المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشيئة الله تعالى



أهــل الحـديث
07-10-2012, 08:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم



((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ))

الحمد الله مقدر الأمور بعلمه وحكمته ومقيم خلقه بقوته وقدرته والصلاة والسلام على إمام المتوكلين من خلقه والمؤمنين بقضائه وقدره محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيقول الله تبارك وتعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)) رواه مسلم .
وفي السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما اكتب قال اكتب ما هوكائن فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة))
فيا أخي المسلم ليكن عندك حقيقة وعقيدة أنّ هذا الكون علويّه وسفليّه يسير بتدبير الله وبمشيئته وأنّ الله قد كتب ما علمه في اللوح المحفوظ ثم قال له كن فيكون, فالأموركلها تسير بقضاء الله وقدره وهو في تسيير خلقه وتدبيره لهم على صراط مستقيم غير ظالم لهم ( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) واعلم أنه لا يمكن لأحد كائناً من كان أن يفكر في أذيتك أو يفكر في نفعك أو يقوم بذلك إلا بتقدير الله فلا ترجوا إلا الله ولا تخاف إلا الله فمشيئتهم لا تكون إلا بعد مشيئة الله ، وفعلهم بقدر الله فهو الذي نواصي الخلق بيده وهو الذي لاحول ولاقوة إلا به فما من حول ولا قوة إلا بحوله وقوته فثق به وتوكل عليه وارجوه ولاترجوا غيره وخافه ولاتخاف غيره ( فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ((إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته))
وفي الفوائد لإبن القيم (( قاعدة: ليس في الوجود الممكن سبب واحد مستقل بالتأثير بل لا يؤثر سبب البتة إلا بانضمام سبب آخر اليه وانتفاء مانع يمنع تأثيره هذا في الأسباب المشهودة بالعيان وفى الأسباب الغائبة والأسباب المعنوية كتأثير الشمس في الحيوان والنبات فانه موقوف على أسباب أخر من وجود محل قابل وأسباب أخر تنضم إلى ذلك السبب وكذلك حصول الولد موقوف علي عدة أسباب غير وطء الفحل وكذلك جميع الأسباب مع مسبباتها فكل ما يخاف ويرجى من المخلوقات فأعلى غاياته أن يكون جزء سبب غير مستقل بالتأثير ولا يستقل بالتأثير وحده دون توقف تأثيره على غيره الا الله الواحد القهار فلا ينبغي أن يرجى ولا يخاف غيره وهذا برهان قطعي على أن تعلق الرجاء والخوف بغيره باطل ))
وفي سنن أبي داود قال عبادة بن الصامت لابنه ((يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك))
وفي سنن الترمذي عن ابن عباس قال كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف. وفي رواية(( احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا)).
(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ً)
فما أصابك من خير أو شر فهو بتقدير الله واحمد الله أن وفقك للخير ولًمْ نفسك على إتيانها الشر
ففي صحيح مسلم ((يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)),
واعلم أنّ الله فعله كله حسن وحسنات وما ذلك إلا لكمال علمه ولكمال حكمته ففعله وخلقه عن علمه المطلق وحكمته المطلقة ،
ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك إنا بك وإليك)
وأما الشر الحاصل فهو في مفعولاته (مخلوقاته) ففعله كله خير وحجته بالغة, والله تعالى لا يخلق شراً محضاً بل لابد وأن يكون فيه وجه خير للعبد كما قال تعالى(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)
فتقدير الله للفساد في البر والبحر بنقص الطعام وغيره هو عقوبة للعباد بسبب معاصيهم وفي العقوبة رحمة وحكمة لعلهم يرجعون عن غيّهم، ففي خلق الله الفراعنة حكمة وفي خلق الطغاة حكمة وفي خلق الأمراض حكمة وفي خلق ا لحيوان المؤذي حكمة وفي كل ما خلق حكمة ،فما عليك إلا أن تصبر في البلاء وتؤمن بالقضاء فلاتعترض, فلما كنت لا تعترض على الحكيم في فعله أو الطبيب في تشخيصه وطبه فأنت توكل أمرك له في دائك ودوائك لعلمه ، فكيف بالله العليم الحكيم ,فالناس اليوم لا يعترضون على الطبيب ، فكيف بمن علمه بما كان وما يكون وما سيكون ومالم يكن لو كان كيف يكون وهو الذي ماشاء كان ولو لم يشأ الناس وما لم يشأ لا يكون ولو شاء الناس (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
