المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملاحظات على كتاب المسح على الجوربين للقاسمي



أهــل الحـديث
03-11-2012, 01:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنباء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فإن المسح على الجوربين من أهم مسائل الطهارة لإن صحة الصلاة تتوقف على صحة الوضوء ولا يصح الوضوء إلا بأداء واجباته ومن واجباته غسل الرجلين وأما المسح على الحائل فإنما جاء رخصة عند الحاجة. والجورب الصفيق القوي حيث يصلح لتباع المشي فيه ولو لم يك منعلا قد أجاز المسح عليه كثير من العلماء الأجلاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق والشافع كما عزاه إليه الترمذي وصححه النووي. وما وقفت على أحد من المتقدمين أباح المسح على الجورب الرقيق لا يمكن توالي المشي فيه رغم أني بحثت كثيرا في كتب الفقه. وانتشر مع الأسف الشديد بين الناس جواز المسح على الجوارب الخفيفة الرقيقة وسبب ذلك في رأيي فتاوى وكتب بعض المشايخ ومن تلك الكتب كتاب المسح على الجوربين للشيخ جمال الدين القاسمي. ولأهل العلم عدة الملاحاظات على الكتاب يجب الإشارة إليها. واعتمد الشيخ القاسمي في إباحته للمسح على الجورب الخفيف على أن الأحاديث المرفوعة المعروفة في هذا الباب صحيحة وكافية لإثبات الحكم. وأما الحديث الأول فقال الشيخ القاسمي:
" قال الإمام أحمد رحمه الله في مسنده : في مسند ثوبان رضي الله عنه : حدثنا يحي بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال : ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد ، فأمرهم بأن يمسحوا على العصائب والتساخين ) رواه أبو داود في ( سننه ) .
"
ومحل الشاهد عنده من الحديث هو لفظ التساخين فإنه فال بعد ما ذكر الحديث:
" قال العلامة ابن الأثير في ( النهاية ) : ( العصائب ) هي العمائم ، لأن الرأس يعصب بها ،و(التساخين ) كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ، ولا واحد لها من لفظها "
وهذا خطأ بين فإن التساخين هي الخفاف كما قاله علماء اللغة والأئمة كخليل بن أحمد والجوهري والأزهري والإمام أبي عبيد وغيررهم. ثم نقله لهذا الكلام جزما من ابن الأثير غلط أيضا للأن ابن الأثير فسّر التساخين - كما فسّره غيره - بالخفاف وقوله " و(التساخين ) كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما " لا وجود له في كتاب النهاية. ولكنا وجدناه في معالم السنن للخطابي بصيغة التمريض ونقل عنه البغوي وغيره. ولا نعلم من قاله. ثم ذكر صحة الحديث ولكن الحديث لا يدل على جواز المسح على الجوارب وإن كان صحيحا.ولعله لذلك لم يستدل به أي أحد من قبل حسب علمي ولو كان الحديث حجة لسبقه العلماء بالاستدلال به.
وبعد ذلك ذكر حديثي المغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري في المسح على الجوربين وأورد بعض الشبه وأجاب عنها.
قال: " قالوا : في إسناد حديث ثوبان ( الأول ) راشد بن سعد عن ثوبان ، وقد قال الخلال في علله : إن أحمد بن حنبل قال : لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديماً .أ.هـ . أي فيكون معللاً بالانقطاع لسقوط راوٍ بين راشد وثوبان. و( الجواب ) أن هذا إنما يأتي على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع . وقد أنكر الإمام مسلم ذلك في مقدمة صحيحه إنكاراً شديداً ورأى أنه قول مخترع ، وأن المتفق عليه أن يكفي للاتصال إمكان اللقاء والسماع ، وعليه فالانقطاع في الحديث غير مقطوع به ، ويرجع الأمر إلى رجال سنده ، فإذا كان رجاله ثقات كان صحيحاً أو حسناً جيداً صالحاً للاحتجاج به ، ولذا أخرجه الإمام أحمد في ( مسنده ) معوِّلاً على الاحتجاج به وتبليغه سنة يعمل بها. وخرَّجه أيضاً أبو داود وسكت عليه ، وما سكت عليه فهو صالح للاستدلال به ، إذ لا جرح في رواته ولا علة ظاهرة فيه فاستوفى شروط الحُسْن ."
