المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رفع الحرج مقصد شرعي



أهــل الحـديث
12-10-2012, 09:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي رفع عنا الآصار والحرج وجعل مع الكرب الفرج وجعل مع العسر يسرا
(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ) ولمّا كان رفع الحرج عن الناس من مقاصد الشريعة الغراء فلابد من مراعات هذا المقصد وخاصة عند تزاحم الأحكام الشرعية والتي تكثر كلما ابتعد الناس عن منهاج وزمن النبوة ،وكذلك من باب ربط الجزئيات بالكليات فمتى ما حصل الحرج في جزئية جاءت النصوص بالرخص ورفع الحرج وأذكر في كلامي هنا ما يتعلق في باب الجهاد في سبيل الله خاصة.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال اذبح ولا حرج فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج.
وروى البخاري عن الأزرق بن قيس قال كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلى فرسه فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها ثم جاء فقضى صلاته وفينا رجل له رأي فأقبل يقول انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس ، فأقبل فقال ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن منزلي متراخ فلو صليت وتركت فرسي لم آت أهلي إلى الليل وذكر أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم فرأى من تيسيره))
وقد أخرج البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صصص:" مَن لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله " فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، أتحبُّ أن أقتله ؟ قال:" نعم "، قال: فأذنْ لي أن أقول شيئاً، قال:" قلْ "، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقةً، وإنه قد عنَّانا، وإني قد أتيتُك أستسلفُك، قال: وأيضاً والله لتملُّنه، قال: إنا قد اتبعناه فلا نحبُّ أن ندعَهُ، ننظر إلى أي شيءٍ يصير أمره، وقد أردنا أن تسلفنا وسقاً أو وسقين .. إلى آخر الحديث وفيه: فلما استمكن منه قال: دونَكم، فقتلوه ثم أتَوا النبيَّ صصصفأخبروه))

وفي مجمع الزوائد عن عبد الله بن أنيس قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني فائته فاقتله قال قلت يا رسول الله أنعته لي حتى أعرفه قال اذا رأيته وجدت له قشعريرة قال فخرجت متوشحا سيفي حتى وقعت عليه وهو بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلا وحين كان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة فصليت وأنا أومىء برأسي الركوع والسجود..))

وكذلك أمر النبيصصصنعيم بن مسعود أن يخذل عن المسلمين يوم وقعة الأحزاب..
وكان مما قاله نعيم بن مسعود لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش:
قد عرفتم ودي لكم، وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموه عني . انظر البداية والنهاية:4/13
و(قال ابن إسحاق: إن نعيما بن مسعود أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمُرْني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت فينا رجل واحد، فَخَذِّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة»البداية والنهاية4/11
(وقد يجوز في الحرب مالا يجوز في السلم). فيجوز مثلا ولبس الحرير والديباج لأهل الحرب مع حرمته في السلم،
فقد روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت ((كانت عندي للزبير ساعدان من ديباج كان النبي صلى الله عليه و سلم أعطاهما إياه يقاتل بهما )). رواه احمد
وسئل ابن تيمية رحمه الله((هل يجوز للجندى أن يلبس شيئا من الحرير والذهب والفضة فى القتال أو وقت يصل رسل العدو الى المسلمين :
فأجاب الحمد لله أما لباس الحرير ثم القتال للضرورة فيجوز باتفاق المسلمين وذلك بأن لا يقوم غيره مقامه فى دفع السلاح والوقاية وأما لباسه لإرهاب العدو ففيه للعلماء قولان أظهرهما ان ذلك جائز فان جند الشام كتبوا الى عمر بن الخطاب انا إذا لقينا العدو ورأيناهم قد كفروا أى غطوا اسلحتهم بالحرير وجدنا لذلك رعبا فى قلوبنا فكتب اليهم عمر وأنتم فكفروا أسلحتكم كما يكفرون أسحلتهم ولأن لبس الحرير فيه خيلاء والله يحب الخيلاء حال القتال كما فى السنن عن النبى انه قال:
ان من الخيلاء ما يحبه الله ومن الخيلاء ما يبغضه الله فأما الخيلاء التى يحبها الله فاختيال الرجل ثم الحرب وعند الصدقة أما الخيلاء التى يبغضها الله فالخيلاء فى البغى والفخر ولما كان يوم أحد اختال ابو دجانة الانصارى بين الصفين فقال النبى انها لمشية يبغضها الله الا فى هذا الموطن)) شرح العمدة

وذكر ابن حجر في شرح حديث ((الحرب خدعة ))
((وأصل الخدع إظهار أمر و إضمار خلافه وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار وأن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه قال النووي واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن الا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز قال ابن العربي الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث وهو كقوله الحج عرفة قال بن المنير معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر وذكر الواقدي أن أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة في غزوة الخندق))الفتح .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:(( ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع الذي كمل ظهوره في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما شرعه الله من مخالفة الكافرين ومفارقتهم في الشعار والهدى وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك ,ومثل ذلك اليوم لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهرلماعليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة,فأما في دارالإسلام والهجرةالتي أعزالله فيها دينه وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية ففيها شرعت المخالفة))الاقتضاء.
وقال رحمه الله( كما لو جاء جيش كفار ولا يمكن دفع شرهم عن المسلمين إلا بلبس ثيابهم فدفعهم بلبس ثيابهم خيرمن ترك الكفار يجولون في خلال الديار خوفا من التشبه بهم في الثياب) كتاب الدرء.
ولما اشتد الخطر بموسى ومن معه أمرهم الله أن يصلوا في بيوتهم(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) وذكرالله القبلة وأراد بها الصلاة.
وقد ذكر ابن كثير في حصار عكا في المعركة التي جرت بين الصليبيين والجيش الإسلامي بقيادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله .

((وكان (صلاح الدين)(لما أراد رفع الحصار عن الجيش الإسلامي في عكا قد أمر من في السفن من التجار أن يلبسوا زي الفرنج حتى أنهم حلقوا لحاهم وشدوا الزنانير واستصحبوا في السفينة معهم شيئا من الخنازير وقدموا بها على مراكب الفرنج فاعتقدوا أنهم منهم...والحرب خدعة ))البداية والنهاية.
فانظر أخي لقد حلقوا لحاهم وشدّو الزنانير وحملوا الخنازير وكل هذا مما حرم الله تعالى, لكنه جاز لمصلحة الجهاد, والحرب خدعة لك أو عليك ,فكن فطناً ذكياً ولاتكن مغفلاً ولقمةً سائغة للعدو,فإن الله تعالى قال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)

وعند فتح مكة أمر صلى الله عليه وسلّم بالإفطار في نهار رمضان ليتقووا على الجهاد.
يقول ابن القيم((وكان يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله فلو اتفق مثل هذا الأمر وكان في الفطر قوة لهم على لقاء عدوهم فهل لهم الفطر فيه قولان أصحهما دليلا أن لهم ذلك وهو اختيار ابن تيمية وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهرة دمشق...ولأن الله تعالى قال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة والنبي قد فسر القوة بالرمي وهو لا يتم ولا يحصل به مقصوده إلا بما يقوي ويعين عليه من الفطروالغذاء ولأن النبي قال للصحابة لما دنوا من عدوهم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم وكانت رخصة ثم نزلوا منزلا آخر فقال إنك مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا) زاد المعاد .
وقال ابن حجر على قول البخاري باب الكذب في الحرب((قال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة(الحرب وبين الزوجين والصلح) لكن التعريض أولى وقال ابن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه)) فتح الباري.

وفي قصة الحجاج بن علاط رضي الله عنه في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، واخباره(كذباً) لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين(من أجل تخليص ماله)

يقول ابن القيم (( وسأله (صلى الله عليه وسلم) الحجاج بن علاط فقال إن لى بمكة مالا وإن لي بها أهلا وأريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك أوقلت شيئا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء ذكره أحمد , وفيه دليل على أن الكلام إذا لم يرد به قائله معناه إما لعدم قصده له أولعدم علمه به أو أنه أراد معناه لم يلزمه مالم يرده بكلامه وهذا هو دين الله الذي أرسل به رسوله ولهذا لم يلزم المكره على التكلم بالكفر الكفر ولم يلزم زائل العقل بجنون أونوم أوسكر ما تكلم به ولم يلزم الحجاج ابن علاط حكم ما تكلم به لأنه أراد معناه ولم يعقد قلبه عليه وقد قال تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان وفي الاية الاخرى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم فالاحكام في الدنيا والاخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه وأراده من معنى كلامه)إعلام الموقعين4/322
وقال في زاد المعاد((ومنها: جوازُ كذب الإنسانِ على نفسه وعلى غيره، إذا لم يتضمَّن ضرَر ذلك الغير إذا كان يُتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجَّاحُ بن عِلاط على المسلمين، حتى أخذَ مالَه مِن مكة مِن غير مضرَّة لحقت المسلمين من ذلك الكذب))ج3/182

وقال ابن حجر((باب صلاة الخوف رجالا وركبانا قيل مقصوده أن الصلاة لا تسقط عند العجزعن النزول عن الدابة ولا تؤخر عن وقتها(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَاعَلَّمَكُمْ مَالَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) بل تصلي على أي وجه حصلت القدرة عليه بدليل الآية ...وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن مجاهد فإن خفتم فرجالا أو ركبانا إذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا وقد روى الطبري عن ابن عمر قال إذا اختلطوا يعني في القتال فإنما هو الذكر وإشارة الرأس قال ابن رشيد من باشر الحرب واشتغال القلب والجوارح إذا اشتغلت, عرف كيف يتعذر الإيماء, وأشار ابن بطال إلى أن عدم القدرة على ذلك يتصور بالعجز عن الوضوء أو التيمم للاشتغال بالقتال))فتح الباري

ويقول شيخ الإسلام((وكذلك فى باب الجهاد وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما فمتى احتيج الى قتال قد يعمهم مثل الرمى بالمنجنيق والتبييت بالليل جاز ذلك كما جاءت فيها السنه فى حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق وفى أهل الدار من المشركين يبيتون وهو دفع لفساد الفتنه أيضا بقتل من لا يجوز قصد قتله وكذلك مسأله التترس التى ذكرها الفقهاء فان الجهاد هو دفع فتنه الكفر فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضررعن المسلمين إلا بما يفضي الى قتل اولئك المتترس بهم جاز ذلك وأن لم يخف الضرر لكن لم يمكن الجهاد الا بما بما يفضي الى قتلهم ففيه قولان ومن يسوغ ذلك يقول قتلهم لأجل مصلحة الجهاد مثل قتل المسلمين المقاتلين يكونون شهداء.. فاذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر فى هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب فى الحقيقة وكذلك اذا اجمتع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما الا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما فى الحقيقة وان سمى ذلك ترك واجب وسمى هذا فعل محرم))20/57

فكن أخي المسلم على بينة من أمرك فيما تأتي وما تدع وليكن في علمك أن هذا الباب وخاصة التترس لايمكن أن يتكلم فيه كل أحد فهذا باب قلَّ من يعرف ضوابطه فعليك أن تتحرى وتسأل قبل أن تقدم على فعل أو ترك ,والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله إمام المجاهدين.