المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأصيل الأصول في الفرق بين الحديث السالم والمعلول - دراسة نقدية في علم المصطلح الحديث



أهــل الحـديث
03-10-2012, 03:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تأصيل الأصول في الفرق بين الحديث السالم والمعلول
دراسة نقدية في علم المصطلح الحديث
الشيخ أبوالحسن بن محمد الفقيه الصغيّر


أعني بالحديث السالم الحديث المعلل الذي سلم من علة كان قد أعل بها من قبل بوجه من الوجوه وظهرت عليه كالانقطاع ونحوه وتبين بعد ذلك أن تلك العلة غير صحيحة وأن الحديث سالم منها وعلى ذلك استقر الحكم لدى المحدثين ، وسيأتي تعريفه اصطلاحا.
ويعرف الحديث السالم بنفي الاختلاف عنه إذا كانت العلة التي وردت عليه في الأول من قبيل الاختلاف عل الرواة أو بالقرائن إذا كانت العلة التي وردت عليه في الأول قبل ظهور سلامته من قبيل تفرد الراوي أو عدم ثبوت سماع راو عمن روى عنه ونحو ذلك مما لا يدخل ضمن الاختلاف على الرواة ، فمثل هذا إذا دلت القرائن على احتمال التفرد أو ثبوت السماع أو نحو ذلك زالت العلة وظهرت سلامة الحديث من جديد مع العلم أن القرائن يعمل بها أيضا في نفي الاختلاف على الرواة بل عليها المعتمد في الترجيح بين الرواة ورواياتهم.
ولم أقف في حدود علمي على أحد من أئمة الحديث أطلق اسم السالم على حديث هذا وصفه ، ولكنني رأيتهم يشيرون إليه بوضوح فسميته بتوفيق الله الحديث السالم وتسميتتي له جاءت لأسباب هي :
السبب الأول : هو أنني وجدت هذا النوع من الحديث مذكورا ضمنا ومعنى في كلام المحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين وسيأتي بيان كلامهم .
السبب الثاني : أن هذا النوع من الحديث له علاقة بالحديث المعل وهو موضوع أهم علم في علم الحديث فتوجه العناية بهذا النوع من الحديث لأهمية الموضوع الذي يندرج تحته ومن ذلك تخصيصه باسم يميزه . إذ الحديث السالم ضد للمعل .
السبب الثالث: أن لتسميته بهذا الإسم تمييزا له عن غيره وفي هذا التمييز فائدة جليلة هي الوقوف على ما ظهرت سلامته من الأحاديث بعدما أعلها العلماء بعلل لم تصح فيتنبه لذلك النقاد عبر الأزمان لكي لا يستعجلوا في الحكم على الحديث لمجرد إعلاله من قبل .
السبب الرابع : لا مشاحة في الاصطلاح إذا كانت له فائدة حديثية مرجوة ذات نفع وإذا كان هذا الاصطلاح فيه زيادة علم وبيان.
فلهذه الأسباب تبينت لي ميزة هذا الإسم والله أعلم.
أما بيان ذلك فهو كالتالي:
قال الخليلي رحمه الله : "إن الأحاديث على أقسام كثيرة : صحيح متفق على صحته وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه ..." ثم قال فأما الحديث الصحيح المعلول فالعلة تقع للأحاديث من طرق شتى لا يمكن حصرها منها أن يروي الثقات حديثا مرسلا وينفرد به ثقة مسندا فالمسند صحيح وحجة ولا تضره على الإرسال ثم أتى بمثال وهو ما رواه مالك بلاغا قال: بلغنا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للمملوك طعامه وكسوته" ثم قال رواه إبراهيم بن طهمان والنعمان بن عبد السلام عن مالك عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه ثم قال: صار الحديث بتبين الإسناد صحيحا يعتمد عليه وهذا من الصحيح المبين بحجة ظهرت" (1) .
قلت : فها هنا نص الخليلي على أن هذا الحديث ظهرت فيه الصحة والسلامة بعد أن سبق إعلاله بقوله :" وهذا من الصحيح المبين بحجة ظهرت" أي أن الحديث قبل ظهور الحجة كان معلولا بالانقطاع ثم بعد ظهور الحجة وهي الاتصال صار سالما من العلة صحيحا . مع أن الحديث الذي ساقه الخليل لا يصلح مثالا لانتفاء العلة الاصطلاحية لأن علته ظاهرة وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله.
