المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اسمع للامام الاجري وقل اللهم احعلنا منهم بمنك وفضلك



أهــل الحـديث
05-11-2012, 08:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بَابُ : ذِكْرِ أَخْلاقِ أَهْلِ الْقُرْآنِ



قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : يَنْبَغِي لِمَنْ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ ، وَفَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمُ كِتَابَهُ ، وَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ ، وَأَهْلِ اللهِ وَخَاصَّتِهِ ، وَمِمَّنْ وَعَدَهُ اللهُ مِنْ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ؛ لُزُومَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ .
وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ « الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ »( الْبَقَرَةُ 2/121) ، قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ : يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ .
وَمِمَّا قَالَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ الْكِرَامِ السَّفَرَةِ ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ ، فَلَهُ أَجْرَانِ » .
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ : سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ يُونُسَ يَقُولُ : إِذَا خَتَمَ الْعَبْدُ الْقُرْآنَ ، قَبَّلَ الْمَلَكُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ .
فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَاً لِقَلْبِهِ ، يُعَمِّرَ بِهِ مَا خَرَبَ مِنْ قَلْبِهِ ، وَيَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الْقُرْآنِ ، وَيَتَخَلَّقَ بِأَخْلاقٍ شَرِيفَةٍ ، تَبِينُ بِهِ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ مِمَّنْ لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ .
فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لَهُ : أَنْ يَسْتَعْمِلَ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وجلَّ فِي السِّرِ وَالْعَلانِيَةِ ، بِاسْتِعْمَالِ الْوَرَعِ فِي مَطْعَمِهِ ، وَمَشْرَبِهِ ، وَمَلْبَسِهِ ، وَمَكْسَبِهِ ، وَيَكُونَ بَصِيرَاً بِزَمَانِهِ وَفَسَادِ أَهْلِهِ ، فَهُوَ يَحْذَرُهُمْ عَلَى دِينِهِ ، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنِهِ ، مَهْمُومَاً بِإِصَلاحِ مَا فَسَدَ مِنْ أَمْرِهِ ، حَافِظَاً لِلِسَانِهِ ، مُمَيِّزَاً لِكَلامِهِ .
إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِعِلْمٍ ، إِذَا رَأَى الْكَلامَ صَوَابَاً ، وَإِذَا سَكَتَ سَكَتَ بِعِلْمٍ ، إِذَا كَانَ السُّكُوتُ صَوَابَاً ، قَلِيلَ الْخَوْضِ فِيمَا لا يَعْنِيهِ ، يَخَافُ مِنْ لِسَانِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَخَافُ مِنْ عَدُوهِ ، يَحْبِسُ لِسَانَهُ كَحَبْسِهِ لِعَدُوهِ ، لِيَأْمَنَ مِنْ شَرِّهِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ ، قَلِيلَ الضَّحِكِ فِيمَا يَضْحَكُ فِيهِ النَّاسُ ، لِسُوءِ عَاقِبَةِ الضَّحِكِ ، إِنْ سُرَّ بِشَيءٍ مِمَّا يُوَافِقُ الْحَقَّ تَبَسَّمَ ، يَكْرَهُ الْمِزَاحَ خَوْفَاً مِنْ اللَّعِبِ ، فَإِنْ مَزَحَ قَالَ حَقَّاً ، بَاسِطَ الْوَجْهِ ، طَيِّبَ الْكَلامِ .
لا يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِمَا فِيهِ ، فَكَيْفَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ ، يَحْذَرُ مِنْ نَفْسَهُ أَنْ تَغْلِبَهُ عَلَى مَا تَهْوَى مِمَّا يُسْخِطُ مَوْلاهُ . لا يَغْتَابُ أَحَدَاً ، وَلا يَحْقِرُ أَحَدَاً ، وَلا يَسُبُّ أَحَدَاً ، وَلا يَشْمَتُ بِمُصِيبَةٍ ، وَلا يَبْغِي عَلَى أَحَدٍ ، وَلا يَحْسِدُهُ ، وَلا يُسِيءُ الظَّنَّ بِأَحَدٍ إِلا بِمَنْ يَسْتَحِقُ ، يَحْسِدُ بِعِلْمٍ (1) ، وَيَظُنُ بِعِلْمٍ (2) ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا فِي الإِنْسَانِ مِنْ عَيْبٍ بِعِلْمٍ ، وَيَسْكُتُ عَنْ حَقِيقِةِ مَا فِيهِ بِعِلْمٍ .

