المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلال الرواية المرفوعة بالمقطوعة محل نزاع ومحل خفاء شديد (الخضير)



أهــل الحـديث
03-11-2012, 03:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الشيخ الخضير حفظه الله :

عن الأعمش عن مجاهد قال: "كان يقال: إن للصلاة أولاً وأخراً" فذكر نحو حديث محمد بن فضيل عن الأعمش نحوه بمعناه".
وهو مخرج في المسند والبيهقي وغيرهما، وبهذا يكون الإمام البخاري أعل الرواية المرفوعة بالمقطوعة، أعل المرفوعة بالمقطوعة، ووافقه أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه، والتعليل بهذه النوع أو بهذه الطريقة محل نزاع ومحل خفاء شديد؛ لأنه يأتي من يقول: إن الطريق المقطوعة المنسوبة إلى مجاهد لا يعل بها الخبر المرفوع، وما المانع أن يكون الحديث مروي على الوجهين؟ فالخبر أحياناً يروى مرفوعاً، وأحياناً يروى موقوفاً، أحياناً يرفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به من قوله، وعندنا أحياناً يرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به مجاهد من قوله، ولذا رجح بعضهم -الشيخ أحمد شاكر رجح- أنه يروى على الوجهين وما المانع؟ وكثيراً ما يسلك الشيخ هذا المسلك.

وهذه طريقة معتمدة عند المتأخرين، إذا لم يكن هناك تعارض فلا يعل أحدهما بالآخر، بل يكون الحديث مروياً على الوجهين، لكن مثل هذا لا يقول به الأئمة الكبار؛ لأن المتأخرين ليست لديهم من الأهلية ما لدى المتقدمين؛ لأن المتقدمين حفظوا مئات الألوف من الأحاديث، ويجزمون بالصواب على أنه صواب، ويجزمون على الخطأ بأنه خطأ، يحكمون على الخطأ أنه خطأ، وإن لم يتضمن مخالفة، يقولون: أخطأ فيه، وما المانع أن يكون أخطأ؟ هذه طريقة المتقدمين لكن دون المتأخرين والحكم بها خرط القتاد، حتى يكون في مصاف المتقدمين في الحفظ والاطلاع على الروايات.

تعليل البخاري للرواية المرفوعة بالرواية المقطوعة لا يستطيع أن يحكم به أحد من المتأخرين، حتى يكون في مصافهم في الحفظ والإتقان والاطلاع على الطرق والروايات والعلل حتى يكون ممن يكتفي بشم الحديث.
قد يقول قائل: إن الآلات قربت، إذا كان الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، فعندنا قرص صغير فيه خمسمائة ألف حديث، وإذا كان الاطلاع على الروايات والطرق ميسور عند المتأخرين بواسطة الأجهزة صار حكمهم حكم المتقدمين، المسألة مسألة حفظ واطلاع، الآن نطلع من خلال لحظة في ضغطة زر على جميع الروايات ونعرف ننظر، لكن هناك فرق بين من تكون الأخبار بين عينيه وبين أن تكون الأخبار في ذاكرته، فرق، الأخبار في الذاكرة رددت ومحصت وفحصت مراراً، وكررها مرات، بخلاف من اطلع على هذه الطرق لأول مرة، حتى ولو أعاد النظر فيها وردد وكرر لن يكون بمثابة المتقدمين الذين حفظوا هذا العلم بالتدريج.

الشيخ أحمد شاكر صوب أن يكون الحديث مروي على الوجهين، وهو مسبوق من قبل ابن القطان الفاسي وهو متأخر، يعني في السادس، متأخر بالنسبة للأئمة، لكن عنده من الحفظ والإحاطة ودقة النظر ما يؤهله لمثل هذه الأحكام، لكن بالنسبة للمتأخرين، الأمر في غاية الوعورة، وإن نادى بعض الغيورين على السنة أن ينحو المتأخرون من طلاب العلم منحا المتقدمين، لكن أقول: إن هذا في غاية الصعوبة، إذا وجد من وهبه الله من الحفظ والحذق والضبط والإتقان ما وهب للمتقدمين، وأخذ العلم عن أهله وحفظه ووعاه في قلبه احتمال، أما من اعتمد على الآلات أو ضعف في الحفظ وليس عنده من المحفوظ إلا الشيء اليسير لا يمكن بحال من الأحوال أن يضاهي الأئمة المتقدمين؛ لأن الأئمة المتقدمين قواعدهم ليست كافية لتقليدهم من قبل المتأخرين، هناك قواعد وضوابط مأخوذة من منثور كلامهم، لكنها لا تكفي المتأخر لمحاكاة المتقدمين، إلا بالمران، يعني لو أن شخصاً تخصص في هذا الباب في جمع الطرق والنظر في الأسانيد والعلل، وأفرغ جهده وأوتي من قوة الحفظ والفهم احتمال، لكن هذا كم يوجد في القرن من واحد؟ هؤلاء نوادر، أما بالنسبة للمتقدمين ففيهم كثرة، لماذا؟ لأن الوقت وقت رواية، ووقت حفظ، والرواة متوافرون، يعرف أن هذا الراوي ضبط هذا الحديث، ويعرف...

