المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل مهمة إلى حجاج الأمة



أهــل الحـديث
17-10-2012, 06:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان رسائل مهمة إلى حجاج الأمة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم



بسم الله الرحمن الرحيم



رسائل مهمة إلى حجاج الأمة

لحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن من توفيق الباري سبحانه وتعالى لعبده أن يسر له عمل الخيرات والسعي للطاعات سواء كانت بدنية كالصيام أو ماليه كالصدقة ، أو معا كالحج الذي هو من أفضل الأعمال و القربات عند رب البريات .
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الأعمال أفضلُ ؟ قال" إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ"، قيل: ثم ماذا ؟ قال:" جهادٌ في سبيل الله"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قال: "حَجٌّ مَبْرُورٌ ". رواه البخاري (1447) و اللفظ له ، ومسلم (83)
قال ابن الأثير –رحمه الله- :" الحج المبرور :هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم ". جامع الأصول ( 3/125)
أيها الأحبة الكرام، قد يسر الله تعالى في هذه الأيام المباركة السبل لبعض المسلمين فوفقهم لقصد بيته الكريم ، الذي جعله قبلة الموحدين ، يأتونه من كل فج عميق رغم كل الصعاب وبعد المسافة ، مهللين مكبرين شعارهم ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك )، راجين بذلك الرحمة و الثواب من العزيز الوهاب، قال تعالى ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس)[ المائدة :97]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"يخبر تعالى أنه جعل( الكعبة البيت الحرام قياما للناس)يقوم بالقيام بتعظيمه،دينهم ودنياهم، فبذلك يتم إسلامهم و به تحط أوزارهم وتحصل لهم بقصده العطايا الجزيلة والإحسان الكثير،وبسببه تنفق الأموال،وتقتحم من أجله الأهوال،ويُجتمع فيه من كل فج عميق جميع أجناس المسلمين،فيتعارفون ويستعين بعضهم ببعض،ويتشاورون على المصالح العامة،وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية". تفسير السعدي (ص 245)
أيها الأفاضل إن القاصد بيت الله الحرام عليه أن يتزود له بكل ما ينفعه في حجه خاصة من الأمور الدينية لينتفع بحجه ويزيد من أجره بإذن خالقه.
ولهذا أحببت أن أوجه بعض النصائح الإيمانية والرسائل التوجيهية لحجاج بيت الله الحرام ، لعل الله بجوده وكرمه ينفعهم بها، ومن أهمها :
1- أن يشكروا الله الجواد الكريم على فضله وإنعامه بأن وفقهم لقصد بيته الحرام ، فبالشكر و الإيمان تدوم النعم، و بالجحود و العصيان تَحل النقم، قال تعالى: ﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾[إبراهيم :7]
قال الإمام ابن كثير-رحمه الله-:"(لئن شكرتم لأزيدنكم)أي:لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها(ولئن كفرتم)أي: كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها(إن عذابي لشديد)وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها". تفسير ابن كثير (2/524)
قال الشيخ الشنقيطي-رحمه الله-:"وبهذه المناسبة إن على كل مسلم أفراداً وجماعات، أن يقابلوا نعم الله بالشكر،وأن يشكروها بالطاعة والعبادة للَّه ، وأن يحذروا كفران النعم". أضواء البيان(9/112)
2-أن يبتغوا بحجهم وجه الله سبحانه فهذا من شكر النعم، ويحذروا من الرياء و الافتخار، ويبتعدوا عن كل ما يَخرم حجهم و ينقص أجرهم من اللغو و الرفث فإن ذلك ينافي الحج المبرور ، وهو من كفر النعم .
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- :"من حَجَّ لِلَّهِ فلم يَرْفُثْ –الفحش في القول- ولم يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ". رواه البخاري (1449) و اللفظ له، و مسلم (1350)
3- أن يعظموا البيت الذي هم قاصدوه و العمل الذي هم عليه عازمين لأنه من شعائر الله، وفي ذلك تعظيم لله جل جلاله ودليل على وجود التقوى في القلب قال تعالى: ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [الحج :32]
