المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهجية القراءة في أحاديث العقائد (2) / منهج المحدثين في إثبات العقائد - عصر النصر



أهــل الحـديث
28-09-2012, 10:32 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


منهجية القراءة في احاديث العقائد
القسم الثاني
منهج المحدثين في اثبات العقائد :

ان الكلام عن منهج المحدثين في قراءة احاديث العقائد والتعامل معها لا يعني انقطاعهم عمن سبق من سلف الامة ، الا ان ثمة اسبابا اوجبت بعض التمايز لمذهب المحدثين كما انهم نتيجة ذلك استحدثوا بعض الاصول التي تناسب عصرهم وهم في ذلك يعتمدون على ما مضى من اصول سلفية ينطلقون منها واليها يرجعون .
ان من اهم اسباب ظهور مذهب المحدثين والذي يمثل عموم الامة بأصالتها وفطرتها ؛هو النزعة العقلية والمناهج الكلامية ، حيث ظهرت مناهج تخالف ما كان عليه سلف الامة من الصحابة والتابعين ، مما حدا بأهل الحديث ان يتصدوا لهذه المناهج من خلال الرد عليها وبيان فساد اصولها ودحض شبهها .

ان ما تقدم من اصول لاثبات العقيدة والتعامل معها هو بذاته ما كان لاهل الحديث فهم كما تقدم تبع لمن مضى ، الا اني سأذكر هنا ما استجد من اصول لاهل الحديث وهذا كما مضى موافقة لظهور بعض المذاهب التي لم توجد في عصر السلف من اهل السنة .

الاصل الاول : اعتبار حجية الثابت من السنة النبوية دون الضعيف: فيجب قبول مضمون الرواية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب القواعد التي سار عليها علماء الحديث ولو بأدنى درجات الثبوت ،وهو ما يسميه علماء الحديث :" الحسن لغيره " ، مع مراعاة تاثير التفاوت بين درجات الثبوت في قيمة المسألة العقدية ، وتقيم المخالفة فيها ، وقد اجمع السلف على اثبات المسائل العقدية بحديث الاحاد ، وتبعهم على ذلك اهل الحديث .

وهذا المنهج الذي سار عليه المحدثون في تعاملهم مع الحديث النبوي " دعاهم الى الاحتياط والتثبت في قبول الاحاديث ، ولهم في ذلك منهج علمي رصين يعد من اهم مناهج البحث العلمي واكثرها دقة والتماسا للحق من وجهه ، وتتبعا له في مظانه ولم يزل اهل الحديث على ذلك حتى عرفوا الصحيح من الضعيف ،والناسخ من المنسوخ وما الى ذلك.."

رواية الضعيف في كتب العقائد وحكم الاحتجاج به :
"لما كان الحديث الضعيف مترددا بين ان يكون روايه قد حفظه وأداه على وجهه ، وبين ان يكون قد اخل فيه لضعف ضبطه وسوء حفظه ، كان مثار اختلاف كبير بين العلماء في قبوله ورده ، وهذا الاختلاف وان تناول الاحكام والفضائل والتفسير والمغازي والسير وغيرها ، فإنه لا يتناول العقائد كمعرفة الله تعالى وتوحيده واسمائه وصفاته وجزائه وقضائه وقدره ، اذ لا قائل به في ذلك ، وقد اختلفوا في قبول خبر الاحاد وان صح في هذا المجال ، او لا يقبل فيه الا المتواتر ، وان كان الراجح في هذه المسألة هو قبول خبر الاحاد اذا صح في العقائد .."
اذن اتفق المحدثون على عدم الاحتجاج بالحديث الضعيف في العقائد واختلفوا فيما عدا ذلك –بما تراه مفصلا في فتح المغيث للسخاوي – رحمه الله - .
لكن السؤال : بماذا نفسر وجود الحديث الضعيف في ثنايا كلام اهل العلم على مسائل العقيدة ؟
الجواب عن ذلك :
كان لاهل العلم مقاصد في روايتيهم للاحاديث الضعيفة – وليس منها بطبيعة الحال الاحتجاج بها – الا ان هذه الاحاديث قد تتضمن معنى صحيحا ورد في حديث صحيح اخر ، فيذكر لتعزيز المعنى المراد ، واليك بعض ما ورد عن اهل العلم في ذلك :
جاء في معرض رد شيخ الاسلام على البكري –فيما عرف بكتاب الاستغاثة او الرد على البكري –عند تعليق الشيخ على كلام البكري حيث قال " واورد هذا الرجل حديثا: "ان منافقا كان يؤذي المؤمنين ..." ذكر الحديث .
قال شيخ الاسلام : "والجواب عن هذا الكلام مع ما فيه من الجهل ...، ان يقال : هذا الخبر لم يذكر للاعتماد عليه بل ذكر في ضمن غيره ليتبين ان معناه موافق للمعاني المعلومة بالكتاب والسنة كما انه اذا ذكر حكم بدليل معلوم ذكر ما يوافقه من الاثار والمراسيل واقوال العلماء وغير ذلك لما في ذلك من الاعتضاد والمعاونة لا لأن الواحد من ذلك يُعتمد عليه في حكم شرعي ولهذا كان العلماء متفقين على جواز الاعتضاد والترجيح بما لا يصلح ان يكون هو العمدة من الاخبار التي تُكلم في بعض رواتها لسوء حفظ او نحو ذلك وبأثار الصحابة والتابعين بل بأقوال المشايخ والاسرائليات والمنامات مما يصلح للاعتضاد ، فما يصلح للاعتضاد نوع وما يصلح للاعتماد نوع ..."
وقال الشيخ حمد ناصر بن معمر –وهو من علماء الدعوة النجدية- :" .. ثم لفظ الاطيط لم يأت به نص ثابت ، وقولنا في هذه الاحاديث : انا نؤمن بما صح منها ، وبما اتفق السلف على امراره واقراره ، فأما ما في اسناده مقال ، واختلف العلماء في قبوله ، وتأويله ، فانا لا نتعرض له بتقرير ، بل نرويه في الجملة ، ونبين حاله ، وهذا الحديث انما سقناه لما فيه مما تواتر ، من علو الله على عرشه ، مما يوافق ايات الكتاب ".
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي –حفظه الله -:
" والخلاصة : ان مقصودهم من روايتهم لها :
- ايراد ما ورد في ذلك الباب من صحيح وضعيف.
- والاستدلال – من حيث الجملة – بالقدر المشترك بين الاحاديث الصحاح وغيرها من الضعاف والاسرائليات ، لا بما انفردت به "
وقال في موضع اخر :" وكان الائمة –رحمهم الله – ربما رووا احاديث في اسانيدها شيء ، في كتب :" الاسماء والصفات " وغيرها : ليس للأخذ بها ، بل للوقوف عل اسانيدها ، ومعرفة حالها ، وعللها".

