المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المغانم ... يا أصحاب العزائم !!



أهــل الحـديث
15-10-2012, 09:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم






المغانم ... يا أصحاب العزائم !!

كتبتها

أم عبد الرحمن بنت خليل




الحمد لله الذي رتّب على حج بيته الحرام كل خير جزيل، وجعل قصده من أجلّ القربات الموصلة إلى ظلِّه الظليل، ويسّر أسبابه وهوَّن الوصول إليه والسبيل، وسهَّله بلطفه وكرمه غاية التسهيل.

وأشهد أنْ لا إله إلا الله الملك الجليل، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أكمل الخلق في كل خلق جميل، اللهم صلِّ وسلّم على محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين، لهم في كل عمل نبيل.

أمّا بعد، أخي الكريم، إنْ لم نكن في الركب الذي توجّه قاصداً أشرف أرض، فاعلم أنّ بين جنبيك أرضاً لو طهّرتها لأشرقت بنور ربِّها، فكم من واصلٍ ببدنه إلى البيت، وقلبُه منقطعٌ عن ربِّ البيت، وسير القلوب أبلغ بكثير من سير الأبدان.

إنْ لم نكن ممّن ناداهم الرحمن لحجِّ بيته هذا العام، وأداء مناسك الإحرام والركوع والسجود في المسجد الحرام، فاعلم أنّ الذي ناداك هو الذي أبقاك.

وإنْ هو عبَدَ واجتهد، وجاهد نفسه على ترك دنياه وأهله وماله، تلبيةً لله عزّ وجلّ، فأنتَ هنا في بيتك مع أهلك ومالك، قد حُبِسْتَ وأُحْصِرتَ، فجهادكَ لنفسكَ هو الجهادُ الأكبر، ومحاسبتها لكل صغيرةٍ وكبيرةٍ تلبيةً لنداءِ ربِّك بدخول الجنة.

وإنْ أبعدتك المسافةُ وقلَّةُ ذات اليد عن البيت، فاعلم أنَّه لا أحد يملك أنْ يبعدكَ عن ربِّ البيت، الذي هو أقرب إليك من حبل الوريد.

فلا تحزن أخي لفوات المحبوب، ولا تحزن لعدم رفع يديك على جبل الرحمة في عرفة؛ امسح دموعك واجعلها دموع التوبة والندامة، ولا تبعد نفسكَ عن رحمته بالذنوب والخطايا.

فالحمد لله، لا تزال كل يومٍ تشرق الشمسُ صباحاً، ولا يزال الليل يأتي مساءً ليجتهد المؤمن في جوفه، وفي الثلث الأخير ليرفع يديه؛ فالموعد باقٍ: كل ليلة ينزلُ اللهُ إلى السماء الدنيا، كما يتجلَّى على عباده يوم عرفة ليباهي بهم الملائكة، فالمستغفر هناك سيغفر له، من يسمع المستغفر هنا والداعي هناك، سيجيبه من يجيب دعوة الداعي هنا؛ فربُّ عرفات هو ربُّ الأماكن والأوقات، هنيئاً لنا بالله السميع العليم، يعلم السرَّ وأخفى، ويعلم المستخفي بالليل والسارب بالنهار.

هنيئاً لنا برسوله صلى الله عليه وسلّم الذي يعلم شوق أمّته لمكّة وطيبة، ويعلم أنَّ فيها القادر والعاجز، والصادق والمنافق؛ اسمع لِما قاله صلى الله عليه وسلّم عندما قال له فقراء الصحابة: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ صلى الله عليه وسلّم: (( أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ )). متفقٌ عليه.

دلَّهم على الخير، الله أكبر! الذِّكر هو ذاك الخير، لأنَّ الكثير لا يستطيع الحج، أفيُحرم أجرهُ؟! لأنَّ الكثير لا يستطيع التصدّق بالمال، أفيُحرَم فضله؟! لأنّ الكثير لا يستطيع الجهاد، أفيُحرَم نفعه؟!

لا! لا يُحرم، فاللهُ أعلمُ بخلقه، خافوا من فوات المحبوب، خافوا أن يسبقهم الأغنياء إلى الخير، وهم الذين أدركوا معنى قول الله تعالى: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } ( آل عمران، 133 ).

