المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أيام التشريق... فضائل و أحكام



أهــل الحـديث
27-10-2012, 07:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان أيام التشريق فضائل وأحكام لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم



بسم الله الرحمن الرحيم



أيام التشريق... فضائل و أحكام

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن من حقوق الله جل جلاله على عباده أن يذكروه في كل وقت وحين ، فبذكره سبحانه تنشرح الصدور وتحيا القلوب و تطمئن، قال تعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [ الرعد:28]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"حقيق بها وحري أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره -سبحانه-، فإنه لا شيء ألذللقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها والأنس به ومعرفته،وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله،هو ذكر العبد لربه،من تسبيح ، وتهليل ، وتكبير وغير ذلك" .تفسير السعدي (ص 417)
أيها الأحبة إن ذكر الله تعالى في بعض الأوقات قد يكون أفضل من البعض الآخر ومن ذلك الذكر في هذه الأيام المباركة وهي أيام التشريق ،وهي الأيام المعدودات التي ذكرها في كتابه رب البريات،فقال سبحانه (و اذكروا الله في أيام معدودات ) [البقرة :203]
قال الإمام البغوي –رحمه الله- :"الأيام المعدودات هي أيام التشريق وهي أيام منى ورمي الجمار سميت معدودات لقلتهن". تفسير البغوي (1/178)
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- : "يأمر تعالى بذكره في الأيام المعدودات وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد لمزيتها وشرفها وكون بقية أحكام المناسك تفعل بها ولكون الناس أضيافًا لله فيها ولهذا حرم صيامها فللذكر فيها مزية ليست لغيرها ". تفسير السعدي (ص 93)
وقد تتساءلون زادكم الله حرصا لماذا سميت هذا الأيام بأيام التشريق ؟
يجيبنا القاضي عياض –رحمه الله – فيقول : " سميت بذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي أي يقطعونها و يقددونها".مشارق الأنوار (2 / 249)
إن هذه الأيام المباركة أيها الأفاضل هي أوقات عبادة و شكر وذكر لحجاج بيت الله الحرام و غيرهم من المسلمين ، أما بالنسبة للحاج ففيها يرمي الجمرات بعد الزوال ، حيث يبدأ بالجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات ، ثم يتقدم قليلا عن يمينه فيقوم مستقبلا القبلة ويرفع يديه ويدعو ويفعل ذلك عند الجمرة الوسطى ثم يأتي الجمرة الكبرى وهي جمرة العقبة فيرميها كذلك و يجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ولا يقف عنده .
فعن جابر –رضي الله عنه- :"رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرةَ يوم النحر ضُحى وأمَّا بعدُ فإذا زالت الشمس ". رواه مسلم (1299)
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي-رحمه الله-:"اعلم أن التحقيق أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق ، إلا بعد الزوال ، لثبوت ذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم-وذكر حديث جابر(رضي الله عنه)وغيره من الأدلة – ...ثم قال –رحمه الله-:"فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له ألبتة مع مخالفته للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى ". أضواء البيان ( 4 /463 )
أما غيره من المسلمين فيجتمع لهم فيها راحة القلب بالذكر و التكبير ، وراحة البدن بالأكل والشرب ، قال صلى الله عليه وسلم :"أيام التشريق أيام أكل و شرب و ذكر لله ".رواه مسلم( 1141)من حديث نُبيشة الهذلي –رضي الله عنه-
قال الحافظ ابن رجب- رحمه الله-:" في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها (أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدلها كفرا وهو جدير أن يسلبها". لطائف المعارف ( ص291)
فالمؤمن الحق هو الذي يجعل ما أبيح له في هذه الأيام من الأكل و الشرب عونا له على عبادة الله وتقوية له على ذكره سبحانه، ويحمد الله جل وعلا على هذه النعمة لأن هذا مما يرضي الله سبحانه و تعالى .
فعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ الله لَيَرْضَى عن العبد أَن يأكلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عليها، أو يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عليها". صحيح مسلم (2743)
