المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( تَـحريـرُ حَـدِّ أُصـولِ الفـقـهِ اللـفـظيّ واللقـبَيّ ، ومـنْ هو الأُصوليُّ والفـقيـهُ . )) للنّقدِ .



أهــل الحـديث
02-10-2012, 02:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم .

(( تَـحريـرُ حَـدِّ أُصـولِ الفـقـهِ اللـفـظيّ واللقـبَيّ ، ومـنْ هو الأُصوليُّ والفـقيـهُ . )) للنّقدِ .

الحـمـدُ للهِ القـويِّ القـادرِ الولـيِّ النّـاصر اللطيفِ القـاهر الـمنتقم الغـافرِ الباطـنِ الظَّـاهرِ الأول الآخر ، الحـمـدُ لله الذي أسـسَّ قَـواعـدَ الشَّـرعِ بأصـول أساسـه ، وملّك مَـنْ شَـاءَ قـياد قـياسـهِ ، ووهـبَ مَـنْ اخـتـصهُ بالسَّـبقِ إليه على أفـرادِ أفـراسِهِ ، وأولى عِـنان العناية من وفقه لاقتباسِهِ .

وأشـهـدُ أنَّ سيدنا مُحمَّدًا عبدُه ورسولُـه الذي رقى إلى السّبع الطباق ببديع جناسه، وآنس من العلا نورًا هدى الأمّةَ بإيناسِهِ ، صَلَّـى اللهُ عليهِ وعلى آلـهِ وصحبهِ وسَلَّـم تسليمًا كثيرًا ما قامت النّـصوصُ بنفائسِ أنفاسِهِ ، واستخرجت الـمعاني مِـنْ مِشكاةِ نبراسه.

والعلمُ أربح المكاسب والمتاجر وأشرف المعالي والمفاخر وأكرم المحامد والمآثر، وأحمد الموارد والمصادر فشرُفتْ بإثباتِـه الأقلامُ والـمحابرُ وتزينت بسماعه المـحاريبُ والمنابرُ وتحلّـت برقومِهِ الأوراقُ والدفاترُ وتقدم بشرفه الأصاغرُ على الأكابرِ واستضاءت ببهائهِ الأسرار والضمائر وتنورت بأنواره القلوب والبصائر .

وأشرفُ العلومِ ما ازدوجَ فـيـهِ العقلُ والسمعُ واصطحب فيه الرأيُ والشرعُ وعلمُ الفقهِ وأصولِهِ مِـنْ هذا القبيلِ فإنّه يأخذُ مـنْ صفوِ الشّـرعِ والعقلِ سواء السبيل فلا هو تصرف بمحضِ العقولِ بحيثُ لا يتلقاه الشرعُ بالقبول ولا هو مبني على مـحض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد ولأجل شرف علم الفقه وسببه وفّرَ الله دواعي الخلق على طلبه وكان العلماء به أرفع العلماء مكانًـا وأجلّهم شأنًـا وأكثرهم أتباعًا وأعوانًا . ( هذه المقدّمة من كتابيْ الـمستصفى والبحر المحيط. )

أمّـا بـعدُ :
فهذا بحثٌ من بحوثٍ كنتُ أتأمّلُ بِها طَوال الأشهرِ السّابقةِ المـاضيـةِ ، وأقـدّم رجلًا وأخرُ أخرى في إخراجه للقارئ لأسبابٍ أهمّها : صغرُ سِنّي ، وحَداثةُ علمي ، وعدمُ نضجي ، ولكن توكلّتُ على ربّي هذه الليلة أن أكتبَه لأريَـكم إيّاه ، ولتضربوا بـهِ سياطَ النّـقدِ حتى يستويَ عودهُ ، ويـتـقوّى صاحبُه – هداه الله لِـما يحبُّ ويرضى وإيّـاكم - ، ولا زال يحثُّ الخطى على طريق العلمِ للوصولِ إلى الغاية المرجوّة ، ومبتغاه المأمول – أسأل الله أن يحققَ له غايته ومبتغاه - .