قال الشيخ المحدث أحمد شاكر رحمه الله" قال بعضهم وذلك عكس المعلول " فإنه ما ظاهره السلامة فاطلع فيه بعد التفتيش على قادح ، وهذا ما كان ظاهره الإعلال بالإعضال فلما فتش تبين وصله"(2)

قلت : وها هنا بيان واضح من الشيخ أحمد شاكر على تميز هذا النوع من الحديث فقد نص على أن السلامة إذا ظهرت في الحديث بعد إعلاله فهو عكس المعل ، وقد نص على هذا أيضا شيخ الإسلام زكريا في فتح الباقي ولعل الشيخ أحمد شاكر قصده بقوله :" قال بعضهم هو عكس المعلول".
وقال شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله في كتابه النكت عبارة أحفظها : " مدار العلة على الاختلاف فإذا زال ظهرت السلامة "
قلت: وها هنا نص آخر على ظهور السلامة بعد العلة فإن الحديث المعل هو كما تقدم " حديث ظاهره السلامة واطلع فيه بعد التفتيش على قادح " أما ما نص عليه ابن حجر هنا فهو الحديث المعلول بسبب الاختلاف على رواته ثم زال الاختلاف إما بإمكانية الجمع بين الروايات أوبحسب القرائن والأحوال فانتفت العلة وظهرت السلامة من جديد.
فتبين بهذه النقول أن الحديث الذي ظهرت سلامته بعد أن حكم عليه بوجود علة فيه هو ما يضاد الحديث المعل ، وهو سالم وصفا إذ صفة السلامة التي اكتسبها مشعرة بانتفاء علة عنه بعد أن أعل بها بخلاف الحديث الصحيح الذي لم تتطرق إليه العلة الاصطلاحية فهو صحيح مستصحب للصحة في كل الأحوال فلم يطرأ عليه إعلال ثم انتفى عنه ، وإن كان كلاهما صحيح.والمعل سمي معلا لعلة فيه وما يقابل العلة لغة هو السلامة وقد ورد استعمالها كما سبق بيانه في كلام ابن حجر وغيره ،واسم الفاعل من السلامة هو السالم ، فيكون السالم هو عكس المعل لغة واصطلاحا.
ولا يصلح عكس الضعيف بغير العلة الخفية أن يسمى سالما لسببين:
الأول: أن اسم السالم جاء باعتبار الضدية الوصفية وذلك لأن اسم المعل إنما جاء باعتبار صفة الضعف في الحديث لا باعتبار نوعه ، وصفة الضعف هنا هي الخفاء فإن الحديث المعل هو ما خفيت علته القادحة فإذا لم تكن خفية لا يطلق عليه معل اصطلاحا.
والحاصل هنا أن الحديث المعل سمي بذلك باعتبار صفة العلة لا باعتبار نوعها فإذا انتفت العلة القادحة الخفية من الحديث المعل فإن نفي النوع يقتضي نفي الصفة لتعلقها به فيقال له السالم لسلامته من العلة وهي النوع , والخفاء وهو صفة ذلك النوع ويكون الحديث سالما أي صحيحا لا يصدق عليه ما قيل فيه من علة قادحة خفية. فعلى هذا يكون الحديث السالم هو عكس الحديث المعل لا عكس الضعيف عموما.فإن قيل إن انتفاء العلة عن المعل يؤول إلى شرط الصحيح إذ من شروط الصحيح نفي العلة عنه ، نقول بأن هناك فرق بين ما صح ولم يعل مطلقا وبين ما أعله الأئمة بقادح خفي ثم بعد جهد وتفتيش وربما مضي زمن بعيد كما هو واقع تبين أن ما أعل به غير صحيح فهذا النوع يؤول أمره إلى شرط الصحيح لا شك في ذلك لكنه بظهور سلامته من العلة بعد تعلقها به مميز له عن غيره ولا تعارض ما بين مسمى السالم والصحيح ،ففي اصطلاح الحديث نجد الحديث المعروف يسمى صحيحا وإنما أطلق عليه المعروف لمقابلته للمنكر ، كما نجد المحفوظ والغريب والمشهور والعزيز كلها تطلق على الحديث الصحيح وغير الصحيح وإنما تسمت بذلك تمييزا لها لما اقتضته حالتها كل بحسبه فالمحفوظ يقابل الشاذ والعزيز والمشهور والغريب باعتبار التميز في الطرق وهكذا.