يقول الشيخالسعدي –رحمه الله- :" فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله"تفسير السعدي (ص538)
4-أن يتفقهوا في حجهم ويحرصوا على معرفة صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدوا بهديه ويقتفوا أثره ، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بهذا، فعنجابر –رضي الله عنه- قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمى على رَاحِلَتِهِ يوم النَّحْرِ وَيَقُولُ:" لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هذه". رواه مسلم (1297)
قال الإمام النووي –رحمه الله- :" فهذه اللام لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها وحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة صلوا كما رأيتموني أصلي " .الشرح على صحيح مسلم ( 9 /45)
فاحرصوا رعاكم الله على تحقيق الاتباع و احذروا أشد الحذر من الإحداث في الحج و الابتداع، واعلموا أن البدع ما تزيد إلا بعدا عن رب العالمين ، قال أيوب السختياني –رحمه الله-:" ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا ". حلية الأولياء لأبي نعيم ( 3/9)
فابتعدوا عنها و اجتنبوا أهلها الداعين إليها فلا تجالسوهم حتى لا تتأثروا بهم فيجروكم معهم ، فالشبه خطافة و القلوب ضعيفة ، و السلامة لا يعدلها شيء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله ،ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بالبدع،كما قال تعالى:(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعباده ربه أحدا) [الكهف:110]" . مجموع الفتاوى(10/234)
5-تذكروا أن من يحج معكم هم إخوانكم في الدين ، اجتمعوا معكم لأداء هذه الشعيرة العظيمة ، فَوطِنوا أنفسكم على حسن معاشرتهم و الإحسان إليهم فإن هذا من الإيمان .
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ". رواه أبو داود (4682) و صححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله-:" ينبغي أن يكون هذا الحديث دائما نصب عين المؤمن ، لأن الإنسان إذا علم بأنه لن يكون كامل الإيمان إلا إذا حسن خلقه كان ذلك دافعا له على التخلق بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات وترك سفاسفها ورديئها". مكارم الأخلاق للشيخ ابن عثيمين ( ص10)
واحذروا بارك الله فيكم من الإساءة لإخوانكم وسوء الظن بهم ، وإياكم والغضب في معاملتهم، فإن هذا الخلق ذميم، وهو شعلة محرقة من النار تعمي صاحبها وتصمه فلا تنفع فيه الذكرى ولا ترده موعظة ،نسأل الله العافية.
ومن ثماره السيئة أن يحرق حبال الأخوة الإيمانية ويفسدها ، ويجعل الناس ينفرون ممن اتصف به ولا يتقربون إليه.
قال الإمام ابن قدامة المقدسي-رحمه الله-:"متى قويت نار الغضب والتهبت،أعمت صاحبها،وأصمته من كل موعظة،لأن الغضب يرتفع للدماغ ،فيغطي على معادن الفكر،وربما تعدى إلى معادن الحس،فتظلم عينيه حتى لا يرى بعينيه ". مختصر منهاج القاصدين ( 179)
وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من هذا الخلق الذميم ، فكرر الوصية ثلاث مرات للرجل الذي طلب منه أن يوصيه، فقال له :"لا تغضب "رواه البخاري (5756) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- :" قال ابن التين :جمع صلى الله عليه وسلم في قوله (لا تغضب) خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين". فتح الباري(10/520)
فيا من يسر الله له الحج إلى البيت الحرام، احرص يسر الله أمرك على العمل بهذه النصائح، لأنها تنفعك في حجك وتزيد من أجرك وترفع قدرك عند ربك بإذن خالقك جل جلاله.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وبصفاته العليا أن يحفظ حجاج المسلمين ويتقبل حجهم وييسره لهم ،ويردَّهم لأهلهم سالمين غانمين فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



أبو عبد الله حمزة النايلي