وقَبـلَ أن أبدأَ بخطِةِ بحثـي لا بدَّ لكَ أخي أن تقرأ معي كلامَ شيخِ الإسلام – عليهِ رحمةُ ربّ الأنام – يوضّحُ منهجيّة حكـايـةِ الخلاف :
(( أحسـنُ مَـا يكونُ فِي حكايةِ الخـلافِ ، أن تستوعبَ الأقوالَ فِي ذلك الـمقام ، وأن يُنَبَّهَ عَلى الصّحيح منها ، ويبطلَ الباطـلُ ، وتذكر فائدةَ الخلاف وثـمرتُهُ ؛ لِئلا يطولَ النّـزاعُ والخلافُ فيما لا فائدةَ تـحتـه ، فيشتغل به عن الأهمّ . فأمَّـا من حكى خلافًا فِي مسألةٍ ولـم يستوعب أقوالَ النَّـاس فيها فهو ناقصٌ؛ إذ قـد يكون الصّوابُ فِي الذي تركَـهُ أو يَحكي الخلافَ ويطلقه ، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقصٌ أيضًا . فإنَّ صَححَّ غيـر الصحيح عامدًا فقد تعمّدَ الكذبَ ، أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظًا، و يرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيّع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور . واللّه الموفق للصواب . )) ( من مقدّمة أصولِ التّفسير )

وقدْ قَـسّمـتُ البحثَ إلى فُصولٍ أعرضها مُـجْـملَةً ثم أفصّلُ لاحـقًا – وبالله أستعينُ دائمًا - :
الفصلُ الأول : تَحريرُ حـدّ ( أصول الفقه اللفظي ) وفيه مبحثانِ :
المبحثُ الأولُ : تَحريرُ حَـدّ لفظـةِ ( أصـول ) لغةً ، واصطلاحًا ، ومـا هي اطلاقاتُـها في العلـومِ ، ونوع الخلاف .
المبحثُ الثاني : تحريرُ حَـدّ لفظـةِ ( فـقـه ) لغةً ، واصطلاحًا ، وثمرةُ الخلافِ .

الفصلُ الثاني : تَـحريرُ حـدّ تـعريف ( أصـولِ الفقه اللقبي ) .

الفصلُ الثالث : مَـنْ يُـطْلـقُ عليه ( الفـقـيه ) .

الفصلُ الرّابع : مَـنْ يُـطْـلَقُ عليه ( الأصوليُّ ) .

الفصلُ الخامس : تَحريرُ مسألةٍ هي : دلائل الفقهِ هو نفسُ الأدلّةِ أم معرفتُها .

وسأضعُ مراجعَ بحثي للمسائلِ ضمنَ البحثِ نـفسهِ ولن أضعَها في نهايتهِ ؛ حتى يسهلَ الرّجوعُ إلى مَـا أنْـقُـلهُ من كلامِ أهـلِ العلـمِ بسهولةٍ ويسرٍ ، ولا تضيعُ الفكرةُ بالنّظرِ إلى المراجعِ في نهايةِ البحث . ولا أذكرُ تاريخ وفاة العالم إلا مرةً واحدةً عند ذكره لأول مرة فلينتبه .
وأخيرًا أطلبُ منكم كما طلبَ السبكي حين قال في الإبهاج : (( وعسى دعوةٌ مِـنْ أخٍ فِي اللهِ تنفعني وأنا في القبر راقدٌ )) .


*********************

الفصلُ الأول : تَحريرُ حـدّ ( أصول الفقه اللفظي ) وفيه مبحثانِ :

المبحثُ الأولُ : تَحريرُ حَـدّ لفظـةِ ( أصـول ) لغةً ، واصطلاحًا ، ومـا هي اطلاقاتُـها في العلـومِ ، ونوع الخلاف .

