المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنزلوا الناس منازلهم



أهــل الحـديث
29-10-2012, 09:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل((والسماء رفعها ووضع الميزان)) وفرق بين خلقه بالتقوى والإيمان والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى الصحابة أولي النهى والأحلام.
أما بعد:فإن الله تعالى قد فاضل بين خلقه ولم يجعلهم بمنزلة سواء ,ففاضل بين الأزمنة وبين الأماكن وبين الملائكة وبين النبيين وبين بني آدم وعالم الجن فرمضان ليس كباقي الشهور والجمعة ليست كباقي الأيام والمسجد الحرام ليس كباقي البقاع ومكة ليست كباقي المدن وجبريل ليس كباقي الملائكة ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس كباقي الأنبياء فهو خيرهم وسيدهم والسابقون من الصحابة ليسوا كاللاحقين منهم, والمؤمنون ليسوا سواء وكذلك العلماء ((ولكلٍ درجاتُ مما عملوا))
وقد تأخر جبريل عليه السلام في ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى عن النبي عليه الصلاة والسلام،
فقال له صلى الله عليه وسلم أهنا تفارقني؟ فقال ما أستطيع أن أتقدم عن مكاني, وأنزل الله تعالى حكاية عن قول الملائكة
((ومامنا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون)) وقال تعالى ((لَايَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ))وقال تعالى ((والسابقون السابقون أولئك المقربون))
وفي الصحيحين((أنه كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه))
وقال صلى الله عليه وسلم في أهل بدر ((إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم )) وقال غلام حاطب بن أبي بلتعة يوماً ((والله ليدخلن حاطباً النار )) فقال صلى الله عليه وسلم كذب ((إنه شهد بدراً والحديبية))

وفي صحيح البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم فقد غامر فسلّم وقال إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر فقالوا لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلّم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال يا رسول الله والله أنا كنت أظلم والله أنا كنت أظلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها,
وقال صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه ((مروا أبا بكر فليصل بالناس))
وقال((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله))
وقالت عائشة رضي الله عنها(( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)) رواه أبو داود
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا فاستسقى فحلبنا له شاة ثم شبته من ماء بئري هذه قال فأعطيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يساره وعمر وجاهه وأعرابي عن يمينه فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شربه قال عمر هذا أبو بكر يا رسول الله يريه إياه,فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي وترك أبا بكر وعمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيمنون الأيمنون الأيمنون))

وفي الصحيحين ((أتي صلى الله عليه وسلم بشراب وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله في يده))
فلم ينسى مقام الأشياخ ولو كان المستحق لفضلته صلى الله عليه وسلم هو الغلام فاستأذن صلى الله عليه وسلم الغلام ليشرب قبله الأشياخ فأبى الغلام أن يؤثرهم على نفسه,

وفي الصحيحين عن ابن عمر((أراني في المنام أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي كبر فدفعته إلى الأكبر منهما))

وفي الصحيحين من حديث حويصة ومحيصة في الذي قتل بخيبر((عبد الله بن سهل) لما تكلم عبد الرحمن وكان أصغرهم قال له صلى الله عليه وسلم:(( كبِّر كبِّر))-أي فليتكلم الأكبر- فتكلم حويصة , ثم تكلم محيصة .
وقال صلى الله عليه وسلم (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ))رواه أبو داود
وعن سمرة بن جندب كما في الصحيحين ((لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ههنا رجالا هم أسن مني))

وفي صحيح البخاري ((كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدني ابن عباس فقال له عبد الرحمن بن عوف إن لنا أبناء مثله فقال إنه من حيث تعلم فسأل عمر بن عباس عن هذه الآية إذا جاء نصر الله والفتح فقال أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه قال ما أعلم منها إلا ما تعلم ))
وفي رواية((عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هذا ولنا أبناء مثله فقال إنه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال وما أريته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال ما تقولون في إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا بن عباس أكذاك تقول قلت لا, قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا قال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم.
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ ليحكم في بني قريضة جاء على حمار فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال ((قوموا إلى سيدكم))
ذكر النووي أن جماهير العلماء احتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم) وغيره على استحباب القيام لأهل الفضل ، وليس هذا من القيام المنهي عنه ، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه وهو جالس ويَمْثلون قياما طوال جلوسه ، وقد وافق النووي جماهير العلماء في هذا ، ثم قال : ( القيام للقادم من أهل الفضل مستحب ، وقد جاء في أحاديث ، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح. وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيها عما توهم النهي عنه).
وأحاديث غيرها كثيرة تبين إن الناس يجب على من يعاملهم أن ينزلهم منازلهم التي يستحقونها فهذه الدنيا فيها المؤمن والكافر وفيها التقي والفاسق وفيها العالم والجاهل وفيها الغبي وفيها الذكي وفيها الشجاع وفيها الجبان, وفيها الأمير والمأمور وفيها الكبير والصغير وفيها الذكر والأنثى وفيها البدوي وفيها المدني وفيها الحربي وفيها المعاهد والذمي وو..., فليس من العدل أن يكونوا بمنزلة واحدة لاعند الله ولاعند الناس, وعلى الذي يريد أن يصل بالناس إلى خير دينهم ودنياهم من العلماء والدعاة عليه أن يراعي هذا الضابط ,وليتعامل معهم على حسب منازلهم ديناً ودنيا, والداعي إلى الله على قدر معرفته بالناس وقابليته على التعامل معهم ومستواه العلمي ووصفه الخلُقي تكون ثمار دعوته,
العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها
والجهل يهدم بيوت العز والكرم
فكثير من الناس لا يعير اهتماماً في دعوته لحال المخاطبين فقد دخل رجل إعرابي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فبال في المسجد فهمّ به الصحابة ليضربوه فنهاهم
وقال لاتزرموه(أي تقطعوا عليه بوله) ثم قال له صلى الله عليه وسلم (إن المساجد لم تبن لهذا إنما هي للصلاة وذكر الله)!!
وقال ابن مسعود ((ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لاتبلغه عقولهم إلا كان فتنةً لهم ))
وقال علي رضي الله عنه((كلموا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذب الله ورسوله))
قال ابن العربي في العواصم (لاتذهب الزمان في مماشاة الجهال فإن ذلك لا آخر له) فالوالدان لهم مقام ومنزلة و لعظم منزلتهما أمر الله ببرهما ولو كانا كافرين, والعالم والعابد وسيد القوم ومقدمهم وصاحب الجاه والمنصب والأمير و ذو الشيبة من المسلمين وغيرهم كل هؤلاء لهم خصوصية في الإحترام والتعامل,
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه (ماعدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحداً من أصحابه في حربه منذ أسلمنا)) وكان عمر بن الخطاب إذا رأى عمرو بن العاص قال:(( لاينبغي لأبي عبد الله إلا أن يمشي أميرا))
خلق الله للحروب رجالاً
ورجالاً لقصعةٍ وثريدِ
ولما أراد أبو بكر أن يستخلف اختار عمر رضي الله عنه فكان اختياره اختياراً للأمة واختياراً للإيمان والعدل. اللهم علمنا ووفقنا لما تحب وترضى