فهموا من ذلك - رغم فقرهم - أنَّ الخطاب للجميع، إذاً كيف والأغنياء معهم ما يساعدهم على هذا السِّباق؟!

سألوا النبي صلى الله عليه وسلّم، فكانت الإجابة برداً وسلاماً، المطلوب إذاً أن يجتهد كلّ واحدٍ منهم، فالآن يستطيعون المشاركة: السابق والمسارع إلى هذه الدرجة العالية هو الفائز.

هذا شأنُ الصحابة، كان أحدهم إذا رأى من يعمل عملاً يعجز عنه، خَشِيَ أن يكون ذلك العمل هو السابق له، فيحزن لفوات سبقه؛ وكان تنافسهم في درجات الآخرة واستباقهم إليها، كما قال تعالى: { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } ( المطففين، 26 )؛ ثم جاء مَن بعدهم فعكس الأمر، فصار تنافسهم في الدنيا الدنيّة وحظوظها الفانية.

وما نراه اليوم في بلادنا وبلاد المسلمين، ليس ببعيد عن هذا التنافس المذموم، لأنّهم فهموا عكس ما فهم الصحابة، فضلُّوا وأضلُّوا ؛ لكنّنا نقولها عاليةً مدوِّيةً: لا تزال هذه الأمّة على خير، لا يزال هناك من يعبد الله بحقّ، ويتَّبع سُنَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلّم؛ لا يزال من يعتقد - رغم كل الشعارات والهتافات والتكالب على الدنيا - : أنَّ هناك مُثُلاً عُلْيا وشعارات، هي أهم وأعلى شأناً من تلك التي اخترعها الإنسان.

لنا شعار: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا، فنافسه في الآخرة.

إنِ استطعتَ أنْ لا يسبقك أحد إلى الله فافعل، من أجل تطبيق هذا الشعار، وتصديقاً لِما جاء في القرآن، واتّباعاً لِما قاله النبي صلى الله عليه وسلّم، سنُذَكِّرُ بعضنا بعضاً بما يجب علينا فعله في هذه الأيام المباركات؛ فالحجيج قد غادر، ومكّة فتحت أبوابها، والمسجد يغُصُّ بالمصلِّين، ونحنُ هنا ماذا سنفعل؟!

حتى لا نكون مثل أولئك الذين لا يعرفون أننا قادمون على أفضل أيام، أقسَمَ بها اللهُ عزَّ وجلَّ حين قال: { والفجر، وليالٍ عشر } ( الفجر، 1 - 2 )، لشرفها وأهمّيتها؛ حتى لا نكون مثل تلك العقول التي أنامتها الغفلة، وأضاعتها شهواتها وحبّها للدنيا، لا تتذكّر ولا تفيق إلّا على تكبيرات العيد تصدح من مآذن البلد! ها هو العيد قد أقبل، وقد انقضت أيام ذي الحجة العشر العظيمة، ولَّت كما تولِّي الأيام.

يجب علينا أن ندرك فضل هذه الأيام، فاللهُ الذي خلق الأرض، واختار منها مكة، وهي أحبّ البلاد إليه، وخلق الأيام، واختار من أشهُرِها رمضان، ومن أيامِها يوم الجمعة، ومن لياليها ليلة القدر، ومن ساعاتِها ساعة الجمعة، هو الذي اختارَ من عشرها عشر ذي الحجّة، ليعيش المؤمن مباركاً في العمل، وفي الزمن.

روى البخاريُّ والترمذيُّ من حديث ابن عباس، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ))، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء )).

فاسمع يرعاك الله! تحضَّر لها - أي تلك الأيام - وانتظِرْها بشوقٍ ولهفة، كما ينتظر المؤمن شهر الصيام من عامٍ إلى عام، لينال رحمة الله ومغفرته.

اعقد النية بقلبك أنّك ستقضي هذه الأيام طاعةً وعبادةً، وتوبةً وبُعداً عن المعاصي، سائلين اللهَ عزَّ وجلَّ أن تستمرّ أيامنا دائماً هكذا، إلى أنْ يأتينا اليقين.

بادرْ بالتوبة من أعمالك، التي طالما ظَلْتَ عليها عاكفاً طوال أيّامك، أعمالك التي تغضب ربّك، وردِّدْ: اللهمّ زيِّن الإيمان في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان؛ فالتوبة بيدِ الله، لذلك تضرَّعْ إليه أن يتوبَ عليكَ لتتوب، { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ( التوبة، 118 ).

