المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 2) هذا ما يجب على المنصوح



أهــل الحـديث
08-10-2012, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة الكرام هذه مقالة بعنوان هذا ما يجب على المنصوح لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وهي متممة لمقالة سابقها نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية كانت بعنوان هكذا ينبغي للناصح أن يكون ولقد قمت بنقلها سابقا في هذا الملتقى أيضا



بسم الله الرحمن الرحيم



2) هذا ما يجب على المنصوح

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
تقدم معنا أيها الأحبة أن على حامل راية النصح التحلي بصفات أساسية و أخلاق ضرورية كالإخلاص لله جل جلاله ، و الرفق بالمنصوح و أن تكون النصيحة في السر إلا إذا دعت المصلحة غير ذلك، مع اختيار الوقت المناسب لها حتى تقبل نصيحته و تثمر بإذن الله دعوته.
لكن لابد أن نعلم أيضا أن على المنصوح الاتصاف بآداب رفيعة وأخلاق حميدة عند سماعه للنصيحة ، حتى ينتفع بها وتؤثر فيه بإذن الله ، فمن ذلك :
1-أن يعلم أنه عبد ضعيف تعتريه النقائص و العيوب كباقي إخوانه ، فلا يرى نفسه أنه أفضل منهم مهما بلغت منزلته وعلت درجته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:" فنهى سبحانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عن نوعي الاستطالة على الخلق وهي الفخر والبغي لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر وإن كان بغير حق فقد بغى فلا يحل لا هذا ولا هذا ". اقتضاء الصراط المستقيم(1/164 )
2-أن يحمد الله على أن يسر له من يدله على فعل الخيرات و الازدياد من الطاعات و يحذره من اجتناب سائر المنكرات ومن حمده سبحانه شكر من أدلى إليه النصح والإرشاد.
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من لَا يَشْكُرُ الناس لَا يَشْكُرُ الله ".رواه الترمذي(1954)وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله-.
قال القاضي ابن العربي-رحمه الله-:"وأصل النعم من الله والخلق كله على اختلاف أنواعه وسائط وأسباب...، فالحمد خبر عن جلاله والشكر خبر عن إنعامه وأفضاله لكنه أذن سبحانه في شكر الناس لما في ذلك من تأثير المحبة والألفة و التحريض على إسداء النعمة ".عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي (8/133 )
ومن شكر الناصح أيها الكرام الإحسان إليه ومكافأته على نصحه بتقديم له ما يدخل السرور على قلبه، فإن ذلك من أسباب زيادة المحبة وتقوية الأخوة في الله ، وإذا لم يكون عند المنصوح ما يقدمه فعليه أن يكثر من الدعاء له في ظهر الغيب .
فعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صَنَعَ إليكم مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فإن لم تَجِدوا ما تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا له حتى تروا أَنكم قد كَافَأْتُمُوهُ ". رواه أبو داود (1672) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-
3- أن يرجع إلى الحق بعد أن أُرشد إليه وبُين له، ولا يتمادى في الباطل ، فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة ، وليحذر أن يكون ممن قال الله فيه ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) [ البقرة :206]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :" أي إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله وقيل له اتق الله وانزع عن قولك وفعلك وارجع إلى الحق امتنع وأبى وأخذته الحمية والغضب بالإثم ". تفسير ابن كثير ( 1/ 248)
