المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التشكيك في نسبة رسالة في أصول إلى العكبري



أهــل الحـديث
18-10-2012, 12:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

من الكتب المطبوعة في أصول الفقه المتداولة بين دارسي هذا العلم, كتاب: "رسالة في أصول الفقه", وكتب عليه أنه من تأليف: أبي علي الحسن بن شهاب العكبري (ت: 428).
ولو صحت نسبتها إليه, لكانت من أنفس مؤلفات الحنابلة الأصولية؛ لأنها تكون أقدم مؤلفاتهم على الإطلاق, ولذا شرحها بعض كبار الأصوليين من المعاصرين.
ولكن حين ترى أن أبا علي العكبري قد توفي سنة 428هـ, فإن هذا يعني أنه قد توفي قبل أن يولد الغزالي رحمه الله (ولد عام 450هـ), أما ابن قدامة فقد توفي قبل ولادته بزمن طويل, ومع ذلك نجد تشابها كبيرا في عبارات مؤلفاتهم, بل يصل في مواضع إلى المطابقة, ومعلوم أن ابن قدامة قد نقل من الغزالي واستفاد منه, لكن يبعد أن يكون الغزالي رحمه الله قد نقل من العكبري؛ لأن أبا علي العكبري لم يكن مشهورا بعلم الأصول, بل إن ابن أبي يعلى لم يذكر في ترجمته أن له مصنفا في أصول الفقه, وإنما ذكر أن له مصنفات في الفقه, والنحو, والفرائض, ثم إن عبارات هذه الرسالة تشابه عبارات الغزالي, لكنها تطابق في مواضع عبارت ابن قدامة, مما يدل على أن مؤلفها إنما نقل عن ابن قدامة, ولم ينقل عن الغزالي رحمه الله تعالى.


وهذه مقارنة بين نص من هذه الرسالة, ونص من روضة الناظر لابن قدامة, وقد جعلت الألفاظ المتشابهة باللون الأحمر, والله ولي التوفيق.

قال في روضة الناظر:
"فصل: في العلة
ونعني بالعلة: مناط الحكم.
وسميت علة؛ لأنها غيرت حال المحل، أخذا من علة المريض؛ لأنها اقتضت تغيير حاله.
فصل:
والاجتهاد في العلة على ثلاثة أضرب:
تحقيق المناط للحكم، وتنقيحه، وتخريجه.
أما تحقيق المناط، فنوعان:
أولهما: لا نعرف في جوازه خلافا.
ومعناه: أن تكون القاعدة الكلية متفقا عليها، أو منصوصا عليها، ويجتهد في تحقيقها في الفرع.
ومثاله: قولنا: "في حمار الوحش: بقرة" لقوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فنقول: "المثل واجب، والبقرة مثل، فتكون هي الواجب".
فالأول: معلوم بالنص والإجماع، وهو: وجوب المثلية في البقرة.
أما تحقيق المثلية في البقر، فمعلوم بنوع من الاجتهاد.
ومنه الاجتهاد في القبلة فنقول: وجوب التوجه إلى القبلة معلوم بالنص، أما أن هذه جهة القبلة1: فيعلم بالاجتهاد.
وكذلك تعيين الإمام، والعدل، ومقدار الكفاية في النفقات ونحوه.
فليعبر عن هذا بتحقيق المناط، إذ كان معلوما، لكن تعذر معرفة وجوده في آحاد الصور، فاستدل عليه بأمارات.
الثاني: ما عرف علة الحكم فيه بنص أو إجماع، فيبين المتجهد وجودها في الفرع باجتهاده.
مثل: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهر: "إنها ليست بنجس؛ إنها من الضرب الثاني: تنقيح المناط:
وهو: أن يضيف الشارع الحكم إلى سببه، فيقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة، فيجب حذفها عن الاعتبار، ليتسع الحكم.
ومثاله: قوله -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي قال: هلكت يا رسول الله. قال: "ما صنعت؟ " قال: وقعت على أهلي في نهار رمضان. قال: "أعتق رقبة".
فنقول: كونه أعرابيا: لا أثر له فيلحق به "التركي" و"العجمي"، لعلمنا أن مناط الحكم: وقاع مكلف، لا وقاع الأعرابي، إذ التكاليف تعم الأشخاص، على ما مضى.
ويلحق به: من أفطر بوقاع في رمضان آخر؛ لعلمنا أن المناط: حرمة رمضان، لا حرمة ذلك الرمضان.
وكون الموطوءة منكوحة: لا أثر له، فإن الزنا أشد في هتك الحرمة.
فهذه إلحاقات معلومة تبنى على مناط الحكم، بحذف ما علم بعادة الشرع في مصادره وموارده وأحكامه: أنه لا مدخل له في التأثير.
وقد يكون بعض الأوصاف مظنونا، فيقع الخلاف فيه كالوقاع، إذ يمكن أن يقال: مناط الكفارة: كونه مفسدا للصوم المحترم، والجماع آلة الإفساد، كما أن السيف آلة للقتل الموجب للقصاص، وليس هو من المناط، كذا ههنا.
ويمكن أن يقال: الجماع مما لا تنزجر النفس عنه عند هيجان الشهوة بمجرد وازع الدين، فيحتاج إلى كفارة وازعة، بخلاف الأكل.
والمقصود: أن هذا نظر في تنقيح المناط بعد معرفته بالنص، لا بالاستنباط، وقد أقر به أكثر منكري القياس.
وأجراه أبو حنيفة في الكفارات، مع أنه لا قياس فيها عنده1.
الضرب الثالث، تخريج المناط:
وهو: أن ينص الشارع على حكم في محل، ولا يتعرض لمناطه أصلا. كتحريمه شرب الخمر، والربا في البر.
فيستنبط المناط بالرأي والنظر، فيقول: حرم الخمر، لكونه مسكرا، فيقيس عليه النبيذ، وحرم الربا في البر، لكونه مكيلا، فيقيس عليه الأرز.
وهذا هو الاجتهاد القياسي الذي وقع الخلاف فيه.



