المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أروع ماقرأت تلميذ الشيخ



بنت نجد
03-01-2006, 06:03 PM
هذه قصه جدا رائعه ومانقلتها هنا إلا لروعتها وغرابة مايجري فيها


ولعل فيها من الحكم والدروس والمتعه الشي الكثير


عندما بدأت قرأتها شدتي حتى النهايه

لن أطيل عليكم هذا الجزاء الأول




في عام 1409 للهجرة ..كنت أدرس في الصف الثاني المتوسط بمدرسة حطين في مدينة الطائف..

وكنت حينها فتى كأترابي ...

لاهم لي في الحياة سوى مدرستي واللعب مع أصحابي بعد انتهاء الدراسة..

لم يكن لدي أي ميول نحو التدين والاستقامة والالتزام بشعائر الدين ..

بل كنت حينها لا اعرف معنى للدين .. فقد ربينا للأسف من الصغر..

على الاهتمام بدروسنا ومدرستنا ولم يكن لجانب الدين أي شيء يذكر من الأهمية..

ويقتصر ذلك في الغالب على صلاة الجمعة .. أو الأعياد..

كان أول شخص متدين ومستقيم أتأثر به وأحبه هو أستاذي

في مادة التربية الدينية في تلك السنة واسمه عمير القرشي..

إن ابتسامة وطيبة الأستاذ عمير ونصائحه وتوجيهاته..

كل ذلك ما زال في الذاكرة محتبسا .. وكلماته ...

ما زالت ترن في أذني حتى هذه الساعة وأنا أكتب هذه المذكرات..

لقد كان مربيا فذا ورجلا ساحرا بعباراته الصادقة ..

كان حينما يفسر آيات القرءان الكريم ويصف مشاهد يوم القيامة والحشر والجنة والنار

كانت كلماته وعباراته تلج القلوب كالسهام..

كان يسير في الصف وبين الطاولات فكنت أطارده بنظري أينما توجه ..

أريد أن ألتهم ما يقوله التهاما ..

كانت العبارات تخرج من فمه كأنها مدافع تدوي تدك كل حظوظ الشيطان في القلوب..

أحسبه رجلا مخلصا والله حسيبه..

كنا أحيانا ونحن في تلك السنون ما زلنا في حكم الطفولة..!!!

كنا والله يبلغ بنا التأثر بحديثه حتى نبكي..!!

ولكن للأسف فجأة وبلا مقدمات حرمنا من هذا الأستاذ الجليل..

لينقل في التوجيه في إدارة التعليم في المنطقة..!!!

لقد كان خطئا فادحا أن يحرم الطلاب من هذا المعلم ذو الطراز النادر لينقل لعمل إداري

ولكن الله تعالى خلف علينا خيرا في أستاذ آخر ..

كان له فضل علي بشكل خاص..

لا أنساه له أبدا .. إنه الأستاذ طلال المشعبي..

قال لنا الأستاذ طلال : أنا تلميذ للأستاذ عمير القرشي ..

فهو أستاذي وشيخي وأستاذكم لذا سنحاول أن نكمل المسيرة على نفس المنوال..

لن أطيل الحديث في مواقف الأستاذ طلال بارك الله فيه..

ولكن سأذكر موقفا له غير مجرى حياتي للخير إن شاء الله تعالى..

أبدى الأستاذ طلال بي اهتماما خاصا .. ولقد كنت بحمد الله في فصلي من النابهين..

أحببته حبا يتجاوز حدود الاحترام للطالب مع أستاذه ...

لتصبح العلاقة علاقة شبيهة بود الابن مع والده ..
سجلت في برامج التوعية في وقت الفسحة..

وكنت استمع مع الآخرين لتوجيهات الأستاذ طلال..

وذات مرة كنت ألعب أمام منزلنا القريب من الجامع فلاحظت سيارة شبيهة بسيارة

الأستاذ طلال .. انتظرت ولم أصل !!! حتى يخرج صاحبها بعد الصلاة..

وفعلا خرج الأستاذ طلال ..

كان للمعلم حينها مهابة هائلة في قلوب الطلاب خلاف ما أسمعه اليوم!!

توجهت إليه وسلمت عليه... فسألني بصرامة : هل صليت؟؟

مسحت قفاي وأرخيت رأسي وقلت لا !!

قال ليش؟؟

استحييت ولم أجب فهل سأقول أنا لا أصلي أصلا!!!

فهم الحال ، ولم أنتظر أن يعاتبني توجهت لدورات المياه وتوضأت للصلاة..

ثم دخلت المسجد فركعت أربع ركعات للعشاء..
خرجت من المسجد فلم أرى أحدا ..

بعد عدة أيام رأيت سيارة الأستاذ طلال مرة أخرى أمام المسجد ..

وهذه المرة سابقت الريح لأصلي مع الجماعة..

وبعد الصلاة تعمدت أن أظهر للأستاذ خروجي من المسجد..

ابتسم أستاذي وناداني ..

اقتربت منه وقال لي أين منزلكم..

أشرت له لمنزلنا المستأجر حيث قد باع الوالد بيتنا القديم وهو يبني بيتا جديدا

في مخطط السحيلي شرق الطائف

دعوته لزيارتنا فقال الآن لا يصلح ولا أستطيع ولكن ممكن أزوركم غدا!!!

رحبت به وواعدته غدا بعد صلاة المغرب..!!

ذهبت لوالدي وبلغته بالحال.. استغرب الوالد من الزيارة ..

فليس من العادة أن يزور معلم تلميذا في بيته ..
وليس أيضا من العادة أن يدعوا فتى صغير رجلا كبيرا بغير إذن أهله..

رضخ الوالد للأمر الواقع وقال أهلا به ..

في اليوم التالي زارنا الأستاذ طلال في بيتنا وتعرف على الوالد ..

وكان والدي حينها مديرا لإحدى مدارس الطائف..

كان اللقاء رسميا .. ووالدي من طبعه رحمه الله التكلف مع الضيف..

فيشعر ذلك الضيف بالحرج فتنقلب المسألة مجاملات في مجاملات..

والسؤال لماذا الزيارة؟ وما هدفها؟ وهل كان الأستاذ طلال متعمدا لكل ما سبق؟؟

ذكر الأستاذ طلال للوالد أن هناك مخيما للشباب في فترة الإجازة النصف سنوية..

ومدة المخيم أسبوع وتنظمه إدارة التعليم في الطائف.. وقد حث والدي على أن أشارك

في هذا المخيم!!!

قال الوالد لا بأس بذلك !!

فرحت بذلك وسررت بالفكرة فقد كان ذلك بمثابة حلم لي أن أشارك في عمل كهذا ..

انتهت أيام الامتحانات ..

وفي صباح يوم من أيام الربيع الجميلة حملني والدي برفقة أخيه الصغير ( عمي)

في سيارته إلى موقع تجمع المشاركين في المخيم...

وذلك خلف فناء إدارة التعليم في الطائف..

وضع والدي في جيبي ثلاثين ريالا وكذلك في جيب أخيه ..

أظن هذا اكبر مبلغ حصلت عليه في حياتي منذ ولدت حتى ذلك التاريخ!!!

حينما وصلنا لمنطقة التجمع هالني الجمع الغفير من الفتيان ممن هم في سني أو قريبا

مني.. أذكر أن الساحة امتلأت بالحقائب وأكياس النايلون الكبيرة المحشوة بالملابس

وبعضهم أحضر معه وسائد وطرا ريح والحفة مطوية بحبال !!!

أما أنا فجئت بثوبي الذي علي وكيس صغير فيه ملابس قليلة للتبديل..!!

غادر الوالد بعد أن تأكد من المشرفين عن أن كل شيء على ما يرام..

طلعت الشمس وما زالت الجموع تزيد حتى غصت بهم الساحة ..

في حوالي الساعة الثامنة نادى مشرفوا المخيم على أسماء الطلاب المسجلين في المخيم..

وركبت في الباص المحدد لمجموعتي ..

كانت وجهتنا لمنطقة الشرائع قريبا من مكة المكرمة شرفها الله..

في الباص وقف شخص عليه لحية حمراء وثيابه نظيفة .. وساعته في اليمين..!!!

كان على وجهه نور الطاعة ..

وقف ليذكرنا بدعاء السفر وسأل:

من يعرف دعاء السفر؟؟

أول مرة في حياتي أسمع بدعاء السفر والله..!!

رددناه جميعا خلفه .. حتى حفظته عن ظهر قلب منذ ذلك الوقت..

طوال الرحلة كان يتبادل المذكور مع زميل له..

قراءة مسابقات ورواية قصص وطرائف ونحو ذلك مما يفيد ويمتع..

كانت أول رحلة مفيدة وأول مرة أدرك كيف يمكن استغلال الوقت ..

في مثل هذه الرحلات المليئة بالفائدة والإرشاد..

وصلنا لمنطقة المخيم.. وهي على يمين الداخل إلى مكة قبل أن تصل لنقطة التفتيش..

كانت أكوام الخيام ملقاة على أرض المخيم..

وطلبوا من كل مجموعة أن تتولى تركيب خيامها..

استمتعنا بذلك أيما استمتاع فهذا أول عمل جاد ومتقن أقوم به بشكل جماعي..!!

وفي وقت صلاة الظهر اجتمعنا تحت خيمة واحدة ضخمة للصلاة..

ودخل علينا رجل في عمر الأربعينات عليه سيما الصلاح ووجه مليء

بالجدية والصرامة..!!!

وهو الشيخ محمد بن زاهر الشهري بارك الله في عمره ولم أكن اعرفه حينها..

امتلأ قلبي والله حينها من مهابته..

حينما وقف في وسط الخيمة وتكلم في الجموع بتوجيهات عامة وأمر كل شخص منا

بالانضباط ..


واستغلال هذه الأيام بالنافع المفيد

كان الترتيب والنظام والضبط هو السيما البارزة على هذا العمل..

أذكر أن أصحابي أيقظوني للصلاة قبل الفجر ..

وحينما ذهبت للوضوء أعطونا كاسات بلاستيكية ..

بحيث يتوضأ الشخص بكأس واحدة فقط!!!

رأيت المسجد مضاء والنعال تملاء أطرافه..!!!

وحينما وصلت إليه شاهدت الناس كأنهم خلية نحل من صوت القرءان..

أمسكت بشخص مر بجواري وسألته : هل أذن الصبح؟؟

قال بقي نصف ساعة على الأذان !!!

صلى بنا الفجر شخص رقيق وصوته جميل ..

وسمعت أشخاصا تأثروا بالآيات فبكوا !!

وبعد الصلاة وقف شخص ليتكلم لمدة عشر دقائق .. بخاطرة ونصيحة..

كان مطلوبا من كل مجموعة أن تختار شخصا يمثلها في الكلمات بعد الصلاة ..

ومن ثم يقوم أحد المشرفين بالتعليق على كلمته...

وفي الساعة الثامنة يستيقظ كل المخيم لوجبة الإفطار ..

ويلزم كل شخص ترتيب مكان نومه.. ولا يتركه مبعثرا..

وهناك مجموعات تفتش الخيام وتعاقب كل من يهمل بالضغط عشر مرات

أو الزحف على بطنه.. كانت مشاهد المعاقبين تثير الضحك والسرور بين المشاركين ..

كانت البرامج متنوعة وحافلة بالفوائد والنشاط والبهجة..

فهناك البرامج الترفيهية والمسرحيات والمسابقات والبرامج الرياضية..

ومن المناشط تنظيم المحاضرات ..

أول مرة احضر محاضرة كانت في ذلك المخيم وكان ضيفنا هو الشيخ عبد الله الجلالي.

الداعية المشهور .. وممن زارنا في المخيم لإلقاء المحاضرات.. الشيخ عائض القرني

والشيخ سفر الحوالي

والشيخ ستر الجعيد

والشيخ محمد بن سعيد القحطاني.. وغيرهم..

لن أغرقك أخي القارئ بالتفاصيل عن هذا المخيم ..

ولكن يعلم الله تعالى كم كان لتلك المواقف والكلمات والدروس من صدى وتوجيه

أحمد الله تعالى عليه أن هيئ لهذه الأمة كهؤلاء الرجال الذين يشرفون على تلك البرامج

النافعة المباركة..

كان مشرفوا المجموعات يوقظونا في ساعة متأخرة من الليل..

ويأمرونا بالخروج خارج الخيمة ومن ثم نصف في خط طويل ونخرج برفقة احدهم

خارج المخيم.. ومن ثم يقوم المشرف بتذكيرنا ووعظنا بكلمات تناسب الحدث..

كانت تلك الخرجات متعبة في لحظتها ولكن ما يترتب عليها من تأثير على النفس

والعقل والفكر شيء يفوق الخيال وصفه..

إن الإخوة القائمين على تلك البرامج حينما يفعلون ما يفعلون إنما قصدهم بذلك

هو غرس النظام واستغلال الأوقات وتنمية الخشية والخوف من الله تعالى في قلوبنا..

انتهت أيام المخيم ..

وبنهايته يبدأ مشواري الجديد في هذه الحياة...


--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثانية

كان لذلك المخيم أبلغ الأثر على حياتي وسلوكي..

ولا عجب إن لاحظتم معاشر القراء الكرام ..

تلك الحرب الضروس على تلك البرامج النافعة..

من أذناب الغرب والمدسوسين بيننا .. ممن ينعق صبح ومساء بما لا يعقل ..

فكل باب للخير والفضيلة ونشرها سعوا في درسه والقضاء عليه..

فلا شك أن لوطأتها عليهم شأنا لا يستهان به..

فهي تمد الأمة بروافد من العقول المخلصة لهذا الدين والأمة..



سلكت طريق الهداية واستمر هؤلاء الرجال ممن ذكرت وغيرهم..

في غرس الفضائل والمعاني السامية في، وفي آلاف الشباب..

الذين منهم الآن الطبيب والمهندس والمعلم والقاضي والصحفي والداعية والتاجر


التزمت بالمشاركة في برامج بالمكتبة في جامع ابن عمار بحي القمرية..

وكان يشرف علينا شخص اسمه خالد بن مسلط البقمي..

كان غاية في النبل والأدب والشهامة ..

ولكنه للأسف تغير كثيرا بعد أن انصرف للعمل في التجارة..

وآخر عهدي به إنسان عادي جدا لا تكاد الدعوة والعمل لها يأخذان من اهتمامه شيئا..

من المواقف التي لا تنسى مع أبي سليمان وهذه كنيته التي يحب أن نناديه بها

حيث نظم لنا رحلة لمجموعة من طلاب المكتبة..

وكانت الرحلة لأحد الوديان الجميلة في منطقة الشفا جنوب الطائف..

كلفنا الأخ خالد بذبح الخروف وشويه في برميل ..

على الطريقة المعروفة في صنع المندي

ولكن لتأخر نضج الطبيخ بسبب قلة خبرة الطباخين..

لم يستوي اللحم سوى بعد أذان العصر..

صلينا العصر .. وبطوننا ترتل وتقرقر جوعا وتثيرها رائحة الشواء حولنا..

فالمنطقة مليئة بالمصطافين حينها..

استخرجنا اللحم وعزمنا على أكله حتى ولو لم ينضج جيدا فالجوع أبصر كما يقولون..

حينما وضعنا السفر واستوى اللحم على الرز المعصفر..

هطلت علينا كميات هائلة من الأمطار..!!

كأن حبات المطر تصب علينا صبا ..!!

لقد استغرق اجتماع السحب وتراكمها دقائق معدودة والله..

لم نشعر بذلك .. واستمررنا في التهام الطعام المبلول..!!

وفجأة صرخ الصريخ..

وتردد صداه في كل الوادي : السيل، السيل..!!

هجم علينا سيل من فم الوادي ..

حينما أبصرنا التيار يهدر نحونا ..

ولى الجميع ولم نلوي على شيء..

جرف التيار السيارات والأوادم.. ولكن الله سلم فقد تدارك الناس بعضهم..

أما السيارات فقد امتلأت بالوحل والطين حتى سقوفها ..

وأما نحن فقد كنا نراقب تلك المشاهد ونحن نرجف تحت الأشجار

نرجف من البرد والجوع!!

هذا موقف أذكره جيدا من تلك الرحلات الممتعة..!!


تعرفت على شخص بعد ذلك اشتهر بكنيته وهي أبو أسامة..

واسمه عبد الله الغامدي ... وهو صاحب الإنشاد لقصائد الشريط المشهور

هادم اللذات.... لمن يعرفه منكم..

وكان جارا لنا ، وهو رجل ذو همة عالية في الدعوة على الله ..

وما زال يعمل في الخطابة حتى كتابة هذه السطور..

لازمت هذا الرجل عدة سنوات كظله حتى ظن بعض الناس انه والدي!!

وكنت من شغفي به وعلاقتي القوية أحب تقليد صوته ومشيته وحركاته..

وأذكر مرة أن أحد المشائخ لحقني في السوق ظانا أن من يلحقه هو أبو أسامه!!

وكنت مقفيا وأسير بخطى سريعة فصار الرجل يناديني بغير اسمي فلا أرد عليه..!!

وحينما التفت إليه صدم برؤية شخص آخر غير من يبحث عنه..!!!

كنت حينها أبلغ الرابعة عشر من عمري تقريبا...

شاركت في البرامج الدورية للمكتبة يوم الأربعاء والخميس.. من كل أسبوع..

حتى ذلك الوقت كانت علاقتي بالوالد على مايرام..

فمستواي الدراسي في المدرسة فوق الجيد جدا ..

وللأسف فإن بعض الآباء جعلوا المقياس في نجاح أولادهم..

بمدى تفوقهم في دراستهم دون النظر في تميزهم في الجوانب الأخرى..

حينما التحقت بمدرسة هوازن الثانوية..

وكان النظام فيها النظام الشامل أو ما يسمى المطور.. الذي الغي لاحقا لفشله الذر يع..

كان هذا النظام يعطي حرية في الخيارات للطالب ..

في اختيار الجدول المناسب له كيفما يشاء..

وكذلك في اختيار المعلم الذي يرغبه..

لا شك أن هذا النظام والحرية الممنوحة لي كطالب ..

ساهم بشكل أو بآخر في تدني مستواي الدراسي..

فبسبب ارتخاء القبضة كما في النظام العادي ، وتدني الرقابة.. بسبب النظام

صرت أغيب عن الدروس والمحاضرات في الفصل بمزاعم واهية..

في البداية ظن الوالد أن القضية هي مرحلة صعبة سأتجاوزها..

ولم يقدر الموقف حق قدره .. وليته فعل ..

لم يسبق لي أن رسبت في أي سنة ..

ولكن حصل أن حرمت في بعض المواد لا بسبب تدني المستوى بل للغياب..

حينما علم الوالد بذلك ظن أن السبب هو الرفقة لانشغالي معهم في برامج جانبية..

غير مهمة .. فالدراسة والمستقبل هي الأساس..

وبذلك صار الوالد يضغط علي للتقليل من روحاتي وخرجاتي..

