري فالحديث ذو شجون .
فأجابته / حاضر يا أبي .
قامت تتلعثم في فستانها المتهالك بعد أن تركت لشعرها الحرية في مداعبة الهواء ، جلست بجوار والدها الذي وضع يده على رأسها لمداعبة شعرها .
قال لها / اسمع يا بنيتي .. لقد فكرت في الزواج بعد أن ضحيت بحياتي من أجلك منذ فارقتنا والدتك وأنتي في الثانية من العمر ، وها أنتي الآن عروسة تنظرين من يتقدم لك للذهاب معه .
تغيرت ملامح هدى بعد أن كستها الحمرة .
قالت / لا .. لا يا أبي لن أتخلى عنك .
قال لها / اسمع يا بنيتي .. أننا نعيش في سعادة رغم ضيق العيش الذي نحن فيه ، لذلك عندما فكرت في الزواج بحثت عن امرأة لها تجربتها في الحياة فوجدت امرأة مطلقة تعمل في مهنة التدريس ، هي الوحيدة المناسبة التي تستطيع أن تساعدني على تحمل عبء الحياة للخروج من تحت مظلة الفقر .
قالت له / افعل ما تريد يا أبي فالأمر يعود لك .
قال لها / أولست مستاءة من ذلك ؟
فقالت له / ولماذا ؟ أليست هذه حياتك ! فهي ملك لك تقضيها كيفما شئت .
قالت ذلك وهي لا تعلم عما يستتر خلفه القدر المحتوم فلم يكن لصغر سنها ما يشفع لاستخدام عقلها .
فقال لها / شكرا يا بنيتي .
بدأت مراسم الفرح في منزل الزوجة مع حفل مبسط زاد من حبها في قلب ذلك الشيخ لتواضعها وتقديرها لظروفه المالية ..
قامت بكل شيء ولم يكن عليه سوى الحضور مع ابنته والاستمتاع بليلة العمر الثانية في حياته بعد سن الأربعين .
أخذ بيد زوجته لاصطحابها إلى المنزل في ضاحية المدينة تفاجأ برفضها . تعجب من امتناعها . علت جبينه الدهشة ، فأزاحت دهشته بابتسامة خفق قلبه بقولها :
- ولماذا نذهب ونحن في بيتنا
قال بنبرات الدهشة / ماذا ؟
قالت له / أتريدني أن أسكن في ذلك البيت المتهالك وأترك منزلي .. لا لن نذهب إلى هناك فمركزي يمنعني من ذلك.
تراقصت نبضات قلبه فرحا لما سمعه .
قفال لها / شكرا يا حبيبتي .. فما تزالين تفاجئيني بسمو أخلاقك وحسن معاشرتك .
وضعت أصابعها بين أصابعه فذاب القلب من رقتها وتخدرت نظراته أمام نظراتها فتبسمت وقالت :
- لا عليك . فأنت ملكي وسأقدم كل ما يجعلك ملك في عيني تعويض لما فاتني .
لم يهتم بكلامها أو يعره أي انتباه فالفرح لا يسعه ليدقق في عبارات زوجته مهما كانت قاسية
( جاء صوت من خلفها )
- شكرا يا عمتي .
تركت مداعبة يد زوجها والتفتت .
- من . هدى .. أنا آسفة لقد نسيتك حيث أخذتني الفرحة إلى مدن الأحلام ولكن ستعلمين مقدار حبي لك عما قريب .
بدأت مراسم الحياة الجديدة في المنزل الجديد تحت تصرف الزوجة الكريمة التي تبذل كل ما بوسعها لإرضاء زوجها وابنته بعد أن أصبح الزوج أنيس المنزل لا عمل له سوى تجهيز الطعام للأسرة واستقبالهما بكل بشاشة ورقة بدأت الحياة تتغير داخل الأسرة وبدأ صوت الزوجة يعلوا بعد أن استأسرت زوجها بجمائلها وسخائها – ألا يكفيه أنه في منزل لم يكن يحلم بمثله ويأكل ويشرب دون حساب أو جهد هو وابنته التي أصبحت تتباهى بما لديها من ملابس وإكسسوارات بعد أن تكفلت الزوجة بكل تكاليف الحياة فكان من الطبيعي أن يقدر لها ذلك فهو صاحب أخلاق جمة يحفظه الجميل ولا يضيعه ويقدر ما تصنع له زوجته فأعطاها الحرية في كل شيء .
بلغت هدى سن السادسة عشر من العمر فتقدم لها أخو الزوجة البالغ من العمر السابعة والثلاثين فرحت أخته بذلك فأخبرت زوجها الذي تألم من سماع ذلك ولكنه آثر السكوت ليرى رأي ابنته التي قابلته بالرفض وطلبت منه ألا يجبرها على شيء .
ضحك الأب وقال لها :
- لا يا بنيتي .. لست أنا من يفعل ذلك فأنتي صاحبة القرار .
- شكرا يا أبي .
أخبر الزوج زوجته التي أساءها ذلك وأخذتها العزة بالإثم .
- ولماذا أصرف عليها ؟ أليس لها أن تقدرني مثلما أقدرها ؟ أم ليس لي عندها أدنى اعتبار ؟ ستعلم غدا كيف أرد على سفاهتها ؟