وفائدة تسمية السالم هنا هو جعل هذا التميز إشارة وعلامة على إعلال الأئمة للحديث من قبل بعلل قد رد عليها فانتفت ،وغاية ذلك أن لا يغتر من قصر علمه واطلاعه بالإعلال الأول للحديث فإن نعته بالسلامة يفيد الإعلام بوجود رد على علة ألصقت به وهو منها سالم والله تعالى أعلم.
الثاني: أن السالم والمعل يشتركان في اشتراط الدقة والإمامة لمعرفتهما فالحديث السالم إنما يطلق معاكسا للمعل باعتبار ما يحتاج إليه كل من السالم والمعل من الدقة وسعة الاطلاع والحفظ والمعرفة بالأسانيد وأحوال الرواة ومراتبهم فلا يعل الحديث إلا إمام ناقد ولا يبطل تلك العلة إلا إمام ناقد آخر نظرا لما يتطلبه النقد ونقده من الدقة في إعلال الحديث وسلامته.وهذا يؤكد أهمية النوعين معا : (المعل والسالم)!!بل الغالب أن إثبات سلامة الحديث من العلة بعد إعلاله من قبل أحد المحدثين صعب للغاية ولا يقدر عليه إلا عارف من الجهابذة الحفاظ كما وقع في أحاديث الصحيحين مثلا ولا سيما أحاديث صحيح البخاري التي أعل الدارقطني رحمه الله منها طائفة في كتابه الإلزامات والتتبع ، ولم يقدر أحد قبله على إعلاله بذلك النحو وهو إمام علم العلل في عصره وله الإلمام فيه بالنسبة لمن قبله ومن بعده مما يؤكد دقته وعلو كعبه في هذا الباب ، ثم جاء بعده الحافظ ابن حجر وهو مميز بدقة ملاحظته وسعة اطلاعه وعلمه بالعلل فناقش الدارقطني في إعلاله ورد كثيرا مما انتقده وحكم بالسلامة على أغلب ما أعله وهذا الذي قام به ابن حجر في مقدمة الصحيح لا يقدر عليه إلا القليل من الجهابذة أئمة العلل وقضى في هذا النقد سنين عددا , والحاصل أن الأحاديث التي صوبها ابن حجر مثلا تسمى على اصطلاحنا أحاديث سالمة لأنها سلمت من العلل التي ذكرها الدارقطني وغيره فيها.فسلامتها كما ترى تختلف عن سلامة الأحاديث التي ضعفت بضعف بين ثم أزيل عنها الضعف وصححت من جديد فالضعف بالجرح أو بالعلة الظاهرة عموما سهل على الإمام بل على طالب العلم تصويبه ورده وانتقاده كمن حكم على ثقة معروف مشهور بأنه ضعيف ،فنقد مثل هذا واضح يسير ، ولا يقال للحديث بأنه سالم لأن الضعف لا يحتمل فيه في حقيقة الأمر ولا يوجد مسوغ لاحتماله مثل خفاء العلة وغموضها فلا ميزة له . والله أعلم
والسالم في اللغة ، قال ابن منظور :" سلم : السلام والسلامة : البراءة وسلم منه تبرأ ، وقال ابن الأعرابي : السلامة العافية . ثم قال والسالم في العروض كل جزء يجوز فيه الزحاف فيسلم منه كسلامة الجزء من القبض والكف وما أشبه ، ورجل سليم ، سالم والجمع سلماء." (3)
وقال : والسلم لدغ الحية ، والسليم اللديغ فعيل من السلم والجمع سلمى ، ثم قال : ورجل سليم بمعنى سالم ، وإنما سمي اللديغ سليما لأنهم تطيروا من اللديغ فقلبوا المعنى." (4)
قلت : فالسالم أنسب من السليم ، لأن السالم نص في معافاته بخلاف السليم فهو مشترك ويطلق تفاؤلا بالشفاء على اللديغ لا تحقيقا ، قال الصنعاني : فليس بينهما مناسبة في اللغة وهو ظاهر إذ لا تلاقي بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي وهو المراد بالمناسبة" (5) أي بالمناسبة بين المعنيين.
أما تعريف الحديث السالم اصطلاحا فهو:
حديث ظهرت سلامته بعد إعلاله بعلة خفية قادحة.