كنت حينها مراهقا .. فاستمرأت أن يمنعني الوالد عما كنت أمارسه لسنوات..!!

فلم أطعه فيما يأمرني به..

الذي حصل أن الوالد بمشورة من قريب لي سامحه الله ..

قرر حرماني حرمانا مطلقا من أصحابي..

لقد كان ذلك بالنسبة لي أشبه بمنعي من شرب الماء أو تنفس الهواء..

لقد أعطى ذلك الحضر مفعولا عكسيا فقد تدهورت كثيرا في دراستي

ولم اعد أذاكر دروسي ولو فعلت فإن ذلك يكون بالإكراه..!!

أذكر أن الوالد خوفا من أن ألتقي بأحد من رفقائي منعني مرة من صلاة الجماعة ..

ولم يستمر ذلك بطبيعة الحال ..

ولكن كانت تمر علي وجبات دسمة من الحظر كل فترة!!!

كنت محبا للعلم وطلبه ... وخاصة العلوم الشرعية..

التزمت بحلقة الشيخ أحمد بن موسى السهلي.. في جامع الأمير أحمد

في درس عمدة الحكام .. وكذلك دروس الشيخ صالح الزهراني بجامع الشطبه ..

في كتاب زاد المعاد..

لكن المشكلة بالنسبة لي هي وسيلة المواصلات للوصول لهذا الأماكن..

ويعلم الله كم كنت أعاني لحضور تلك الدروس..

فكم مرة مشيت عشرات الكيلوات لأصل للدرس..

وكم مرة توسلت لجار أو صاحب ليوصلني..

لم يكن هناك رفيق لي لديه سيارة وملتزم بالحضور..

لقد كنت شغوفا بالعلم وأحرص أن أكون في أول الصفوف أمام المشائخ..

أذكر مرة أنني مشيت من بيتنا في حي السحيلي وحتى جامع الشطبه..

لكي أصلي الجمعة مع شيخنا!!!..

أما حضور محاضرات المشائخ المشهورين فهذا مالا أصبر عليه..

منعت من ذلك كله دفعة واحدة ...

حينها قررت أن أهرب من البيت لألتحق بطلب العلم لدى أحد العلماء..


--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثالثة..

لم تكن فكرة الهروب من المنزل ومن الواقع الجديد الذي أجبرت عليه..

لم تكن فكرة جاءت على البال فعزمت عليها هكذا!!

بل كانت الفكرة تطبخ في رأسي عدة أسابيع حتى هممت بها ..

لم أجرؤ في استشارة أحد في الموضوع.. سوى شخص واحد..

إنها زوجة والدي الجديدة..

الخالة كما تسمى في بعض المجتمعات أما نحن فنناديها بالعمة..

هذه المرأة الطيبة تزوجها الوالد قبل عدة سنوات من ذلك الموقف..

وهي امرأة عقيم لم ترزق بالذرية ...

وكنت في تلك الفترة قريبا منها جدا وتثق بي وأثق بها..

وكانت تتلطف معي حتى كسبت ودي وتعاطفي معها..

وهي امرأة طيبة ومحبة للخير وتشجعني عليه..
أوغر ذلك صدر الوالدة علي في البداية..

ولكن العمة بفطنتها ونباهتها كسبت رضى أمي.. فسلكت الأمور على خير..

كانت العمة متعاطفة معي في محنتي .. وكنت أطلعها على كل أموري الشخصية تقريبا..

وحينما فاتحتها بالموضوع وأنني عازم على أن أخرج من البيت ..

لألتحق بحلقة عالم من علماء الأمة ..

وسوف أسحب ملفي الدراسي وأكملها..الخ الكلام..

لقد صورت المسألة لها بنرجسية عجيبة ..

هكذا بكل بساطة .. سأنجح وستكون الأمور على ما يرام..

وكانت أمرأه هينة لينة سهلة الإقناع.. فوافقتني..!!

بل قامت مشكورة وأعطتني من ذهبها فبعته وصرفت نقوده في سفري وترحلي..!!

لم يكن المبلغ كافيا فاستلفت من أحد كبار السن ممن يعرفني في المسجد مبلغا وافرا ..

والحمد لله أنه لم يسألني عن مقصدي من هذا المال!!
كانت الفترة حينها فترة إجازة صيفية ولكن الوالد سامحه الله

أجبرني وبغير رضاي على التسجيل في فصل صيفي ..

وهو ما يسمح به النظام المطور..

رجوته وتوسلت إليه أن يعفيني من ذلك

ولكن بلا جدوى فقد أراد من ذلك معاقبتي على تقصيري في الفصل الدراسي السابق!!

والدي رحمه الله معروف في العائلة بأن لديه حاسة سادسة..


شك من تصرفاتي وهدوئي المريب والذي عرف بفطرته أنه سيسبق عاصفة ما..!!

فقد اعتاد أن يراني مهموما غارقا في التفكير في الأسابيع المنصرمة..!!

فشك في هدوئي واطمئناني المفاجئ!!!

ولذلك أمر الوالدة بالتحفظ علي ومنعي من الخروج خارج المنزل حتى للصلاة..

وأخذ بطاقة الأحوال الشخصية التي لي وصار يحملها في جيبه أينما حل..

حددت يوما معينا للهروب وكان يوم خميس.. ولا أذكر تاريخه بالتحديد..

ولا ادري لما اخترت هذا اليوم لسفري...!!!

جهزت حقيبة كبيرة ذات لون أحمر!!!

ولملمت فيها بعض ثيابي وملابسي واخترت مجموعة من الكتب..

وأخفيتها عن عيون أهلي لكي لا يكتشفوا الخطة..

كنت أتربص بالوالد حتى آخذ بطاقة أحوالي من جيبه..

ولكن مهابته العظيمة في قلبي جعلتني أتردد في فرص كانت مواتية..!!

طلبت من العمة أن تساعدني في ذلك فخافت من العواقب واعتذرت!!

صادف أن سافر الوالد مع إخوتي لجدة .. يوم الأربعاء الذي يسبق يوم السفر

.. فاغتممت من ذلك ..

وخفت من انكشاف أمري وما أنا عازم عليه..

فأنا لا أستطيع السفر بدون بطاقة أحوالي الشخصية..
لذا كان علي الانتظار حتى يقدم أبي من سفره..

سهرت طوال تلك الليلة أنتظر قدوم الوالد..

ووصل للبيت قريبا من الفجر...

وصعد مباشرة لبيت العمة .. ونام نوما عميقا..

حينما تأكدت من نومه ..

استخرجت حقيبة سفري .. ووضعتها أمام باب المنزل داخل الفناء..

ثم صعدت لبيت العمة..

العائلة كلها كانت تغط في نوم عميق ..

كانت الساعة حينها السابعة صباحا تقريبا..

وبهدوء وترقب...

دخلت لصالة المنزل فرأيت ثوب الوالد معلقا على الباب..!!

وكنت أعلم أن والدي توقظه أدنى حركة في المنزل ..

اقتربت من الثوب فسحبته بهدوء ثم فتشته..

فوقعت عيني على بطاقتي..

هممت أن آخذ شيئا من نقوده ولكنني خفت، وخيرا فعلت!!

نزلت من درج المنزل.. و حملت حقيبتي على ظهري..

كانت ثقيلة جدا والمسافة التي سأقطعها للشارع العام حوالي الكيلو متر..

كنت أسير وأتعثر لثقل الحقيبة وأنظر خلفي خوفا من الوالد..

لو رآني أحد الجيران وبتلك الحال فلا شك أنه سيرتاب ..

وعندها سيحدث مالا تحمد عقباه...

وصلت للطريق العام وأنا ألهث من التعب..

أشرت لسيارة أجرة وهي من نوع السوزوكي ونسميه في المنطقة ( الدباب)

سألني السائق عن وجهتي فقلت له خذني إلى موقف التكاسي المسمى موقف الجنوب..

وهو الموقف الذي يركب منه المسافرون لجنوب المملكة..

بحثت في الموقف عن الأجرة المتوجهة لمدينة أبها!!

كانت أبها حينها تعج بالدعاة والمشائخ المعروفين .. ومنهم

الشيخ عائض القرني.. الشيخ عوض القرني.. الشيخ الطحان

الشيخ سعيد بن مسفر وغيرهم وغيرهم من الدعاة وطلبة العلم..

لقد توقعت وبغير سؤال ودراية بأن هؤلاء المشائخ يستقبلون

طلبة العلم القادمين للطلب .. فجئت مهاجرا إليهم أطلب العلم..!!!

لم يستغرق البحث عن سيارة أجرة متجهة لأبها سوى عشر دقائق..

وكنت في عجلة من أمري فما يدريني لعل الوالد تهديه حنكته فيتلني بتلابيبي!!!

كان السائق رجلا كبيرا في السن عمره يتجاوز الخمسين سنة..

ووجهة يدل على طيبته وضعف شخصيته..

كانت سيارته من نوع البيجو تحمل ثمانية ركاب..
كانت رفقتي مجموعة من الشباب ..

وهم من البادية وعلى ملامحهم الطيش والشر ..

وعرفت من احدهم أنهم ذاهبون للالتحاق بعملهم الجديد في الجيش في خميس مشيط

وحينما رأيت هؤلاء الشباب وتصرفاتهم الرعناء..

تذكرت ما حدثني به أخي الذي يعمل في نفس القطاع..

عن اللواء (وذكر رقمه ) في خميس مشيط..

وهو لواء سيء الذكر قد انتشرت بين شبابه المخدرات والتصرفات المشينة..!!

وحينما انطلقنا في مسيرنا الطويل لأبها..

ارتحت كثيرا وتنفست الصعداء..

غير أن سروري لم يدم طويلا فهؤلاء الشباب لن يسلم هذا المطوع الصغير من شرهم..

كانت النظرات من عيونهم تقذف الشرر علي..

فهذا المطوع الصغير لا بد أن يكون سببا للمشاكل في الطريق..!!

حاولت أن أكون لطيفا معهم وبعيدا عن الاحتكاك بهم ولكن هيهات!!

انشغلت بالحديث مع السائق وكنت محشورا بجواره...

وبعد مرور نصف ساعة من الرحلة تقدم أحد الشباب

وأشار بشريط كاسيت أغاني وأمر السائق بإدارته!!

علمت أن سكوتي ضعف أمام المنكر ..

فقلت للسائق وبحماس ظاهر.. لا تشغله لا يجوز..

كان هذا التصرف مني إعلانا للحرب بالنسبة لهؤلاء السفهاء..!!

والظاهر أن الحركة كانت متعمدة لإثارتي وقد فعلوا!!

كانوا سبعة وأنا واحد والسائق كان يمكنه التصرف ولكنه رجل ضعيف الشخصية

قال لي هل لديك شريط قرءان أو محاضرة ..؟؟

قلت لا .. قال إذا خلهم يسمعوا ما يريدوا ..

قلت له هذا لا يجوز وحرام..

قال إذا ارجع للخلف ولا تستمع للغناء ..

رضخت لهم فقد كان هو وأنا أيضا نخاف من هؤلاء الفتية!!

تخطيت القوم ورجعت للمقعد الأخير برفقة أحدهم!!

وبدأت مزامير الشر والطرب تصم الآذان..

وكان الشباب يتمايلون ويرقصون طربا وضحكا ..

أما استنشاق دخان السجائر فحدث ولا حرج ..

لم يشغلني هذا الحال عن التفكير مما سأقدم عليه من أهوال











هل أعجبتكم القصه

أ أكمل


أنتظر ردودكم

فيصل بن بدر العتيبي
03-01-2006, 07:01 PM
قصة رائعة اختي الكريمة

في انتظار التكملة :11umbup:

متعب الهزاع
04-01-2006, 03:49 PM
والله انه قصه في منتهى الررررررروعه

ويعطيك العافيه

وياليت اذا بديتي في تكملتها ترسلين لي رساله على الخاص علشان اكملها


والله عاد عليك حركه عند اهم جزء ماكملتي يالله.
بالله بأسرع وقت.



مشكورة على اروع قصه قريته بعد قصة يوسف الصالح المشهورة.

بنت نجد
05-01-2006, 03:47 AM
فيصل بن بدر العتيبي:

تسلم على مرورك وقرأتك للقصه


دمت بكل خير

بنت نجد
05-01-2006, 03:49 AM
متعب الهزاع

تسلم على مرورك ولولا روعتها ماسويت لها دعايه



أنتظر التكمله في أقرب وقت إن شاء الله

بنت نجد
05-01-2006, 04:26 PM
هذا الجزء الرابع


--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الرابعة

استمرت رحلة العذاب تلك لأكثر من ثمان ساعات

تخللها مواقف مليئة بالتشاحن .. والسباب وتبادل النظرات الحادة!!

ولكن على العموم وصلنا لأبها.. بحمد الله سالمين..

ومن محطة الأجرة هناك توجهت لفندق أظن اسمه شمسان!!

أردت أن اتصل على البيت لأشرح لهم مقصدي مما فعلت..

وحتى لا يقوموا بالبحث عني فأنا قد خرجت من البيت بطوع أمري!!

حينما رن الهاتف كان المتحدث على الطرف الآخر هو الوالد..

كان الغضب قد أخذ منه مأخذا مهولا فقد شكل تصرفي

خروجا صارخا على التقاليد والعادات الاجتماعية..

وقام الوالد بتوعدي وتهديدي بكل ما يخطر على البال..

وأنا لا ألومه رحمه الله في ردة فعله فقد كان تصرفي غير مقبول..
إنني أحكي تلك المواقف دون محاولة تبريرها أو الدفاع عن نفسي

فقد انقضت وولت تلك الأيام بحلوها ومرها .. والله الهادي..

حينما وضعت متاعي في الفندق وارتحت قليلا..

حاولت أن أتصل بعدد من أصدقائي وأصحابي ..

ولكنني لم أجرؤ أن أشرح لهم أين أنا وما هو وضعي..

فقد خفت أن يضعفوا أمام والدي وإلحاحه فيدلوه على مكاني..

أذكر أنني اتصلت على احدهم وخنقتني العبرة حينما سمعت صوته..

أغلقت السماعة دون أن أكمل حديثي معه..

كانت مشاعري متضاربة بين الخوف والرهبة والشعور بالضياع واليأس..

حاولت أن أنام في تلك الليلة ولكن بلا جدوى ..

كنت ممددا على السرير وانظر في السقف وتصيبني موجات من البكاء..

كانت تدور في مخيلتي عشرات الأفكار
ولكن مع توارد الخواطر أصطدم بالواقع المرير الذي أنا فيه..

ذهبت في اليوم التالي لجامع الشيخ عائض القرني..

حضرت درسه وكان في صحيح البخاري..

كان الحضور متواضعا للغاية..

هممت أن اطلب من الشيخ عائض جلسة خاصة لأشرح له وضعي..

ولكنني استحييت وجبنت..!!

سبحان الله أقطع مئات الأميال لأجله ثم حينما أقف أمامه أعجز عن حديثه..

لقد كان انفصاما في الشخصية وعجزا غير مبرر..

ولكن يظهر لي أن خوفي وارتباكي سبب لي صدمة تجعلني أفتقر للتعقل في القرارات !!

زرت المركز الصيفي في معهد أبها العلمي..

كان أغلب المشاركين في المركز ذوو أسنان تقل عني بكثير ..

كان استقبال المشرفين لي ومقابلتهم معي باردة للغاية..

لقد كنت ابحث عن شخص يؤويني من الضياع..

لقد كنت أريد شخصا عاقلا رشيدا..

أجلس بين يديه فأحدثه بما يعتلج في صدري من آلام وهموم جلبتها لنفسي بيدي!!

ولكن مشيئة الله تعالى وقدره جعلت هذا اللقاء متأخرا جدا ومع شخصية فذة!!

حينما شعرت أنني غير مرحب بي غادرت المركز ولم اعد إليه أبدا..

مكثت أياما أهيم في الأسواق وأتمشى في أماكن النزهة لأقضي الوقت..

تساءلت مرارا : هل هذا ما جئت من أجله؟؟

ألم أحضر لطلب العلم..

فكرت في النفقة فهي لا شك يوما ستنضب وبعدها ماذا سأفعل؟؟

لم أحاول الاتصال بالعائلة طوال تلك الفترة..

رأيت أن بقائي في أبها مضيعة للوقت والمال..

سمعت من قبل بأن الرياض هي مأوى أفئدة طلاب العلم.. من طلاب الجامعات والمعاهد

فهي المركز الأول للصحوة الإسلامية..

وفيها من الدعاة والعلماء ما يعجز حصره..

ولا شك فهي أرجى من أبها في البحث عما جئت لأجله..

ويكفي هذه المدينة العريقة شرفا في ذلك الوقت ..

وجود سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيها

وهكذا تغيرت الوجهة ولتكن من أقصى الجنوب إلى وسط المملكة..

توجهت لمكتب الخطوط واشتريت التذكرة إلى الرياض..

في جواري في الطائرة كان شخص ملتح عليه سيما الخير..

عرف نفسه باسم علي السلطان وهو من سكان القصيم..

تحدثت مع الأستاذ علي عن أمور كثيرة ..

وعرفت منه أنه من سكان عنيزة وهو معلم في المعهد العلمي ..

وهو أحد الطلاب في حلقة الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه

العامرة بالطلاب والدارسين من كل بقاع العالم..!!

كان الحديث عابرا ولكنه أعطاني فكرة شاملة عن المنطقة..

وصلت للرياض ..

لقد كانت الرياض بالنسبة لي وأنا ابن المدينة الصغيرة كانت ذا شأن كبير في النفس..

فمبانيها الكبيرة وشوارعها الفسيحة ومساحتها الشاسعة تأخذ بالألباب..

نزلت في فندق البطحا وهو مكان أعرفه من قبل فقد رافقت الوالد له مرارا..

كان سعر الإقامة معقولا وبالجملة فقد كنت مقلالا في نفقتي..

مكثت عندهم في الفندق حوالي الشهر..

وما زال الاتصال حتى ذلك الحين مع العائلة مقطوعا ..

ومرة أخرى أعجز عن أن أتصرف تصرفا راشدا..

فأنا جئت من الأصل من أجل طلب العلم !!

ولكن يظهر أن حياة الدعة والراحة التي كنت فيها

جعلتني انصرف ولو لفترة عن المقصود!!

لم يكن هناك شخص أو لم أبحث عن شخص يرشدني ..

كنت أقضي وقتي كله في الغرفة في الفندق أو في صالون الرياضة والمسبح..

لقد كنت صيدا يسيرا للضياع والمفسدين ولكن المولى جلت قدرته حماني..

ذات مرة كنت أمارس السباحة في المسبح..

فجاءني شاب نحيل من أهل البادية..

قال هل الماء عميق ؟؟

قلت لا .. وحسبته يعرف السباحة..!!

قفز من فوره في وسط الماء..

انغمس فيه ثم صعد..

ولكنه صرخ واستنجد بي لكي أخرجه فهو لا يعرف السباحة!!