أولًا : تَـعريفُ الأصلِ : لغةً .

في تَهذيبِ اللغة للأزهري 370 هـ ، ولسان العربِ لابن منظور 711 هـ :
أصلُ : أسفلُ كلّ شيءٍ وجمعهُ أصول .
وفي مقاييس اللغة لابن فارس 395 هـ : أصل : أساس الشيء .

ثانيًا : تَعريفُ الأصلِ عند الأصوليّيـن :

أ – اختلِفَ حَـدّ الأصـلِ عند الأصوليّيـن على عِدةِ أقـوالٍ أحصيتُ منها :

1 – ما يَنبني عليه غيره .
قال به : أبو الحُسين البصري 430 هـ في شرح العمد (( ويقول الزركشي 795 هـ في البحر المحيط أنّ ابن الحاجب تبع أبا الحُسين )) ، الجويني 478هـ في الورقات ، الشوكاني 1205 هـ في إرشادِ الفُحول ، واختاره د. عبد الكريم النّـملةُ في المهذّب .

2 – المحتاجُ إليهِ .
قال به : الرازي 606 هـ في المحصول ، وسّراج الدّين الأرموي 682 هـ في التحصيل .

3 – ما يَسـتـنـدُ تَـحَقّـقُ الشـيءِ عليه .
قال به : الآمدي 631 هـ في الإحكام .

4 – مَـا مِـنه الشيء .
قال به : صفيُّ الدّينِ الهندي 715 هـ في نهايةِ الوصول في دراية الأصول .

5 – مَـا تفرّعَ عنه غيرهُ .( الفقه ) :
قال به : ابن السمعاني 489هـ ، و القفّال الشاشي ونقل قوله الزركشي في بحره وقال : هو أسدّ الحدود
.

ب – تحرير الخلاف .
بادئ ذي بدء أقولُ : إنّ النّاظرَ في تلكَ التعريفات السابقة لا يجدُ رابطًا بين معنى الأصل اللغوي وما ذكره الأصوليّون في كتبهم ، وهذا يقرّرُ ما قاله السبّكي 771 هـ - في شرحه على المنهاج المسمّى بالإبهاج – أنّ الأصوليينَ دقّـقوا في اللغة أكثر من أهلِ اللغة أنفسهم .
قال : (( فإن الأصوليينَ دقَـقـوا فِي فهمِ أشياء مِـن كلامِ العربِ لَمْ يصلْ إليها النحاةُ ولا اللغويون . ))

ثمّ إنّ المـتأملَ في التعاريف يجدُ خيطًا يضمّهما في سلكٍ جامعٍ يجمعهُا وهو ( البناء ) بمعنى : أنّ الأصـلَ ( ينبني ويتفرّع ويستند ) على شيءٍ آخر وهو هنا ( الفرع ) . فيكونُ بذلك الخلافُ لفظيٌّ .

ثمّ إنّ الحـدَ الذي اخترتهُ هو : ما ينبني عليه غيره ؛ لأسباب هي :
1 – هذا الحـدُّ قال به الأكثر ، ولا أخرجُ عن قولهم وأسيرُ في ركابهم .
يقول الإسنوي بعد أن ساق التعاريف : (( وأقربُ هذه الحدود الأول والأخير . )) ويقصدُ بالأخير ما ينبني عليه غيره .
قال ابن النّجارِ الفتوحيّ 972 هـ في شرح الكوكب المنير في هذا التعريف (( قاله الأكثر . ))

2 – يلتقي مع التعريف اللغوي الأساس إذ لا بناء بلا أساس ، ولفظة البناء - أراها – أعمّ وأشمل .

3 – يجتمع البناء مع إطلاق لفظة الأصول على الدليل عند أهل الشريعة ، إذ يبنى فرعٌ على دليل .

4 – موافقته للعقل ، إذ يبنى الولد على والده ، وقد ردّ الدكتور النملة على من يقول عكس ذلك في المهذّب .