ومعناه أن ظهور السلامة متأخر عن وصف الإعلال ، وقد تقدم مثاله في حديث مالك :" للملوك كسوته وطعامه." فقد أعل بالانقطاع ثم تبين فيما بعد اتصاله فسلم من تلك العلة .
ولكنني لاحظت أن هذا الحديث لا يصلح مثالا للحديث السالم على وجه الدقة فإن الانقطاع الذي أعل به هو إعضال ظاهر بين مالك وأبي هريرة ، سقط منه راويان على التوالي وهي علة قادحة بلا شك لكنها غير خفية وهو خلاف شرط المعل الاصطلاحي إذ شرطه خفاء العلة.
ثم وجدت مثالا أنسب لهذا الحديث – وأمثلته كثيرة جدا - وهو ما صححه الإمام الألباني قدس الله سره وشمله برحمته الواسعة ، في كتابه السلسلة الصحيحة ، وهو حديث (ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا فيقول :لا ، إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة" قال الألباني: رجاله ثقات من رجال أبي داود ، وقد اعل بالانقطاع بين وهب وجابر ،فقال ابن معين في إسماعيل هذا : ثقة رجل صدق، والصحيفة التي يرويها عن وهب و جابر ليست بشيء إنما هو كتاب وقع إليهم ولم يسمع وهب من جابر شيئا " .
وقد تعلق المزي فقال في تهذيب الكمال :
روى أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن يحيى بن إسماعيل بن عبد الكريم عن إبراهيم بن عقيل عن وهب بن منبه قال : هذا ما سألت عنه جابر بن عبد الله وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " أوكوا الأسقية وأغلقوا الأبواب ..." الحديث، وهذا إسناد صحيح إلى وهب بن منبه وفيه رد على من قال : إنه لم يسمع من جابر فإن الشهادة على الإثبات مقدمة على الشهادة على النفي ، وصحيفة همام (أخو وهب) عن أبي هريرة رضي الله عنه مشهورة عند أهل العلم ، ووفاة أبي هريرة قبل جابر ، فكيف يستنكر سماعه منه ، وكانا جميعا في بد واحد!"
ورد الحافظ في تهذيب التهذيب فقال:
" قلت أما إمكان السماع فلا ريب فيه ، ولكن هذا في همام ، فأما أخوه وهب الذي وقع فيه البحث فلا ملازمة بينهما ، ولا يحسن الاعتراض على ابن معين بذلك الإسناد فإن الظاهر أن ابن معين كأنه يغلط إسماعيل في هذه اللفظة عن وهب: " سألت جابرا" والصواب عنده : عن جابر والله أعلم."
وأقول: لا دليل عندنا على اطلاع ابن معين على قول وهب :" سألت جابرا" وعلى افتراض اطلاعه عليه ففيه تخطئة الثقة بغير حجة ، وذا لا يجوز ولا سيما مع إمكان السماع والبراءة من التدليس ، فإن هذا كاف في الاتصال عند مسلم والجمهور ، ولو لم يثبت السماع فكيف وقد ثبت ؟ وقد ذكر الحافظ في ترجمة عقيل هذا أن البخاري علق (يعني في صحيحه) عن جابر في "تفسير سورة النساء" أثرا في الكهان وقد جاء موصولا من رواية عقيل هذا عن وهب بن منبه عن جابر.
قلت : ذكر هناك (8/252 ) أنه وصله ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت . ففيه التصريح أيضا بالسماع وبالله التوفيق.
وأصل الحديث في" صحيح مسلم" (1/95) من طريق أخرى عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة " قال : فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم : تعال صل بنا فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله لهذه الأمة."
فالأمير في هذه الرواية هو المهدي في حديث الترجمة وهو مفسر لها وبالله التوفيق." انتهى كلام الألباني رحمه الله. (6)
قلت فهذا الحديث الذي صححه الألباني يصلح مثالا للحديث السالم لما يلي:
أولا: لأنه أعل بالانقطاع بين وهب بن منبه وجابر رضي الله عنه وقد نص ابن معين على ذلك كما تقدم فقال : " ولم يسمع وهب من جابر شيئا ."
ثانيا: لأن العلة التي ذكرها ابن معين خفية وليست ظاهرة وذلك لأن رجال الإسناد كلهم ثقات من رجال أبي داود ، والعلة ترد على أحاديث الثقات لا الضعفاء كما أن سماع وهب من جابر وارد لكونهما متعاصرين .
