المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكتبة كوبريلي و مؤسسها



أهــل الحـديث
08-10-2012, 03:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مكتبة كوبريلي ومؤسسها


أحمد بن محمد باشا الوزير الأعظم الكوبري

بقلم : عماد ين حسن المصري

قبل الحديث عن مكتبة كوبريلي ومؤسسها , أود أن ألفت الأنظار إلى مسألة مهمة ألا وهي ( الدولة العثمانية وأثرها قي حفظ الدين ) فلقد انبرى وافترى كثير من الكتاب القوميين ( العرب منهم ) في مطلع الثلاثينيات إلى أواخر التسعينيات , بمهاجمة الدولة العثمانية , وتأليف القصص والمسلسلات على أن الدولة التركية ظالمة، باغية ( كما صوروها ) وكأنها لم تكن تعرف من شريعة الله أي شيء .
وأنها سبب في تأخر المسلمين , وأنها اضطهدت الدولة العربية وقتلت أحرارها ، وأنا هنا لا أتكلم عن الدولة الطورانية المتأخرة ولكن أتكلم بقلم الباحث المنصف الغير منحاز لطرف على طرف ، عن دور العثمانيين الأوائل في نصرة دين الله عز وجل , وحفظهم لدينه والقيام عليه , و حراسه من حراب المتآمرين عليه .
وفي هذا الخصوص يقول ابن العماد الخبلي ت ( 1089 ) في كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب ( 8 : 142 ) وفيها - أي أحداث سنة ست وعشرين وتسعمائة ، السلطان سليم بن أبى يزيد بن محمد السلطان المفخم والخاقان المعظم ، سليمان خان بن عثمان تاسع ملوك بني عثمان ، هو من بيت رفع الله على قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية , ومن قوم أبرز الله تعالى لهم ما ادخره من الاستيلاء على المدائن الإيمانية , رفعوا عماد الإسلام , واعلوا مناره , وتوصوا باتباع السنة المطهرة , وعرفوا للشرع الشريف مقداره , وصاحب الترجمة منهم هو الذي ملك بلاد العرب واستخلصها من أيدي الجراكسة بعدما شتت جمعهم فانفلوا عن ملكهم وجدوا في الهرب .
ولا يهولنك وصف أعداء هذه الدولة [1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1) بأنها دولة استبدادية ما هو إلا ضمن التعصبات الحاصلة , يريدون بذلك الشر لها , لمأرب في النفوس وكراهة في الصدور , فالدولة التي كتابها السماوي لا يأتيه الباطل ما بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، المنزه عن الغلط المسنونة قوانينها منه بناء على فتاوى شرعية , وذات مجالس نظامية , لا توصف بدولة استبدادية إلا في نظر الأعداء .
ولقد ظلت الدولة العثمانية بهيبتها الأسطورية التي لا تشبهها هيبة إلا ( الدولة الراشدية ) أشد صرامة على الغرب من كل الدول التي كانت تنصب العداء لأوروبا , التي كانت تزحف نفسياً , وعسكرياً , وسياسياً باتجاه الشرق المسلم بكل مكوناته ، لمعرفة الدولة العثمانية المسبقة بنوايا الغرب الصليبي الصهيوني .
وكانت أوروبا تنظر إلى الفتوح العثمانية على أنها فتوح إسلامية , وكان الأتراك العثمانيون في تقدير أوروبا هم الرمز المجسد للإسلام [2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2). ومع ذلك ناصبت أوروبا المسيحية بالتماس من البابا لإخراج العثمانيين من قطعة أرض في أوروبا فأجاب كل من ملك المجر , وملك البوسنة , وملك الصرب , وبعد أن جمعوا عساكرهم وهجموا على البلاد حين غفلة ، قابلهم شاهين باشا ، والحاج أيلي بك ليلاً فاندهشوا وتشتتوا بعد قتال شديد . [3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3)

المكتبات التراثية في تركيا :
ومهما وصلنا إلى نتيجة مؤيدة لدولة بني عثمان , أو مخالفتها , لا بد لنا أن نتقاطر جميعاً على سياق واحد , وهو الاعتراف بان آل عثمان ووزرائهم وحجابهم وكتابهم حفظوا لنا - نحن العرب - ثروتنا العلمية من المخطوطات .
وفي هذه البابة ننظر إلى ما كتبه العلامة د. محمود محمد الطناحي في مجلة الهلال ديسمبر 1994م فقال : ومهما يكن من أمر فقد واكب نشاط سلاطين آل عثمان في الجهاد والفتوح , نشاط آخر في العلم والكتب , وآية ذلك أن كل سلطان أو صدر أعظم كان يحرص على أن يبني بجوار المسجد مدرسة ومكتبة , تابعتين له وملحقتين به .
وقال د. : ومع ذلك فقد بذل بعد منصف القرن الماضي على عهد السلطان عبد الحميد 1876 - 1909 مجهود عظيم لإحياء هذه المؤسسات العالمية وحسب إحصاء سنة 1311 - 1312 ، المطبوع في استنبول من قبل وزارة المعارف في سنة 1318 فقد ثبت أنه كان موجود في المملكة العثمانية ما عدا استنبول 272 مكتبة تحتوي على ( 76.773 ) نسخة محفوظة .
ويكفينا ما نعتبره - نحن - ديناً في رقابنا ورقاب كل الباحثين سواء في العلوم الإنسانية أو التطبيقية ذلك الكتاب في ( الببلوغرافيا العربية ) وهو كتاب عُني بأسماء الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله كاتب جلبي الشهير بحاجي خليفة المولود 1609م ت 1657 وهو من أروع ما كتب في الكشف عن الكتب وأماكن وجودها مما سهل العمل على بروكلمان , وفؤاد سزكين في تضيف التراث العربي المخطوط وأماكنه .

