المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قد جاءتكم أيام معدودات فتزودوا فيها من الطاعات



أهــل الحـديث
15-10-2012, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان قد جاءتكم أيام يعدودات فتزودوا فيها من الطاعات لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم



بسم الله الرحمن الرحيم



قد جاءتكم أيام معدودات فتزودوا فيها من الطاعات

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن المؤمن من إذا مرت به مواسم تُضاعف فيها الحسنات و تُكفَّر فيها السيئات أكثر من التزود فيها بالخيرات لرفع الدرجات ومحو آثار الذنوب و السيئات ، لأنه يعلم أن الأعمار تمضي و الساعات تنقضي وقد لا يوفق لإدراكها في العام القادم.
أيها الكرام إننا نشاهد حرص بعض التجار من المسلمين على استقبال الشهور التي يَزدهر فيها بيعهم و يكثر فيها ربحهم ويتهيئون لها قبل دخولها بوقت طويل، كمواسم الأعياد و الصيف و دخول المدارس و غيرها من الأوقات التي هي مظنة الربح الدنيوي !فكيف لا يحرص المؤمن و يتهيأ لأيام فاضلة، الربح فيها مضمون بإذن الله ، و العمل فيها ينفع صاحبه يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؟!
ومن تلك الأوقات الفاضلة التي تمر بالمؤمن ويجب عليه الاستعداد لها واغتنامها و عدم تضيعها ، العشر من ذي الحجة ، التي أقسم الله بها في كتابه العزيز تعظيما لشأنها وتنبيها على فضلها،قال جل وعلا(والفجر(1)و ليال عشر )[الفجر 1-2]
وقد اختلف العلماء هل الأيام المقسم بها في هذه الآية هي ليالي العشر من رمضان، أو هي العشر من ذي الحجة ؟
والذي عليه أكثر أهل التفسير أنها العشر من ذي الحجة ،قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : "وهو الصحيح " (4/507)
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- : "وفي أيام عشر ذي الحجة ، الوقوف بعرفة الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة ، يحزن لها الشيطان فإنه ما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة لما يرى من تنزل الأملاك والرحمة من الله لعباده ،ويقع فيها كثير من أفعال الحج والعمرة، وهذه أشياء معظمة مستحقة أن يقسم الله بها" .تفسير السعدي ( ص923)
لقد امتازت هذه الأيام المباركة أيها الكرام عن غيرها باجتماع الكثير من الأعمال الصالحة والعبادات فاضلة فيها .
يقول الحافظ ابن حجر –رحمه الله- : "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره ". فتح الباري ( 2/460)
ومن كرم الباري سبحانه وجوده أيها الأفاضل على عباده المؤمنين أن يسر لهم الاستفادة منها و الإكثار من الخيرات فيها كل بحسب استطاعته وقدرته .
يقول الحافظ ابن رجب –رحمه الله- : "لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرا على مشاهدته في كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره ، وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج". لطائف المعارف ( ص272)
أيها الأحبة إن من أحب الأعمال الصالحة عند الله سبحانه وتعالى ما كان في هذه الأيام الفاضلة، فعن عبد الله بن عباس –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعني : العشر قالوا : يارسول الله و لا الجهاد في سبيل الله ؟! قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء". رواه البخاري (969)
فعلينا أن نحرص عليها وأن لا نفرط فيها فهي ليست كباقي الأيام،ولنكثر فيها بما يقربنا إلى الله جل جلاله ومن أهم الأعمال:
1-الحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا خاصة لمن لم يحج من قبل، لما جاء في فضل هذا الركن العظيم من أجر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال صلى الله عليه وسلم :" و الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ". رواه البخاري (1683) ومسلم ( 1349)
وليحرص من وُفق لقصد بيت الله الحرام أن يكون عمله خالصا لوجه الله ، وليبتعد عن كل ما يَخرم حجه و ينقص أجره من اللغو و الرفث فإن ذلك ينافي الحج المبرور ، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- :"من حَجَّ لِلَّهِ فلم يَرْفُثْ –الفحش في القول- ولم يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ". رواه البخاري (1449) و اللفظ له، و مسلم (1350)