ولهذه الأمور فتصنيف الحديث ضمن الحديث المعل صحيح من الناحية الاصطلاحية لأنه على رأي ابن معين معلول بعلة خفية قادحة، وظاهره السلامة ، لكن تبين للعلماء بعد ابن معين عدم صحة هذا الإعلال فقد نقل الإمام الألباني عن ابن القيم وابن خزيمة رحم الله الجميع ثبوت سماع وهب من جابر فانتفت العلة كما تقدم بيان ذلك في تخريج الألباني للحديث ، وبذلك ظهرت سلامته من جديد .
وأشير هنا إلى أن الفترة الزمنية بين إعلال الحديث وبين ظهور سلامته قد تطول وقد تقصر وقد يختلف العلماء في الزمن الواحد على إعلاله وسلامته فيعله قوم وينفي عنه العلة آخرون والحديث الذي بين أيدينا ذكر علته ابن معين رحمه الله وقد توفي في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين للهجرة .
وأمثلة الحديث السالم كثيرة كمن روى مدلسا بألفاظ تحتمل السماع وعدمه فيسقط المدلس ضعيف بين ثقتين أو يغير اسمه أو لقبه أو يذكره بما لا يعرف ، أو بما يشتبه بالثقات وهكذا " (7) فينتج عن هذا التدليس ظهور سلامة الحديث من العلة وهو معلول لكن هذا الذي روى بألفاظ محتملة صرح بالتحديث من طريق آخر فزالت العلة وظهرت سلامته ومثاله : ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أدركت ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس [ فطلعت ] فصل إليها الأخرى " قال الألباني رحمه الله وزاده نفعا بعلمه في قبره إلى يوم الدين هذا الحديث رواه الطحاوي (1/ 232) والبيهقي ( 1/ 379) والزيادة له وأحمد (2/ 236 – 479) عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره."
ثم ذكر الألباني رحمه الله أن هذا الحديث أعل بالتدليس فقال: ( قلت وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وأعله الكوثري تعصبا لمذهبه فقال في "النكت الطريفة " ص 86 :" في سنده عنعنة ابن أبي عروبة وقتادة وهما مدلسان "
قلت : تدليس قتادة قليل مغتفر ولذلك مشاه الشيخان واحتجا به مطلقا كما أفاده الذهبي ، على أنه صرح بالتحديث كما سيأتي .
وابن أبي عروبة من أثبت الناس في قتادة ومع ذلك لم يتفرد به ، فقد تابعه همام إلى آخر كلامه." (8)
فهذا الحديث أعل بتدليس كل من قتادة وسعيد بن أبي عروبة فاعتبر الكوثري عنعنتهما انقطاعا لأنهما مدلسان . لكن الألباني نفى العلة عن الحديث ،باحتمال عنعنة قتادة عند المحدثين لا سيما مع احتجاج الشيخين به مطلقا وحمل عنعنة ابن أبي عروبة على الاتصال لكونه روى الحديث عن قتادة وهو من أثبت الرواة فيه ولعدم تفرده نظرا لمتابعة همام له ، فانتفت بذلك علة التدليس وأصبح الحديث منها سالما. والله تعالى أعلم.
وكذلك من روى حديثا عن شيخ من الشيوخ المشهورين منفردا فتفرد به عن غيره من الرواة عن ذلك الشيخ فأعل الحديث الذي رواه بمجرد التفرد ولولم يخالفه غيره برواية الحديث على نحو آخر ، ثم ظهرت قرينة مرجحة لزوال تلك العلة فاحتمل التفرد،ورجح . قال ابن رجب رحمه الله : " أما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه إنه لا يتابع عليه ، ويجعلون ذلك علة فيه ، اللهم إلا أن يكون من كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه ، كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا ،ولهم في كل حديث نقد خاص ، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه." (9)
وكذلك مارووه بانقطاع كالإرسال وهو أكثر ما يعل به السند وشرطه أن يكون من قبيل الانقطاع الخفي أي ما ظاهره الوصل لتصدق عليه تسمية المعل اصطلاحا ، وقد قدح فيه هذا الانقطاع فأصبح به معلولا ، ثم بدا بعد البحث والفحص والتفتيش أن إسناده متصل فتبين اتصاله وزالت عنه العلة فصحح بعد أن كان معلولا فهذا أيضا من قبيل الحديث السالم ،ومثاله ما أخرجه أبو داود والطيالسي في مسنده : حدثنا نوح بن قيس قال حدثني عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم حسناء من أجمل الناس فكان ناس يصلون في آخر صفوف الرجال ينظرون إليها فكان أحدهم ينظر إليها من تحت إبطه إذا ركع وكان أحدهم يتقدم إلى الصف الأول حتى لا يراها فأنزل الله عز وجل هذه الآية :" ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين " هذا الحديث رجاله ثقات كما ذكر الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة وقال :وهذا إسناد جيد . (10)
وقد أعل الترمذي رحمه الله هذا الحديث بالإرسال فقال : " روى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ، لم يذكر فيه عن ابن عباس ، وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح."