اجعلْ لسانك رطباً من ذكر الله، كان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهم إذا دخلت عشر ذي الحجّة يخرجان إلى السوق يكبِّران، كلٌّ بأعلى صوته، فإذا سمع الناس تذكّروا التكبير فكَبَّروا.

صَلِّ صلاة الليل التي كان يواظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إحدى عشرة ركعة، واسجدْ طويلاً في الثلث الأخير، ورأسك على الأرض؛ تدعو بين يديّ ربّك، فأنتَ أقرب ما تكون في هذا السجود الخاضع الذليل، المنكسر بين يديّ عظمة الخالق.

اقرأ القرآن، فإنّه من أفضل الذكر، ليكُنْ لك ختمة في هذه الأيام المباركة، فكم نحن هاجرناه؟! وكيف نهجره وفيه الهدى لنفرّق به بين الحقّ والباطل؟!

فيه الرحمة: التي أحوج ما نحتاجها في ظروفنا هذه.

فيه البركة: التي كثيراً ما نفقدها في رزقنا وأهلنا ووقتنا.

فيه التأثير والشفاء لكثير من الأمراض الجسدية والقلبية، ولذلك؛ الضياع الذي يعيشه أبناؤنا وإخواننا، جرّاء هجر القرآن.

أكْثِرْ من النوافل بعد الصلوات المكتوبات ( احْرِصْ على صلاتك في المسجد مع الجماعة، فإنها واجبة على من يسمع الأذان )، وهي اثنتا عشرة ركعة: أربعاً قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العِشاء، وركعتان قبل الفجر، من واظب عليها بُنِيَ له بيتٌ في الجنة.

صلِّ الضحى: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( يصبحُ على كلِّ سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى )). رواه مسلم.

فالمحافظة على هذه النوافل سبب من أسباب محبّة الله، ومن نال محبَّة الله حفظهُ وأجابَ دُعاءه وأعاذه ورفع مقامه.

أكْثِرْ من الصيام، والصومُ من أقربِ ما يتقرَّب به المرءُ إلى ربِّه، فكيف بمثل تلك الأيام؟! وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )). متفق عليه.

صُمْ يوم عرفة، ففيه الأجر العظيم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( صيام يوم عرفة: أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده )). رواه مسلم.

لا تبخل بالصدقة ولو بالقليل، يقول الله تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ( البقرة، 275 )، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( ما نقصت صدقة من مال )). رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: (( والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار )). ( رواه الترمذي ( 2616 )، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 2110 ) ).

وفي الصدقة إحسانٌ للناس، وإظهار المحبّة والمودّة والترابط، وكما قيل:


أحْسِنْ إلى الناس تستعبد قلوبهم .......... فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ


عامِلْ والدَيكَ وأهلك وإخوانك بالإحسان والرفق، واللين والخلق الطيب، فإنها من العبادة والطاعات التي أمرنا الله بها عزَّ وجلَّ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَن لا يرحم الناس، لا يرحمه الله )). متفق عليه.
وانظر كم نحن بحاجة إلى رحمة الله عزَّ وجلَّ.

أيضاً وأنتَ في بلدك، تستطيع مشاركة الحاج في إعداد الهدي، ففي الحديث: (( إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحِّي، فلا يمسَّ من شعرِه وبشرِه شيئاً ))، كما روت أمُّ سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم.

فإنْ كنتَ مستطيعاً، فلا تتأخّر بإعداد الأضحية، ففيها إسعاد قلوب المساكين، وإدخال السُّرور على بيوتهم وعلى أولادهم، وتآلف المسلمين، والخير الكثير.

وأخيراً، احرصْ على شهود صلاة العيد، وسماع الخطبة والخير، والحمد وشكر ربّ العباد، وتهنئة الأهل والأصحاب بقول: (( تقبّل الله منّا ومنكم ))، سائلين الله عزّ وجلّ أن يكون العيد حقيقةً يوماً يغفر الله لنا فيه، ويجعلنا فيه من أهل الجنان سويًّا، اللهمّ آمين.


ليس العيد لمن لبس الجديد ....... إنما العيد لمن طاعته تزيد
ليس العيد لمن تجمّل باللباس والمركوب ....... إنما العيد لمَن غُفِرَت له الذنوب

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.