قَدْ جَعَلَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ وَالْفِقَهَ دَلِيلَهُ إِلَى كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ ، حَافِظَاً لِجَمِيعِ جَوَارِحِهِ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ ، إِنْ مَشِىَ مَشِىَ بِعِلْمٍ ، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ بِعِلْمٍ ، يَجْتَهِدُ لِيَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ . وَلا يَجْهَلُ ، فَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ حَلُمَ ، وَلا يَظْلِمُ ، فَإِنْ ظُلِمَ عَفَى ، وَلا يَبْغِي ، وَإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ ، يَكْظِمُ غَيْظَهُ لِيُرْضِيَ رَبَّهُ ، وَيَغِيظَ عَدُوَهُ ، مُتَوَاضِعٌ فِي نَفْسِهِ ، إِذَا قِيلَ لَهُ الْحَقُّ قَبِلَهُ ، مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ .

يَطْلُبُ الرِّفْعَةَ مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ ، مَاقِتَاً لِلْكِبْرِ ، خَائِفَاً عَلَى نفْسِهِ مِنْهُ ،
لا يَتأكَّلُ بِالْقُرْآنِ ، وَلا يُحِبُّ أَنْ تُقْضَى لَهُ بِهِ الْحَوَائِجُ ، وَلا يَسْعَى بِهِ إِلَى أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ ، وَلا يُجَالِسُ بِهِ الأغْنِيَاءَ لِيُكْرِمُوهُ .