2-الإكثار من الصيام اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم واتباعا لسنته ، فالصيام يدخل في جنس الأعمال الصالحة بل هو من أفضلها ،ولهذا أضافه الله لنفسه لتعظيم شأنه و رفع منزلته ، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله: كُلُّ عمل بني آدَمَ له إلا الصيامَ فإنه لي وأنا أَجْزِي به ". رواه البخاري (1805) و اللفظ له، و مسلم (1151)
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذه الأيام ،فعن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر . أول اثنين من الشهر وخميسين " .رواه أبو داود (2437) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- .
قد يقال أيها الأحبة أن هذا الحديث يعارضه ما جاء عند مسلم ( 1176) من حديث عائشة –رضي الله عنها – أنها قالت :" ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط ".
فالجواب :
قال الإمام البيهقي بعد أن ساق الحديثين :" و المثبت – أي ما جاء في إثبات الصيام- أولى من النافي مع ما مضى من حديث ابن عباس (رضي الله عنه) – يعني بذلك الحديث الذي جاء في عموم فضل العمل الصالح ومنها الصيام". السنن الكبرى( 4/285)
وقال الإمام النووي –رحمه الله- :"قال العلماء هذا الحديث –أي حديث عائشة (رضي الله عنها) مما يوهم كراهة صوم العشر والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة، قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحبابا شديدا لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة وقد سبقت الأحاديث في فضله وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه يعنى العشر الأوائل من ذي الحجة"، فيتأول قولها لم يصم العشر أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائما فيه ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر ".الشرح على صحيح مسلم ( 8 /72)
أما يوم عرفة فصيامه لغير الحاج مستحب و ينبغي على كل مسلم أن لا يضيعه لما فيه من الأجر عظيم والفضل كبير، لهذا خصه صلى الله عليه وسلم بذكر وحث على صيامه وذكر الأجر المترتب على ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم:" صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ". رواه مسلم ( 1161) من حديث أبي قتادة الأنصاري –رضي الله عنه- .
3-كثرة الذكر و الجهر بالتكبير المطلق الغير جماعي للرجال أما المرأة فتخفيه، وللأسف فإن التكبير في هذا الزمان، أصبح من السنن المهجورة فلا يفعله إلا القليل ، و الله المستعان ، بخلاف ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة و التابعين (رضوان الله عليهم ) ، قال الإمام البخاري –رحمه الله-:"كان ابن عمر ، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران و يكبر الناس بتكبيرهما ", صحيح البخاري ( 2/457)
4-الأضحية وهي سنة مؤكدة خاصة في حق ذوي اليسار فينبغي إحياء هذه الشعيرة تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس –رضي الله عنه- قال :"ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين – فيه بياض وسواد- أقرنين ذبحهما بيده وسمى ". رواه البخاري (5420) و اللفظ له، ومسلم (1966) وكلما كانت أعلى قيمة كانت أكثر أجرا بإذن الله ، وعلى من يضحي إذا دخل العشر أن لا يأخذ شيئا من شعره أو ظفره إلى أن يذبح لحديث أم سلمة –رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من كان له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فإذا أُهِلَّ هلال ذي الحجة، فلا يَأخذنَّ من شَعْرِهِ، ولا من أظفاره شيئا حتى يُضَحِّيَ". رواه مسلم (1977)
فهذه أهم الأعمال الصالحة أيها الأحبة التي يبغي على كل مسلم أن يحرص عليها ويسعى في تحقيقها ويبذل جهده في ذلك.
وله كذلك أن يكثر من أعمال البر الأخرى كالصدقة وصلة الرحم وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي تنفعه بإذن الله ، وتكون سببا في رفع درجاته عند الله جل و علا .
وفي الختام أيها الكرام قد تتساءلون زادكم الله حرصا بعد أن عرفتم فضل هذه الأيام المباركات ، عن أيهما أفضل، هذه الأيام، أو العشر الأواخر من رمضان ؟
فيجيبنا شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- فيقول ::" أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر في رمضان ، و الليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة ". مجموع الفتاوى (25/287)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لاغتنام هذه الأيام المباركات ويتقبل منا سائر الطاعات، ويجنبنا سائر الشرور و المحرمات ،فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله