المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متى تقدم المصلحة العامة على الخاصة والعكس؟



أهــل الحـديث
01-11-2012, 05:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




فائدة حول المصلحة العامة والمصلحة الخاصة

أولا – جاء في الموسوعة العقدية 8/ 195
((الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية
حتى تكون المصلحة معتبرة شرعاً لابد من توفر شرطين:
الأول: ورود النص أو القياس بطلبها.
الثاني: أن لا تكون معارضة بمصلحة أرجح منها أو مساوية، وطريق الترجيح بين المصالح لمعرفة مراتبها يكون كالآتي:
1 - تقدم الضرورية على الحاجية، كما تقدم الحاجية على التحسينية. ومن هنا يعلم أن قاعدة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بأن تكون المصلحة والمفسدة في رتبة واحدة وحد مستو، أما إن لم يوجد التساوي فيرجح الأعلى.
2 - تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة إن كانتا في رتبة واحدة، ومن هنا يعلم أن قاعدة المصلحة العامة على الخاصة ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بأن تكون المصلحتان في رتبة واحدة ومستوى متماثل.
3 - إن كانتا ضروريتين وعامتين قدمت المصلحة المتعلقة بالدين على المتعلقة بالنفس ثم العقل ثم النسل ثم المال؛ فالمصلحة المتعلقة بالدين تقدم على غيرها من الضروريات الأخرى. قال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة: 191] وكذلك ما كان ذو مرتبة أعلى فإنه يقدم على ما دونه.
توضيح ما سبق بالمثال:
من مقررات أهل السنة وجوب الجهاد مع كل أمير برا كان أو فاجرا.
فالجهاد به حفظ الدين وهو ضروري لارتفاع كلمة التوحيد .. أما كونه عادلاً فهو حاجي، فيقدم الجهاد مع البر والفاجر لكونه ضرورياً على ما كان مع العادل فقط لكون هذا الوصف في الإمام حاجي.
ثم إن الجهاد به حفظ للدين بإزهاق النفس فقدمت مصلحة حفظ الأديان على حفظ النفوس والأبدان.
ويمكن التمثيل على تقديم المصلحة العامة على الخاصة بالمنع من تلقي الركبان، فمصلحة أهل السوق عامة، وقدمت على مصلحة المتلقي الخاصة؛ وكالنهي عن الاغتسال بالماء الراكد مع كون المغتسل منتفعاً من ذلك لكنه يضر بالمصلحة العامة فيمنع منه لذلك.))
تعليق مني:
الإسلام دين الوسطية وعقيدة أهل السنة والجماعة هي الوسطية حتى في الموازنة بين المصالح العامة والمصالح الخاصة ،، فهم ليسوا كالشيوعية التي قدمت المصلحة العامة بإطلاق على المصلحة الخاصة فأهملت النظر لتساويهما في الرتبة فطحنت الفرد وسلبت كل حق له بدعوى المصلحة العامة فلم تنظر للمصلحة والمفسدة المترتبة على ذلك فتقدم الأولى بالتقديم وتدفع الأعظم شرا ومفسدة.
وجاءت الديمقراطية بعكسها فقدمت مصلحة الفرد على المصلحة العامة بإطلاق دون التفات منها للأولى منهما فسحقت الجماعة بشهوة الفرد.
أما الإسلام فدين الوسطية فقد نظر للكل لكنه قدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند تساويهما في الرتبة وأما عند عدم تساويهما في الرتبة فإنه يقدم الأولى منهما مراعيا المصالح والمفاسد المترتبة على ذلك، فيقدم فعل الأعلى مصلحة منهما ويدفع الأعظم مفسدة منهما ،، فحقق بذلك التوازن والانسجام بين حق الفرد وحق الجماعة على قاعدة عظيمة من العدل،، فحقق بذلك العدل الذي قامت عليه السموات والأرض.
وفي الأخير فإن قاعدة تقديم المصلحة العامة على الخاصة ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بأن تكون المصلحتان في رتبة واحدة ومستوى متماثل.

وهذا مثال يوضح متى تقدم المصلحة الخاصة على العامة قال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين 3/ 529 -530:
((ومن تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام أنه جاءه رجلٌ وهو يخطب الناس فقال: ((رجل غريب جاء يسأل عن دينه)) كلمة استعطاف؛ بل كلمة غريب، وجاء يسأل، يسأل مالاً، بل جاء يسأل عن دينه، فأقبل إليه النبي عليه الصلاة والسلام وقطع خطبته، حتى انتهى إليه، ثم جيء إليه بكرسي، فجعل يعلم هذا الرجل؛ لأن هذا الرجل جاء مشفقاً محباً للعلم، يريد أن يعلم دينه حتى يعمل به، فأقبل إليه النبي عليه الصلاة والسلام وقطع الخطبة، ثم بعد ذلك أكمل خطبته، وهذا من تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام وحسن رعايته.
فإن قال قائل: أليست المصلحة العامة أولى بالمراعاة من المصلحة الخاصة؟ وحاجة هذا الرجل خاصة، وهو صلى الله عليه وسلم يخطب في الجماعة؟ قلنا: نعم لو كانت مصلحة العامة تفوت؛ لكان مراعاة المصلحة العامة أولى، لكن مصلحة العامة لا تفوت، بل إنهم سيستفيدون مما يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الغريب، والمصلحة العامة لا تفوت.
وهذا الغريب الذي جاء يسأل عن دينه إذا أقبل إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وعلمه كان في هذا تأليف لقلبه على الإسلام، ومحبة للإسلام، ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من حكمة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى)).
ومن الأمثلة أيضا: ما رواه مسلم في صحيحه عن عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». حديث رقم (2549).
فالجهاد مصلحة عامة عظيمة ولكن قدمت خدمة الوالدين – وهي مصلحة خاصة –على الجهاد – وهو مصلحة عامة – لاحتياج الوالدين لخدمة ابنهما لهما،، لأن ترك خدمة الوالدين فيه مفسدة أعظم من ترك الجهاد؛ ولا شك أن وجود الابن فيه مصلحة في الجهاد ونفع للمسلمين خصوصا في تلك الأزمنة التي يشكل كل فرد قوة تضاف لجيش الإسلام ،، ومع هذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام هذا الولد بالجلوس مع والديه وخدمتهما،، وعند وجود المصلحتين تقدم الأعظم وعند وجود المفسدتين ترتكب الأدنى إن كان ولا بد،، فعلم أن المدار على قاعدة الإسلام العظيمة التي تعود لها كل مقاصد الشريعة في أن الدين جاء بالمصالح وكملها ودفع المفاسد وقللها.
الدين مبني على المصالح********************* في جلبها والدرء للمفاسد
فإن تزاحم عدد المصالح********************* يقدم الأعلى من المصالح
وضده تزاحم المفاسد*********************** يرتكب الأدنى من المفاسد

ومن الأمثلة أيضا ما سنه الفاروق رضي الله عنه في أن من يغزو يعود لزوجته بعد أربعة أشهر حفظا لها وصيانة لعرضه، ولا شك أيضا بعظيم النفع للمسلمين لو جلس هذا المجاهد؛ لأنه يعين إخوانه لكن المصلحة الخاصة قدمت على المصلحة العامة؛ لأن الضرر الحاصل في المصلحة الخاصة أعظم منه في المصلحة العامة فارتكب أخف الضررين وقدمت أولى المصلحتين وهي الخاصة هنا.
والله تعالى أعلم