حاول الزوج تبرير رفضها لكن دون جدوى معها حيث أصبحت أكثر حدة وصلابة بعد أن حنى لها هامته .
استغربت هدى صمت والدها الذي فاجأها بعد برهة من العذاب وتسلط عمتها عليها بطلبه منها ان تتجهز بعد أسبوع لزفافها من الرجل الذي رفضته ، نظرت إليه غير مصدقة بعد أن قدم لها طعنه في خاصرتها دون سابق إنذار
- أبي هل تعقل ما تقول .
فأجابها / أليس هذا خير من العذاب الذي تقطنينه ؟
- أبي إنك تبيعني .. أرجوك لا تجعلني سلعة للبيع .
فقال لها / ليس هناك خيار .
دخلت غرفتها تبكي على حالها وحال والدها الذي أصبح ليس بيده سوى تنفيذ الأوامر من زوجته . وقبل الزفاف دخل على ابنته التي احتارت في أمرها ، لم يستطع مواجهتها فألقى إليها بظهره .
- استعدي للخروج مع زوجك .
( نادته بصوت علته نبرات الحزن والألم )
- أبي .. هذه آخر كلمة تسمعها مني .. لا تخسرني مثلما خسرت نفسك .
خرج الأب دون أن يلقي بنظره إليها أو حتى يلفظ بكلمة الوداع خرج ودموعه على وجنتيه بينما هي بقيت في حجرتها ليس لها سوى الدموع .
زفت إلى زوجها الذي فرح برؤيتها لكن أساءه دموعها فحاول تخفيف ألآمها وإزاحة الحزن عن وجهها فلم يفلح حاول بشتى السبل كانت تصرخ في وجهه فما كان منه ألا أن قام بضربها والتنكيل بها في ليلة العمر الكئيبة ثم خرج من المنزل والغضب يتحدق به من كل زاوية .
بقيت هدى في حسرتها وحزنها بعد أن أهلكها الضرب وأدمى وجهها فاتخذت من الغرفة التي تقطنها ملاذا لها .
ذهب الزوج إلى أصدقائه المجنة ليقضي معهم ليلة العمر بعد أن أخذ يشاطرهم التهكم والسخرية فأكثر من المسكرات لينفس عن غضبه .
رجع في أواخر الليل يتمتم بكلمات لا تفهم فوجد زوجته قد وضعت رأسها بين ركبتيها غائبة عن الوجود بعد أن اسندت ظهرها إلى أحد أركان الغرفة فتفاجأت بزوجها وهو يشد شعرها بقوة ، حاولت الامتناع عنه فمزق ثيابها وأدمى جسدها ثم قضى وطره منها بعد أن امتزجت الدماء بكل ما يحيط به ، قامت في حالة من الذهول لتلبس عباءتها وتتجه إلى والدها . طرقت الباب استغربت ذلك فالوقت متأخر نزل ليفتح الباب بينما زوجته تغط في نوم عميق ، فتح الباب والدهشة تملأ محياه .
- هدى .. من فعل بك هذا؟
- هو يا أبي .
- من .
- الذي بعتني له .. إنه سكران .
- تبا له .
- لا يفيد يا أبي .. فقد هلكت .
- لا ما زال في يدي الكثير .
خرج من المنزل مصطحبا ابنته إلى أقرب قسم ليسجل شكواه بعد أن عاينوا الأضرار في جسدها عن طريق أحد المستشفيات ثم قامت دورية بإحضار الزوج الذي كشفت التحاليل إدمانه ثم ألقي في السجن .
رجع الأب مع ابنته إلى منزله وأثاثه المتهالك ليستريح من عناء سنوات قضاها تحت رحمة زوجته ثم استأذن من ابنته وانصرف .
رجع إلى زوجته فوجدها في انتظاره بعد أن امتلأت غيظا لخروجه دون علمها دخل غرفته وجمع بقايا حطامه وأخذ شنطته وزوجته مازالت تحدثه دون أن يلقي لها أدنى اهتمام وعند وصوله إلى باب المنزل نظر خلفه فوجدها ما زالت تتبع أثره نظر إليها بغضب فأوجست منه خيفة وعمها الهدوء ، قال لها بلسان الواثق من قراره :
- زوجتي الحبيبة – كادت أن تطير من الفرح بعد أن رجعت إليها روحها وذهب عنها الخوف نظرت إليه بشوق في رغبة جامحة لضمه إلى صدرها – فأكمل حديثه – أنتي طالق .. طالق .. طالق .
حمل شنطته وانصرف بينما هي تجمدت في مكانها ، عمها الهدوء ، رجع إليها دبيب الخوف ، انشل تفكيرها ، شخص بصرها إلى الباب دون حراك .
رجع الأب إلى ابنته يحمل معه صك البراءة من زوجته ، دخل على حجرتها القديمة وجدها تداعب شعرها بمشطها الرث الذي أهلكه الزمن ، لم يتغير شيء سوى بصمة سوداء في مذكرتها وسمت بها فأصبحت مطلقة التفتت إلى والدها - نظرت إليه بعد أن غيرت ملابسها وأزالت آثار الدماء عن جسدها قالت له بنبرات الحزن والألم :
- أما كان هذا خيرا من الذي كان .