فاحذر أن تعترض على الله بقولك لماذا ؟ وكيف ؟ وما السبب ؟ إعتراضاً وسآمة وتضجراً فهو(لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) واعلم أن الله إذا أغناك فليس بالضرورة محبةً فيك وإذا أفقرك فليس بغضاً فيك بل هو امتحان للناس فما هم فاعلون وما هم قائلون والمؤمن في هذا إما شاكرا وإما صابرا
في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ))
والله تعالى مع تقديره للأمور كلها صغيرها وكبيرها فيها آثار رحمته فرحمته وسعت كل شيء,(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) ثم ما عليك أخي المسلم إلا أن تأخذ بالأسباب متوكلاً على الله من غير إلتفات إلى السبب فالسبب هو من خلق الله فعلق قلبك بالمسبب وهو الله رب العالمين (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)
فقد يأخذ الرجل بالسبب وتتخلف النتيجة لحكمة ألله يعلمها وقد تأتي النتيجة من غير أن تأخذ بالسبب وما ذاك إلا لحكمة يعلمها الله فكم من رجل طلب الرزق وخرج في طلبه ولم يحصل عليه وكم من رجل طرق عليه الباب وقد جاءه الرزق لبيته (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ( وهذه مريم عليها السلام (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وكم من معركة لم يكن فيها عدة وعتاد وتكافؤ مع الأعداء خاضها المسلمون من قبل وكان النصر حليفهم
(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
وفي صحيح مسلم عن جابر قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله إن لي جارية وهي خادمنا وسانيتنا أطوف عليها وأخاف أن تحمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها قال فحملت فأتاه فقال إن الجارية قد حبلت قال قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها . وفي رواية عند أحمد (لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهريق على صخرة لأخرج الله منها الولد وليخلقن الله نفسا هو خالقها)
ثم يجب عليك أخي المسلم الأدب في نسبة الشر لله مع علمك بأنه من تقدير الله، فلما كان الله خالق كل شيء وهو ربه ومليكه فيجوز لنا أن ننسب الشر لله من جهة العموم حيث نقول إن الله خالق كل شيء والشر شيء من الأشياء ، أما من حيث التخصيص فلا يجوز أن نصف الله به أو نضيفه لله تأدبا معه سبحانه ، فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ينسب المرض لنفسه والشفاء لربه (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وكذلك نبي الله الخضر عليه السلام نسب لنفسه خرق السفينة فقال(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) مع أنه قال في آخر الأمر ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) وكذلك الجن قالوا (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) فأضافوا الشر لمجهول والرشد لله ومعلوم أن الأمر الذي حصل أو توقعوه هو بتقدير الله تعالى شراً كان أم خيراً.
وأخيراً فإذا رأيت الكفار قد دالوا على المسلمين فاعلم أنّ هذا بقدر الله فابحث أنت عن السبب فالتقصير منا لأن الله يقول( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فسبيل الكفارعلينا سببه نقص الإيمان، أما الله تعالى فيقول عن نفسه (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)و(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّار وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ثم افهم أخي المسلم أن الله لايمنع عنك شيء إلا لحكمة واعتبر بما فعل الله بالمنافقين لمّا ثبطهم في تبوك(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) فجعلهم من القاعدين والخالفين لحكمة ذكرها وهي
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فالله تعالى يعلم وأنت لاتعلم بأن خروج هؤلاء معكم فيه مفسدة عليكم فلذلك ثبطهم فلعل مثبطاً اليوم يكون حاله كذاك الحال فلا تبتئس ولاتحزن ,والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .