تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : طائفة أبي بصير رضي الله عنه والأحكام المستفادة منها



أهــل الحـديث
29-10-2012, 08:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم


روى البخاري في صحيحه بسنده قال : " ..........ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبوبصير رجل من قريش وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا : العهد الذي جعلت لنا ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة ، فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا ، فاستله الآخر فقال : أجل والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت به ثم جربت . فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه ، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد ، وفر الآخر حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : لقد رأى هذا ذعرا ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قتل صاحبي وإني لمقتول . فجاء أبو بصير فقال : يا نبي الله ، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ، ثم أنجاني الله منهم .
قال : النبي صلى الله عليه وسلم " ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد "
فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سِيفَ البحرِ . قال : وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير ، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة ، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم . فأرسلت قريش تناشده الله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلمإليهم فأنزل الله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم - حتى بلغ - الحمية ، حمية الجاهلية [ سورة الفتح آية 24 ]
قال ابن حجر :اسم أبي بصير هو((عتبه بن أَسيد ))
وقال ابن حجر5/350: زاد الأوزاعي عن الزهري " فقال أبو بصير: يا رسول الله عرفت أني إن قدمت عليهم فتنوني عن ديني ففعلت ما فعلت ، وليس بيني وبينهم عهد ولا عقد ".أهـ.
أولا : ذكر ما استنبطه ابن حجر في فتح الباري من عمل هذه الطائفة :
قال ابن حجر: 5/350
حتى" اجتمعت منهم عصابة " أي جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على الأربعين فما دونها . وهذا الحديث يدل على أنها تطلق على أكثر من ذلك، ففي رواية ابن اسحاق أنهم بلغوا نحواً من سبعين نفسا ، وزعم السهيلي أنهم بلغوا ثلاثمائة رجل ، وزاد عروة " فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا المدينة في مدة الهدنة خشية أن يُعادوا إلى المشركين " . أهـ .
1-(( قوله -مسعر حرب- ...... قال الخطابي كأنه يصفه بالاقدام في الحرب والتسعير لنارها ووقع في رواية بن إسحاق محش بحاء مهملة وشين معجمة وهو بمعنى مسعر وهو العود الذي يحرك به النار قوله -لو كان له أحد- أي ينصره ويعاضده ويناصره وفي رواية الأوزاعي لو كان له رجال فلقنها أبو بصير فانطلق وفيه إشارة إليه بالفرار لئلا يرده إلى المشركين ورمز إلى من بلغه ذلك من المسلمين أن يلحقوا به قال جمهور العلماء من الشافعية وغيرهم يجوز التعريض بذلك لا التصريح كما في هذه القصة والله أعلم ))
2-وقال ((...وفيه أن للمسلم الذي يجيئ من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شُرط لهم ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بصير قتله العامري ولا أمر بقود ولا دية والله أعلم . )).
3- وقال:(( وفي قصة أبي بصير من الفوائد جواز قتل المشرك المعتدي غيلة ، ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدراً لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه وسلموبين قريش ، ولأنه إذ ذاك كان محبوساً بمكة ، لكنه لما خشي أن المشرك يعيده إلى المشركين درأ عن نفسه بقتله ، ودافع عن دينه بذلك ولم ينكر النبي قوله ذلك .

4- وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية ، وقد وقع عند ابن إسحاق " أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري طالب بديته لأنه من رهطه ، فقال له أبو سفيان : ليس على محمد مطالبة بذلك لأنه وفَّى بما عليه وأسلمه لرسولكم ، ولم يقتله بأمره . ولا على آل أبي بصير أيضا شيئ لأنه ليس على دينهم " .
5- وفيه أنه كان لا يرد على المشركين من جاء منهم إلا بطلب منهم ، لأنهم لما طلبوا أبي بصير أول مرة أسلمه لهم ، ولما حضر إليه ثانياً لم يرسله لهم، بل لو أرسلوا إليه وهو عنده لأرسله ، فلما خشي أبو بصير من ذلك نجا بنفسه .

6- وفيه أن شرط الرد أن يكون الذي حضر من دار الشرك باقياً في بلد الإمام ، ولا يتناول من لم يكن تحت يد الإمام ولا متحيزاً إليه .

7 -واستنبط منه بعض المتأخرين أن بعض ملوك المسلمين مثلاً لو هادن بعض ملوك الشرك فغزاهم ملك آخر من المسلمين فقتلهم وغنم أموالهم جاز له ذلك ، لأن عهد الذي هادنهم لم يتناول من لم يهادنهم ، ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم تكن هناك قرينة تعميم . )) .
ثانياً : ما استنبطه ابن القيم من طائفة أبي بصير :
قال رحمه الله في زاد المعاد
1 –(( ولما صالحهم على رد الرجال كان يمكنهم أن يأخذوا من أتى إليه منهم ، ولا يكرهه على العود ، ولا يأمره به ، وكان إذا قتل منهم ، أو أخذ مالا ، وقد فصل عن يده ولما يلحق بهم ، لم ينكر عليه ذلك ، ولم يضمنه لهم لأنه ليس تحت قهره ولا في قبضته ولا أمره بذلك ولم يقتض عقد الصلح الأمان على النفوس والأموال إلا عمن هو تحت قهره وفي قبضته ))3/141.
2 –(( أن رد من جاء من الكفار إلى الإمام لا يتناول من خرج منهم مسلماً إلى غير بلد الإمام ، وأنه إذا جاء إلى بلد الإمام ، لا يجب عليه رده بدون الطلب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أبا بصير حين جاءه ، ولا أكرهه على الرجوع ، ولكن لما جاؤوا في طلبه ، مكَّنهم من أخذه ولم يكرهه على الرجوع ))3/308.
3-(( أن المعاهدين إذا تسلموه وتمكنوا منه فقتل أحداً منهم لم يضمنه بديةٍ ولا قودٍ ، ولم يضمنه الإمام ، بل يكون حكمه في ذلك حكم قتله لهم في ديارهم حيث لا حكم للإمام عليهم ، فإن أبا بصير قتل أحد الرجلين المعاهدين بذي الحُلَيْفَةِ ، وهي من حكم المدينة ، ولكن كان قد تسلموه ، وفصل عن يد الإمام وحكمه )). 3/308.
4 – ((أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام ، فخرجت منهم طائفة ، فحاربتهم ، وغنمت أموالهم ، ولم يتحيزوا إلى الإمام ، لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ، ومنعهم منهم، وسواء دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه أو لم يدخلوا ، والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم ، وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد ، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ، ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد ، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى مَلَطْيَة وسبيهم مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين .))3/309 زاد المعاد

ثالثاً : ما استنبطه ابن قدامة من طائفة أبي بصير
قال رحمه الله في المغني ج9/241
(( ولهذا لما قتل أبو بصير الرجل الذي جاء لرده لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلمولم يضمنه ، ولما انفرد هو وأبو جندل وأصحابهما عن النبي في صلح الحديبية فقطعوا الطريق عليهم وقتلوا من قتلوا منهم وأخذوا المال لم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهم برد ما أخذوا ولا غرامة ما أتلفوا ، وهذا الذي أسلم كان في دارهم وفي قبضتهم وقهرهم على نفسه فصار حراً كما لو أسلم بعد خروجه ))
وقال في المغني ج: 9 / 242
-(( ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلمشرط ذلك في صلح الحديبية ووفى لهم به فرد أبا جندل وأبا بصير ولم يخص بالشرط ذا العشيرة لأن ذا العشيرة إذا كانت عشيرته هي التي تفتنه وتؤذيه فهو كمن لا عشيرة له لكن لا يجوز هذا الشرط إلا عند شدة الحاجة إليه وتعين المصلحة فيه ومتى شرط لهم ذلك لزم الوفاء به بمعنى أنهم إذا جاؤوا في طلبه لم يمنعهم أخذه ولا يجبره الإمام على المضي معهم وله أن يأمره سراً بالهرب منهم ومقاتلتهم فإن أبا بصير لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وجاء الكفار في طلبه قال له النبي صلى الله عليه وسلم " إنا لا يصلح في ديننا الغدر وقد علمت ما عهدناهم عليه ولعل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً " فلما رجع مع الرجلين قتل أحدهما في طريقه ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلمه بل قال : " ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال " فلما سمع ذلك أبو بصير لحق بساحل البحر وانحاز إليه أبو جندل بن سهيل ومن معه من المستضعفين بمكة فجعلوا لا تمر عليهم عير لقريش إلا عرضوا لها فأخذوها وقتلوا من معها فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن يضمهم إليه، ولا يرد إليهم أحداً جاءه ففعل .. فيجوز حينئذ لمن أسلم من الكفار أن يتحيزوا ناحية ويقتلون من قدروا عليه من الكفار ويأخذون أموالهم ولا يدخلون في الصلح وإن ضمهم الإمام إليه بإذن الكفار دخلوا في الصلح وحرم عليهم قتل الكفار وأموالهم
.وروى عن عمر رضي الله عنهأنه لما جاء أبو جندل إلى النبي صلى الله عليه وسلمهارباً من الكفار يرسف في قيوده قام إليه أبوه فلطمه ، قال عمر : فقمت إلى جنب أبي جندل فقلت : "إنهم الكفار وإنما دم أحدهم دم كلب "
وجعلت أدني من قائم السيف لعله أن يأخذه فيضرب به أباه قال : " فضن الرجل بأبيه " . ))
وذكر البهوتي ((وله أي لمن جاءنا منهم مسلما ولمن أسلم معه أن يتحيزوا ناحية ويقتلوا من قدروا عليه من الكفار ويأخذوا أموالهم ولا يدخلون في الصلح ))كشاف القناع للبهوتي3/114