المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى أمي



أهــل الحـديث
08-10-2012, 03:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




إلى أمي



( لعله أن يكون بطلقة واحدة )



بقلم : عماد بن حسن المصري

أخرج الطبراني في الصغير - بسند حسن – عن بريدة بن الحصين أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاء شديدة ، لو ألقيتُ فيها بضعة من لحم لنضجت ، فهل أديت شكرها ؟ فقال : لعله أن يكون بطلقة واحدة .... الحديث .
نعم يا أمي : هكذا كان الجزاء لك من رسولنا الأعظم وحبيبنا الأفخم ، الذي أنزلك – بعد تنزيل الله لك – منزلة لم يصلها أحد من العالمين ( سوى الأنبياء عليهم السلام ) فجعل مجرد طلقة في ألم المخاض ساوت حملك مسيرة فرسخين - والفرسخان ثلاثة كيلومتر - سيراً على الأقدام في زمانهم المقاس بالحنان والحب والعطف والطيبة لا زماننا الذي يقاس بالعقوق والمهانة والأف والضرب ودور المسنين .
فكم من الفراسخ سنسير بك يا أغلى الناس حتى نوفيك قدرك ؟ أخرج البخاري في صحيحه ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ ( وفي رواية ابن حبان ( 433 ) بحسن الصحبة ) قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك . الحديث .وهذا الرجل الذي جاء يسأل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو معاوية بن حيدة رضي الله عنه . ويعلق على هذا الحديث أحد الشراح فيقول : أولى الناس بمعروفي وبري ومصاحبتي المقرونة بلين الجانب وطيب الخلق وحسن المعاشرة ( هي أنت ) .

عود على بدء :
آه يا أمي أأعتذر إليك أم منك ؟ كيف السبيل إلى إزالة هذا العقوق من نفوس أولادك ؟ كيف السبيل يا أمي ونحن نسمي أنفسنا مسلمين ونصلي في المقدمة في الصف الأول ونحمل كل هذا العقوق ؟ كيف نسجد لله مطيعين ملبين له داخل المسجد ونعلن الحرب عليه – جل في علاه – خارج المسجد ؟ كيف السبيل يا أمي لإفهام أخي الأكبر العاق لك بكل معاني العقوق أن أمه أولى من زوجه وبنيه والناس أجمعين ؟
ألسنا نتلوا ونسمع قوله تعالى : ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ الإسراء: ٢٣ – ٢٤فهل قرن الله عز وجل الإحسان للوالدين مع عبادته إلى لأمر جلل ؟ فكلمة قضى في الآية الأولى بمعنى أوجب وأمر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، وبعضهم قال : كمجاهد أوصى ربك ، فهذه الكلمات الثلاثة جاءت بمعنى واحد وهو الواجب الشرعي المحتم على الأبناء بالرفق واللين والمحبة والشفقة والإنفاق على الوالدين . وفي الآية الثانية ( لا تقل لهم أف ) المنع من إظهار الضجر القليل والكثير ، ( ولا تنهرهما ) معناه المنع من إظهار المخالفة في القول والعمل على سبيل الرد عليهما والتكذيب لهما .
نعم يا أمي ويا أبي : هذا جزء من تلك المنزلة الرفيعة التي أنزلها الله إياكم ونحن أنزلناكم منها إلى جحيم العقوق والمهانة ودور العجزة ، بخلنا عليكم بالقليل والكثير حتى الابتسامة في وجوهكم أصبحت صفراء باهتة كضحكة المنافقين .
ماذا أقول يا والدي غداً لربي يوم ألقاه وسيسألني لماذا قدمت ابني وزوجي عليكما ؟ بل كيف سأقابل أبا القاسم عليه السلام فيسألني ألم تسمع حديثي ؟ ألم أحذرك من إثم القطيعة ؟ فماذا أنا فاعل حينئذ ، فكيف لو رأى أبي وأمي وهما يتعرضان لأبشع صور العقوق من الابن الأكبر المتمادي في غيه وعقوقه ؟
الأم في السبعين من عمرها تتكأ على باكورة السنوات الباقية من عمرها يلف جسدها أمراض العصر ، كالسكري وآلام القدمين والخدر في الأطراف وسقوط الأسنان . ولا زالت تعمل وتكد تطعم ولداً وابنه الصغير ماتت أمه في ريعان شبابها ، فماذا صنع الابن الأكبر مليء المال صاحب البيت الكبير والذي اشترى لابنه سيارة بعشرة آلاف دينار ، والذي سارت إليه عدوى العقوق من أبيه وأمه . لا شيء ، بل إنه لا يفتح جواله للاتصال بأمه وأبيه طوال شهر أو شهرين ، يرتفع السكر عند الأم فترقد مريضة متأوهة متألمة لا تجد من يعينها في آخر عمرها حتى على شراء حبة من دواء .
الأب وقد بلغ الخامسة والسبعين لا يملك قرشاً ينفق به على نفسه ، يعمل وهو في هذه السن التي ضيعها وهو يربي أفعى كبيرة في بيته ( اسمها الابن الأكبر ) مع وجود أمراض السكر وغيرها في جسده ، لكنه يكابر على الألم مكابرة الشريف الذي لا يقبل المنة ولا يستكين للمهانة ، ليكسب قوت يومه يحمل عكازته التي هي مقوده في نزوله السوق ومصعده إلى بيته يأتي بالقليل رغم الديون المتراكمة عليه ، ولسان حاله يقول : أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل !!
هل كان الأب والأم أحمقين ربيا أفاع في بيوتهم ؟ فلما تدفأت الأفاعي لدغة من رباها ، لا والله لم يكونا أحمقين بل كانا رحيمين ودودين عطوفين ولكن كان النكران للجميل صفة هذا الولد الأكبر العاق الظالم الغاشم .
ماذا أعتذر غداً ( ولات حين مناص ) وممن أعتذر أمن أويس القرني ذلك العملاق البار بأمه ، أم من أبي هريرة البار بأمه الرؤوف بها القائم على رأسها حتى ماتت .
يا أمي صدق محمود درويش لما حن لقهوتك وخبزك فهل حن شقيقي الأكبر لحليبك الذي سفحه من أجل عيون زوجته وأولاده .
روى الطحاوي رحمه الله في شرح الآثار أن رجلاً سأل ابن عمر رضي الله عنه فقال : يا أبا عبد الرحمن لقد حملت أمي على عنقي من المدينة إلى مكة للحج أتراني وفيتها حقها ؟ فقال ابن عمر : ولا بطلقة واحدة ، إنها كانت تحملك وتدعوا الله لك بطول العمر وأنت تحملها وتدعوا الله أن يأخذها . صدقت والله يا أبا عبد الرحمن ، فكم من ابن عاق يدعوا الله أن يأخذ والديه ليريح زوجه وأولاده من شخصين بهما يدخله الله الجنة .
وصدق أبو العلاء المعري إذ يقول :


العَيْشُ مَاضٍ فَأَكْرِمْ وَالِدَيْكَ بِـهِ والأُمُّ أَوْلَى بِإِكْـرَامٍ وَإِحْسَـانِ
وَحَسْبُهَا الحَمْلُ وَالإِرْضَاعُ تُدْمِنُهُ أَمْرَانِ بِالفَضْلِ نَالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ

فإلى الله المشتكي من عقوق أخي الأكبر