أيها الأحبة إن مما يشرع ويُستحب في هذه الأيام المباركة الجهر بالتكبير المطلق الغير جماعي للرجال أما المرأة فتخفيه، وهذا فعل الصحابة ( رضوان الله عليهم ) ، قال الإمام البخاري –رحمه الله- : " وكان عمر رضي الله عنه يُكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيبكرون ويُكبر أهل الأسواق حتى تَرْتَجَّ منى تكبيرا ،وكان ابن عمر يُكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فُسْطَاطِه – خيمة من الشعر- ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا، وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يُكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد ". صحيح البخاري ( 1/330)
ومن البدع كذلك التي ينبغي التنبيه عليها ما يفعله بعض المسلمين حيث تجدهم خاصة في التكبير المقيد بدبر الصلوات في أيام التشريق أو عيد الأضحى يكبرون بصوت جماعي واحد ، مخالفين بذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم .وقد سئل الشيخ ابن باز –رحمه الله- ، فقيل له : ما حكم التكبير الجماعي في العيدين بعد الصلوات علما بأنه يذكر الناس بهذه الشعيرة المباركة؟.
فأجاب –رحمه الله- :"يكبرون، كل يكبر في صفه، وفي الطريق، لكن ليس على صفة جماعية؛ لأن هذا بدعة لا أصل له، وإلا الكل يكبر، هذا يكبر وهذا يكبر، وبهذا يتذكر الناس ويستجيب الناس، أما كونه بلسان واحد من جماعة هذا لا أصل له، وهو التكبير الجماعي أو التلبية الجماعية، لا يشرع هذا، لكن الكل يلبي، أما أن يكبر من تحرى أن يبدأ الصوت مع صوت أخيه وينتهي مع صوت أخيه هذا لا أصل له، ولا نعلمه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن فعل هذا يخشى عليه من الإثم؛ لأنه بدعة". فتاوى نور على الدرب ( 13/370)
وينبغي أن نعلم أن هذا التكبير ليس مقيدا فقط بدر الصلوات ولا بعدد معين ، بل هو مطلق ، وقد وجه سؤال للجنة الدائمة عن هذه المسألة ، فقيل لهم :
س: أمر الله تعالى بذكره مطلقا أيام التشريق، ما دليله، وما صفته، وعدد مراته؟
فكان جوابهم – جزاهم الله خيرا - : أمر الله تعالى بذكره مطلقا أيام التشريق، فقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} ولم يثبت في القرآن ولا في السنة النبوية عقب الصلوات الخمس أيام التشريق تحديد عدد ولا بيان للكيفية". فتاوى اللجنة الدائمة ( 8/309)
وكذلك هذه الأيام لا يشرع فيها الصيام ، فعن أبي مرة مولى أم هانئ : أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- فقرب إليهما طعاما فقال كل فقال: إني صائم، فقال عمرو: كُلْ فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها وينهانا عن صيامها –أي أيام التشريق-",رواه أبو داود ( 2418)وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
ويستثنى من ذلك الحاج – أي المتمتع والقارن- الذي لم يجد الهدي ، فعن عبد الله بن عمر و عائشة –رضي الله عنهم- "لم يُرَخَّصْ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلا لِمَنْ لم يَجِدْ الْهَدْيَ" . رواه البخاري (1894 )
وسئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله- عن صيام أيام التشريق ؟
فأجاب –رحمه الله-:" أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي بعد عيد الأضحى، وسميت بأيام التشريق، لأن الناس يشرقون فيها للحم أي ينشرونه في الشمس، لييبس حتى لا يتعفن إذا ادخروه وهذه الأيام الثلاثة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) فإذا كانت كذلك، أي كان موضوعها الشرعي الأكل والشرب والذكر لله، فإنها لا تكون وقتاً للصيام، ولهذا قال ابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم-: (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي) يعنيللمتمتع والقارن فإنهما يصومان ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعا إلى أهلهما، فيجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما. وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده، ثم يواصل صومه". مجموع فتاوى الشيخ ( 20/60)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أيها الأفاضل أن يجعلنا وإياكم ممن أطاعه وشكره في هذه الأيام المباركة ، وأن يُوفقنا لما يُحبه ويرضاه و يتقبل منا أعمالنا الصالحة، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النايلي