أيها الأحبة الكرام إن لعدم قبول الحق واتباعه أسباب ينبغي على كل مؤمن أن يعلمها ليتجنبها ويحذر إخوانه منها ، حتى يَكثر الخير و يعمَّ النفع بين الناس بإذن الله ، ولقد اعتنى الإمام ابن القيم –رحمه الله- بذكر أهم هذه الأسباب ، حيث قال – رحمه الله- :" والأسباب المانعةُ من قَبُولِ الحق كثيرة جدا ، فمنها:
-الجهل به: وهذا السَّبَبُ هو: الغالب على أكثر النفوس، فإن من جَهِلَ شيئا عاداه وعادى أَهْلَهُ، فإن انْضَافَ إلى هذا السبب بُغْضُ من أمره بالحق ومعاداتُه له وحسده كان المانع من القبول أقوى، فإن انْضَافَ إلى ذلك إِلْفُهُ وَعَادَتُهُ وَمُرَبَّاهُ على ما كان عليه آبَاؤُهُ ومن يُحِبُّهُ ويُعظمُهُ قَوِيَ المانع، فإن انضاف إلى ذلك تَوَهُّمُهُ أَنَّ الحق الذي دُعِيَ إليه يَحُولُ بَيْنَهُ وبين جاهه وعزِّه وشهواته وأغراضه قوي المانع من القبول جدا.
فإن انضاف إلى ذلك خَوْفُهُ من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ازداد المانع من قبول الحق قوةً، فإن هرقل عَرَفَ الحقَّ وَهَمَّ بالدخول في الإسلام فلم يُطَاوِعْهُ قومه وخَافَهُمْ عَلَى نفسه،فاختار الكفر على الإسلام بعد ما تبين له الهدى...ومن أعظم هذه الأسباب الحسد: فإنه داء كَامِنٌّ في النفس ويرى الحاسد المحسود قد فُضِّل عليه، وأوتي ما لم يؤت نظيره فلا يَدَعُهُ الحسدُ أن ينقاد له، ويكون من أتباعه وهل منع إبليس من السجود لآدم إلا الحسد ؟! فإنه لما رآه قد فُضِّل عليه، ورُفع فوقه غُصَّ بِرِيقِهِ واختار الكفر على الإيمان بعد أن كان بين الملائكة.
وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الإيمان بعيسى ابن مريم وقد علموا علما لا شك فيه أنه رسول الله جاء بالبينات والهدى فحَمَلَهم الحسد على أن اختاروا الكفر على الإيمان وأطبقوا عليه وهم أمة فيهم الأحبار والعلماء والزهاد والقضاة والملوك والأمراء هذا وقد جاء المسيح بحكم التوراة لم يأت بشريعة يخالفها ولم يقاتلهم وإنما أتي بتحليل بعض ما حرم عليهم تخفيفا ورحمة وإحسانا وجاء مكملا لشريعة التوراة ومع هذا فاختاروا كلهم الكفر على الإيمان فكيف يكون حالهم مع نبي جاء بشريعة مستقلة ناسخة لجميع الشرائع مُبَكِّتًا له بقبائحهم، ومناديا على فضائحهم ومُخرجا لهم من ديارهم، وقد قاتلوه وحاربوه وهو في ذلك كُلِّهِ يَنْصُرُ عليهم، وَيَظْفَرُ بهم، ويعلو هو وأصحابُهُ وهم معه دائما فِي سَفَالٍ، فكيف لا يَمْلِكُ الحسد والبغي قُلُوبَهُمْ؟!...ثم قال-رحمه الله-:"فلم يزل في الناس من يختار الباطل، فمنهم من يختاره جهلاً وتقليداً لمن يحسن الظن به، ومنهم من يختاره مع علمه ببطلانه كبراً وعلواً، ومنهم من يختاره طمعاً ورغبة في مأكل أو جاه أو رياء، ومنهم من يختاره حسداً وبغياً، ومنهم من يختاره محبة في صورة وعشقاً، ومنهم من يختاره خشية، ومنهم من يختاره راحة ودعة". هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (1/246)
فعلينا أيها الأحبة الأفاضل جميعا التحلي بهذه الأخلاق الفاضلة ، والاجتهاد في نشرها بين الناس بالدعوة إليها و الحث على التمسك بها .
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا و إياكم محاسن الأخلاق و يجنبنا مساوئها ، ويوفقنا دائما لاتباع الحق وقبوله ، فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النايلي




2