التفت حولي لأنادي موظفي المسبح ولكن لا أحد..

أخذ الرجل يضرب في الماء ويخفق فيه ويشرب منه.. حتى كاد أن يهلك..

كنت مبتدئا في السباحة ولكن أين المفر..

ما إن اقتربت منه حتى تلني بشدة وسحبني ولطمني على وجهي!!

ثم غمسني بشدة في الماء وتخطاني ووضع قدمه على رأسي حتى خرج من الماء..

أما أنا فقد كدت أهلك حينها!!

ولم أحاول أن أنقذ غريقا بعدها أبدا...

لم يكن ذلك هو الموقف السيئ الوحيد..

ذات مرة حضر للمسبح شاب عليه سيما الخير ..

وكان برفقته عدد من الشباب الصغار..

لا اذكر مالذي حصل بيني وبينه لكن يبدو أن الرجل مريض مرضا نفسيا..

وتصيبه حالات من الهيجان فيضرب من حوله دون شعور..

وهذا ما حدث معي فقد هاج علي كالثور وضربني على وجهي ضربات

كادت تقتلني.. وتركت بصمات على وجهي بقيت حتى حين...

لم يكن أحد ليجرأ على الدفاع عني فقد كان رجلا مفتولا والله حسيبه..

رجعت يومها لغرفتي في الفندق وهذه المرة موسوم بعلامات بارزة..!!

اتصل علي موظف الفندق وطلب مني الحساب..

نزلت إليه وسددت له مصاريف الأيام الماضية..

بقي في محفظة نقودي فقط مائة وخمسون ريالا...

وهو ما يغطي مصاريف يوم أو يومين!!!

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
06-01-2006, 02:10 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الخامسة

حينما يكون الإنسان في عافية.. لا يشعر بالزمن وهو يمر عليه..

وهذا يكون من جهة نعمة ويكون نقمة عليه من جهة أخرى..

حينما نضب مالدي من نفقة .. ..

أدركت أنني وقعت في خطأ قاتل ..

فأنا أمام خيارين إما أن أعود للبيت وهذا مالم يكن واردا على الإطلاق حينها..

أو أن أحاول تدارك نفسي بأي وسيلة ممكنة!!

ولكن كيف ومع من...؟؟

مرت علي تلك الليلة كدهر فقد استغرقت في التفكير والبحث عن مخرج..

أعيتني الحيل وضاقت علي السبل..

توجهت للخالق سبحانه بكل صدق وإخلاص..

سألته سؤال المضطر ..
لم يكن في مخيلتي أي سبيل أو أي منفذ..

ولكن ثقتي به تعالى هي سبيلي الوحيد..

في اليوم التالي توجهت للنادي الرياضي

فقد شعرت بالاختناق من بقائي في الغرفة

كان النادي شبه خال على غير العادة..

وكانت الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا..

رأيت في حوض السباحة شخصا يحاول العوم بمشقة ظاهرة..

حينما رآني ابتسم ابتسامة عريضة.. وقال لي:

هل تعرف السباحة؟؟

قلت له قليلا وأحذرك من التقدم إلى الماء العميق..!!

ابتسم وتهلل وجهه وقال إن غرقت ستنقذني أنت!!

ضحكت وقلت له ابحث عن غيري..

وحكيت له الموقف الذي مر علي قبل فترة من الزمن مع صاحبنا الأعرابي!!

سألني عن الكدمات التي على وجهي .. فقد كانت ظاهرة وعميقة!!

لم أرد أن استرسل في تفاصيلها .. فقلت له سقطت !!

عرفني باسمه وصافحني وقال أنا أخوك سعود المعاشي من منطقة حائل

وأنا من قبيلة شمر.... هل سمعت بحائل وأجا وسلمى؟؟

عرفته باسمي ..

سألني عن عملي ..

قلت له أنا لا اعمل ..

قال لي أين تقيم ..؟

قلت له هنا في الفندق!!

قال ألست من سكان الرياض؟؟

قلت لا أنا من سكان الطائف!!

قال لي ماذا تفعل هنا في مدينة الرياض إذا؟؟ هل تدرس؟

قلت له أنا جئت لطلب العلم ..!!

قال وعند من تدرس من العلماء .؟

لم اجبه فأنا لم أبحث عن شيخ حتى تلك اللحظة..

لا أدري لماذا استرسل الأخ سعود معي في الحديث ولكنه

أصر علي أن أرافقه للغداء سويا..

شكرته وتعذرت منه ولكنه ألح بشكل كبير حتى رضيت..

قال لي ونحن نمشي .. أنا أملك تسجيلات إسلامية في حائل ..

واعرف عددا من المشائخ في الرياض فإن كنت ترغب في أن أعرفك عليهم فعلت..!!

صمت ولم أجبه..!!

ونحن قعود ننتظر الغداء قال لي سعود:

أسمع أخي أنت لك قصة وأكيد لديك مشكلة وأنا اقرأ ذلك في وجهك!!

ولو ترغب في ذكرها لي ولا يحرجك الأمر فأرجو أن تخبرني بها ..

فما يدريك لعلي أستطيع مساعدتك ..!!

خجلت والله من كرمه وسماحة نفسه..

إن الأخ سعود حينما يقول لي هذا الكلام فهو رجل صادق غير متكلف أو متصنع..

ولقد اكتشفت بعد مخالطتي للأخ سعود

أن معدن هذا الرجل معدن أصيل كالذهب ..

لقد كان الأخ سعود رحمة ساقها الله لي فإن مجرد إنصاته وسماعه لقصتي

هو أمر يشكر عليه بارك الله فيه..

حدثته بمشكلتي وأنصت إلي لأكثر من ساعة حتى برد الطعام ولم يأكل منه شيء!!

لم يقاطعني طوال حديثي..

وحينما استكملت قصتي .. صمت قليلا ثم قال لي..

أسمعني جيدا ..

أنا رحلتي بعد قليل على حائل وسوف ترافقني للمنطقة وستكون في ضيافتي..

ومن هناك سوف نتدبر حلا لمشكلتك... ما رأيك؟؟

بالنسبة لي أنا لا أعرف الخ سعود ولكني كالغريق يبحث عن أي شيء ينقذه..

قلت له ثم ماذا ؟؟

قال ثق تماما سنجد حلا لمشكلتك موضوعك بسيط وسأجد له حلا..

أرجوك اصعد لغرفتك ووضب أمتعتك وانتظرني عند الاستقبال..

لم يعطني الفرصة- وقد تعمد هذا – حتى أفكر في الموضوع..

وحينما صعدت لغرفتي أخذت تجول بخاطري الأفكار:

ياترى هل الرجل صادق ؟؟

ماذا لو كان .؟؟؟

ولكن سيماه الخير !! أسئلة تتردد ولكن لا خيار لي !!

لم اخبر الأخ سعود بوضعي المادي.. ولكن كرمه غير المصطنع..

جعله يحاسب الفندق دون مشاورتي..!!!

طلب سعود من سائق التاكسي أن يسرع ..

فقد كان يعلم أنه ليس لدي حجز لمقعد في الطائرة..

وبعد قليل التفت إلي وقال :

إن سألك أحد من تكون فقل لهم أنك أحد أقربائي وتقيم في الطائف..

قلت له ولكن لقب العائلة ؟؟

قال لهم أنت فلان الشمري!!

قصد الأخ سعود من ذلك حمايتي من ألسنة الناس وتحقيقاتهم..

ولكن لقد دفعت أنا ثمن تلك الغلطة الشرعة والاجتماعية ثمنا غاليا..!!

وصلنا للمطار واجتهد الأخ سعود حتى حصل لي على مقعد في الطائرة..

كان الأخ سعود يلتفت إلي كل فترة ويطمنني بقوله: لا تقلق سوف تحل المشكلة..

لقد كنت متأكدا أن سعود ليس لديه عصى سحرية لحل وضعي..

ولكن طيبته وسماحته ورطته في هذا المقلب ..

وصلنا لمدينة حائل وكان منظر جبالها وهضابها يسحر الناظر..

يابعد حيي كلمة تسمعها عشرات المرات يوميا..

أهل حائل كرماء وأسخياء بشكل عجيب..

والطبيعة البدوية والفطر السليمة هي الغالب على الناس..

توجهنا فورا من المطار لمكان عمل الأخ سعود .. لأخذ بعض أوراقه..

اكتشفت أنه ضابط صف في المرور..

سلمت على أصحابه وعرفني لهم بأنني فلان الشمري!!

خجلت من ذلك أيما خجل فأنا لم اعتد على ذلك اللقب..
لقد كان ذكاء الناس الفطري وأسئلتهم البسيطة تكشف بسهولة

بطلان هذا الانتساب ..بالإضافة للكنة الحجازية فقد كان الأمر برمته مفبركا !!

لم تعجبني الحال فلم اعتد الكذب ولكن إرضاء لمضيفي تغاضيت.. وصبرت

لاحظت أن في المنطقة أمنا عجيبا فالناس ينامون في بيوتهم..

ومفتاح السيارة على المقود..

هذا ما رأيته بنفسي في عدة مواقف..

تعرفت على إخوة سعود في منزله في حي المطار ..

كانا شابين نسيت أسماءهما

ولكن طيبة هذه العائلة والمواقف الجميلة التي عشتها في بيتهم

هي ذكريات عطرة تبقى معي أينما حللت..

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
06-01-2006, 02:11 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة السادسة

لقد قضيت في حائل حوالي العشرين يوما أعتبرها من أجمل أيام حياتي..

الكرم الحاتمي .. والسماحة وعلوم الرجال كما يقولون..

أشياء متجذرة في هذا المجتمع النبيل..

لقد سرني والله أن أنتسب لهم وليتني كنت غصنا من أغصانهم..

ولكن الحقيقة تبقى هي الفيصل وهي قدر الإنسان الذي كتبه الخالق جل في علاه عليه..

لن استرسل في تفصيل يومياتي في حائل وفي ضيافة الشهم النبيل سعود المعاشي..وإخوته.

لا أنسى رحلات الصيد في وديان حائل في شمالها وشرقها..

وفي منطقة جبه وحيه وبقعا وغيرها...

أذكر أننا زرنا بيوتا قديمة يقول مرافقنا أنها منازل حاتم الطائي العربي الكريم المشهور

يوجد في المنطقة مسجد قديم للغاية لم يبق منه سوى بعض أسواره وله محرابان !!

أحدهما متجه لبيت المقدس والآخر متجه للكعبة..
ويزعم أهل المنطقة أنه كان كنيسة وحول لمسجد ..منذ مئات السنين..

ولا أدري عن صحة هذا الكلام...

لكن الصلاة في هذا المسجد وتذكر الأجداد قبل مئات السنين الذين قد صلوا وركعوا في هذا

المسجد إن تلك الذكرى تثير في النفس السكون والخشوع ..

ولقد سجدنا عدة ركعات فيه وكان بعض الإخوة يبكي تأثرا بالروحانية فيه..

أذكر زيارتنا لمنطقة أسمها حية وكان برفقتنا شخص نسيت اسمه

و يظهر أن لديه خلفية أدبية وشعرية وتاريخية لا بأس بها..

استغرقت الرحلة للمنطقة حوالي الساعتين .. والطريق إليها جلد و غير معبد..

ونحن نسير في الطريق صدنا عددا من طيور الحبش أو ما يسمى الحجل..

وكانت هي غداءنا في تلك الرحلة..

حينما وصلنا للمنطقة أشار لنا دليلنا لجهة الوادي وقال هناك تقع حية!!

لم نشاهد سوى صخور ضخمة قد تساقطت من سفوح الجبال بفعل السيول والأمطار..؟؟

أوقفنا سيارتنا وترجلنا وصعدنا على الصخور..

مشينا حوالي ربع كيلو بين الصخور والأنقاض..

وكنا كلما تعمقنا في الوادي تزداد المنطقة بهاء واخضرارا!!

حينما وصلنا لحية سحرنا بتلك الطبيعة الخلابة المحشورة بين الجبال..

هي واحة خضراء مليئة بالأعشاب والحشائش..

وفي وسطها برك ماء وجداول صغيرة تصب من أعلى الوادي..

أخذ محدثنا يروي لنا أشعارا وقصائد لامرئ القيس

حينما كان سيد هذا الوادي ويغازل الفتيات اللاتي يأتين لسقي البهائم من تلك البرك..

لقد ترسخت صورة حية كجنة وبساتين في ذاكرتي

وأتمنى لو أعود لها وأصور للناس تلك المشاهد..

كنا ننطلق كل يومين أو ثلاثة برفقة سعود وأصحابه للنزهة والصيد وزيارة الآثار..

فقد وافق وجودي معهم وقت عطل وإجازات..

أهل حائل فخورون جدا بأرضهم وطبائعهم ويعتزون بذلك أيما اعتزاز..

وحينما يقدم عليهم ضيف يشبعوه كرما وأنسا حتى يتمنى أن لا يفارقهم..

أما السمر والحديث في البراري والنوم أحيانا فتلك متعة لا يمكن وصفها..

لقد تناسيت كل ما أنا فيه من إشكالات وانغمرت في تلك الرحلة الانتقالية!!

سميتها انتقالية لأنها والله أعلم كانت تهيئة لي لأيام ووجوه ومنطقة أخرى

تختلف اختلافا جذريا عما أنا فيه وعما كنت قبل فترة بسيطة عليه!!

كيف تغيرت بي الأحوال كنت قبل أيام قليلة أعيش كالمشرد ..

وهاأنذا أستمتع برفقة يضن الزمان بمثلهم..!!

سمها مراحل أو قفزات من أوضاع سيئة إلى وضع جديد يصعب على المرء توقعه أو تخيله

ولذلك يقول تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)..

الإنسان بطبعه عجول وطماع ويريد أن تسير أوضاعه على هواه ورغباته..

ولكن القدر بحكمة إلهية يقود الإنسان إلى الأفضل والأحسن لحاله ..

حتى ولو كرهها وجهل عاقبتها..

ولذلك يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

لو كشف الله لخلقه ستر القدر لما وجدوا خيرا لهم مما قدره الخالق عليهم سبحانه..

كاشفني الخ سعود برغبته في أن يتصل على والدي لكي يطلب أن يصلح بيننا..

لم تناسبني الفكرة وطلبت منه أن يتأنى قليلا..

فأنا ما زلت أبحث عن قاعدة صلبة اتكئ عليها ..

فأنا ابحث على استقرار وليس من المعقول أن يستمر حالي هكذا..

احترم رغبتي ولم يحاول أن يضغط علي لكي لا يجعلني أظن أنه تململ مني..

كنت أنام في ملحق منفصل برفقة إخوة سعود الذين هم في سن قريبة مني..

وكان لدي حرية واسعة في الخروج بالسيارة التي وضعت تحت تصرفي..

لم اتصل حينها بأي مخلوق .. من قريب أو بعيد..

حضرت دروس الشيخ حمد الغاوي في شرح بلوغ المرام

وأعجبني أسلوبه الميسر في التدريس ..

قال لي أحد طلابه هذا أسلوب تعلمه عن شيخه ابن عثيمين..

عرض علي الأخ سعود أن نسافر لمنطقة القصيم ..

وذلك برفقة احد أصحابه الذي لديه عمل هناك ليوم واحد ..

فرحت بذلك أيما فرح فالمتعة في اكتشاف مكان جديد هي مما فطر عليه الناس..

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
06-01-2006, 02:35 PM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة السابعة

توجهنا لمنطقة القصيم ...

وكانت وجهتنا مدينة بريده..

كانت بريدة في تلك الأيام مركز التعليم الشرعي في المملكة ..

ويسميها منافقو بلادنا مركز تفريخ الإرهاب!!

وكان حينها الشيخ سلمان العودة هو جديلها المحكك ..

في الطريق آنسنا صاحبنا أبو آدم الذي كنا برفقته بسواليفه والقصص الذي يرويها..

ومن رواياته ما قصه من مواقف مرت عليه خلال ابتعاثه للدراسة في لندن..

مما أذكره ...

يقول : كنت ذات مرة أتجول في مكتبة الجامعة التي ادرس فيها وابحث عن كتاب

وكان حينها رجلا وسيما تملأ الرجولة والفحولة عين ناظره منه!!!

كانت تراقبه فتاة انجليزية ذات عيون زرقاء وأهداب سحرية..

وهو يتصفح الكتب وينسخ في الأوراق التي بين يديه ..

ولم يلاحظ هو تلك العيون المتوهجة ولا تلك القطة المتوحشة التي تراقبه!!!

يبدوا أنها امتلاءت منه فقررت أن تملك فؤاده..

لحقته إلى مطعم الجامعة واحتالت أن تتعرف عليه؟؟

وبعد قصة طويلة وظريفة لا يصلح ذكرها هنا وقع الرجل في النهاية في حبائلها!!

أغرم الفتى بها و أ غرمت به..

فتزوجا وعاشا معا طوال فترة الدراسة..

ولكن ....!!

كانت أم الفتاة نصرانية متعصبة لدينها ..

فضغطت على ابنتها وحولت حياتها لجحيم ، حتى تفرقا ولم يلتقيا بعدها أبدا..

تألم كثيرا لفراقها ولكنه لم يكن لديه خيار ..

التفت صاحبنا لولده الصغير وكان معنا!!

وقال له: انتبه تعلم أمك!!!

أضحكنا وآنسنا بطرافته المفرطة وسعة صدره ..

حينما وصلنا لبريده كنت أتأمل وجوه الناس..!!

كنت أتصور بريدة في مخيلتي مليئة بل قل كل أهلها متدينون !!

لا شك أن الدين هو الغالب في الناس ولكن لا تسلم أي مدينة من مظاهر السفور والفساد

أو الرجال غير المتمسكين بالهدي الظاهر الواجب!!!

الملاحظ كثرة العمالة الآسيوية هناك..

فالشوارع منهم غاصة حتى يخيل إليك انك في بومباي أو نيودلهي!!

كنت أتصور بريدة قبل أن أراها كأنها مثل الجامعة تعج بطلبة العلم

الذين يحملون كتبهم وقراطيسهم..

و أسواق المدينة مهجورة سوى من السوقية أو كبار السن والأشياخ...

حينما قطعنا طريق بريده الرئيسي والذي يشق المدينة لشقين..

لم ألاحظ أي فرق يذكر عن مدن المملكة الأخرى..

أسواق ومحلات مليئة بل غاصة ودخان وشباب طائش ..

الملاحظ هو قلة أو انعدام السفور وقلة الجهر بالمعاصي ..

وهذا ترسخ لدي بالإقامة الطويلة في القصيم لاحقا..

توجهنا فورا لشغل الرجل وانقضى سريعا..

فقال سعود ما رأيكم لو نذهب لمسجد الشيخ فلان وذكر اسمه ونسيته..

هذا المسجد مبني على الطراز القديم وما زال أهله يعيشون حياة الأولين!!

لم نتردد في الذهاب فهذا شيء لم نسمع به من قبل!!

دخلنا للحي ...

الحي حديث وبيوته مبنية من الخراسان وعلى أجمل واحدث طراز.. !!

وفي وسط الحي مسجد قديم متهالك البناء وأظن أصل بناءه من الطين ولكنه صبغ حديثا..

وكان وقت صلاة العصر ..

أذن المؤذن ولم نسمعه لأن الآذان بلا ميكرفون..

المسجد مفروش بالرمل والناس تصلي على الرمل ..

غالب من في المسجد هم من الشيوخ وكبار السن وفيهم مجموعة من متوسطي الأعمار

والصغار

تسننا وجلسنا لانتظار الإمام ...

توقعت أن يدخل علينا شيخ معمم كعمائم السلف وعليه قلنسوة قد أرخي طرفاها

ومشدود وسطه بمشد ويتدلى منه سيفه!!

فهذا ما نعرفه عن السلف ولا يخلو الأمر من مبالغة طبعا!!

دخل شيخ نحيل لحيته مصبوغة بالكتم الأسود..

ومشيته عليها السكينة والتواضع والخضوع لله تعالى..

ووجهه أبيض مضيء بنور الطاعة....

وعليه عباءة سوداء وشماغ احمر..

طلب من المؤذن أن يقيم..

قام شيخ كبير محني الظهر لا يكاد أن يرى وأقام للصلاة..

و صلى بنا الإمام صلاة مريحة لم تكن بالطويلة أو العجلة..

وحينما سلم التف حوله مجموعة من الصبية بأيديهم كتب صغيرة ..

وقعدوا خاضعين كأن على رؤوسهم الطير ينتظرون من الشيخ إشارة البدء

سحب الإمام مهفة من القصب كانت بجواره وقال لأحدهم سم..

بدأ الفتية كل واحد منهم على حده. بقراءة فصول قصيرة

من مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب..

من كشف الشبهات ومن الأصول الثلاثة وقرأ أكبرهم من كتاب التوحيد..

كانوا يقرؤون بصوت خافت وخاشع ملحن وجماعة المسجد مطرقون بإنصات ولا تسمع

لهم همسا

لم يعلق الشيخ سوى بتصحيح النطق والعبارات..

استغرقت القراءة حوالي عشرين دقيقة ..

وبعدها انصرف الجميع وقام الإمام من محرابه..

تقدم أصحابي إليه وصافحوه ..

وبقيت أنا أراقب الموقف..

أحببت القصيم من يومها وأحببت أهلها

فأهلها أهل دين وصلابة في الحق والتزامهم بالإسلام خير التزام..

عدنا لحائل وفي الطريق عرض علي سعود عرضا كان هو الباب الذي منه

ولجت للسعادة والنور إن شاء الله تعالى

يتبع إن شاء الله


--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثامنة

سمعت عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أول مرة عن طريق

جارنا في الحي القديم في الطائف الأخ صالح الأسمري..

والذي أصبح الآن من أنشط الدعاة ونشرا للعلم وتعليمه..

حينما هداني الله تعالى خصني الشيخ صالح وكان حينها في المرحلة الأخيرة من الثانوية

خصني بعناية واهتمام فكنت أصحبه دوما للمسجد..

حيث أن باب بيتنا يجاور باب منزله مباشرة..

وكان يحدثني عن الشيخ بن عثيمين وعن دروسه في الحرم في العشر الأواخر..

وبعد انتقالنا للحي الجديد..

في ذلك العام 1410 للهجرة نزلت برفقة شباب المكتبة للبقاء بجوار بيت الله الحرام

طوال فترة العشر الأواخر...



وحضرت في سطح الحرم درس الشيخ

العلامة ابن عثيمين عليه سحائب الرحمة والغفران..

كانت تلك أول مرة أرى بها هذا العلم الجليل..

في اليوم التالي أخذتني الحماسة فاقتربت من كرسي الشيخ فدفعت ثمن اقترابي غاليا..

فلقد أوقفني الشيخ كعادته في دروسه وسألني سؤالا عما كان يتحدث عنه ؟؟

وكنت حينها شارد الذهن ..!!

فما استطعت أن أجيبه.. !!

فأمرني بالجلوس فشعرت بالخجل والخيبة حيث فشلت في أول امتحان معه!!

وما عدت لذلك المكان مرة أخرى..

بل بقيت خلف ظهره أو في صفوف بعيدة..

وفي إحدى رحلاتنا لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم..

حضرت درس الشيخ أبي بكر الجزائري ...

وبكرت بالحضور لأكون قريبا من الشيخ فكنت في الصف الثاني أمامه مباشرة..

سمعت الطلبة يتهامسون بين بعضهم.. فسمعت احدهم يذكر اسم ابن عثيمين..؟؟

وبعد دقائق جاء شيخ مسن قصير ورقيق البنية

لحيته بيضاء وشعره ابيض ووجهه أبيض.. وثوبه ابيض عليه غترة بيضاء..!!

وجبهته ناصعة عليها أثر السجود.. وحاجباه عريضان ومليئان بالشعر الأبيض

يجر عباءته خلفه ..


ويشق الصفوف نحو المقعد المخصص للشيخ أبي بكر الجزائري..!!

إنه الشيخ ابن عثيمين!!

هممت أن أقوم ولكن كيف ؟؟

فعندما رفعت رأسي ونظرت خلفي ..

رأيت ارتالا من البشر تحدق في الشيخ ابن عثيمين والذي أصبح خلفي مباشرة..!!

عندما استوى الشيخ على المقعد أشار إلي بعنف وسخط وقال :

أجلس فقد آذيت إخوانك..!!

جلست مطرقا .. ثم بدأ الشيخ حديثه بالحمد والصلاة ..

فأنصت لكل حرف وكلمة يقولها..

فما يدريني لعله سيفعلها مرة أخرى ويسألني..؟؟

ولقد فعلها والله مرتين .. في ذلك الدرس!!

فأجبته وأنا أتتعتع وأرتجف خوفا منه .. ولكن أجبته بما يريد..

فكافأني بكلمة واحده قال لي : أحسنت..!!

هذا الرجل تحبه من النظرة الأولى..

أحبته ملايين المسلمين في كل مكان..

وسمعت من الناس ما زاد حبي له.. من زهده في معاشه وهيئته ومسكنه..

فلقد سمعت حينها أنه يعيش في بيت من طين..!!

ولقد زاره الملك في عنيزة فاستقبله في هذا البيت من الطين .. وجلسا سويا على الأرض!!

وأنه يأكل مما يحرثه ويزرعه بنفسه!!

كانت تلك الصور في الذهن إن صحت أو لم تصح...

تثير الإعجاب والمحبة للشيخ مع ما وهبه الخالق سبحانه

من علم راسخ وفقه وفهم للشريعة قل نظيره في زماننا..

كانت فصاحة الشيخ وقوة حجته تبهر مستمعيه..

مع ما يثيره الشيخ من دعابة ومزاح مع من يسألهم ..

في تلك الجلسة في المدينة سأل الشيخ سؤالا ..

ثم نظر حوله بنظرة تذكرك بالصقر حينما يلتفت بحثا عن فريسة!!

وأخذت نبضات قلبي تزيد فقد ظننته سيلتفت إلي ويسألني..

فأشار للشخص الذي بجواري..

وكان رجلا بدينا فيه سمرة ويلبس المرآة على عينيه..

أشار له الشيخ وقال له: قم..؟؟

بقي الرجل فاغرا فاه ينظر للشيخ كالأبله!!

فكرر الشيخ كلامه وقال :أنت قم ،وطقطق بأصبعيه وأشار بسبابته إليه!!

فقال له أنا؟؟ وأشار لنفسه!!

قال: نعم أنت!!

تزحزح الرجل وحاول القيام بتثاقل حتى دفع من بجواره !!!

وحينما علا لم يستطع أن يرفع رأسه وبقي في هيئة كالراكع!!

كان مشهد جاري ذلك يثير الضحك والشفقة معا!!

فالظاهر انه لم يعتد الوقوف أمام الجموع وبين يدي إمام من أئمة السنة كابن عثيمين!!

أغلق الشيخ الميكرفون وناداه ليقترب منه ..

فدنا الرجل من الشيخ وهو منحني!!

فاقترب الشيخ من أذنه فهمس فيها بكلمات لم نسمعها!!

فكان الشيخ يهمس في أذنه والرجل يهز رأسه ويضحك..!!

ثم أمره الشيخ بالرجوع والجلوس في مكانه واستأنف درسه..

إن ذلك الموقف والتواضع والسماحة من رجل في مكانة الشيخ يجعل محبته

تسري للقلب كما تسري النار في الهشيم..

بنت نجد
06-01-2006, 02:37 PM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة التاسعة

حينما التفت إلي سعود قال لي..

ما رأيك في الالتحاق بحلقة الشيخ ابن عثيمين!!

ظننت الرجل يسخر مني !!

ثم أكمل حديثه وقال..

أنا اعرف شخصا مقربا من الشيخ محمد ويمكنه أن يتصل به مباشرة ليشفع لك!!

قلت له: أنا سمعت أن شروط قبول الطلاب عند الشيخ قاسية للغاية!!

فلا بد أن يكون حافظا للقرءان ولصحيح البخاري عن ظهر قلب!!

بلع سعود ريقه ثم صمت!!

وصلنا لحائل... ولم أنم تلك الليلة..

لقد كان ثني الركب بين يدي هذا العالم الجليل أمنية كل طالب علم..

لقد اشغل سعود تفكيري بتلك العبارة....

بعد صلاة الفجر قلت ياسعود.. وين رفيقك اللي يعرف الشيخ..

قال الليلة فيه عرس وسيحضر الرجل وبعرفك عليه..

انتظرت بفارغ الصبر ذلك اللقاء ولكن الرجل غاب ولم يحضر العرس..

في اليوم التالي صلينا العصر في مسجد ذلك الرجل ..

نسيت اسمه ولكنه رجل وقور وهادئ الطبع ..

درس عند الشيخ لأربع سنوات وكان محل ثقة الشيخ فعينه مشرفا على سكن الطلبة..

دخلنا منزله وجلسنا في مجلس الضيوف..

لم يكن يعلم الرجل عن الموضوع..

قال له سعود .. هذا الأخ فلان الشمري!!

يا الله ما أثقل تلك العبارة على قلبي ولكنه قالها سامحه الله..

قال : يرغب في الدراسة عند الشيخ محمد ونريدك تشفع له عند الشيخ..

رحب الأخ بذلك وتهللت أساريره وقال :بكل سرور..

وسأكتب له توصية عند الشيخ ..

سألته هل من شروط القبول حفظ القرءان أو صحيح البخاري كما سمعت؟؟

قال : أبدا هذا ليس بصحيح ويمكنك الدراسة عند الشيخ بدون شيء..

أما إذا أردت الالتحاق بالسكن فلا بد من توصيه.. وسوف اكتبها لك..متى ستذهب؟؟

التفت لسعود فأنا ضيفه ، ومعنى ذلك هو أنني سأغادر حائل وأهل حائل..

ويعلم الله تعالى صعوبة ذلك على نفسي.. ولكن لابد من عمل شيء..

فوالداي لا بد أنهما قلقان علي فلو علما أنني لدى عالم ادرس

والدراسة على الأبواب فلا بد أن أكمل دراستي الثانوية..

لو علما بأن أموري جيده فلا شك أن ذلك سيخفف من وقع المصيبة عليهما..

قال سعود: سوف اذهب في نهاية الأسبوع لتبوك وسوف أصحبك للقصيم..

ومن هناك سأسافر لتبوك....

وفعلا فقد كتب الأخ الكريم تلك التوصية مشكورا ..

ولكن ما كدر خاطري أنه نسبني لقبيلة أخرى غير قبيلتي ..

لقد كان خطئا فادحا سأدفع ثمنه غاليا من سمعتي لاحقا!!!

وضعت التزكية في جيبي وذهبنا للمنزل..

رآني سعود كئيبا فسألني عن سبب ذلك ..

أخبرته بأن من أسباب زعلي هو أنني سأفارق أناسا أحببتهم من كل جوارحي..

كما أحب إخوتي بل وأكثر..

سأفارق الأنس والكرم والجود والسماحة واللطف ..

ماذا لو لم تصلح أموري هناك..

وما يدريني ماذا ينتظرني في عنيزة والقصيم..

ألم أزل شابا غرا صغيرا لم تصقله الحياة

ماذا لو وقعت في يد أناس لا يخافون الله..

لقد كانت حالي استثنائية بكل المعايير وفيها من المغامرة والطيش شيء غير يسير..

دمعت عين سعود وقال لي :

والله إن بقاءك يسرني ويسر إخوتي ..

وإنني والوالدة والزوجة وجميع الأقارب الذين عرفوك يعدوك كواحد منا..

فلو شئت أن تمكث معنا فهذا يسرنا ويسعدنا ولو مكثت في بيتي عشر سنين..

ولكن إن مصلحتك تهمني ولا بد أن تتصل بعائلتك ووالديك ..

فهما مهما غضبا عليك فسيبقيان اهلك واقرب الناس لك..

وأنت شاب ما زلت في مقتبل العمر وتحب العلم والتحصيل فهذه فرصة ثمينة لك..

وثق تماما حتى لو انتقلت للعيش في القصيم فسأبقى قريبا منك تعودني وأعودك

وبخصوص تكاليف دراستك وإقامتك فسأتكفل لك بكل فلس تنفقه..

فانظر ماذا ترى والله يقدر لك الصالح..

لا شك أن كلام الأخ سعود هو حق ومع التأمل والتفكير فالمصلحة تقتضي

أن أتدارك حل مشكلتي بكل السبل الممكنة..

لقد قدم لي سعود الكثير الكثير..

فيكفي انه آواني وفرج كربتي جزاه الله عني خير الجزاء..

أخذني في اليوم التالي لسوق السيارات..

فرأيته يبحث عن سيارة ليشتريها..

قلت له ياسعود أنت لا تحتاج لسيارة أخرى!!

فلديك اثنتان وإخوتك غير محتاجين..

قال أريد أن اشتري لك سيارة..

أقسمت بالله عليه ورفضت رفضا قاطعا وجلست أتجادل معه أكثر من ساعة

حتى أقنعته بالعدول عن ذلك..

لم يكن سعود رجلا غنيا فهو متوسط الحال والذي لا اشك فيه أنه سيقترض ذلك المال..

وحتى لو لم يقترضه وكان غنيا فكفاني منه جوده وسخاؤه ..

فقد كان كل يوم أو يومين يضع في جيبي مبلغا جزيلا دون أن أطلبه والله..

قال لي مرة لقد زوجت أختي الصغرى قبل أن تأتيني بشهر واحد..

والله لو كنت أعرفك حينها وكنت موجودا معنا لزوجتك إياها!!

بارك الله في سعود وفي ماله وولده وكثر الله من أمثاله..

وليس هذا غريبا على أهل تلك المنطقة فمع أن انتشار الجهل بالأحكام الشرعية بين أهل

الشمال عموما هو الغالب ..إلا أنك تجد فيهم من الكرم والجود مالا تجده في مناطق

أخرى..

حدثني مرة سعود يقول تعطلت سيارتي مرة وأنا على طريق عام ..

فتوقف رجل أعرابي معه سيارة وانيت داتسن ذات باب واحد..

.. دون أن أشير له.. ومعه زوجته في داخل السيارة..

فعرف أنه لا يمكن إصلاح السيارة في الحال..

ولا بد من إحضار مهندس ..

أمر ذلك الرجل زوجته بالركوب في صندوق السيارة..

قال سعود: أبدا أنا سأركب في الصندوق.. ودع الأهل في مكانهم..!!

قال الرجل: هي طالق إن لم تركب أنت في الأمام وهي في الخلف..!!

ولقد رأيت من كرمهم وجودهم وافتخارهم بذلك ما يعز نظيره والله..

إن ميزة الكرم لدى الناس هناك أنه جود غير متكلف ..

فهذه سليقتهم وهذه طباعهم توارثوها من أجدادهم وما زالت راسخة لديهم..

يتبع إن شاء الله




--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة العاشرة.

مرت الأيام التالية علي سريعا ..

وحرصت أن استمتع بالجلوس فيها بالقرب من سعود..وأولاده وإخوته..

ذهبنا سويا أنا وسعود للمكتبة واشترى لي مجموعة من الكتب..

لقد أراد سعود أن يعدني إعدادا شاملا للدراسة عند هذا الحبر..

لقد كان سعود أشبه بوالد يزف ولده ...

ولم أكن اعلم أنا أو سعود ما يخبئه القدر لي..

قبل يوم السفر قدم قريب لسعود وكان قريب عهد بعرس ..

تلفظ معي هذا الرجل بكلام فهمت منه أنني غير مرحب بي..

قال لي: أنت لست من شمر وأريدك أن تخرج هويتك من جيبك لتثبت عكس ذلك..

كان متكئا على وسادة ومقابلا لي ..ويشير بيده بكل تيه وغرور..

قام أخو سعود إليه فأراد أن يلطمه على وجهه فدفعته وقلت له دعه ليقل ما يقل..

لم يكن من اللائق بي أن أحرج الأخ سعود في بيته فسكت ..

لكن أخا سعود استدعاني للمختصر وقال لي..

دعك من هذا السفيه وأنا أعرف كل شيء عنك وأنت أكرم عندي منه..

خفف ذلك علي كثيرا ففكرة الانتساب تلك مع خطئها الشرعي لم تكن فكرتي و هي

شيء مخالف لأعراف الناس وتقاليدهم وفيها ما فيها!!!

في اليوم التالي سافرنا صباحا للقصيم..

ودعت إخوة سعود ثم انطلقنا لرحلة الطلب ..

لم يكن إخوة سعود على استقامة تامة بالدين مع محافظتهما على الصلاة في المسجد

إلا أنهما رجلان شهمان طيبان وفيهما من الخلال الحميدة ما يفوق كثيرا ممن

رايتهم من المحافظين على الشعائر الظاهرة..

لقد أتصل علي سعود بعد أربع سنوات من ذلك اللقاء الأخير..

واخبرني بخبر اليم عن أخويه

فلقد حدث لهما حادث بالسيارة على الطريق العام في أحد طرق الشمال السيئة ..

فتوفيا على الفور رحمهما الله رحمة واسعة..

وخلف على سعود فيهما خيرا في ذريته وأولاده..

مر علي منذ أن خرجت من بيتنا من الطائف حوالي ثلاثة شهور تقريبا..

وهاأنذا أنتقل لمنطقة جديدة والله أعلم مالذي ينتظرني..

كنا وسعود في تلك السفرة صامتين .. فليس في مخيلتي أي كلمات أو حوار دار بيننا..

سعود هذا رجل .. ويكفي أن اسميه رجل..

إن من الناس من هو كمعدن الحديد ومنهم من هو كالفضة ومنهم من هو كالذهب..

سعود في نظري معدنه أثمن من الذهب والله ..

أنا لا احكم على الرجل من خلال موقفه هذا معي هذا اتركه للقراء الكرام..

وصدقوني يا معاشر القراء الكرام إن سعود لا يعلم عما أكتبه عنه الآن..شيئا والله..

ولو علم لغضب من ذلك وكرهه..

فهو يرى عمله ذاك شيئا يتقرب به لربه ولا يريد أن يخالطه مدح الناس..

إن سعود لا ينتظر من عمله ذاك أن أكتب عنه أو أن أمجده فهو لم يكن يعلم

ولا أنا كنت أعلم أين تسير بنا الأمور وما هي خاتمتها..

إنني أكتب هذا الكلام وهذه المواقف لأسجل لأبنائي ما حل بوالدهم..

لأروي لهم عمن رويت ومن خالطت ليعرفوا قدر الرجال وليعرفوا الدب مع الناس

إنني يا أبنائي وأنتم الآن أطفال صغار وستكبرون إن شاء الله..

اقتطع لكم من جسدي قطعا صغيرة مليئة بالمآسي والأحزان والأتراح والعذاب والآهات

فأنسجها لكم بهذه العبارات لكي تستمتعوا بها..

وتكون أنيسا لكم في دهاليز وظلمات ومضائق الحياة..

وأسجل للقراء الكرام ما حدث معي حتى يكون للناس فيها عبرة لمن أراد ذلك..

إنني أطلب من إخوتي القراء الكرام أن يشاركوني هذا الدعاء..

اللهم جازي سعود عني خير الجزاء

اللهم بارك له في ولده وذريته اللهم واغنه من فضلك واجعله من عبادك الصالحين واختم

له بخاتمة صالحة يا ارحم الراحمين .. اللهم اجعله من أهل فردوسك الأعلى ووالديه

وإخوانه وذريته يارب العالمين..

وصلت أنا وسعود إلى عنيزة ..

تلك المدينة الصغيرة الجميلة الهادئة..

مدينة العلم والعلماء..

دفن فيها من العلماء والصالحين على قرون مالله بهم عليم..

سماها أمين الريحاني باريس نجد..

شوارعها جميلة ونظيفة وأهلها كمجمل أهل القصيم فيهم العلم والدين والأدب الرفيع..

دخلت عنيزة وأنا فقير مشرد احمل معي حقيبة ملابس وكرتون كتب..

وكنت احمل قبل هذا في جعبتي تجارب قاسية وخبرة بسيطة في الحياة وسذاجة وقلة حيلة ..

دخلت عنيزة وأنا حائر و رأسي متلبد بغيوم الشك والارتياب والضياع ..

لم أكن أعلم وأنا أدخل عنيزة هل سأمكث فيها يوما أو أسبوعا أو شهرا.. فما يدريني

فأنا منذ شهور أتنقل في البلاد من مدينة لأخرى ..

ومن يد ليد أخرى ولكن رعاية الكريم ورحمته سبحانه هي التي ترعاني

دخلت وأنا ابلغ السادسة عشر عاما فقط..

وبقيت في عنيزة أكثر من اثنتي عشرة عاما..

حافلة بالتجارب والمواقف الرائعة مع إمام الدنيا وفقيهها شيخنا العلامة

محمد بن صالح العثيمين عليه سحائب الرحمة والغفران..

يتبع إن شاء الله

احلى قصيد
20-01-2006, 12:49 AM
جزاك الله الف خيرا


على مانقلتيه لنا





>>>

زبن بن عمير
21-01-2006, 10:48 AM
رائعه

اسكندر
24-01-2006, 02:43 PM
اي ياقلبي اي

مشكور اخوي على هذه القصة

بنت نجد
25-01-2006, 02:31 AM
احلى قصيد


زبن بن عمير


اسكندر


شاكرة لكم مروركم الكريم

بنت نجد
25-01-2006, 02:33 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الحادية عشره

أكتب هذه المقالة وأنا مطرق وصامت..

أضع يدي على رأسي .. لكي أنظم ذاكرتي..

تمر أمام عيني الآن مئات المواقف .. والخواطر..

أشبه بحاسوب أدخلت إليه آلاف البيانات في وقت واحد..!!

إنني بهذه المقالة يا إخوتي وأخواتي أندب نفسي ..!!

إنني بها أنكأ جرحا غائرا..

قد خيطته بغرز منسوجة من الحديد ..

أحكي لكم عن أبي عبد الله !!

لكي تستمتعوا وتستأنسوا بعطره الجميل..

وبذكريات لا يعرف تفاصيلها من البشر سواي...

أما أنا فإنني أشق جروحا عميقة من جسدي وروحي

لأقول لكم خذوا هذه الذكرى الجميلة الموجودة في أعماقي، دونكم الدليل والبرهان..!!

عندما وصلنا لعنيزة أنا وسعود كان الوقت ضحى..

اذكر تلك اللحظات جيدا وما زالت في مخيلتي..

أوقفنا سيارتنا أمام الجامع الكبير في عنيزة..

عليه لوحة صغيرة خضراء..

مكتوب عليها جامع الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي رحمه الله

رفعت رأسي لأنظر لتلك المنارة الشاهقة والتي بنيت بجوارها منارتان حديثتان..

كأنهما فتاتان ذواتا قوام جميل ودلال وبهاء.. تنظران بشفقة وتشف

لتلك المنارة القديمة البناء المبنية بالطين واللبن..


تغنى أحد أدباء عنيزة بها قائلا..على لسان تلك المنارة..

وهي تخاطب الناس عن الشيخ ابن عثيمين قالت: أنا المئذنة وهو المنارة..!!!

نعم والله هي المئذنة وهو المنارة ..

هذه المئذنة بناها بناء محترف قبل عشرات السنين وكلف بناؤها عشرون ريالا..!!

ولكن أمير عنيزة زاد البناء عشرة ريالات مكافأة له على إتقان صنعته!!

وهي حتى هذه الساعة مازالت شامخة تفخر وتشرف على ضرتيها!!

وتغني وتقول .. أنا المئذنة وهو المنارة...

اقتربت من باب المسجد فشاهدت لوحة صغيرة مكتوب عليها

تسجيلات إسلامية..

دخلت للتسجيلات فرأيت رجلا ملتح ابيض وسيم الطلعة قصير وممتلئ

على وجهه لحية قد اختلط سوادها ببياضها..

سلمت عليه .. فرد علي بصوت فيه بحة !!

قلت له أين أجد الشيخ محمد ؟؟

قال الشيخ الآن في الجامع وعنده درس حتى الساعة العاشرة والنصف..

قلت : وبعد ذلك ..

قال : يذهب ماشيا لبيته.. هل أنت طالب جديد أم تريد الفتوى؟؟

قلت : لا، أنا أريد الالتحاق بحلقة الشيخ..

رحب بي .. وقال أهلا بك في عنيزة ...

ثم عرفني باسمه ، وقال أنا أخوك عبد الرحمن الخليفي ..

قلت له وهل أنت قريب الشيخ الخليفي إمام الحرم..؟

قال هو أحد أقاربنا..

قلت : أريد التحق بسكن الطلاب من أقابل؟؟

قال: قابل الشيخ مباشرة وتحدث معه فهو صاحب الحل والربط!!!

منذ ذلك التاريخ أصبحت لي مع أبي صالح علاقة طيبة.. بارك الله فيه

خرجت من عنده فسمعت صارخا يصرخ على الميكرفون ..

بسم الله ونصلي على رسول الله...

عشرة ،عشرة، عشرة !!

ظننتها محاضرة !!!

ولكن حينما أنصت له عرفت أنه صوت البائع في سوق الخضار المقابل للمسجد...!!!

قلت لسعود ماذا ترى؟؟

قال : دعنا لنذهب نفطر وتصلي مع الشيخ صلاة الظهر.. وتقابله..

توجهنا لأطراف عنيزة في المزارع المحيطة بها..

حيث تنتشر البساتين الخضراء والمزروعة بالنخيل على مد البصر..

جلسنا تحت ظلال شجرة واخرج سعود عدة الطبخ ..

وصنعنا الشاي.. والإفطار..

كانت آخر جلسة لي مع سعود في مثل هذه الحال..

قلت لسعود : أنت لديك سفر طويل ، فهيا قم وأوصلني للجامع وسوف أتدبر أمري..

وفعلا توجهنا للجامع .. وأوقفني أمامه .. ودخلت أنا وسعود لصرحة المسجد ..

حينما فتحنا الباب وجدنا الجامع خال من الطلاب ..والشيخ قد طلع من الدرس!!

وضعت متاعي في زاوية المسجد قريبا من رفوف النعال..

ثم خرجت مع سعود..

أردت أن يكون وداعا سريعا!! حتى لا ينفطر فؤادي والله.. حزنا وكمدا..

قبلته بين عينيه ودعوت له وانصرفت وأنا تخنقني العبرة..

دخلت للمسجد فتنهدت وصليت على رسول الله..

تجولت بنظري في الجامع ..

لمن لا يعرف الجامع يظن ذلك الجزء هو كل الجامع..

استصغرته في البداية .. ولكن بعد حين عرفت أن ذلك تقسيم متعمد

وهو تقسيم معهود في المنطقة كلها..

في وسط المسجد يقع محراب خشبي مقوس ارتفاعه حوالي نصف ذراع ..

وبجوارة علبة خشبية صغيرة لوضع النعال!!

وفرشت سجادة من الفرش الرخيص ..

قد بليت مواضع السجود منها وموضع الركبتين!!

وألقيت بجواره مهفة ليروح بها الإمام عن نفسه من الحر..

وقعت عيني على مقعد على يسار الداخل للجامع ارتفاعه ذراع ويتسع لجالس واحد فقط

ولا قوائم له، يتكئ من يجلس عليه على جدار المسجد..

وأمام المقعد اسطوانة حدية مدهون مثبت بالأرض بمسامير قوية

عرضت عليه خشية طولها نصف متر تقريبا فيها فتحات صغيرة..

لوضع الميكرفونات عليها..

وأمام ذلك المقعد قد ألصقت بالأرض علامات منحنية كقوس لترتيب صفوف الطلاب..

حول شيخهم...

عرفت أن ذلك هو موقع الدروس..

صليت تحية المسجد واتكأت على الجدار ووضعت خدي على كف يدي

أفكر في حالي....

فتح الباب بشدة ودلف منه شخص كبير في السن!! ..

وعليه مرآة عريضة وبشت ثقيل !!

حينما رآني نظر لي نظرة حادة .. فصرفت وجهي عنه خوفا من نظراته..

فلم يعرني كثير انتباه!!

كأنه يقول واحدة بواحدة..!!

وضع نعله خلف موقع الإمام ثم خرج من المسجد!!

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
25-01-2006, 02:35 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثانية عشر..

كان ذلك الشيخ الذي دخل للمسجد وخرج هو العم عبد الله بن عمر العمري..

وهو احد أقران الشيخ ابن عثيمين في الدراسة على شيخه ابن سعدي رحمه الله..

بعد برهة وجيزة دخل ذلك الشيخ مرة أخرى ..

وتسنن ثم نشر مصحفه وانكب عليه..

بقيت وحيدا أرقب باب المسجد وارقب حقيبتي وكرتوني..

خرجت قليلا من باب المسجد ، و قفت على الدرج الخارجي العريض ..

حيث يقابل الخارج من المسجد دكانان أحدهما مكتوب عليه مركز إحياء التراث ..

وعلى اليسار لوحة مكتوب عليها مؤسسة الاستقامة.. وكانت مغلقة!!

دخلت لإحياء التراث ، وهي عبارة عن مكتب خدمات تصوير ..

مليء بمذكرات دروس الشيخ ابن عثيمين ، وغيره من العلماء..

استأذنت البائع بالتصفح فأذن لي..

وسألته : هل هذه من تأليف الشيخ ..؟؟

قال : كلا ، هذه مذكرات مفرغة من دروس الشيخ ...

خرجت من عنده ثم توجهت للوضوء والاستعداد للصلاة..

بعد دقائق ... دخل شاب نحيل بهي الطلعة..

وتقدم لدولاب طويل أبيض خلف المحراب ملصق بالجدار..

ففتحه ثم أضاء الميكرفون فأذن.. بصوت عذب وندي أعجز عن وصفه..

لم اسمع في حياتي أذانا جميلا مثل أذان ذلك الشاب ..

لا أدري هل ذلك بسبب حبي للجامع وأهله أم أن ذلك حق يوافقني عليه آخرون..؟؟

لكن هذا رأيي الشخصي عن ذلك الصوت ولا شك أن الأذواق تختلف في الحكم ..!!

فلا تلوموني إخوتي !!!

اسم ذلك الشاب عبد الرحمن الريس بارك الله فيه..فهو جاري في الصف لسنوات !!

بعدها تتابع الناس في الدخول للمسجد ولكن بوتيرة بطيئة!!

خلاف ما رأيته في المساجد الأخرى.. !!

وغالب من جاء للمسجد هم من الشباب المستقيم الملتزم ...

تأخر الإمام فسألت من بجواري : هل الشيخ موجود ؟؟

قال : نعم ولكنه يتأخر..

وبعد مرور حوالي خمس وأربعين دقيقة من الأذان دخل الشيخ...

هو كما عهدته لم يتغير من شكله شيء ..

غير أنني هذه المرة أنا من قدم إليه..

تقدم من الباب ثم خلع نعله وحملها بيده ثم سلم على الجماعة ..

وقف المؤذن وفي يده ميكرفون ذو حبل طويل مما يعلق على الصدر..!!

أقام الصلاة .. وكان الشيخ يستن بالسواك بيده اليسرى!!

التفت للمؤذن ثم تناول منه الميكرفون فعلقه الشيخ على صدره بلمسة إحترافية..!!

ثم التفت للناس وأمر الجميع بالاستواء والتراص..

نظرات الشيخ ثاقبة وحاجباه كثيفان مليئان بالشعر الأبيض..

يثيران في النفس الرهبة والمهابة.. كأن نظرته تخترق جسدك اختراقا..!!

قدم وأخر في الصفوف كأنه قائد جيش !!

حينما اطمأن من تراص الصفوف واستكمال الأول فالأول كبر الشيخ..

أطال الشيخ في الركعة الأولى إطالة لم أعهدها...!!

وفي ركوعه وسجوده وسائر الأركان يطيل الشيخ تطويلا بينا..

فمع كبر سنه إلا أن نشاطه وتماسكه يساعدانه على تحمل تلك الصلاة !!

ثم إن أغلب من يصلي معه من الشباب النشيط..

سوى العم عبد الله العمري سالف الذكر..

ورجلا آخر له شأن وأي شان...

رجل مسن رقيق الجسم لا تكاد أن ترى في جسمه مزعة لحم..

منحني الظهر ثيابه رثة وهيئته كهيئة مخبول أو معتوه !!

ولكنه يحمل في صدره علما كالجبال ..

إنه الشيخ الزاهد عبد الله الفالح..

حينما رأيته ظننته شحاتا ..

ولكن سمعت عنه وجالسته بعد ذلك فوجدت الرجل واسع الإطلاع راسخ العلم ..

غير انه زاهد في الدنيا ومتعها حتى إنه لم يتزوج قط..!!

ولعل أن تأتي مناسبة للحديث عن هذا الحبر بشكل أوسع ..

ختم الشيخ صلاته بالسلام ..

ثم استغفر بصوت جهوري .. وضج المسجد خلفه بالتسبيح والتهليل..

ثم استدار الشيخ بفتوة ونشاط كما يستدير الفارس على صهوة فرسه..!!

واستمر في تسبيحه وتهليله..

تخطيت الصفوف وجلست بجوار الشيخ فألقيت بين يديه توصية صاحبي..

فأشار لي الشيخ بيده اليسرى وهزها بعنف أن انتظر ..

فخجلت وشعرت بحرارة تملئ وجهي حياء من ذلك الموقف..

حينما استكمل الشيخ تسبيحه قال ماذا تريد..؟؟

فقدمت له الورقة..

فقال : ماذا فيها؟؟

قلت: توصية من فلان..

قال أعرفه وماذا تريد ؟؟

قلت أريد أن ألتحق بحلقتك للدراسة لديك...

قرأ الورقة بسرعة ثم أعادها وقال..: هذا لا يكفي لا بد من توصيتين .. ابحث عن

شخص آخر أعرفه ليوصي بك..!!!

ثم فز من مجلسه وتناول نعله وقام..!!!

بقيت برهة أنظر حولي واحترت..؟؟؟

هل انتهى كل شيء ؟؟

لم اطل التفكير بل عزمت أن ألحق بالشيخ لأكلمه مرة أخرى..!!

خرجت فلحقته فرأيت حشدا من الناس تسير مع الشيخ..

منهم السائل والمستفتي ومنهم صاحب الحاجة ..

كنت أراقب المشهد وأنا بحذو الشيخ ..

يسير الشيخ من المسجد حتى بيته في كل الصلوات..

صيفا وشتاء .. دونما كلل ..

ولقد رأيت فتية نشطاء أقوياء يعجزون عن لحاق الشيخ حينما يسرع الخطى!!

بعد تجاوز نصف المسافة .. ورجوع أكثر الناس..

نظر إلي وقال : ايش عندك؟

قلت له : ياشيخ لقد جئتك من مكان بعيد ولا يعرفني أحد سوى فلان الذي أوصى بي..

فماذا أفعل ؟ لا سكن عندي ولا أعرف أحدا هنا في عنيزة؟؟؟

قال : هل أنت شمري من حائل؟؟

أسقط في يدي فالورقة فيها فلان الشمري؟؟

فلو قلت غير ما هو مكتوب فهذا نهاية المطاف ؟؟

وإن كذبت فلا حول ولا قوة إلا بالله !!

تماسكت وقلت: نعم أنا شمري؟؟

قال هل يعرفك عبد الله العبيلان رئيس مكتب الدعوة في حائل؟

قلت : لا والله..

قال هل يعرفك فلان رئيس المحكمة؟؟

قلت : لا والله ياشيخ!!

قال : ماذا افعل لك تصرف!!

قلت : هل ممكن أن أنزل في السكن مع الطلاب حتى أجد من يزكيني؟؟

أدار الشيخ وجهه نحوي..

أخذني الشيخ طولا وعرضا بنظره وتأملني ثم قال : لا بأس أذهب لمحمد البجادي !!

وقله أرسلني لك محمد للسكن مؤقتا !!

قبلت رأسه ورجعت لمتاعي..

حملته ثم التففت من خلف السكن المقابل للمسجد..

وشاهدت جموعا من الطلبة تصعد وتنزل من باب السكن..

فرأيت لوحة مكتوب عليها : مكتبة عنيزة الوطنية ..

أسسها الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي..

وها أنذا أدخل السكن الذي لن أخرج منه سوى بعد سنوات..

يتنع إنشاء الله

بنت نجد
25-01-2006, 02:36 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثالثة عشر


دخلت لسكن الطلاب وهي عمارة ذات أربع طوابق..

تبرع بها الملك خالد رحمه الله وأوقفها لطلبة العلم في الجامع الكبير..

صعدت للطابق الثاني فوجدت الطلبة مجتمعين على الغداء..

وعن يمين الصالة علقت لوحة مكتوب عليها ( المكتبة)

سألت عن محمد بن بجاد.. فقال محدثي : أنا هو..!!

وكان واقفا بجوار براد الماء على مدخل صالة الطعام..

قلت له لقد بعثني الشيخ محمد إليك لكي توفر لي سكنا مؤقتا ..

قال : لماذا مؤقت؟؟

قلت : لم استكمل التوصيات ..

قال : ما اسمك؟؟

هل سأقول لهم اسما غير الذي أنادى به من شهر؟؟؟

أنا فلان الشمري؟؟

قال: ولكن لهجتك؟؟

قلت له: أنا عايش طوال حياتي في الطائف؟؟؟

انتهيت من تحقيق الأخ محمد الظريف ثم قال تفضل استرح في المطبخ!!!

دخلت لصالة الطعام .. وهي صالة مفروشة بزل قديم ..

كانت أشكال الطلبة مختلفة ومتباينة !!

فتسمع اللهجة الحجازية وكذلك لهجة نجد طبعا..وترى الأفغاني والأفريقي..

جاؤا من أصقاع الأرض ليثنوا ركبهم عند ذلك الحبر ..

يجلس الطلبة حلقا على سفر الطعام..

كانت رائحة الأكل تثير الشهية فانتظرت الأخ محمد ليدعوني أو غيره من الطلاب ..!

فلقد كنت خجلا فأنا غريب بينهم ولا اعرف أحدا منهم..

غربة ما بعدها غربة والله المستعان!!

تكرم احد الطلبة بعد أن لمحني أتلمض دجاجة مشوية لا احد حولها..

قال : تفضل كل معنا يا أخي ؟؟

كدت أن أتمنع!!

ولكن الجوع أبصر ..!!

فانقضضت على طريدتي.. ولم يزاحمني عليها احد.. فظن شرا ولا تسأل عن الخبر!!

حينما شبعت وغسلت يدي ..

وخلت الصالة بعد أن ذهب جلهم لغرفهم وبعضهم يقيم خارج السكن!!

بجوار المطبخ ثلاجة ذات بابين فيها مالذ من شراب وعصير وحلويات!! توجد

ولكن بجوارها يجلس رجل أفغاني كأضخم رجل تراه!!

وله لحية كثة وسمعت الطلبة يسمونه علاء الدين...

قلت له : ياعلاء الدين ؟؟ هل ممكن اشتري من هذه الثلاجة؟؟

ظننته سيقول هذا بالمجان تفضل خذ ما تريد!!

قال : ايش تشرب ؟

فطلبت البارد .. فقال : بس واحد ريال!!

دفعته طبعا ومن ذا يجرؤ يزعل مثل هذا المخلوق الضخم!!

لكن هذه الضخامة والسعة في الجسم تخفي في داخلها قلبا كبيرا ..

إن علاء الدين هذا رجل لا كالرجال !!

ولا اعرف أحدا في سكن الطلاب قد اشتكى منه طوال إقامتي في السكن..

ويكفي ثقة شيخنا محمد به ..

دعونا من علاء الدين الآن .. ولنكمل قصتنا..!!

توسدت حقيبتي فنمت ...

استيقظت على أذان عبد الرحمن وما أجمله من نداء..

لم يكن في الحقيبة شيء يخاف عليه فتركتها غير عابئ بما يصير لها!!

صلى بنا شيخنا صلاة العصر ثم قرأ عليه قارئ من كتاب رياض الصالحين ( أظن)

فعلق عليه الشيخ تعليقا مبسطا ميسرا..

والملاحظ كثرة المصلين في صلاة العصر عن صلاة الظهر ..

حينما كان الشيخ يتحدث تذكرت رجلا يعمل في هيئة الأمر بالمعروف في حائل

وهو من أقرباء سعود وذكر لي أنه من تلاميذ الشيخ محمد القدامى..

اسمه عباس المعاشي( أو الشمري الشك مني).. بعد انتهاء الدرس تحلق حول الشيخ حشد من الناس منهم السائل ومنهم

المستفتي وصاحب الحاجة ولقد رايت ما يعانيه الشيخ من صلف الناس وجفاءهم فرحمه الله وعفا عنه

لحقت الشيخ وسألته...

هل تقبل توصية عباس الشمري....؟؟

قال : أنعم به وأكرم ...

كنت احتفظ برقم عباس ..

فتوجهت لكابينة الهاتف واتصلت عليه..

رد علي عباس بصوت غير الذي عهدته؟؟

كلمته في الموضوع..!!

قال : أنا مريض ولكن سوف اتصل على الشيخ وابلغه بما تريد إن شاء الله..

رجعت للسكن وبحثت عن محمد بن بجاد..

فطلبت منه غرفة بسرير مريح لكي أضع متاعي فيها!!

ضحك وقال : تعال اريك غرفتك!!

صعدنا للدور الثالث .. ففتح لي الباب ..

فرأيت غرفتي المريحة!!

غرفة صغيرة ملقى فيها طراحة مهترئة ولحاف بالي ووسادة مهترة!!

قد فرشت ببساط أقرب حاله أن أسميه أنه هالك!!!

ركز بجدرانها رفوف فارغة لوضع الكتب .. فكانت أشبه بعجوز فاغرة ولا أسنان لها..

قال تفضل هذه غرفتك..!!

وقال : أنا لست مشرف السكن!!

إن أردت شيء فكلم الأخ محمد زين العابدين !!

قلت له: وأين أجد محمد زين العابدين هذا؟؟

قال هو مسافر وسيأتي اليوم من شرورة ..و هو ينزل في غرفة في الدور الثاني ..

مع شخص اسمه نافع الشمري!!

حينما سمعت كلمة (شمري) جمد الدم في عروقي !!

فهاأنذا أجاور شمريا حقيقيا !!

ثم انصرف .. وتركني في الغرفة..

وأظنه قال في نفسه : يالهذا الأحمق هل يظن نفسه سينزل في غرفة خمس نجوم!!

جلست على طراحتي البالية ..

أنظر لجدران الغرفة المتسخة !!

سبحان الله .. كيف يرضى الشيخ محمد بهذا الحال؟؟

ولم أكن اعلم إلا بعد حين أن غرفتي تلك هي غرفة الضيافة!!

ولكن بعد فترة والشهادة لله فقد تحسنت الأوضاع بشكل ملفت..

وجدد السكن تجديدا يليق بمقام شيخنا رحمه الله رحمة واسعة..

وقفت على نافذة الغرفة حيث تشرف نافذتي على الشارع العام..

أراقب الرائح والجاي كما يقولون!!

لمحت نسوة كثرا متلفعات بالسواد .. وجالسات على الرصيف ..

وبعد لحظات جاء الباص فحملهن ومكتوب عليه ( مستشفى الملك سعود)

إذا ،هن ممرضات!! ومتسترات بهذا الستر؟؟ .. بل وسمعت ان كثيرا منهن غير مسلمات!!

فالسفور كما سبق نادر أو معدوم ...

تركت الممرضات اللاتي يذكرنني بالمرض والهم فنزلت للمسجد..

سألت عن الدرس في تلك الليلة ..

فقالوا لي :الدرس الليلة في كتاب زاد المستنقع ..

سألت أحد الطلاب عن مكتبة قريبة..

فأشار لمكتبة مجاورة لجنوب المسجد مكتوب عليها مكتبة الإمام الذهبي..

دخلت للمكتبة وطلبت من البائع أن يعطيني متن الزاد..

فاشتريته ثم توجهت للمسجد..

رأيت مجموعة من الكتب موضوعة للحجز أمام الشيخ ..

ولم تكن تلك العادة غريبة علي فقد كنت افعلها في دروس مشائخنا في الطائف..

تقدمت وبكل جرأة وصفاقة !!

فالتفت حولي هل يراني من احد !!

فأزحت كتابين عن بعضهما وفرقت بينهما في المجالس ووضعت كتابي بينهما..!!

ولقد اخترت الصف الأول بل وأمام الشيخ مباشرة!!

لقد كانت تلك الجرأة والصفاقة سببا هيئه الله تعالى لي لكي يفتح قلب شيخنا الكبير

لشخص مغمور ضائع مثلي...

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
25-01-2006, 02:37 AM
الحلقة الرابعة عشر

في دروس شيخنا في عنيزة من النادر أن يسال الشيخ الطالب خلال الدرس..

فغالبهم قد جاء له من أماكن بعيده بقصد العلم والتحصيل ..

وفيهم من الطاقة والحيوية ما يجعلهم حريصين ومتنبهين لكل فائدة ومسألة.

ولكن الوضع ذلك اليوم مختلف ..!!

سألني الشيخ في ذلك الدرس ثلاث مرات كأنه يختبرني أو سيقول لي : طس !!

وبحمد الله بلعت الطعم ولم أقع في المصيدة!!

فقد أجبته بما فتحه الله علي مما حصلته عند مشائخنا في الطائف..

فكان ذلك فأل خير لي بحمد الله تعالى..

انتهى الدرس الأول بعد الأذان ..

ثم تقدم شاب من الصف الخلفي وجلس بيني وبين جاري الغاضب مني!!

وعلق الميكرفون على صدره .. ثم أخذ يقرأ من نونية ابن القيم..

بصوت جمع بين العذوبة والرقة ، وجمال الأبيات التي نظمها ابن القيم رحمه الله..

لقد كانت تلك المنظومة مع أنها تحوي ردودا علمية رصينة إلا أنها...

حوت حكما ومواعظ وطرائف لا يتقن نظم قلائدها سوى مثل ابن القيم وكفى به !!

لاحظت رجلا أفغانيا ذو عمامة عريضة ويلبس المرآة يجلس عن يمين الشيخ..

و لاحظت الشيخ يستأنس كثيرا بالحديث معه أو مناقشته ..

وكانت أسئلته وركاكة لسانه الأعجمي تثير ضحك الطلاب ..

كنا نستأنس ونفرح حينما يسأل هداية الله لأن شيخنا يسر بذلك ..

ومع عجمته وصعوبة النطق بالعربية لديه حيث انه لا يتكلم سوى بالفصحى

المكسرة..!!

إلا أن الرجل قد أتقن علوم الآلة من نحو وأصول وأصول تفسير ، بشكل شبه كامل..

أذكر في درس الفرائض من متن البرهانية المسألة العنقودية والتي لم يستطع حلها سوى

هداية الله !!

وهي مسألة شائكة ومعقده لا يقدر عليها سوى الراسخين في الحساب والفرائض..


كان هداية الله هذا يسجل دروس الشيخ في مسجل صغير..

ثم يرجع لغرفته فيغلق الباب على نفسه ..

فلا ينام حتى ينسخ ذلك الشريط على دفتر خاص ثم يترجمه من فوره للغته الأفغانية!!

و هذا ما يفعله كل ليلة طوال ست سنوات جاورته وخبرت حاله..!!

انتهى الدرس وتوجهنا للمصلى وكنت وضعت كتابا بجوار المؤذن لكي أصلي مكانه..

صليت خلف شيخنا .. وبعد السلام ..تحلق مجموعة من الناس حول الشيخ ..

كما هي العادة في كل صلاة سوى صلاة الفجر والمغرب..

ثم قام الشيخ وخرج من المسجد لحقته مع الناس وذلك بقصد الفضول فقط ..

كنت أسير بمحاذاة الشيخ واستمع لأسئلة الطلبة والمستفتين..

ولقد فاجأني الشيخ حينما التفت إلي وقال:

يبدوا أنك تريد العلم والتحصيل !!

كانت غير متوقعة والله ..

ثم قال الشيخ .. هل نزلت في السكن؟

قلت : نعم..

كان الطلبة يراقبون هذا الموقف وقلوب بعضهم تخفق من الغيرة من هذا الحوار

الخاص!! والنموذجي!!

قال : إذا عجل بالتزكية حتى نسمح لك بالبقاء ..!!

قلت له : لقد اتصلت على عباس وهو مريض وقال سيتصل عليك!!

قال : خيرا إن شاء الله .. ثم عدت أدراجي للسكن..

استبشرت بهذا النجاح الذي لم ارتب له شيئا بل توفيق الخالق سبحانه وتعالى..

دخلت لغرفتي فوجدت زائرا ينتظرني!!

وجدت شخصا جالسا في غرفتي..

سلمت عليه .. فرد وقال : هل أنت تسكن في هذه الغرفة؟؟

قلت : اليوم نزلت فيها..

قال : إذا سنكون سوية هنا .. أنا أخوك بندر الحربي ..

تعارفنا .. قليلا ثم نزلنا للعشاء.. وهذه المرة لم أنتظر أحدا يدعوني!!

حقيقة أن تنام في غرفة صغيرة وضيقة مع شخص لا تعرفه شيء مزعج..لمن لم يعتد عليه

خصوصا انه لم يستأذنني احد في اختيار زميل السكن..

ولكن لا خيار لي فإما مع بندر أو الشارع!!

ولكن بندرا هذا رجل ظريف وحلو المعشر ..

وبعد حديث طويل معه اكتشفت طيبته ..

ومع انه رجل انعزالي ولا يحب مخالطة الناس ونظراته غير محببة ، لعمقها

وحدتها!!!

إلا أنني حينما عاشرته وخالطته تبين انه رجل طيب وفاضل..

استأمنته على بعض أموري وكنت أستشيره فيصدق المشورة!!

كنت أخرج للتنزه مع بندر على سيارته الوانيت في الطعوس المحيطة بعنيزة

وما أكثرها!!


في اليوم التالي .. حضرت درس الصباح ..

والذي يستمر من الساعة الثامنة وحتى العاشرة والنصف..

ويدرس فيه الشيخ خمسة كتب ..

والحضور في تلك الدروس ليس بالكثرة التي كانت بالأمس..

حيث أن هذه الدروس فقط في موسم الصيف والعطل الدراسية..

كانت الدروس صعبة علي لمستواها العالي عني..

ومع ذلك فلم انقطع عنها طوال الفترة المتبقية من الصيف والتي لم تطل كثيرا..

بخصوص المكان فقد تمسكت بالمكان الذي جلست فيه بالأمس ..

وذلك لسنوات عديدة بفضل الله تعالى..

وذلك على رغم عدم رضى جاري سامحه الله!!

والذي ستكون لي معه مواقف ستصطدم كثيرا من قراء هذه الحلقات..

ولست اقصد من روايتها الشماتة به أو النيل منه..

فأنا لن اسميه ولا احد من القراء يعرفه أو يعرفني ..

ولا يخلوا ذكر القصة من فائدة وحكم وطرفة !!

ومع أن تلك المواقف حصلت قبل سنوات عديدة إلا أنها لن تمر دون اعتبار وتمحيص..

والموعد عند رب العالمين سبحانه وتعالى هو حسبنا ونعم الوكيل..

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
25-01-2006, 02:38 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الخامسة عشر

في اليوم التالي حصل تقريبا ما حصل بالأمس غير أن المفاجأ ة كانت وعلى غير المتوقع

حينما مشيت مع الشيخ في عودته لبيته بعد الدرس الصباحي ..

ناداني الشيخ وبانزعاج ظاهر وقال لي: لما لم يتصل صاحبك؟؟

قلت له: والله لا أدري ولكن في اتصالي السابق عليه قال هو مريض..

فلعله اتصل على تلفونكم فلم يجبه أحد!!

قال الشيخ: هات رقم تلفونه وسوف أتصل عليه أنا!!

لم أكن ساعتها أحمل رقم عباس فقلت له: سأحضره لك بعد صلاة الظهر..

وبعد الصلاة ناولت الشيخ ورقة عليها رقم الشيخ عباس ..

كنت قلقا للغاية .. فالشيخ محمد لمن خالطه رجل حازم ..

ولا أسهل عليه من أن يقول لي ارجع من حيث أتيت!!

وكون الشيخ يطلب رقم عباس ليتصل عليه من طرفه إن ذلك الفعل هو نبيل وتواضع

من شيخنا جزاه الله خيرا.. ورحمه وأسكنه جنات النعيم..

بعد صلاة العصر وانتهاء درس العامة ..أشار لي الشيخ وكنت أمامه بجوار المؤذن

أن الحق بي!!

لحقته ومشيت بجواره ولكنه لم يكلمني في شيء..!!

انتظر الشيخ حتى انتهى الناس وقضى حوائجهم وبقيت أنا وهو بمفردنا نسير حتى

اقتربنا من البيت وكنت منتظرا دون أن استبق منه شيء!!


ولكن يعلم الله سبحانه وتعالى أنني قد خفت وظننت الظنون فربما أن أخي سعود أخبر

عباس بمشكلتي ..

وبدوره أطلع عباس الشيخ على الحاصل !!

قال الشيخ: خلاص!!

شدهت وظننت أنه خلاص سيخرجني ولكنه استأنف كلامه...

أنا كلمت عباس وهو أثنى عليك خيرا!!

وسكت!!

قلت في نفسي :ما معنى هذا الكلام؟؟؟

ثم أكمل شيخنا وهو يضم يديه ويشير بها للإمام ويزم شفتيه وقال :

سنقبلك في السكن!! بشرط أن تجتهد في الطلب..

لو كان بيدي في تلك اللحظة أن اصرخ من الفرح لفعلت!!

أي خبر سعيد هذا !! الحمد لله رب العالمين..

ثم قال الشيخ : وأنت يافلان الشمري!!!

اغتنم هذه الفرصة ، خاصة أنك ما زلت في مقتبل عمرك .. وفقك الله..

انصرفت بعد أن قبلت رأسه ودعوت له..

ما أجمل أن ترى بصيص الأمل بعد اليأس .. ما أجمل الشعور بالاستقرار

وخاصة في كنف ورعاية رجل بوزن الشيخ محمد عليه الرحمة والرضوان..

لم أطمع ولم أحلم بل والله الذي لا إله سواه ولم يخطر في بالي أن أحصل على أي

امتيازات مادية أو معنوية من قبل الشيخ محمد ..

بل كان يكفيني أن أحصل على ما حصل عليه

الآلاف سواي من طلبة العلم الذين يحيطون بشيخنا من كل صوب كل يبحث عن

رضاه بعد رضى الخالق سبحانه وتعالى فهو للجميع بمقام الأب الحاني ..

ومن ذا لا يبحث عن رضى والده..أو والدته..

وكذلك يكفيني ويشرفني أن أتتلمذ على يديه وأحصل على علم قل منه أو كثر..

انخرطت بعون الله سبحانه في طلب العلم والتحصيل فكان هو شغلي وهمي ..

اقتنيت عددا من الكتب ورتبتها على الرفوف في غرفتي الصغيرة..

تعرفت على عدد من الطلاب ولكن لم يكن اهتمامي منصبا على ذلك..

من الطلبة الذين عرفتهم وخالطتهم الأخ نافع الشمري ..

وكذلك الخ خالد الشمري .. ومنهم الأخ محمد زين العابدين!!

هذا الأخير هو مشرف السكن ..

وقد وصل من شرورة لكي يرتب سكنا له ولزوجته التي دخل بها قبل أسابيع!!

وبذلك سينتقل من السكن الحالي والذي هو سكن للعزاب فقط ليستأجر بيتا له

ولعائلته..

الأخ محمد رجل عاقل وفيه حلم وأناة ولذلك كان اختياره للإشراف على السكن هو

اختيار موفق..

كان الأخ محمد هو ملاذ الطلاب عند المحن بعد الله فهو الوسيط بينهم وبين الشيخ ..

ولقد كانت مهابة الشيخ محمد رغم تواضعه تمنع كثيرا منهم عن مخاطبته مباشرة..

ولكن يكفي أن يوصل الأخ محمد شكاويهم وطلباتهم ليبت فيه الشيخ ..

طلبت عن طريق الأخ محمد أن يوفروا لي كتبا ومراجع فوضعت قائمة كبيرة بالكتب..

سلمتها لمحمد .. فظهرت على وجهه ابتسامة صفراء ماكرة !!

وهز رأسه وقال: هل تظن الشيخ يوافق لك على هذه الكتب؟؟

قلت له قدمها له وسنرى..

وفعلا قدم محمد القائمة للشيخ بعد ظهر إحدى الأيام فوضعها الشيخ في جيبه..

بعد يوم أو في ذلك اليوم بعد العصر ناداني محمد وقال : انظر في ورقتك!!

فوقعت عيني على شخاميط بالقلم الأحمر وضعت على كل الكتب تقريبا وأضيف عليها

للتأكيد علامة

X

ووافق على كتابين أو ثلاثة وأرفق معها قيمة الكتب نقدا معلقة بالفاتورة!!

أخذتها وحمدت الله تعالى واشتريت الكتابين فأضفتها لمكتبتي الصغيرة..

وعلى كل فقد وفر في السكن مكتبة علمية لا بأس بها وتحوي مراجع كثيرة

للباحثين ومحبي القراءة .. ومع ذلك فالمكتبة شبه خالية ..

والسبب في ذلك

أن أغلب الطلاب قد يسر الله لهم مكاتب على حسب تخصصاتهم ومشاربهم في غرفهم..

فترى الطالب المهتم بعلم الحديث والتخريج أكثر كتبه ومراجعه من ذلك..

وينطبق الحال كذلك على طالب الفقه والتفسير وغيرها ..

أما أنا فقد كانت مكتبتي صغيرة ولكنها نمت وترعرعت حتى خرجت من سكن الطلاب..

وإنه ليعجز عن حملها الرجال الأشداء أولي القوة لكثرتها وتنوعها والحمد لله..!!

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
25-01-2006, 02:39 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة السادسة عشر

من خلال جلوسي الدائم أمام الشيخ وبجوار قدماء الطلبة

لا بد أن يؤدي ذلك برغبة أو بغير رغبة إلى نشوء علاقة ما!!

لن أتوسع في هذا الأمر وهو غير مهم أبدا لكم غير أن هناك حالة لا بد من ذكرها..

في حلقة مضت ذكرت ذلك الشاب الذي خرج من غرفة مجاورة لموقع الدرس..

كان ذلك الشاب من كبار طلبة الشيخ وأفقههم بل ومن أقرب الناس لشيخنا..

لا ينافسه على ذلك أحد ، ولم يكن يخفى علي ولا على سواي ذلك ..

بل أن للقرابة العائلية بينه وبين الشيخ زادت الأمر رسوخا وبيانا..

تعرفت على الرجل وكانت علاقتنا لا بأس بها ..

كنت أتصافح معه قبل الدروس ويزداد التعارف بيننا يوما فيوما!!

ذكرت في الحلقة الماضية أن الشيخ أعجب ببحثي الذي كتبته..

ورأى أن ذلك علامة نبوغ مني على صغر سني ولكنه حتى ذلك الحين لم يبد الشيخ

نحوي شيئا..

وذات مرة تغيبت في سفرة لمدينة حائل لزيارة الأخ سعود وغبت ثلاثة أيام..

لم يفتقدني أحد كما كنت أظن ولم أكن أعلم قوانين السكن حينها وضرورة أخذ الأذن

من المشرف...

ولقد اشتقت لرؤية سعود بعد أن انقطعت عنه حوالي الشهر وزيادة فرغبت بلقائه..

زرته في حائل ومنها نزلت للرياض بالطائرة ثم للشرقية ثم عدت منها للقصيم..

كانت رحلة استجمام وترويح بعد عناء وانشغال بالطلب ..

حينما عدت لعنيزة كانت الأمور على مايرام فيما أظن !!

أذكر أنني بعد صلاة عشاء ذلك اليوم وقد وصلت للجامع قبل الصلاة بقليل..

رافقت الحشد الذي يسير مع الشيخ لبيته ..

ولم يكن ذلك الحشد كبيرا ..

بعد انتهاء الناس تقدمت للشيخ فقبلت رأسه ..

قال لي: أين كنت ؟؟ لا حظت أنك تغيبت عن الدروس عدة أيام!!

لقد كانت لفتة أبوية وحانية افتقدها والله في تلك الأيام..

ما أجمل أن يشعرك أحد بالاهتمام بك والاطمئنان عليك خاصة لو كنت في ضائقة وكربه..

أما أن تأتي تلك اللفتة من شيخنا فوا لله إن ذلك لشرف لي وأي شرف ..

قلت له: لقد سافرت لحائل لزيارة أقربائي ..!!

قال لي: ووالديك ؟

شدهت وارتفع حاجباي وعجزت عن الإجابة ولكن تداركت الأمر سريعا وقلت:

طبعا والداي نعم!!

دار بيننا الحوار التالي:

أين يعمل والدك ؟

قلت له :والدي رجل أعمال!!

ثم استأنفت كلامي .. بدون حساب للعواقب ..

ولكن والدي بيني وبينه خلاف !!

قال : كيف؟

قلت : لا يحب والدي أن اطلب العلم بل يريدني أن اهتم بدراستي النظامية فقط..!!

وأخذت في فبركة كلام على الوالد مما لا يصلح الحديث عنه هنا والله يعفو عني فيما

قلت!!

قال لي : وأين يقيم والدك ؟

قلت له : في الطائف !!

قال : الم تقل انك ذهبت لرؤية والديك في حائل؟؟

سكت ولم اجبه فعرف الشيخ أن في الأمر شيئا ولكنه لم يبال حينها!!

ختم حواره بهذه الجملة : لا أسمح لك مرة أخرى بالسفر حتى تأخذ أذنا مني فأنا في

مقام والدك !!

ما أجمل وقع تلك الكلمات على نفسي هي والله في نفسي ذلك اليوم ..

كماء بارد شربته بعد عطش شديد في صحراء قاحلة وساخنة..

لقد بثت تلك الكلمات في نفسي روحا جديدة وهمة لا يقاومها أي كساد أو تلف ..

رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته وجعل ذلك في ميزان حسناته..

رجعت لغرفتي فحكيت لبندر ما حصل بيني وبين الشيخ من حوار..

لم يصدق بندر أن يكون هذا التصرف من الشيخ بهذا الشكل !!

فمن أنت حتى تحصل على هذه الميزة وهذا الاهتمام؟؟

.. ولكن والله هذا ما حصل..

أخذت قلمي وفتحت دفتري وأردت أن اعبر عن سعادتي بخاطرة أو شعر أو أي شيء!!

كتبت رسالة للشيخ .. قلت له فيها ..

أشكرك من أعماق قلبي فوا لله لقد كانت عبارتك تلك كالماء الذي يروي نبتة أوشكت على

الذبول والفناء..

كانت عباراتها ركيكة ومعانيها عميقة سطرتها بعبارات امتزجت بالشقاء والعذاب

والخوف والضياع واليأس ..وسلمتها للشيخ بعد صلاة الفجر ..

لقد وقعت تلك الكلمات في نفس شيخنا موقعا عظيما فدعاني بعد درس المساء للسير

معه..

قال لي : لقد تأثرت بكلامك وأرجو منك أن تثق في وتجعلني في مقام أبيك ..

وأريد منك أن تستمر في الطلب والتحصيل وأرجو من الله تعالى أن ينفع بك الإسلام

والمسلمين...

أكدت له مرة أخرى عن مشاكلي مع والدي وأنه لا يريدني أن اطلب العلم ..

كنت أريد أن افتح موضوعي كله مع الشيخ وليتني فعلت!!

ولكنني جبنت واستحييت أن احكي للشيخ كل شيء.. خوفا من عواقب كلامي!!

لقد كانت فرصة سانحة ولكن الله تعالى كان يريد لي شيئا آخر ..!!

ذات ليلة دعا مشرف السكن الأخ محمد زين العابدين الطلاب للاجتماع مع الشيخ

بعد صلاة العشاء في سطوح السكن ...

أجتمع طلاب السكن وجاء الشيخ وجلس على مقعد قديم لا يكاد يستوي عليه لتهالكه!!

استمع الشيخ لمشاكل الطلاب وما يعانونه من صعوبات مادية نحو غلاء الكتب..

وأشرطة التسجيل ، وتحدثوا مع الشيخ حول ترميم السكن ورفع قيمة المكافآت وتوسيع

المكتبة وزيادة المراجع ونحو ذلك غير انه حصل في تلك الجلسة موقف أحرجني

للغاية!!

كتبت سؤالا للشيخ باسمي وبلقبي المزيف !!

قال الشيخ: أنت مرة تقول انك كذا ومرة تقول إنك شمري وش الصحيح؟؟

وقعت في حرج شديد ولم استطع التعليق ولكن شيخنا تجاوز ذلك وغير الموضوع!!

كيف عرف الشيخ بلقبي الحقيقي؟؟

من نظام السكن لا بد أن يكون لك ملف لدى المشرف ومن متطلبات فتح الملف ..

إحضار صورة الهوية !!

وضعت صورة الهوية في ملفي وسلمتها مع السيرة الذاتية للمشرف..

نظر في وجهي المشرف وقال لي: مكتوب هنا أنت من القبيلة الفلانية؟؟

وأنت شمري ؟؟

كنت قد زورت في نفسي كلاما لأبرر هذا الحال فقلته فقبله في الظاهر غير انه نقله

للشيخ بالتأكيد!!

لقد كنت بليدا فلو أنني قلت الحقيقة وشرحتها لكان خيرا من الخزي الذي كنت فيه..

ولنجوت من الفضيحة التي سأقدم عليها!!

كان الشيخ في ذلك اللقاء يرسخ في أذهان طلبته انه فعلا والد للجميع ..

فكل الطلبة بلا استثناء هم فقراء ومعوزون وفيهم السعودي وغير السعودي..

ولكنهم في نظر شيخنا سواء جزاه الله عنا خير الجزاء..

في ذلك اللقاء سأل أحد الطلبة الشيخ عن حضور دروس الشيخ سلمان العودة في بريدة!!

قال الشيخ : سلمان هو احد العلماء لكنني أنصحكم بالتقيد بحضور دروس عالم واحد

فإذا شعرتم أنكم اكتفيتم مما لديه فلا بأس بالانتقال لعالم آخر ..

رجعت برفقة الشيخ لبيته وحينما اقتربنا من البيت بقيت معه أنا والأخ محمد

زين العابدين ..

أطال الأخ محمد الحديث مع الشيخ حتى تعب !!

ثم ابتعد قليلا واقتربت أنا من الشيخ فجلس على درج ملحق بيته وبقيت واقفا!!

فأردت أن أجلس مقابله على الأرض لأكمل أسئلتي .. فقال لي الشيخ..

أجلس بجواري ؟؟

جلست بجواره فأكملت أسئلتي ثم انصرفت ...

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
25-01-2006, 02:40 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة السابعة عشر

أنا أكتب هذه الروايات والقصص في الحضر والسفر..

فمرة تجدني مع حاسوبي المحمول جالسا على طاولة طعام وأمامي كوب الشاي البارد!!

والناس حولي ينظرون ولعل أحدهم يقول : إيه ...!!!

هذا لا بد أنه يعد خطة لعملية إرهابية؟؟؟

أو تجدني على مكتبي حولي معاملات ومستندات تحتاج لتدقيق ومراجعة فأترك كل

ذلك.. وانكب على جهازي أسطر لكم المفيد والغث!!!

أو تجدني في ساعة سحر والناس حولي يشخرون وأنا منهمك في إضافة عبارة أو مراجعة

قاموس أو سرقة نص!!

مالذي يكتبه مطوع في هذا الزمان ؟؟

تساؤلات هل هي مشروعة؟؟

هذه للأسف صورة سيئة كادت أن ترسخ في رؤوس الجهال من العوام على كل من سيماه

الخير والاستقامة... قاتل الله الإعلام الفاسد والسياسة الملعونة!!!

دعونا نرجع لروايتنا ..

لقد كان لاحتكاكي بل ومحاولة الاستفادة القصوى من علم الشيخ سبب ذلك شيئا من

المودة والقرب منه!!

العالم إخوتي الكرام يحب المجد ومن يحسن الإصغاء والاستماع إليه ..


لم أكن أسعى لذلك أو أريده فلذلك ضريبة ليست بالهينة .. !! لمن يفهم ما أعنيه!!

ولكن العلاقة زادت وتطورت من مجرد طالب مجتهد إلى طالب مميز ومحبوب نوعا

ما!!

ويعلم الله سبحانه وتعالى أنني كنت ساذجا بحيث أنني لم اشعر بذلك ولم أميز ..

أول موقف أذكر ه في مخيلتي الآن أنني في ذات ليلة وبعد درس المساء ..

كنت برفقة الشيخ كالعادة حتى وصل البيت .. وكان الأخ محمد زين العابدين

مشرف السكن يتعمد أن يلحق الشيخ بسيارته حتى المنزل ليعرض عليه ما لديه

ما استجد من نواقص أو معاملات أو طلب مال للسكن أو نحو ذلك ..

كان من عادة الشيخ أن يرجع الطلاب حينما يصل لبيته أو قريبا منه ..

أما أنا فبقيت أتناقش معه في بعض المسائل العلمية حتى وصل لباب البيت..

فتح الشيخ باب منزله وكان مظلما من الخارج ولا تسمع فيه حركة أو لجة ..

قال الشيخ لمحمد وكان قريبا مني : تعش معي أنت وفلان( يقصدني أنا)..!!

العائلة ليست موجودة وأنا لوحدي في البيت!!

تبادلت أنا ومحمد النظرات استغرابا من هذا العرض المغري!!

قبلت أنا ومحمد تلك الدعوة بكل سرور وبلا تردد!!

قال لنا : انتظرا حتى افتح لكم باب الملحق..

وهو عبارة عن غرفة مستقلة بطرف المنزل في شماله الغربي..

فتح الشيخ باب الملحق فدلفنا للبيت ..

نزع الشيخ عباءته وعلقها على يده ثم قال : سأتسنن وأحضر لكما العشاء !!

ثم خرج من الباب الفاصل بين الملحق والبيت والذي يدخل مباشرة للفناء ..

في ذلك الملحق كعادة البيوت في نجد ، حيث يمزج بين الطراز القديم و ثوب

الحداثة..!!

تحتوي الغرفة في صدرها على مشب للنار خلفه مخزن مكشوف للحطب ..

وعلى يساره بنيت رفوف رصت عليها دلال القهوة العربية وأباريق الشاي..

وتحته توجد مغسلة لغسل الفناجيل وإعداد القهوة والشاي للضيوف..

الغرفة مفروشة بفرش جميل لونه ازرق ..

سألت الأخ محمد .. لقد كنت أظن قبل حضوري لعنيزة أن الشيخ يقيم في بيت طيني؟؟

قال : لقد انتقل الشيخ لهذا المنزل عام 1409 ولم يكن راغبا ترك بيته الطيني!!

ولكن أبناءه أصروا عليه أن يبني بيتا حديثا ففعل..

قلت : وأين يقع ذلك البيت .. ؟؟

قال :سأريك إياه بعد أن ننتهي من العشاء ..

بعد قليل .. فتح الباب الفاصل .. فبرزت صينية كبيرة قد أحاط الشيخ عليها بذراعيه

وتوشك أن تقع .. فقمت فحملتها من يده .. وقلت له : هل ترغب أن أساعدك؟

قال لي : تعال ...!!

لحقته حافيا فدخل من باب كبير فانتظرته ظنا أنه سيقدم هو الطعام فأحمله للملحق ..

فخرج علي الشيخ وقال : لا يوجد أحد تعال ادخل..

دخلت البيت وكان نور الصالة خافتا .. حتى وصلنا المطبخ على يمين الداخل .. انشغلت

بالنظر والفضول ..

فأشار الشيخ لي أن تعال واحمل الطعام!!

حملت الحافظات والصواني الصغيرة فوضعتها على سفرة الطعام..

كانت تلك أول مرة آكل فيها من طعام بيت الشيخ ..

كان الطعام خفيفا وسهل الهضم ولو شئت لذكرته!!

بعدها ساعدت الشيخ في حمل المواعين والسفرة ..

سألت الشيخ ونحن بمفردنا في المطبخ : أين تقع مكتبتكم؟

أمسك بيدي وقادني للجهة الشرقية من المنزل ومررنا بسيب ضيق

ويقع عن يمينه علاقات وضع عليها عباءات الشيخ وعن اليسار درج يقود للقبو.

أخرج الشيخ من جيبه الذي على صدره شبكا علقت عليه مفاتيح كثيرة..

ثم أدخل أحد المفاتيح في الباب المغلق الذي أمامنا ..

فدلف للغرفة وأضاء المصباح ..

أي حظ هذا وأي شرف لي أن أدخل بيت شيخنا بل وأدخل مكتبته ..

لقد مر على قدومي لعنيزة منذ ذلك التاريخ وحتى تلك الليلة حوالي الشهرين وزيادة..

سأصف مكتبة الشيخ من الداخل في الحلقة القادمة إن شاء الله ..

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
25-01-2006, 02:41 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثامنة عشر

مكتبة الشيخ عامرة وأغلبها نسخ قديمة الطبع...

مساحتها حوالي ستة أمتار في أربعة ..

والرفوف ملصقة بجميع جدران الغرفة ...

يجلس الشيخ بجوار نافذة قريبة من الأرض ..

ويستقبل النافذة في الواجهة الجنوبية من الغرفة وأمامه تلفونان ..

أحدهما للفتاوى الشرعية والآخر تلفون البيت الخاص..

وليست هناك مقاعد للجلوس أو طاولة للكتابة.. بل يجلس الشيخ على الأرض فوق

سجادة صلاة .. ويكتب على لوح تعلق عليه الأوراق ..

يراجع الشيخ في مكتبته الكتب أو يجيب على الفتاوى .. أو ينظم المعاملات أ ويقرأ

الرسائل..

بخصوص الرسائل في تلك الليلة التي دخلت فيها للمكتبة ..

شاهدت بوسط الغرفة كومة ضخمة من الرسائل والأوراق المبعثرة ..!!

