المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهجية القراءة في أحاديث العقائد - عصر النصر



أهــل الحـديث
28-09-2012, 10:32 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


منهجية القراءة في احاديث العقائد:

- التعريف بالموضوع :

يراد بهذا البحث بيان المنهجية التي سار عليها المحدثون في قراءة احاديث العقائد ، فان تجلية منهجهم في ذلك مما يعين على رسم الطريق الصحيح الذي ينبغي ان تسلك في التعامل مع النصوص الشرعية عموما واحاديث العقائد على وجه الخصوص.

- اما احاديث العقائد : فيراد بها الاحاديث التي تضمنت مسألة اعتقادية او اكثر .

- والمراد بالمسائل الاعتقادية : هي كل ما امر المسلم ان يؤمن به كالايمان بالله وما يجب له من التوحيد والطاعة, وبملائكته ، وكتبه ورسله واليوم الاخر ، والقدر وسائر ما ثبت من امور الغيب ،والعمل بما ثبت في الاصول علمية كانت او عملية .

- أهمية هذا الموضوع :
اولا : اهمية ابراز المنهجية في قراءة احاديث العقائد :
ان ابرز مقومات المنهجية العلمية التي سار عليها المحدثون والذين هم تبع فيها لسلف هذه الامة من الصحابة والتابعين – في قراءة أحاديث العقائد ، تعين على الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة ، حيث ضبطوا مدارك الفهم بضوابط علمية دقيقة مستمدة من الكتاب والسنة ومنهج الصحابة في التلقي والعمل وكذا منهج التابعين الذين اخذوا عنهم ومن تبعهم ممن جاء بعدهم من الائمة .

ان ابراز هذه المنهجية وتجلية ملامحها يعصم الفهم من الزلل حيث تمثل الطريقة السليمة في التعامل مع النص الشرعي ، كما تعمل على حماية النص مما دخل الى بعض الفرق الكلامية من افكار والتي تأثرت بعلم الكلام مما جعلهم يخالفون النصوص قلّ ذلك فيهم أو أكثر .

لذلك جاء هذا البحث ليلقي الضوء على المنهجية الصحيحة التي سلكها المحدثون في التعامل مع احاديث العقائد .

• منهج السلف في اثبات العقائد :
ان الكلام على المنهجية التي سار عليها المحدثون في قراءة احاديث العقائد ، لا بد ان تسبق ببيان منهج السلف ؛ ذلك ان المحدثين قد ساروا في منهجهم على نفس الطريق ، واتبعوا قواعدهم التي اسسوها واحوالهم التي رسموها .

وهذه القواعد هي :

اولا : ان مصدر العلم الالهي هو الوحي بقسميه الكتاب والسنة ، وقد اشتملا على الادلة العقلية والنقلية ، وهذا الامر اوجب التسليم .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية –رحمه الله -:
" ان اصل العلم الالهي ، ومبدأه ودليله الاول عند الذين ءامنوا : هو الايمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعند الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو وحي الله اليه ، ولهذا كان اصل العلم والهدى هو الايمان بالرسالة المتضمنة للكتاب والحكمة "
وقال ابن ابي العز –رحمه الله - :" فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لامره وتلقي خبره بالقبول والتصديق .."

ثانيا : ان العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح :
من القواعد المتقررة في الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القول بتوافق العقل السليم الصريح مع النقل الصحيح ، قال تعالى :" الا له الخلق والامر " فالعقل من خلق الله سبحانه ،والنقل وحي الله وهو امره فمرد الاثنين اليه سبحانه ، فلا يمكن ان يتعارض خلق الله مع امره ,فإن حصل تعارض فلا بد من ان هذا الخلق قد خرج عن مقتضى جبليته فحال بينه وبين فهم مراد الله حائل ، او ان هذا الامر المتمثل بالوحي نقل بطريق لا يصح .
وهذا بطبيعة الحال لا ينطبق على كل ما نقل – كالقران – فإن النظر فيه يكون الى جهة الدلالة لا الثبوت.

من المهم ان ننبه هنا على ان العقل يطلق ويراد به معان ، منها :
- العقل الغريزي : او العقل الجبلي .
- ومنها : العقل المكتسب ، وهو الناتج عن العلوم التي يتلقاها العقل الغريزي ويتغذى بها ، اذن فهوية هذا العقل تعود الى مقوماته ومكتسباته .

وعليه فان العقل الاول لا يتصور ان يخالف النقل ابدا ، بل " ان الله اعده بصفة عامة لادراك ما هو مطلوب شرعا ، واعد له ما يسدده به من الفطرة التي لم تفسدها الاهواء ، والايات الظاهرة في الانفس والافاق, ثم اكمل ذلك بالشرع المتمثل بالكتاب والسنة "

وبذلك تبين لنا ان ما يحصل من خلاف بين العقل والنقل في كثير من الاحيان يكون مرده الى مقومات هذا العقل ومكتسباته المعرفية ، بمعنى ان من بنى عقله على مسلمات الكتاب والسنة وراعى ثوابت الدين, وادرك النبوة ادراكا صحيحا ، لا يتصور منه ان يرد حديثا صحيحا ، ولو اشتمل على ما يستغربه العقل,خصوصا ان جانبا ليس بالقليل من العلوم هي في عداد المفقود ولا يطلع على ما يطلع عليه منها الا بواسطة الوحي .

يقول الشيخ السباعي في بيان هذا الامر :" ان استغراب العقل شيئا امر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مما لا يضبطه ضابط ولا يحدده مقياس "

ثالثا: الاخذ بظواهر القران والسنة : الاصل ان يفهم القران والسنة بمقتضى ظاهر لغتهما العربية ، كما هي طريقة السلف لقوله تعالى :" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " ، وقوله تعالى :" وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" .

وعليه فمن ادعى فهم شيء من القران والسنة على خلاف ما دل عليه ظاهر اللغة فعليه اثبات ذلك بدليل معتبر شرعا ،من اية محكمة ، او حديث صحيح صريح اما صرف اللفظ عن ظاهره لمجرد المعارض العقلي المتوهم وتأويله بخلاف المتبادر من سياق الكلام فيدخل في تحريف الكلم عن مواضعه الذي عابه القران على اهل الكتاب .

رابعا : العمل بمحكم ما جاء في القران والسنة والايمان بمتشابهه :
لا يخرج مسلك السلف ، ومن تبعهم بإحسان ازاء المحكم والمتشابه عن مقصودين شريفين ، هما : العمل بالمحكم الذي جاء في القران والسنة ، والايمان بالمتشابه ،وهذا المسلك يقوم على اسس ، هي :

أ****- الاساس الاول : ان كل ما انزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم يمكن فهمه : قال ابن جرير :" ان جميع ما انزل الله سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما انزله عليه بيانا له ، ولأمته ، وهدى للعالمين ، وغير جائز ان يكون فيه مالا حاجة بهم اليه ، ولا ان يكون فيه ما بهم اليه حاجة ثم لا يكون بهم الى علم تأويله سبيل ..."

ب****- الاساس الثاني: انه لا فرق في وضوح المعنى بين ايات الاحكام وايات الاعتقاد :
قال شيخ الاسلام : " النقول متواترة عن ابن عباس رضي الله عنهما انه تكلم في جميع معاني القران من الامر والخبر ، فله من الكلام في الاسماء والصفات ، والوعد والوعيد والقصص ، ومن الكلام في الامر والنهي والاحكام ، ما يبين انه كان يتكلم في جميع معاني القران " .

ج- الاساس الثالث : ان ضابط الإحكام والتشابه في النصوص هو الشرع :
فمن نظر في الكتاب والسنة لا يجد فيها ما يدل على ان هناك ما لا يعلم معناه، بل نفي العلم بتأويل بعض ما انزل الله ، والمراد به هنا حقيقته ومآله .

د- الاساس الرابع : تأويل المتشابه بالرد الى المحكم :
ان المتامل في النصوص الشرعية يرى بأنها في معظمها من المحكم وهذا الذي يتوافق مع الهدف العظيم الذي لأجله انزل الله كتابه وبعث رسوله من هداية الخلق والرحمة بهم لذلك كان من علامات الراسخين في العلم رد المتشابه الى المحكم حتى تتسق النصوص الشرعية ولا يضرب بعضها ببعض ، هذا مع التنبيه على ان التشابه في النصوص امر نسبي يختلف من شخص لاخر .

كتبه:
عصر محمد النصر الأردني
باحث شرعي في علوم السنة النبوية