الاصل الثاني : اتباع السلف الصالح في تفسير النصوص .
والمراد بالسلف الصالح الصحابة والتابعون من اهل القرون الثلاثة الممتدحة الذين يتقيدون بالكتاب والسنة نصا وروحا دون من وصف بالبدعة كالخوارج ، والقدرية والمعتزلة وغيرهم من الفرق .
وانما يؤخذ برأيهم ، ويعتد به لكونهم ابر قلوبا، واعمق علما ، واقل تكلفا واقرب الى التوفيق ، لما خصهم الله به من توقد الاذهان ، وسعة العلم وقوة الادراك ، وحسن القصد ، وتقوى الله ، وقرب العهد بنور النبوة ، فكانت طريقتهم لذلك هي الطريقة المحمودة ، وطريقة غيرهم لا تساويهم ولا تدنوا منهم .

الاصل الثالث : رفض التأويل الكلامي .
ان التأويل عند المتكلمين عامة يقتضي اتخاذ العقل اصلا في التفسير مقدما على الشرع ، فاذا ظهر تعارض بينهما ، فينبغي تأويل النصوص الى ما يوافق مقتضى العقل كتأويل ادلة الرؤية ،وادلة العلو ، وايات الصفات وما الى ذلك ، والسلف يرفضون هذا النوع من التأويل ويخطئون القائل به ، ويشتدون في النكير عليه ، لأنه يفضي الى تعطيل النصوص ، والتجاوز بها الى معان واراء مدخولة تستهدف هدم الشريعة واضلال معتقديها ،وبلبلة ما استقر في قلوبهم ، وامتزج بنفوسهم من عقائد واضحة لا لبس فيها ، ولا شائبة من غموض ، والتأويل الصحيح والمقبول عندهم هو الذي يوافق ما دلت عليه النصوص ، وجاءت به السنة ، وغيره هو الفاسد.

الاصل الرابع : ترك الجدل في الدين .
تكاد تجمع كتب الفرق والملل والنحل وكتب التاريخ والسير ان من اسباب ضعف العقيدة في نفوس المسلمين هو ظهور الجدل في الدين ، وتكاد تجمع المصادر التاريخية الى تعليل ظهور الجدل بعوامل خارجية ، اي من قبيل الغزو الثقافي الاجنبي ، يقول ابن قتيبة –رحمه الله – في بيان اثر الجدل : " وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر ، وفي تفضيل احدهما على الاخر ...، فقد صار المتناظرون يتناظرون في الاستطاعة والتولد والطفرة والجزء والعرض والجوهر ، فهم دائبون يخبطون في العشوات ، قد تشعبت بهم الطرق وقادهم الهوى بزمام الردى "
لقد وعى اهل الحديث هذا الدرس التاريخي فحذروا من تضييع الجهود في محاولات جدلية سقيمة ، ورأوا في تشققات المتكلمين بدعا من ناحية ، واستهلاكا لطاقة تبذل فيما لا طائل من وراءه من ناحية اخرى ، حيث جاء القران بأكمل المناهج في الحجاج العقلي ، وفرّغ المسلمين الى العمل .

الاصل الخامس : تحديد الالفاظ المتنازع عليها وتعين مدلولاتها :
لقد اشتدت عناية السلف ومن بعدهم علماء الحديث في تحديد الالفاظ ، وتعين مدلولاتها ، لأن كثيرا من الفرق يحتجون بألفاظ متشابهة مجملة يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة .
على ان الالفاظ تتنوع الى نوعين : نوع جاء به الكتاب والسنة ، فيجب على كل مؤمن ان يقر بموجب ذلك ، فيثبت ما اثبته الله ورسوله ، ومن تمام العلم ان يبحث عن مراد رسوله بها ، ليثبت ما اثبته ، وينفي ما نفاه من المعاني .
واما الالفاظ التي ليست في الكتاب والسنة , ولا اتفق السلف على اثباتها ونفيها , فهذه ليس على احد ان يوافق من نفاها او اثبتها حتى يستفسر عن مراده ، فان اراد بها معنى يوافق خبر الرسول ، اقرّ به ، وان اراد بها معنى يخالف خبر الرسول ، انكره .

كتبه: الشيخ عصر محمد النصر الأردني
الباحث المتخصص في علوم السنة النبوية