قال الألباني رحمه الله عقبه:وهذا إعلال ليس بشيء عندي وذلك من وجوه: أولا : إرسال جعفر بن سليمان للحديث ، ومخالفته لنوح بن قيس لا تضر لأنه لو كان في الثقة في مرتبة نوح لورد هنا القاعدة المعروفة في المصطلح : " زيادة الثقة مقبولة" فكيف وهو دون الثقة ؟فإنه وإن كان من رجال مسلم فقد ضعفه غير واحد من الأئمة ، منهم البخاري فقال: "يخالف في بعض حديثه " وهذا وإن كان لا يسقط حديثه بالمرة فإنه يسقطه عن المرتبة العليا من الصحة ويجعله لا يعتد به عند المخالفة ، ولذلك قال الذهبي في الميزان :" وهو صدوق في نفسه ، وبنفرد بأحاديث عدت مما ينكر ، واختلف بالاحتجاج بها ، منها (فساق أحاديث له قال:وغالب ذلك في صحيح مسلم) وإذا كان الأمر كذلك فوصل نوح بن أبي قيس مقدم على إرسال جعفر لأنه أوثق منه ولأن الوصل زيادة من ثقة فيجب قبولها"(11)
فهذا الحديث كانت علته الانقطاع بالإرسال كما رأى الترمذي لكن الألباني رحمه الله رجح الرواية الموصولة عن ابن عباس فأصبح الحديث سالما من العلة .
أما المحفوظ فهو ما يقابل الحديث المعل راجحا عليه ، فإذا أعل الحديث بالإرسال مثلا فالحديث الموصول يقال له المعل والمرسل يقال له المحفوظ في كثير من اصطلاحات الأئمة كالحاكم والترمذي وأحمد بن حنبل وأبو حاتم وغيرهم ، رحمهم الله ، وكذلك يطلق المحفوظ على الحديث المقابل للحديث الشاذ فالحديث الشاذ ضعيف مرجوح وما ترجح وصح مقابلا له يقال له المحفوظ ، وكذلك المعروف يأتي مقابلا للحديث المنكر ، وهذه المقابلات لا تعني الضدية ولكن تعني الراجح الذي ترجح على غيره ، فالمقابلة هنا يشترط لها راجح ومرجوح أما بخصوص الحديث السالم الذي هو عكس المعل فلا توجد مقابلة للأرجحية ولا يوجد حديث راجح وآخر مرجوح وإنما هو حديث واحد أعله بعضهم ونفى عنه العلة آخرون فلما انتفت عنه العلة صار سالما تمييزا له وبالله التوفيق والله تعالى أعلم والحمد لله رب العالمين.
==============================================

(1) شرح ألفية العراقي 1/238 وعلوم الحديث 82
(2) الباعث الحثيث 71
(3) لسان العرب 6/343
(4) لسان العرب 6/ 344
(5) توضيح الأفكار 2/26 - ليس كلام الصنعاني رحمه الله هنا عن المناسبة بين السالم في اللغة والاصطلاح فكلامه في سياق آخر وإنما اقتبست منه العبارة لمناسبتها للسياق.
(6) السلسلة الصحيحة (5/ 276- 277) رقم الحديث 2236
(7) الحديث المعل – للشيخ خليل إبراهيم ملا خاطر نزيل المديمنة المنورة 40
(8) انظر السلسلة الصحيحة- رقم الحديث 2475
(9) شرح علل الترمذي 1/352
(10)السلسلة الصحيحة رقم الحديث 2472
(11) السلسلة الصحيحة 5 / 609- 610

<div style="padding:6px"> الملفات المرفقة
: تأصيل الأصول في الفرق بين الحديث السالم والمعلول.doc&rlm; (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=96787&d=1349264537)
: 60.0 كيلوبايت
: <font face="Tahoma"><b> doc