أمّا قولُ ابن السمعاني في قواطع الأدلة معترضًا على تعريفي المختار :
(( هناك من أصول الشرع ما هو عقيم لا يقبلُ الفرع . ))
أجيبُ على هذا – مستعينًا بالله – أنّ النّظرَ يكونُ على الأغلب الأعمّ لا على الشاذ القليل . وأسأل الله أن يرحمكَ يا ابن السمعاني . آمين .

ثالثًا : تعريفُ الأصلِ اصطلاحًا .
اختلفَ الأصوليّون في تعريفِ الأصل اصطلاحًا على أقوال :
1 – ما له فرع .
قال به : ابن النّجار .

2 – كلّ ما ثبتَ دليلا على إيجاد حكمٍ من أحكام الدّين .
قال به : ابن السمعاني .

3 – ما ثبتَ حكمه بنفسه .
قال به : أبو يعلى 458هـ .

والخلافُ في موضع الاصطلاح وجيزٌ ، والذي أختاره هو قول ابن النّجار ما له فرع ، وبذلك يتعاضدُ الاصطلاح مع ما اخترته من حد الأصل عند الأصوليون .

رابعًا : اطلاقات ( الأصل ) في كلام العلماء .

تكادُ تجتمعُ كلمةُ كلِّ من خطَّ قـلمهُ في الأصول على أنّ لفظة ( الأصل ) عند العلماء تُطلقُ على أربعةِ معانٍ ، ومنهم من زاد لكنّهم قلّة قليلة ، وهذه الاطلاقات مستخدمةٌ عندهم في أبواب العلم وهي :

1 – الدّليل : أصل المسألة الكتاب : أي دليلها .

2 – الرّاجح : الأصلُ في الكلام الحقيقة لا المجاز أي الرّاجح ، الأصل براءة الذّمة .

3 – القاعدة المستمرّة : الأصلُ في الفاعلِ أن يكونَ مرفوعًا ، أكلُ الميتةِ على خلافِ الأصل .

4 – أحد أركان القياس الأصولي .

وزاد الزّركشي في البحر المحيط :
التعبّد : إيجاب الطهارة بخروج الخارج على خلاف الأصل .
المخرج : قول الفرضيين أصل المسألة من كذا .

وممّن نصَّ على هذه المسألة :
الإسنوي في نهاية السُّول .
الزركشي في البحر المحيط .
الشوكاني في إرشاد الفحول .
ومعظم الأصوليون المعاصرون . كالجيزاني والإثيوبي وزيدان وغيرهم .

ملاحظات يسيرة :
أختمُ هذا المبحثَ ببعض الملاحظات :
الغالب عل من كتبَ في اطلاقات كلمة الأصل ما يلي :
1 – تشابه الأمثلة تشابهًا تامًّا .
2 – لا يُـعرفُ أول من أطلقَ هذه الاطلاقات – فيما قرأتُ ووصل إليه علمي –

اطلاق لفظة ( الأصول ) في علم أصول الفقه هو على ( الدّليل ) وقد يكونُ هذا محلّ اتفاقٍ .
1 - قال الشيرازي 476 هـ في شرح اللمع : (( أصول الفقه : أدلته . ))

2 – قال الجويني في التلخيص وكذلك في البرهان :
(( فإن قال قائل : ما أصول الفقه على قضيّة الاصطلاح المتداول بين العلماء .
قيل : أصول الفقه : أدلته . ))

3 – قال الغزالي في المستصفى : (( أصول الفقه : أدلته . ))

وكذا قال ابن قدامة 629 هـ في روضة النّاظر ، والآمدي في الإحكام ، وابن الحاجب 646 هـ في مختصر منتهى السؤل والأمل ، وعبد المؤمن الحنبلي 739 هـ في قواعد الأصول .
وقال ابن النّجار في مختصر التحرير : (( ويطلقُ على الدّليل غالبًا وهو المراد هنا . ))

انتهى المبحث الأول .