المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أين نحن من تَذَكُر هذا ؟!



أهــل الحـديث
01-10-2012, 05:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




أيها الأحبة الكرام هذه مقالة جديدة من مقالات شيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وهي بعنوان أين نحن من تذكر هذا نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم



بسم الله الرحمن الرحيم



أين نحن من تَذَكُر هذا ؟!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
لقد كتب الحي الذي لا يموت قبل أن يخلق السماوات و الأرض بخمسين ألف سنة الموت على كل أحد و الفناء على هذه الدنيا، فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، قال جل وعلا ( كل نفس ذائقة الموت ) [آل عمران :185]
قال الشيخ السعدي – رحمه الله- :" هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها وعدم بقائها وأنها متاع الغرور تفتن بزخرفها وتخدع بغرورها وتغر بمحاسنها ثم هي منتقلة ومنتقل عنها إلى دار القرار التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار من خير وشر ". تفسير السعدي (ص 159)
فكل مخلوق مهما طال عمره و امتد أجله، فالموت نازل بساحته، و الفناء لاحق به، ولو جعل الله البقاء لأحد لكان لأنبيائه المطهرين وعباده الصالحين، قال تعالى ( إنك ميت و إنهم ميتون) [الزمر:30]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : " ومعنى هذه الآية أنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله عز وجل فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين ثم إن هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة ". تفسير ابن كثير ( 4/ 53)
أيها الأحبة الكرام إن الموت لا يخشى أحدا و لا يُبقي على أحد،ولا يُفرق بين أحد، لا يعرف صديقا، ولا يميز بين كبير ولا صغير، ولا صحيح ولا سقيم ، فكلهم لكأسه شارب ولو طال بهم المدى وعمَّروا سنينا.
فلا محيص عن الموت و لا مفر لنا منه ، يُلاحقنا في أي مكان كنا ، في البر أو البحر أو الجو ولو تحصَّنا منه وبذلنا الجهد في ذلك، قال جل وعلا (أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنت في بروج مشيدة) [ النساء : 87]
قال الإمام الطبري –رحمه الله- :" فإن الموت بإزائكم أين كنتم وواصل إلى أنفسكم حيث كنتم ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة ". تفسير الطبري ( 5/ 172)
فلا مرد للموت الواقع من دافع ، ولا ينفع في تأخيره شافع ، يحاول الإنسان أن يبتعد عنه ويهرب منه، لكنه ملاقيه لا محالة ، قال سبحانه ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم )[ الجمعة :8]
أيها الأفاضل عندما تركنا ذكر هادم اللذات و مفرق الجماعات تعلقنا بشهوات هذه الدنيا الفانية و فَرِحْنا بزخرفها، فلم نستعد للموت لاغترارنا بصحتنا وفَرِحنا بشبابنا ، و الله المستعان .
قال ابن الجوزي – رحمه الله- :" يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً ، ولا يغترر بالشباب والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشبان". صيد الخاطر (ص 63)
فلو كان الموت نهاية المطاف أيها الكرام لكان الأمر علينا يسير ، لكن يعقبه فتنة القبر و سؤال منكر و نكير ، فإما نعيم بعدها دائم أو عذاب أليم، و الله الحافظ .
فهذا عثمان- رضي الله عنه- أحد الخلفاء الراشدين المهديين و العشرة المبشرين بجنة رب العالمين، كان إذا وقف على قبر بكى حتى يَبُلَّ لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟!فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن القبرَ أولُ منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعدَه أيسرُ منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه"، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما رأيت منظرًا قط إلا القبرُ أفظعُ منه". رواه الترمذي (2308) و حسنه الشيخ الألباني – رحمه الله-
قال الحافظ المناوي – رحمه الله- : "وإنما كان فظيعا لأنه بيت الدود والوحدة والغربة ". فيض القدير (5/446)
وصدق من قال :
فلو أَنَّا إذَا مُتْنَا تُرِكْنَا لَكَانَ الْمَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيِّ
وَلَكِنَّا إذَا مُتْنَا بُعِثْنَا وَنُسْأَلُ بعد ذا عن كُلِّ شَيِّ أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 147)
فعلينا أن نستعد أيها الأحبة لسكنى القبور ونتزود ليوم النشور ، يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
يا من رزقه الله مالا ! استعن به على طاعة الله و الإنفاق في وجوه الخيرات لإرضاء رب البريات .
ويا من رزقهم الله أبناء! هذه أمانة استرعاك الله عليها ، فربيهم على التمسك بتعاليم الدين وحب هدي خير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم .
فيا من ولاك الله على خلقه و رزقك المناصب ! اتق الله فيما استخلفك و اعلم أنك يوم القيامة ستسأل عما كان بين يديك ، فأعد للسؤال جوابا و للجواب صوابا.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله- : " اشتر نفسك اليوم فإن السوق قائمة، والثمن موجود والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق و البضائع يوم لا تصل فيها إلى قليل ولا كثير (ذلك يوم التغابن) (ويوم يَعضُ الظالم على يديه)". الفوائد (ص 49)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا ، وأن يرزقنا حسن الخاتمة، وأن يقبل منا أعمالنا الصالحة التي هي سبب للنجاة من العقاب بعد رحمة الله الوهاب، فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله حمزة النايلي