مالك لما قيل له: أنت تسمي عمرو بن عثمان الأئمة كلهم يقولون: عمرو بن عثمان وأنت تقول: عمر، قال: هذا بيته، هذا بيته، ويش يعني؟ مو مثل الآن ما نتصور هذا الشخص فضلاً عن أن نعرف بيته وإلا...، ما عندنا إلا قاله الأئمة، قالوا: عمرو، وقال مالك: عمرو، نرجح بين هذا وهذا، ما نرجح إلا بالكثرة، كثرة من قال عمرو فقط، ما عندنا غير هذا، لكن الأئمة عندهم غير هذا، كل ما مر من عند بيته قال: هذا بيت عمر بن عثمان، الأئمة كلهم يقولون: عمرو، قال: هذا بيته، إيش يعني؟ يعني أنا أعرفه جيراننا يا أخي، يعني لو يذكر لك شخص ما رأيته ولا كذا، ويصحف لك اسمه قليلاً ما تستطيع أن تصل إلى الحقيقة، لكن الذين عاصروه وعايشوه لا شك أنهم يجزمون، أو يأتي بعد خمسين سنة مثلاً شاب يقول لك: قال الشيخ صالح بن عثيمين، وأنت عرفت الشيخ عشت معه عشرين سنة، وعمرك ذاك الوقت سبعين مثلاً، يؤخذ قوله وإلا قولك؟ أنت تعرف الشيخ بعينه عاشرته وعاصرته وسمعت كلامه مراراً، وتردد اسمه على ذهنك ألوف المرات، ويجي واحد من بعد خمسين سنة يقول: الشيخ صالح بن عثيمين؟

هذا حال الأئمة بالنسبة للرواة، وحال من تأخر بعدهم، يعني لو تصحف علينا اسم في بعض الكتب ما استطعنا نصححه إلا من خلال الكتب الأخرى، ما تستطيع والله يقول: ابن أخته يقول: لا، اسمه كذا، ابن عمه يقول: لا، اسمه كذا، وهم أعرف، ما تدري أنت ما أدركته، لا أدركت الراوي ولا أدركت من أدركه، فهذا هو السر في كون الأئمة يحكمون بمثل هذه الأحكام، والمتأخرون من أهل العلم ليس لديهم إلا الموازنة والترجيح بين أقوال الأئمة.

الشيخ أحمد شاكر صوب وقال: والذي أختاره أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة، ولا تكون تعليلاً لها أصلاً؛ لأنه من حيث النظر ما فيه ما يمنع إطلاقاً أن الحديث يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسناد صحيح، ويرى عن ابن عباس من قوله بإسناد صحيح؛ لأن ابن عباس أحياناً ينشط فيرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به من رأيه، وكذلك أبو هريرة، لكن إذا اختلف المرفوع عن الموقوف قلنا: العبرة بما روى لا بما رأى، وإن كان بعض أهل العلم يرشح العكس باعتبار أن الموقوف متأكد منه، ابن عباس قال هذا الكلام، لكن هل رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو وقفه على نفسه؟ هذا ليس بمجزوم فيه، في نصب الراية نقل عن ابن الجوزي أنه قال في التحقيق: ابن فضيل ثقة يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلاً ومن أبي صالح مسنداً، يعني يرويه على الوجهين.

ونقل أيضاً عن ابن القطان قال: ولا يبعد أن يكون عند الأعمش طريقان: إحداهما: مرسلة والأخرى مرفوعة، والذي رفعه صدوق من أهل العلم، وثقه ابن معين، وهو محمد بن فضيل.
قال أحمد شاكر: والذي أختاره أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة، ولا تكون تعليلاً لها، لماذا؟ لأن أحمد شاكر وغيره من المتأخرين ليس بأيديهم إلا هذا، إما أن يقال: محض تقليد، قلد الأئمة، أو يقال: اجتهد في النظر بين أقوال الأئمة، أما أن تحاكي الأئمة في أقوالهم وتكون بمصافهم أو بمنزلة واحد منهم فأظن هذا شبه متعذر إلا في نوادر من الرجال يحفظون كما حفظ الأئمة.
http://www.khudheir.com/audio/3467