المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما أروع هذا الخلق الكريم في المؤمن !



أهــل الحـديث
13-10-2012, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان ما أروع هذا الخلق الكريم في المؤمن لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم




بسم الله الرحمن الرحيم



ما أروع هذا الخلق الكريم في المؤمن !

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن مما يتميز به المؤمن عن غيره من الناس تحليه بالمكارم الجميلة و الآداب الرفيعة ، وهذه الأخلاق الفاضلة التي وفقه الله للاتصاف بها قد تكون جبلية فيه أو قد يكتسبها ببذله للأسباب المعينة على تحصيلها وذلك بغرس الفضائل في النفوس وسقيها بماء النصح، و إن كان الخلق الجبلي أفضل من المكتسب.
قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:"الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعا وتكون تطبُّعًا،ولكن–بلا شك- الطبع أحسن من التطبع،لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعيا صار سجية للإنسان وطبيعة له،لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف، ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة،ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء،ومن حرم هذا– أي الخلق عن سبيل الطبع-فإنه يمكنه أن يناله عن سبيل التطبع،وذلك بالمرونة و الممارسة".مكارم الأخلاق للشيخ ابن عثيمين( ص13)
ومن أرقى الخصال وأرفعها أيها الأحبة الكرام خلق يحبه الله، و رسوله وكل المؤمنين ألا وهو " الحلم" .
قال نبينا صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس –رضي الله عنه- :"إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم و الأناة –عدم العجلة- " ، قال : يا رسول الله ، أهما خلقان تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما ؟، قال :" بل جبلك الله عليهما " فقال : (الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله ) رواه الترمذي ( 3422) من حديث علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- و صححه الشيخ الألباني –رحمه الله-
كيف لا يحب الله جل وعلا خلق الحلم ؟! ومن أسمائه الكريمة اسم الحليم ومن صفاته العظيمة صفة الحلم، فحلمه سبحانه كامل ليس كحلم المخلوقين،حيث وسع السماوات و الأرض، ووسع الكافر و الفاسق، حيث أمهلهم ليتوبوا و لم يُعاجلهم بالعقوبة مع أنه جل جلاله قادر عليهم ، لو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها .
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- : "وسبحان الحليم ، الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة ، بل يعافيهم ويرزقهم ، كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم ". تفسير السعدي (ص 790 )
إن من رزقه الله جل جلاله هذا ا الخلق الكريم فقد فاز بحظ عظيم من رب رحيم ، وكان قدوته في ذلك الأنبياء و الصحابة و الصالحين ، قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام ( إن إبراهيم لأواه حليم) [ التوبة:114]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"( إن إبراهيم لأواه ) أي : رجاع إلى الله في جميع الأمور ، كثير الذكر والدعاء والاستغفار والإنابة إلى ربه ( حليم ) أي : ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات ، لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه ، فأبوه قال له : ( لأرجمنك ) وهو يقول له : ( سلام عليك سأستغفر لك ربي ) ،فعليكم أن تقتدوا به ، وتتبعوا ملة إبراهيم في كل شيء ".تفسير السعدي (ص353 )
ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من أحلم الناس و أحسنهم أخلاقا،فعن أنس-رضي الله عنه- قال:"كنت أَمْشِي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ – أي ثوب- غَلِيظُ الحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جذبه شَدِيدَةً حتى نظرت إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبي صلى الله عليه وسلم قد أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ من شدَّة جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قال مُرْ لي من مال الله الذي عندك فالتَفت إليه فَضَحِكَ ثم أمر له بعطاء ".رواه البخاري (5472) و اللفظ له، ومسلم (1075 )
قال العيني-رحمه الله-:"وفيه:لطف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وكرمه ، وأنه لعلى خلق عظيم" . عمدة
القاري (15/73)
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"فانظر إلى هذا الخلق الرفيع؛ لم يوبِّخه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يضربه، ولم يكهر – أي لم ينتهره برفع الصوت عليه- في وجهه ، ولم يعبس؛ بل ضحك صلى الله عليه وسلم ومع هذا أمر له بعطاء، ونحن لو أن أحداً فعل بنا هذا الفعل ما أقررناه عليه؛ بل لقاتلناه، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4) ، فإنه التفت إليه وضحك إليه، وأعطاه العطاء ، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون ذا سعة، وإذا اشتد الناس أن يسترخي هو". شرح رياض الصالحين (3/607)
وكذلك أصحابه رضوان الله عليهم بعده،وممن كان يضرب المثل بحلمه وعفوه عن الناس ، معاوية –رضي الله عنه-، ومما يروى عنه-رضي الله عنه-أن رجلا أسمعه كلاما سيئا شديدا،فقيل لمعاوية –رضي الله عنه-: لو سطوت عليه ، فقال :"إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي". البداية و النهاية ( 8/145)
وكذلك مما كان يضرب به المثل في الحلم و السؤدد الأحنف بن قيس التميمي –رحمه الله- (72 هـ)، فمما يروى عنه أن رجلا خاصمه ، فقال :" لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا" فقال الأحنف –رحمه الله- :" لكنك إن قلت عشرا لم تسمع واحدة". سير أعلام النبلاء للذهبي ( 4/93)
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- : "هذا خُلُقٌ من ظفر به وحازه فقد فاز بالحظ العظيم، وأن لصاحبه عند الله المقامات العالية والنعيم المقيم". تيسير اللطيف المنان ( ص222)
قد تتساءلون أيها الكرام زادكم الله حرصا عن معنى هذا الخلق الكريم بعد أن عرفتم أنه من صفات رب العالمين، ومن سمات الأنبياء و الصالحين ؟ وعن أهم الأسباب المعينة على التحلي بهذا السلوك القويم إذا لم يكن جبلة فيه؟
يقول الراغب الأصفهاني-رحمه الله- فيقول:"الحلم ضبط النفس و الطبع عن هيجان الغضب".المفردات ( ص129)
أما الوسائل المعينة بإذن الله على كسب هذا الخلق العظيم ، فمن أهمها :
1-سؤال الله جل و علا التوفيق لهذا الخلق الكريم. 2- مجاهدة النفس و تربيتها على التحلي به.
3- ذكر ثواب الحلم وثمرته ووزر الغضب وعاقبته. 4-مصاحبة من كان هذا خلقه و قراءة تراجم من اشتهر به.
لكن مما ينبغي أن نعلمه أيها الأحبة أن الحليم ليس هو من ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أو رضي بالذل و الهوان ، وإنما الحليم من كان همه الإصلاح و ابتعد عن الغضب المذموم الذي لم يكن بسب انتهاك حرمات الله ، وترك الانتصار لذاته وترفع عن شتم الناس ونزه نفسه عن عيبهم ومقابلة السيئة بالسيئة.
ولنتيقن أن الحلم ما يزيد صاحبه إلا رفعة وشرفا ومحبة في قلوب الناس ، قال معاوية –رضي الله عنه- : " ما وضع الحلم عن شريف شرفه ، ولا زاده إلا كرما ، وقال :لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته ، ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم. البداية و النهاية ( 8/135)
فما أحوجنا جميعا للتحلي بهذا الخلق الجميل مع الآخرين ، فيكون الحلم في معاملة الحكام مع المحكومين، و الدعاة مع المدعوين ، والمسئولين مع الموظفين، و الكبار مع الصغار ، و الآباء مع الأبناء، والأزواج مع الزوجات ، وأهل البيوت مع خدمهم .
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا و إياكم محاسن الأخلاق ومكارمها ومنها الحلم ، و يُبعد عنا شرورها ومساوئها ومنها الغضب ، فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير .


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النائلي