المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رضى الخلق لا مقدور ولا مأمور ولامأثور (ابن القيم)



أهــل الحـديث
14-10-2012, 05:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال رحمه الله في مدارج السالكين في منزلة الخلق

وهذا معروف بالتجربة الخاصة والعامة
فإنه ما آثر عبد مرضاة الله عز و جل على مرضاة الخلق وتحمل ثقل ذلك ومؤنته وصبر على محنته : إلا أنشأ الله من تلك المحنة والمؤنة نعمة ومسرة ومعونة بقدر ما تحمل من مرضاته فانقلبت مخاوفه أمانا ومظان عطبه نجاة وتعبه راحة ومؤنته معونة وبليته نعمة ومحنته منحة وسخطه رضى فيا خيبة المتخلفين ويا ذلة المتهيبين

هذا وقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته : أن يسخط عليه من آثر رضاه ويخذله من جهته ويجعل محنته على يديه فيعود حامده ذاما ومن آثر مرضاته ساخطا فلا على مقصوده منهم حصل ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل وهذا أعجز الخلق وأحمقهم

هذا مع أن رضى الخلق : لا مقدور ولا مأمور ولا مأثور فهو مستحيل بل لا بد من سخطهم عليك فلأن يسخطوا عليك وتفوز برضى الله عنك أحب إليك وأنفع لك من أن يسخطوا عليك والله عنك غير راض فإذا كان سخطهم لابد منه على التقديرين فآثر سخطهم الذي ينال به رضي الله فإن هم رضوا عنك بعد هذا وإلا فأهون شيء رضى من لا ينفعك رضاه ولا يضرك سخطه في دينك ولا في إيمانك ولا في آخرتك فإن ضرك في أمر يسير في الدنيا فمضرة سخط الله أعظم وأعظم وخاصة العقل : احتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما فوازن بعقلك ثم انظر أي الأمرين وأيهما خير فآثره وأيهما شر فابعد عنه فهذا برهان قطعي ضروري في إيثار رضي الله على رضى الخلق
هذا مع أنه إذا آثر رضى الله كفاه الله مؤنة غضب الخلق وإذا آثر رضاهم لم يكفوه مؤنة غضب الله عليه

قال بعض السلف : لمصانعة وجه واحد أيسر عليك من مصانعة وجوه كثيرة إنك إذا صانعت ذلك الوجه الواحد كفاك الوجوه كلها

وقال الشافعي رضي الله عنه : رضى الناس غاية لا تدرك فعليك بما فيه صلاح نفسك فالزمه

ومعلوم : أنه لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضى ربها ومولاها على غيره

ولقد أحسن أبو فراس في هذا المعنى إلا أنه أساء كل الإساءة في قوله إذ يقوله لمخلوق لا يملك له ولا لنفسه نفعا ولا ضرا :
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين ... وكل الذي فوق التراب تراب

انتهى بلفظه ج2ص302