المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أثر الواقع في تقريرات السلف وأحكامهم - عصر النصر



أهــل الحـديث
28-09-2012, 10:32 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


اثر الواقع في تقريرات السلف وأحكامهم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى اله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فإن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل بشيرا ونذيرا، في وقت مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم ، فبعثه بالهدى ودين الحق ، فقال تعالى :" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ "(المائدة:67).

فأكمل له الدين وأتم عليه النعمة ، قال تعالى : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (المائدة:3).
ومن هنا تقررت الأحكام, وكل ما يحتاجه الناس في الكتاب والسنة بما لا مزيد ,عليه في شريعة أراد الله لها البقاء ، فأودع فيها عناصره وخصائصه ، لتبقى حية تستوعب الزمان ومتغيراته, والمكان و مستجداته .
أدرك سلف الأمة وأئمتها هذا الأمر ، فكان همهم وشغلهم كيف يحفظون هذه الشريعة وينشرونها بين الناس ، فكانت ألسنتهم تلهج دائما بنصوص الكتاب والسنة ، فيرون فيها كفاية ، وهي كذلك ، إلا أن ثمة مستجدات ألمت بالأمة فباتت الحقائق التي كانت مستقرة تحتاج إلى تذكير فأول هذه المستجدات فتنة ابن سبأ ومقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وبعد ذلك تفرق الصحابة وحصل الخلاف وظهرت الفرق كالخوارج والشيعة بمبادئ تخالف القران والسنة فبرزت الحاجة لتقرير حقائق الدين وبيان أحكامه وجرى الأمر على ذلك في كل حدث أو نازلة ، ومن هنا انبرى علماء المسلمين للكلام حول هذه المستجدات وبيان أحكامها استجابة للحاجة وتلبية للضرورة ، ولم يكن التأليف لهم مقصدا أو مطلبا ، فلو نظرنا فيما كتبه الأمام الشافعي من تصانيف لوجدنا هذا الأمر حاضرا, فتراه في كثير من الأحيان يشير إلى تغيّر حصل يتمثل بسوءِ فهمٍ للكتاب والسنة احتاج إلى رد وإعادة تذكير بالمنهج الصحيح والقويم الذي توارثته الأئمة والعلماء ، وهكذا سائر تأليفات السلف كالإمام احمد في الرد على الجهمية والزنادقة حيث عالج منهجية فهم منحرفة وجدت عند الجهمية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر فتذكر .

إذن كان الواقع بعد استقرار حقائق الكتاب والسنة هو المؤثر فيما يكتبه السلف أو يتكلمون به ، على أن لهم منهجا منضبطا في معالجة النوازل و المستجدات ، كما أن لهم مقاصد في تأليفهم تظهر في مقدمات كتبهم وفي ثنايا كلامهم .
إن المتأمل في واقعنا يرى أن ثمة مستجدات ونوازل يفرض الواقع علينا أن نعالجها خصوصا ما يتعلق بالقضايا السياسية فإن نازلة الأمة في السياسة والحكم, وهي مسألة تحتاج إلى دراسة شرعية تأتي على كل مسائلها ، كذلك القضايا الفكرية المستجدة خصوصا تلك التي غذاها الاستشراق ، ومن ذلك المذاهب الفكرية التي نشأة في أوروبا بعد الثورة الفرنسية كالديمقراطية والوطنية والمدنية والعقلانية ... وغير ذلك .
من الأخطاء التي يمكن أن تقع في هذا الباب هو أن يبقى البحث في إطار المسائل التاريخية مع أهميتها إلا أن الجديد فيها لا يكاد يذكر ، فضلا عن كونها قد بحثت بصورة محكمة ، ومع هذا فإن البديل الصحيح هو إحكام فهم الكتاب والسنة وضبط منهجية دراستهما ، لتبقى حقائق الكتاب والسنة حاضرة عند كل مستجد كذلك الجمع بين القضايا التاريخية والقضايا المستجدة لتبقى الأمة حاضرة في علمها وقدرتها على معالجة الأحداث وما ينتج عنها .
لم يكن تأثير الواقع مقتصرا في حث العلماء على التأليف و حسب بل حضهم على ولوج غمار تخصصات بهدف تغيير واقع رأوا فيه حاجة ، اقرب مثال على ذلك ما فعله الأمام الغزالي رحمه الله في دراسة الفلسفة لنقضها وقد سجل لنا هذا في كتابه "تهافت الفلاسفة" وكذلك ما فعله شيخ الإسلام في دراسته للمنطق وعلم الكلام ، مع الإشارة إلى الفرق بين التجربتين .
إن القصور كل القصور أن نعيش الحاضر بعقل الماضي , فنظهر بمظهر العاجز عن مجارات الأحداث كما هو واقع كثير من الناس, كيف وقد ترك لنا العلماء على مر السنين تراثا نفاخر به العالم وثروة علمية لا مثيل لها , على أن المبادئ هي المبادئ والأصول هي الأصول , فكما قيل لن يبلغ احدنا مبلغ الصحابة رضي الله عنهم إلا أن مبادئهم بين أيدينا .

كتبه:
الشيخ عصر بن محمد النصر
باحث أردني في علوم السنة النبوية