بقلم أخوكم
((( الـمـاس ))))

دمعة سراب
03-02-2006, 01:24 PM
حـزينة..
مفردات تتسم بالألم..
يغرقها الوجع..
وخيبة تحمل بين
حناياها..!!
رائعٌ مانسجته يمناك
أخي العزيز
أعجبتني بصدق..
بإنتظارك دائماً..
مودتي

"
"
التوقيع

دائماً / في قوقعة الصمت..!!

راعي الونة
03-02-2006, 02:06 PM
أخي الكريم

بارك الله فيك

قصة جميلة

وطرح رائع

وتناسق في السرد

وأسلوب يشد الانتباه

هنيئا ً لك ماكتبت

ودعائي لك بالتوفيق

الــمــاس
05-02-2006, 01:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد
ـ دمعة سراب ( مشرفة منتدى الخواطر ) :
شكرا لمرورك على بيتنا المتواضع ولإضائتك الجميلة التي هي سر وجودنا واتمنى ان تخرجي من قوقعة الصمت الى قوقعة الحياة .


أخوك
(((( الـمـاس ))))

الــمــاس
05-02-2006, 01:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد

ـ راعي الونة ( مشرف قسم الإجتماعيات ) :
لك مني كل احترامي وتقديري وأشكرك على مرورك الثمين على منزلنا المتواضع
وما أنا هنا الا بسببكم فأنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون .


أخوك
(((( الـمـاس ))))

الــمــاس
05-02-2006, 01:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الى أحبتي أدباء منتدى غرابيل مع التحية
ها أنا أضع أمامكم تصويت على أول قصة أضعها بين أيديكم فأرجو منكم
التصويت عليها وبكل صدق دون مجاملة أو محاباه ،،،، لكم تحياتي وأشواقي .

أخوكم
(((( الـمـاس ))))