إِنْ كَسَبَ النَّاسُ مِنْ الدُّنْيَا الْكَثِيرَ بِلا فِقْهٍ وَلا بَصِيرَةٍ ، كَسَبَ هُوَ الْقَلِيلَ بِفِقْهٍ وَعِلْمٍ ، إِنْ لَبَسَ النَّاسُ اللَّيِّنَ الْفَاخِرَ ، لَبَسَ هُوَ مِنْ الْحَلالِ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ ، إِنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ وَسَّعَ ، وَإِنْ أُمْسِكَ عَلَيْهِ أَمْسَكَ ، يَقْنَعُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِيهِ ، وَيَحْذَرُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الدُّنْيَا مَا يُطْغِيهِ .
يَتَّبِعُ وَاجِبَاتِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ، يَأْكُلُ الطَّعَامَ بِعِلْمٍ ، وَيَشْرَبُ بِعِلْمٍ ، وَيَلْبَسُ بِعِلْمٍ وَيَنَامُ بِعِلْمٍ ، وَيُجَامِعُ أَهْلَهُ بِعِلْمٍ ، وَيَصْحَبُ الإِخْوَانَ بِعِلْمٍ ، يَزُورُهُمْ بِعِلْمٍ ، وَيَسْتَأذِنُ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ، يُجَاوِرُ جَارَهُ بِعِلْمٍ .
وَيُلْزِمُ نَفْسَهُ بِرَّ وَالِدَيْهُ ، فَيَخْفِضُ لَهُمَا جَنَاحَهُ ، وَيَخْفِضُ لِصَوْتِهِمَا صَوْتَهُ ، وَيَبْذُلُ لَهُمَا مَالَهُ ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا بِعَيْنِ الْوَقَارِ وَالرَّحْمَةِ ، يَدْعُو لَهُمَا بِالْبَقَاءِ ، وَيَشْكُرُ لَهُمَا عِنْدَ الْكِبَرِ ، لا يَضْجَرُ بِهِمَا ، وَلا يَحْقِرُهُمَا ، إِنْ اِسْتَعَانَا بِهِ عَلَى طَاعَةٍ أَعَانَهُمَا ، وَإِنْ اِسْتَعَانَا بِهِ عَلَى مَعْصِيةٍ لَمْ يُعِنْهُمَا عَلَيْهَا ، وَرَفَقَ بِهِمَا فِي مَعْصِيتِهِ إِيَّاهُمَا ، يُحْسِنُ الأَدَبَ لِيَرْجِعَا عَنْ قَبِيحِ مَا أَرَادَا ، مِمَّا لا يَحْسُنُ بِهِمَا فِعْلُهُ ، يَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيَكْرَهُ الْقَطِيعَةَ ، مَنْ قَطَعَهُ لَمْ يَقْطَعْهُ ، مَنْ عَصَى اللهَ فِيهِ ، أَطَاعَ اللهَ فِيهِ .
يَصْحَبُ الْمُؤْمِنِينَ بِعِلْمٍ ، وَيُجَالِسُهُمْ بِعِلْمٍ ، مَنْ صَحِبَهُ نَفَعَهُ ، حَسَنُ الْمُجَالَسَةِ لِمَنِ جَالَسَ ، إِنْ عَلَّمَ غَيْرَهُ رَفَقَ بِهِ ، لا يُعَنِّفُ مَنْ أَخْطَأَ وَلا يُخْجِلُهُ ، رَفَيقٌ فِى أُمُورِهِ ، صَبُورٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْخَيْرِ ، يَأْنَسُ بِهِ الْمُتَعَلِّمُ ، وَيَفْرَحُ بِهِ الْمُجَالِسُ ، مُجَالَسَتُهُ تُفِيدُ خَيْرَاً ، مُؤَدِّبٌ لِمَنْ جَالَسَهُ بِأَدَبِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ .
إِنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ ، فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ لَهُ مُؤَدِّبَانِ ، يَحْزَنُ بِعِلْمٍ ، وَيَبْكِي بِعِلْمٍ ، وَيَصْبِرُ بِعِلْمٍ ، وَيَتَطَّهَرُ بِعِلْمٍ ، وَيُصَلِي بِعِلْمٍ ، وَيُزَكِّي بِعِلْمٍ ، وَيَتَصَدَّقُ بِعِلْمٍ ، وَيَصُومُ بِعِلْمٍ وَيَحُجُّ بِعِلْمٍ ، وَيُجَاهِدُ بِعِلْمٍ ، وَيَكْتَسِبُ بِعِلْمٍ ، وَيُنْفِقُ بِعِلْمٍ ، وَيَنْبَسِطُ فِي الأُمُورِ بِعِلْمٍ ، وَيَنْقَبِضُ عَنْهَا بِعِلْمٍ ، قَدْ أّدَّبَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ .
يَتَصَفَّحُ الْقُرْآنَ لِيُؤَدِّبَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَلا يَرَضَى مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِي مَا فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِجَهْلٍ ، قَدْ جَعَلَ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ دَلِيلَهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ .
إِذَا دَرَسَ الْقُرْآنَ فَبِحُضُورِ فَهْمٍ وَعَقْلٍ ، هِمَّتُهُ إِيقَاعُ الْفَهْمِ لِمَا أَلْزَمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ ، وَالانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى ، لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتَّى أَخْتِمُ السُّورَةَ ، هِمَّتُهُ مَتَّى اسْتَغْنِي بِاللهِ عَنْ غَيْرِهِ ، مَتَّى أَكُونُ مِنْ الْمُتَقِينَ ، مَتَّى أَكُونُ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ، مَتَّى أَكُونُ مِنْ الْمُتَوَكِّلِينَ ، مَتَّى أَكُونُ مِنْ الْخَاشِعِينَ ، مَتَّى أَكُونُ مِنْ الصَّابِرِينَ ، مَتَّى أَكُونُ مِنْ الصَّادِقِينَ ، مَتَّى أَكُونُ مِنْ الْخَائِفِينَ ، مَتَّى أَكُونُ مِنْ الرَّاجِينَ ؟ .
مَتَّى أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا ، مَتَّى أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ ، مَتَّى أَتُوبُ مِنْ الذُّنُوبِ ، مَتَّى أَعْرِفُ النِّعَمَ الْمُتَوَاتِرَةِ ، مَتَّى أَشْكُرُ عَلَيْهَا ، مَتَّى أَعْقِلُ عَنْ اللهِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ الْخِطَابَ ، مَتَّى أَفْقَهُ مَا أَتْلُو ، مَتَّى أَغْلِبُ نَفْسِي عَلَى هَوَاهَا ، مَتَّى أُجَاهِدُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْجِهَادِ ، مَتَّى أَحْفَظُ لِسَانِي ، مَتَّى أَغُضُّ طَرْفِي ، مَتَّى أَحْفَظُ فَرْجِي ، مَتَّى اسْتَحِيى مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ ، مَتَّى اشْتَغِلُ بِعَيْبِي ، مَتَّى أُصْلِحُ مَا فَسَدَ مِنْ أَمْرِي ، مَتَّى أَحَاسِبُ نَفْسِي ؟ .
مَتَّى أَتَزَوَّدُ لِيَوْمِ مَعَادِي ، مَتَّى أَكُونُ عَنْ اللهِ رَاضَيَاً ، مَتَّى أَكُونُ بِاللهِ وِاثِقَاً ، مَتَّى أَكُونُ بِزَجْرِ الْقُرْآنِ مُتَّعِظَاً ، مَتَّى أَكُونُ بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ مُشْتَغِلاً ، مَتَّى أُحِبُّ مَا أَحَبَّ ، مَتَّى أَبْغَضُ مَا أَبْغَضَ ، مَتَّى أنْصَحُ للهِ ، مَتَّى أُخْلِصُ لَهُ عَمَلِي ؟ .
مَتَّى أُقَصِّرُ أَمَلِي ، مَتَّى أَتَأَهَّبُ لِيَوْمِ مَوْتِي ، وَقَدْ غُيِّبَ عَنِي أَجَلِي ، مَتَّى أُعَمِّرُ قَبْرِي ، مَتَّى أُفَكِّرُ فِي الْمَوْقِفِ وَشِدِّتِهِ ، مَتَّى أُفَكِّرُ فِي خُلْوَتِي مَعَ رَبِّي ، مَتَّى أُفَكِّرُ فِي الْمُنْقَلَبِ ؟ .
مَتَّى أَحْذَرُ مَا حَذَّرَنِي مِنْهُ رَبِّي ، مِنْ نَارٍ حَرُّهَا شَدِيدٌ ، وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ ، وَغَمُّهَا طَوِيلٌ ، لا يَمُوتُ أَهْلُهَا فَيَسْتَرِيْحُوا ، وَلا تُقَالُ عَثْرَتُهُمْ ، وَلا تُرْحَمُ عَبْرَتُهُمْ ، طَعَامُهُمْ الزَّقُومُ ، وَشَرَابُهُمْ الْحَمِيمُ ، كُلَّمَا نَضَجَتْ جُلُودُهُمْ بُدِلُوا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ، نَدِمُوا حَيْثُ لا يَنْفَعُهُمْ النَّدَمُ ، وَعَضُّوا عَلَى الأَيْدِي أَسَفَاً عَلَى تَقْصِيرِهِمْ فِي طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرُكُوبِهِمْ لِمَعَاصِي اللهِ تعالَى ، فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ « يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي »( الْفَجْرُ 79/24) ، وَقَالَ قَائِلٌ « رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ »( الْمُؤْمِنُونَ 23/100،99) ، وَقَالَ قَائِلٌ « يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا »( الْكَهْفُ 18/49) ، وَقَالَ قَائِلٌ « يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً » ( الْفُرْقَانُ 25/28) ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ ، وَوُجُوهُهُمْ تَتَقَلَّبُ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْعَذَابِ ، فَقَالُوا « يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا » ( الأَحْزَابُ 33/66) .