والجواب عنه أن العلماء قالوا إن إخراج أحمد للحديث في مسنده لا يعني تصحيحه فكم من حديث ضعفه وقد رواه في المسند وهذا معلوم لكل من له خبرة بهذا الفن ولا يحتاج إلى مزيد البيان والتفصيل. وأما سنن أبي داود فقد أغنانا الشيخ الألباني عن الجواب عنه فقال : " قلت : لا شك عند العارفين بهذا العلم الشريف أن في ( أبي داود ) ما إسناده صحيح ، وإنما ينبغي النظر فيما اشتهر عند المتأخرين أن ما سكت عنه أبو داود فهو صالح للاستدلال به كما تقدم عند المؤلف ، فاعلم أن قول أبي داود : ( ... فهو صالح ) كما نقله ( التدريب ) يحتمل أنه صالح للاحتجاج به . وعليه جرى النووي . ويحتمل أنه يعني : أنه صالح للاستشهاد به لأنه ليس شديد الضعف ، وهو الذي اختاره أمير المؤمنين في الحديث الحافظ العسقلاني ، وهو الصواب الذي أراه لأمور كثيرة لا مجال لذكرها الآن ، ولكن من لفت النظر إلى قول أبي داود : ( وما كان فيه وهن شديد بيَّنته ) . فإن مفهومه أن ما كان فيه وهن غير شديد لا يبينه ، أي يسكت عنه ، فينتج من ذلك أن هذا هو المراد بقوله بعد : ( وما لم يذكر فيه شيء فهو صالح ) . فتأمل وتحرَّ الصواب ، ولا تغتر بما اشتهر بين الناس "
ثم صحح الشيخ غفر الله له حديث المغيرة كما صححه الشيخ أحمد شاكر والشيخ الألباني وضعفه أئمة السنة وجهابذة الحديث سوى الترمذي وابن حبان وهما معروفان بالتساهل في التصحيح. وصحح الحديث من صححه بمجرد توثيق الرواة وحمل الحديث على اختلاف الوقائع وتصحيح الحديث بهما منهج نهجه عدد من الفقهاء والأصوليين كابن مفلح والزركشي الحنبلي وغيرهما وبعض المحدثين كابن التركماني وهذا في الحقيقة ليس بأسلوب سديد ولا ينبغي لهم ولا لغيرهم أن يعارضوا هؤلاء الأئمة بهذه البساطة. وينبغي لنا أن نثق بإعلالهم لحديث إذ هم أهل لذلك وإليهم مردّ هذا الأمر. " وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد منهم, يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه, ومعوجه ومستقيمه, كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف, والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه" كما قاله ابن كثير.
وممن ضعف الحديث سفيان الثوري وهو الذي رواه وكيف يمكن تصحيحه بعد الذلك وهو أعلم بحال الحديث من غيره.
وإن قول الشيخ عفا الله عنه إنّ تصحيح الترمذي للحديث يعارض تضعيف هؤلاء الإئمة له لمن العجب, كيف يقاوم تصحيحه تضعيفهم وهو معروف بالتساهل؟! وأتى بعذ ذلك بأعجب من قوله هذا فقال: " لأن الترمذي من الطبقة التي تأخرت عن تلك ووقفت على كل ما قيل فيه ورأت أن الحق في تصحيحه ، وكذا صححه ابن حبان وهو ممن استقرأ وسبر أيضاً " وعلى هذا الفهم فلا بد أن نقدّم تصحيح الخلف على تضعيف السلف. ويلزم الشيخ من قوله تقديم تضعيف البيهقي والدارقطني والنووي على تصحيح الترمذي فتبين أن تعليله بذلك لتقديم الترمذي على هؤلاء ليس بشيء.
ثم قال الشيخ: " أما قول الإمام النووي : ( واحتج أصحابنا بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه ) فهذا قد يراه المقلد حجة ، أما المحدِّث والأصولي فعنده الحجة الكتاب والسنة وما رجع إليهما من بقية الأدلة "
وإن أراد الشيخ غفر الله له أنه ليس بحجة عند الأصوليين والمحدثين فهو غلط بل هو قول الأئمة كلهم وقد نص عليه الإمام الشافع وأبو حنيفة وصاحباه وهذا مفهوم كلام الإمام أحمد ولا نعلم أحدا أنكره.
وقال: " وأما قوله : ( إنه ضعيف ضعفه الحفاظ ) ثم نقل تضعيفه عمن ذكره فجوابه ما قدمناه قبل – في الوجه الثالث –من درء الشبهة الثالثة من معارضة ذلك بتصحيح من صححه ، على أن سند تضعيفه هو دعوى شذوذه ، وقد أوضحنا أن الشذوذ ليس علة مضعفة على إطلاقها ، بل من كان عدلاً ضابطاً كان تفرده صحيحاً ، لا سيما وقد عضده ما روي بمعناه من حديث التساخين المتقدم وما قواه من عمل الصحب كما سيأتي "
ما قدمه من قبل لا يصلح حجة كما ذكرنا والحديث ليس بشذّ عندهم بل هو منكر غير محفوظ وحديث التساخين لا علاقة له أصلا بالموضوع.