قال في "رسالة في أصول الفقه":
ويعنى بالعلة مناط الحكم وسميت علة لأنها غيرت حال المحل أخذا من علة المريض لأنها اقتضت تغير حاله
والاجتهاد بذل الوسع في طلب الغرض, وهو على ثلاثة أضرب تحقيق المناط وتنقيح المناط وتخريج المناط.
أما تحقيق المناط فنوعان:
أحدهما: لا نعرف في جوازه خلافا, وهو أن تكون القاعدة الكلية في الأصل مجمعا عليها ويجتهد على تحقيقها في الفرع
مثاله تعيين الإمام والعدل وقدر الكفاية في النفقات ونحو ذلك يعبر عنه بتحقيق المناط إذا كان معلوما لكن تعذرت معرفة وجوده في آحاد الصور فاستدل عليه لإمارات وهذا من صورة كل شريعة لأن التنصيص عدالة كل شاهد وقدرها كفاية كل شخص لا بوحدها
الثاني: ما عرف علة الحكم فيه بنص أو إجماع فيبين المجتهد وجودها في الفرع باجتهاده
مثاله قول النبي صلى الله عليه و سلم في الهرة إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات
فجعل الطواف عليه فيبين المجتهد وجود الطواف في سائر الحشرات كالفأرة ونحوها ليلحقها بالهرة في الطهارة فهذا قياس جلي أقر به جماعة من منكري القياس
وأما تنقيح المناط فهو أن يضيف الشارع الحكم إلى شبه تقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة فيجب حذفها عن الاعتبار ليسع الحكم
مثاله قوله صلى الله عليه و سلم للأعرابي الذي قال هلكت يا رسول الله قال ما صنعت قال وقعت على أهلي في نهار رمضان قال اعتق رقبة فكونه أعرابيا لا أثر له فليحق به الأعجمي لأنه وقاع مكلف لا وقاع أعرابي إذ التكاليف تعم جميع المكلفين وكون المرأة منكوحة لا أثر له فإن الزنا أشد في انتهاك الحرمة فهذه إلحاقات معلومة تبنى على مناط الحكم تحذف لما علم من عادة الشرع في مصادره أنه لا مدخل له في التأثير
وأما تخريج المناط فهو أن ينص الشارع على حكم في محل ولا يتعرض لمناطه أصلا كتحريمه شرب الخمر وتحريمه الربا في البر فنستنبط بالرأي والنظر فنقول حرم الخمر لكونه مسكرا فقيس عليه النبيذ وحرم الربا في البر لأنه مكيل جنس فقيس عليه الأرز.



ختامًا, أقول:
القارئ المنصف, الذي له خبرة بكتب الأصول, يعلم أن هذا الكتاب مستفاد من روضة الناظر للموفق ابن قدامة, وأن مثل هذا الاتفاق لا يكون مصادفة, وأنه يبعد أن يكون الموفق ابن قدامة, والغزالي قد نقلا هذه العبارات, والأمثلة من أبي علي العكبري, وهو غير معروف بهذا العلم, ولا ذكر له فيه, ولا يذكر في ترجمته أنه ألف كتابا فيه.

ولعل قائلا يقول: فلمن هذه الرسالة.
فالجواب: أنها لا شك لمؤلف متأخر, إما من القرن السابع, أو ما بعده من القرون, ولا يكون قبل ذلك, والتعرف على مؤلفها يحتاج بحثا ونظرا, والله المستعان.