فَهَذِهِ النَّارُ ؛ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ؛ يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ ، حَذَّرَهَا اللهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ »( التَّحْرِيْمُ 66/6) ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « اتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ »( آلَ عِمْرَانَ 3/131) ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ »( الْحَشْرُ 59/18) .
ثُمَّ حَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَغْفَلُوا عَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ ، وَمَا عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ ، أَنْ لا يُضَيِّعُوهُ ، وَأَنْ يَحْفَظُوا مَا اِسْتَرْعَاهُمْ مِنْ حُدُودِهُ ، وَلا يَكُونُوا كَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ فَسَقَ عَنْ أَمْرِهِ ، فَعَذَّبَهُ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ .
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ »( الْحَشْر 59/19) ، ثُمَّ أَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ »( الْحَشْر 59/20) .
فَالْمُؤْمِنُ الْعَاقِلُ إِذَا تَلا الْقُرْأنَ اسْتَعَرَضَ ، فَكَانَ كَالْمِرَآةِ يَرَى بِهَا مَا حَسُنَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَمَا قَبُحَ فِيهِ ، فَمَا حَذَّرَهُ مَوْلاهُ حَذَرَهُ ، وَمَا خَوَّفَهُ بِهِ مِنْ عِقَابِهِ خَافَهُ ، وَمَا رَغَّبَهُ فِيهِ مَوْلاهُ رَغِبَ فِيهِ وَرَجَاهُ .
فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ ، أَوْ مَا قَارَبَ هَذِهِ الصِّفَةِ ، فَقَدْ تَلاهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، وَرَعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ ، وَكَانَ لَهُ الْقُرْآنُ شَاهِدَاً ، وَشَفِيعَاً ، وَأَنِيسَاً ، وَحِرْزَاً ، وَمَنْ كَانَ هَذَا وَصْفُهُ نَفَعَ نَفْسَهُ ، وَنَفَعَ أَهْلَهُ ، وَعَادَ عَلَى وَالِدَيْهِ ، وَعَلَى وَلَدِهِ كُلُّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .


(22) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ السِّجِسْتانِيُّ ثَنَا أبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قال : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ زَبَّانِ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا ، لَوْ كَانَتْ فِيهِ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا » .
(23) أخبرنا أبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ قَالَ : أَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ : أَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ : مَرَّتْ اِمْرَأةٌ بِعِيسَى بْنِ مَرِيمَ فَقَالَتْ : طُوبَى لِحِجْرٍ حَمَلَكَ ، وَلِثَدْيٍ رَضَعْتَ مِنْهِ ، فَقَالَ عِيسَى : طُوبَى لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ .
(24) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُوبَ السَّقَطَيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ثَنَا أبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الرَّجُلِ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ ، فَيَقُولُ : أَنَا الَّذِي أَظْمَأْتُ نَهَارَكَ ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ »(1) .