وقال: " على أن حديث الجوربين قد تلقاه بالقبول أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود الظاهري وابن حزم " وهذا أيضا ليس بصحيح والمعلوم من الإمام أحمد أنه استنكر الحديث. ولو سلمنا صحة الحديث لم يكن معناه كما فهمه الشيخ رحمه الله وذلك أن الحدبث الوارد في المسح على الجوربين فإنما هو حكاية حال لا عموم له وكذلك ما روي عن الصحابة فإن مجرد فعل لا عموم له بخلاف الأمر والنهي فلو أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالمسح عليهما لكان له وجه الاستدلال بعموم اللفظ. وقال الكمال بن الهمام " (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ) وَلَا يُعَارَضُ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ حِكَايَةُ حَالِ لَا تَعُمُّ...فَوَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمُنَعَّلِ مِنْ الْجَوْرَبِ فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا " وقال النووي " الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الَّذِي يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ عُمُومٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ " وقال الكاساني الحنفي " (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا مُجَلَّدَيْنِ، أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، وَبِهِ نَقُولُ: وَلَا عُمُومَ لَهُ، لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الرَّقِيقَ مِنْ الْجَوَارِبِ؟ " وقال الشيخ أبو طيب شمس الحق في عون المعبود " نَعَمْ لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ قَوْلِيًّا بِأَنْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْسَحُوا عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ لَكَانَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ بعمومه على كُلِّ أَنْوَاعِ الْجَوْرَبِ وَإِذْ لَيْسَ فَلَيْسَ " وقال أبو بكر الجصاص " وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ الْغَسْلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا, فَلَوْ لَمْ تَرِدْ الْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَمَا أَجَزْنَا الْمَسْحَ, فَلَمَّا وَرَدَتْ الْآثَارُ الصِّحَاحُ وَاحْتَجْنَا إلَى اسْتِعْمَالِهَا مَعَ الْآيَةِ اسْتَعْمَلْنَاهَا مَعَهَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْآيَةِ فِي احْتِمَالِهَا لِلْمَسْحِ وَتَرَكْنَا الْبَاقِيَ عَلَى مُقْتَضَى الْآيَةِ وَمُرَادِهَا; وَلَمَّا لَمْ تَرِدْ الْآثَارُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ فِي وَزْنِ وُرُودِهَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَقَّيْنَا حُكْمَ الْغَسْلِ عَلَى مُرَادِ الْآيَةِ وَلَمْ نَنْقُلْهُ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَأَبُو مُوسَى: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ. قِيلَ لَهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا مُجَلَّدَيْنِ, فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ; إذْ لَيْسَ بِعُمُومِ لَفْظٍ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا نَعْلَمُ (صفة جوربيه) "
ولو نظرنا إلى كتب الفقه لوجدنا كلها تذكر الصفاقة والقوة صفة للجوارب حيث يمكن متابعة المشي فيها ولذك حكى يعض أهل العلم إجماعا في عدم جواز المسح على الجوربين إن كانا خفيفين. وقال أبو الحسن ابن القطان الفاسي في كتابه الإقناع في مسائل الإجماع : " وأجمعَ الجميعُ أن الجَوْرَبين إذا لم يكونا كثِيفين لم يجزْ المسحُ عليهما " وكذلك حكاه إجماعا الكاساني فقال " فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ يَشِفَّانِ الْمَاءَ , لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بِالْإِجْمَاعِ "
واعلم أن الشيخ نقض الإجماع بقول النووي فقال " إن كان أراد إجماع أئمة السلف والخلف فباطل ، فقد نقل الإمام النووي في شرح المهذب جواز المسح على الجوربين وإن كانا رقيقين عن أميري المؤمنين عمر وعلي رضي الله عنهما وإسحاق وداود ، بل نقل حكايته أيضاً عن أبي يوسف ومحمد كما رأيت من قبل . ثم هو مذهب الإمام ابن حزم كما سيأتي ، فكيف يصح دعوى الإجماع ؟ وإن كان أراد إجماع الحنفية فقد يسلم ، لكن حكاية النووي عن الصاحبين يدفعه أيضاً ، فقد اتضح أن لا إجماع في الباب ، فاحتفظ بهذا ."
لا يسعه معارضة حكاية الإجماع بمثل هذا النقل ولا يخفى عليه مذهب الصاحبين في اشتراط الثخانة في الجورب لجواز المسح عليه. ولا يخفى عليه أيضا أن الترمذي ذكر الصفاقة لما نسب القول بجواز المسح علي الجورب لشيخه إسحاق. ثم اتضح لنا أن الذي وهم في نسبة هذا القول لهم هو الإمام النووي لأنا وجدنا خلاف ذلك في كتب أصحابه لما نظرنا إليها ولنورد هنا ما ذكره الإمام العمراني اليمني في كتابه البيان. قال رحمه الله " وقال أحمد: (يجوز المسح على الجورب الصفيق، وإن لم يكن له نعل) . وروي ذلك عن عمر، وعلي، وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمد، وداود" ونحوه ذكر القفال الشاشي. والله أعلم