المكتبات التركية :
( ومن المكتبات التركية ) : السليمانية , ومحمد الفاتح ، وبايزيد ، وراغب باشا , وشهيد علي باشا , وكوبريلي , واسعد أفندي , وعاشر أفندي , وولي الدين أفندي , وعاطف أفندي , وفيض الله أفندي , وعلي أميري أفندي , ووهبي أفندي ... وغيرها الكثير ممن حافظ على تراثنا الإسلامي من علوم شرعية ولغوية , وأدبية , وجغرافية , وطبية , وهندسية .

مكتبة كوبريلي :
ومكتبة كوبريلي من اعظم المكتتبات التركية التي أنشأها ( احمد باشا ) [4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4) بن محمد بن باشا الوزير الأعظم المعروف بالفاضل احمد باشا الكوبري الأصل القسطنطيني المولد , أحد وزراء الدولة العثمانية , بل أوحدهم , الذي عزت به السلطنة , وافتخرت به الدولة , وكان في وقته من مفاخره السامية وأفراده المتعالية وبه ظهر رونق الزمن وعلا قدر الفضل , وكان عصره إلى أواسط مدته أحسن العصور ووقته أنظر الأوقات ولم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدين , وقانون الشريعة مثله ، صعباً شديداً في أمور الشرع سهلاً في أمور الدنيا ، وكان حازماً مدبراً للملك قائماً بضبطه , وملك من نفائس الكتب وعجائب الذخائر ما لا يدخل تحت الحصر ولا الضبط بالإحصاء .

ونستفيد من هذا النص جوانب منها :
أن الدولة العثمانية ممثلة بسلاطينها , ووزرائها , وحجابها ، كانوا مولعين بالتراث الإسلامي العربي , وكانوا رغم - إسلامهم الصحيح - مولعين بحفظ نوادر المخطوطات وتزيين مكتباتهم بها لأنهم كانوا يعرفون لهذه المخطوطات حقها من التقدير والاحترام ، كيف لا وهي حافظة لشرائع دينهم , القائمون عليه ، الذابون عنه , وهي بالتالي عنوان للرقي والحضارة .
وكان الرجل الجامع لهذه النفائس من المخطوطات على نحو كبير من العلم والمعرفة بأصول الشرع الحنيف , ومعرفة تامة بما تحتويه هذه المخطوطات , وأسماء مؤلفيها وما تحتويه من مواضيع . يقول المحبي رحمه الله عن أجمد باشا كوبري : ولد بالقسطنطينية ونشأ بها واعتنى أبوه بتهذيبه وأقرأه العلوم حتى مهر وسمت همته نحو معالي الأمور , وسلك في بداية أمره طريق المدرسين .

لهذه المكتبة :
وهذه المكتبة كما يقول الأستاذ الدكتور ( أكمل الدين إحسان أوغلي ) مدير عام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستنبول سابقاً الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الآن : إن مكتبة كوبريلي التي تقدم اليوم فهرسها للباحثين تضم مخطوطات نادرة , وهي على الرغم من قلة عدد المجلدات المحفوظة بها إلا أنها تُعدُّ واحدة من أهم مكتبات العالم التي تضم مخطوطات إسلامية قيمة , وقد أنشأها كوبريلي فاضل أحمد باشا وهي تتكون من ثلاثة مجاميع أوقفها كوبريلي فاضل أحمد باشا ورجلان جاءا بعده من هذه الأسرة , هما : كوبريلي حاجي أحمد باشا , كوبريلي محمد عاصم بك , والمجموع الذي أوقف فاضل أحمد باشا يحمل قيمة عظيمة وخاصة في مخطوطاته العربية .
وقبل وفاته رحمه الله سنة خمس وأربعين وألف , وقف كتبه ووضعها في خزانة بالتربة [5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5) المذكورة ورتب لها أربع حفاظ , وفيها من نفائس الكتب ما لا يوجد في مكان , وأخبرني من أثق به أنها خمنت بأربعين ألف قرش . [6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn6)
رحم الله أحمد بن محمد بن باشا الوزير الأعظم على ما أسداه للمسلمين وللمحققين ومحبي التراث , وجزاه خير الجزاء على جمعه تلك الكنوز الرائعة , وتلك هي همة سلاطين آل عثمان .






[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref1). تاريخ الدولة العثمانية العليِّة إبراهيم حليم ص ( 23 ) .

[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref2). الدولة العثمانية للدكتور الشناوي ص ( 34 ) .

[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref3). الدولة العثمانية ص ( 39 ) .

[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref4). خلاصة الأثر للمحبي ( 1 : 353 ) وفيه وافتخرت الدولة واجتهدت بزيادة به ليستقيم الكلام .

[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref5). يعني وصفها في المقبرة التي كان ينوي أن يندفن فيها .

[6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref6). المحبي ( 1 : 356 ) .