قال الشيخ وهو يشير لها بأسى: هذه رسائل الأسبوعين الأخيرة ولم أستطع قراءتها ؟؟

تأتي للشيخ رسائل من كل بلاد الدنيا ..

أذكر مرة طلب الشيخ محمد مني ومن الشيخ فهد السليمان جامع فتاويه ..

أن نجرد رسائل الناس ونرتبها ونبوبها ففتحنا الظروف ..

فوجدنا رسائل من البلاد العربية ومن أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا ومن كل بلاد الدنيا ..

ورسائل فيها شيكات تبرعات ورسائل فيها طلب مؤلفات واستفتاءات..

ورسائل من مراكز إسلامية ..

سمعت الشيخ يقول مرة : أكثر الرسائل التي تأتيني هي من الجزائر ..!!

ولذلك لا عجب إذا رأيت كثيرا من الطلبة الجزائريين في حلقة الشيخ..

رأيت رسائل من علماء مشهورين يستشيرون الشيخ في بعض المسائل والنوازل .

ومنهم وبكثرة الشيخ العلامة بكر أبو زيد .. وممن رأيته كثيرا يحرص على الاستفادة

من علم الشيخ سواء بالاستفتاء أو بسماع دروسه على أشرطة الكاسيت سماحة الشيخ

عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الحالي..

وليست مكتبة الشيخ هي ما رأيته تلك الليلة فقط ..

بل إن لديه في القبو مكتبة أخرى تحتوي على المراجع التي تقل مراجعتها ..

و يوجد بها عدد من المخطوطات ..

ومنها مخطوطة تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي العالم المشهور ..

المسمى بتفسير الكريم المنان ...

وهذا التفسير قد كتبه الشيخ بخط لا يكاد يقرأ على دفتر الأستاذ

والذي يسمى دفتر حسابات (مسك الدفاتر)!!

يجلس الشيخ في اغلب أوقاته بالمكتبة وغالبا لا يقيل إلا فيها ..

وله في زاويتاها الشمالية فراش صغير وبطانية قديمة يتوسدها ويقيل هناك حتى أذان

العصر..

في تلك الليلة عدت أنا والأخ محمد وفي الطريق مررنا بمنزل الشيخ القديم..

وسأتكلم إن شاء الله عن هذا المنزل لاحقا حينما أحكي عن زيارة الأمير

ممدوح بن عبد العزيز لعنيزة..

أرجو أن لا يكون الملل قد دخلكم بتفاصيل قد لا يريدها البعض..

ولكن أرجو أن يأتي زمان يأتي فيه من يحتاج لمثل هذه المعلومات..

نرجع لجاري في درس الشيخ ..

كان ذلك الطالب المجد يظهر لي الاحترام والتقدير ..

كنت أرى ذلك (عن حسن نية ) نبلا منه وطيبة ..

فكسبني ذلك الشخص وصرت أخرج معه أحيانا بعد الدرس لبيته أو

للمكتبة ونحو ذلك ..

أذكر مرة أن الشيخ قال لي : انتبه يافلان من الناس لا تحدثهم بأمورك الخاصة ..

ترى الطلبة يحسدون بعض !! ونقل لي أثرا عن ابن عباس أنه قال : يتحاسد طلبة

العلم في آخر الزمان كما تتحاسد التيوس في زروبها!!.. ونحو ذلك الكلام..


والظاهر أن صاحبنا بسبب قربه من الشيخ ..

شعر أنني سأضايقه في قربي وكثرة لقاءاتي مع الشيخ ..

حينها لم أكن أعرف الحسد ولم أمارسه والله في حياتي ..

كنت أتحدث مع ذلك الشاب في بعض أموري الخاصة وفي اليوم التالي يستفسر مني

الشيخ..

حول ما قيل عن كذا وكذا !!

كأنه يلمح لما قلته لذلك الشاب..؟؟؟

غير أنني حينما أقارن ما أشاهده منه من سماحة نفس معي وحسن معشر..

أستبعد أن يكون هو من نقل هذا الكلام للشيخ ويا لغبائي!!

كتبت مرة رسالة للشيخ قلت له فيها بما معناه..

أنني أرغب في أن أستفيد من علمكم في حلكم في عنيزة وفي سفركم خارجها!!

حيث يشرفني أن أكون خادما لكم كما كان أنس وابن مسعود يخدمان رسول الله

صلى الله عليه وسلم ..

حينما قرأ الرسالة الشيخ فرح بها وسر خاصة انه رأى مني الحرص على ذلك..

حدثت ذلك الشاب بهذه الرسالة ..

فما كان منه إلا أن حذرني من ذلك وقال : لا أنصحك وهذا سوف يغير عليك

قلوب الطلبة الآخرين وسوف يقولون : هذا الولد له عند الشيخ ثلاثة شهور ..

والآن يريد أن يكون رفيقه في سفره..؟؟ لا ، انتبه وأنا أخوك لا تفعل ...

أخذ صاحبنا يهول لي الأمور حتى عزمت على ترك ذلك العمل المتهور!!!

وجاء يوم سمعت الشيخ يذكر أنه سيسافر للرياض ..

فوقع في نفسي أن أطلب منه أن أرافقه ولكن ما حذرني منه صاحبي جعلني أتردد !!

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
25-01-2006, 02:42 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة التاسعة عشر

كنت يوما أسير مع الشيخ بعد صلاة العصر ..

فجاءه رجل ذو هيئة ومعه مرافق له ..

عرف نفسه للشيخ بأنه الأمير فلان ....

دعاه الشيخ للتفضل في بيته للقهوة والتعارف .. فرحب بذلك الرجل والظاهر أن هذا هو

غايته من الزيارة ...

قال لي الشيخ: تفضل معنا ...

فدخلت مع الضيف من باب الملحق ..

بعد دقائق أحضر الشيخ القهوة والتمر وإبريق الشاي معه...

فحملتها من يديه فكنت خادم القوم في تلك الجلسة ..

ويعلم الله قدر شعوري بالفخر والشرف أن أخدم شيخنا وضيوفه..

بعد انتهاء الجلسة وانصراف الضيوف ..

عرضت على الشيخ أن أرافقه لسفرته في الرياض ..

فقال : وما غرضك من ذلك ؟؟

فكررت له ما قلت له في الرسالة ....

فقال : أهلا بك وسهلا ولكن سفري ذلك جزء منه زيارة عائلية وسوف أرى..

ثم فاتحني الشيخ بموضوع آخر ...

هو موضوع الدراسة النظامية .. قال لي:

لما لا تكمل دراستك؟

فقلت له لا مانع عندي ولكن كيف؟؟

ملفي الدراسي ليس لدي !!

كنت أتهرب من الموضوع حتى لا تكتشف هويتي الحقيقية!!

قال الشيخ: دع الأمر لي وسوف أسجلك في المعهد العلمي...

قبلت وأظهرت الفرح والاغتباط وأنا في داخلي أغلي كالمرجل من الخوف!!

قلت له ياشيخنا ...

هل أنا في حلم ؟؟ أم في علم ؟؟

أن أكون الآن معك في بيتك مع الشيخ ابن عثيمين؟؟

ابتسم ودعا لي وقال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ...

التقيت بصاحبي .. وجاري .. بعد ذلك فحدثته بما كان ...

وكان السفر بعد يومين ...

كان ذلك بمثابة حراب أغرسها في قلبه دون أن أشعر أو أقصد ذلك والله..

دهشت وربي من حرصه على تثبيطي وتذكيري بالعواقب ..

ولكن حتى تلك الساعة لم ينكشف لي ما يدبره ...

شجعني بندر على الذهاب ...وقال لا تتردد ..

ذات يوم بعد صلاة العصر ألتفت إلي شاب أعرفه جيدا وهو من أصحاب جاري ذاك!!

وسألني أسئلة مباشرة فيها وقاحة وصلف ...

قال : ايش اسمك؟؟

قلت فلان ..

قال : قلي اسمك كاملا .. ؟؟

قلت : فلان بن فلان .. ذكرت اسم الأب فقط..!!

قال: وما لقب العائلة؟؟

عرفت خلالها أنه مرسل لتخويفي من شيء ما!!

ولم أحب هذا الشخص مطلقا ، فهو رجل سيء الخلق حقود ..

بعد يومين استعديت للسفر وحزمت حقيبتي ..

وطلبت من جاري ذاك أن يوصلني هو إلى بيت الشيخ ...؟؟؟

بل واقترضت منه مبلغا من المال لمصاريفي!!

كنت كمن يطلب الماء من بياع الزيت!!

ولقد جاء فعلا في اليوم التالي ،لا ليوصلني بل ليعطيني رسالة واضحة مفادها ..

لقد حذرتك وأنذرتك ولكنك لا تسمع كلامي وسوف تندم..!!

لقد كانت نظراته والتي أتخيلها الآن أمام عيني تقذف بالشرر المستطير !!

ثم انطلق بسيارته مغضبا بعد أن رد باب سيارته في وجهي !!

لم اقدر الموقف حق قدره ..ولم أكن أحسب الأمور بمثل حساباته ولم تكن لي معرفة

بطبائع البشر الحيوانية نعوذ بالله من ذلك..

أطلقت جرس باب منزل الشيخ فخرج أحد أبناء الشيخ ..

وهو يحمل حقيبتين ووضعها في مؤخرة السيارة..

وكانت تظهر على وجهه علامات الغضب وعدم الترحيب بي !!

ولم يسلم علي أو يخبرني أين الشيخ أو ماذا سنفعل !!

أي حال أنا فيه !!

انتظرت في الخارج حوالي النصف ساعة حتى خرج الشيخ فقال :

أين كنت ؟؟

أنا أنتظرك؟؟؟

لم أخبره بما حصل .. بل سكت وصافحت أبناءه الآخرين ..

يقولون العيون شواهد تكشف ما في القلوب ..

منذ أول مرة رأيت فيه أبناء الشيخ عرفت أنني لديهم غير مرضي عني بل أنا مغضوب

علي..

وإنني أقسم وأجزم أن ذلك كله من فعل صاحبي الذي ظننته صديقا لي!!

فهو أحد أقربائهم والرجل منذ سنوات عديدة قريب منهم ومن الشيخ .. وقد كسب

ثقتهم فلا شك أنه ذو مصداقية في خبره عني !!

ولقد حاولت مرارا وتكرارا أن اثبت لهم أنني شخص مختلف عما صوره الرجل عني

ولكن بدون فائدة .. فالناس للأسف حكمهم في الغالب يترسخ ويتجذر منذ الصدمة

الأولى!!

خاصة أن الوقائع التي حصلت قد زادت الأمر تعقيدا .. والحمد لله..

ولكن الله سبحانه وتعالى عوضني كثيرا بشيخنا وليغضب كل الناس عني!!

إذا كان حبك لي صادق فكل الذي فوق التراب تراب..

توجهنا للمطار برفقة سائق الشيخ..

وهي سيارة كابر يس موديل تسعة وسبعين!!

لونها بني مخطط بلون البيج !!

يقول السائق لي : أنا أسوق الشيخ منذ خمسة عشر عاما بهذه السيارة..

ولقد باءت كل محاولاتي ومحاولات إدارة جامعة الإمام لتغيير السيارة ..

حيث أن الشيخ يراها سيارة ممتازة ولا يهم شكلها أو موديلها المهم أن توصله

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:43 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة العشرون

على ذكر سيارة الشيخ ...

التابعة لجامعة الإمام ... أذكر مرة أنني رافقت الشيخ من الجامعة وحتى بيته..

وحين وصلنا للمنزل أمرني الشيخ بالنزول من السيارة ..!!

فقلت له : خل فلان يوصلني للسكن لو سمحت بذلك ؟؟

فقال : لا؟؟

أنزل هنا وامش على قدميك!!

خرجت من السيارة فلما رأى أثر كلامه علي قال لي:

هذه السيارة يابني أعطيت لي لاستعمالها في عملي وشغلي...

ولا يجوز لي شرعا أن أسمح لأحد آخر باستعمالها سوى بإذن من الجامعة!!!

ولا حتى لأبنائي وأهلي !!

أذكر من ورع الشيخ الشيء الكثير ولقد ذكر لي احد كبار طلبة سماحة الشيخ العلامة

عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه حينما ذكر له بعض مواقف الشيخ ابن عثيمين

في الورع تعجب من ذلك وقال : من يقدر على هذا؟؟؟

وهو من هو في ورعه وزهده رحمهما الله وعفا عنهما فهما والله نادران في زمانهما

نحسبهم كذلك والله عز وجل حسيبنا وحسيبهم..

وصلنا ذلك اليوم لمطار القصيم الإقليمي ..

حملت الحقائب ودخلنا سويا لصالة المسافرين ..

لمح الشباب العامل في المطار من موظفين وعسكر الشيخ فجاء بعضهم للسلام على الشيخ

وهم مبتهجون بذلك !!

أما أنا فقد كنت في شبه السكرة من الفرح ..

يا الله أين كنت وأين أنا الآن ...؟؟

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..

لم يكن هناك أي تأخير فقد وصلنا وقت نداء ركوب المسافرين للطائرة ..

بعد تجاوزنا لمعاملات السفر جاء مدير المطار للسلام على الشيخ ..

وأدخله في مكتب الضابط المناوب ..

وقدموا لنا الشاي ..

وحينما استكمل ركوب المسافرين توجهنا للطائرة أنا وشيخنا..

كان مقعد الشيخ على الدرجة الأولى وذلك على حساب جامعة الإمام التي

ستستضيف الشيخ لمحاضرة للمبتعثين من طلابها خارج المملكة ..

وعادة الشيخ إن سافر على حسابه الشخصي أن يركب الدرجة السياحية ..

لكن في عدة مواقف شاهدتها يرفض ربان الطائرة حينما يعلم بوجود الشيخ ..

إلا أن ينقل في الدرجة الأولى .. إكراما للشيخ وحبا واحتراما له..

في تلك الرحلة كنت أنا بطبيعة الحال في الدرجة السياحية أو ما يسمى الضيافة..

ولكن بعد إقلاع الطائرة ، جاءني الشيخ بنفسه وقد استأذن لي أن أكون برفقته..
فكنت بجواره في الدرجة الأولى...

لكم أيها الإخوة والأخوات أن تدركوا تلك المشاعر التي كانت في نفسي تلك اللحظات..

كنت أراقب الشيخ وأحاول أن استفيد من كل تصرفاته فهو قدوة لي في كل شيء..

بعد شرب القهوة جاء مضيف الطائرة للشيخ وقال له:

هل ممكن أن ترافقني لغرفة قيادة الطائرة ، الكابتن يدعوك لو تكرمت ؟؟

قام الشيخ من مقعده وتوجه لمضيفه وبقيت لوحدي حتى قرب وصولنا للرياض ..

علما أن الرحلة تستغرق حوالي الأربعين دقيقة فقط!!

رجع الشيخ وجلس على كرسيه ..

وبدأ في تلاوة حزبه من القرءان .. حيث يقرأ يوميا جزأين كاملين من صدره ...

وصلنا لمطار الرياض ونزلنا في الصالة العامة واستقبلنا مندوب الجامعة ..

توجهنا مباشرة لجامعة الإمام ولمكتب الدكتور عبد الله التركي مدير الجامعة حينها..

سلم الشيخ على الدكتور التركي وسلمت عليه .. وبقيت معهما لدقائق ..

ثم خرجت للخارج وانتظرت خروج الشيخ ..

بعد ساعة تقريبا ناداني مندوب الجامعة وقال : الشيخ يدعوك للحاق به لموقع

المحاضرة..

نزلت مع المندوب حيث يظهر أن هناك مخرج خاص من مكتب الدكتور عبد الله ..

سألني مندوب الجامعة .. هل أنت ابن الشيخ ؟

قلت :لا ... أنا أحد تلاميذه ...

قال لي : هنيئا لك يا أخي هذا الشرف ..

دخلنا لصالة ضخمة جدا وفيها من الفخامة والنظارة ما يبهر العقول ...

ولم يكن هناك حضور سوى الصفين الأول والثاني !!

وبعض الناس هنا وهناك!!

حيث أن المحاضرة خاصة فقط بالمبتعثين وأظن عددهم حوالي المائة وعشرون ..

تحدث الشيخ حديثا طويلا حول ما يتعلق بسفرهم من أحكام فقهية ومن تنبيهات

وتحذيرات من بعض الأخطار التي قد تواجههم في أمور دينهم ..

وبث الشيخ في نفوسهم الحماسة في الاستفادة مما لدى الآخرين والعودة لبلادهم

لكي تنتفع الأجيال بهم وحذرهم من الأفكار المسمومة والتي عاد بها بعض أبناءنا

ونحو ذلك من توجيهات ومعان مفيدة..

ثم فتح الباب للأسئلة والتي أخذت اغلب وقت المحاضرة وكانت أسئلة مفيدة للغاية..

بعد انتهاء المحاضرة ... توجهنا لكلية الدعوة والإعلام وصحب الشيخ

للكلية الدكتور سعيد بن زعير ولا أدري هل هو عميد الكلية أم هو أحد دكاترته..

ودخلنا في قاعة أصغر من الأولى وأظنها تابعة للكلية ..

وكانت غاصة جدا بالطلبة ، وقد امتلاء الدرج وأمام الأبواب وأطراف المسرح بالحضور..

تحدث الشيخ في كلمة مختصرة ثم استقبل أسئلة الناس ..

كانت في تلك الأيام أحداث أشغلت الناس والمجتمع وهي قضية ..

مقتل الشيخ جميل الرحمن ودخول مجموعة من قادة المجاهدين الأفغان لولاية كنر..

وكانت تلك الأيام قد اضطربت آراء الناس حول ما يحدث ..

ولا أنسى أبدا عشرا ت الوفود التي قدمت على الشيخ في عنيزة من مدن المملكة..

والتي تستفتيه حول هذا الموضوع خصيصا ..

سئل الشيخ في تلك القاعة عن موقفنا نحن كمسلمين من تلك الفتنة..

فأجاب بكلام مبني على الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ..

وقال : الذي أرى أن توقف التبرعات عن المجاهدين هناك جميعا حتى تنتهي الفتنة

ولا نعينهم في أن يقتل بعضهم بعضا .. ونحو هذا الكلام..

أثارت تلك الفتوى من الشيخ موجة من الحيرة والترقب في وجوه الدكاترة والمشائخ

الموجودين في القاعة ..

وبعد انتهاء المحاضرة .. طلب الدكتور سعيد بن زعير من الشيخ أن يزور مكتبهم

دخل الشيخ وكنت معه واجتمع حوله عدد من الدكاترة ومدراء الأقسام ..

ودار نقاش علمي مع الشيخ حول فتواه ...

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:44 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الواحدة والعشرون

كان النقاش حول قضية كنر والجهاد فيه شيء من الحدة .. خاصة من طرف المشائخ ..

أما الدكتور سعيد الزعير فلم يتكلم بكلمة واحدة ... طوال النقاش..

حينما بلغ النقاش حدا تبعثرت فيه الأوراق وتشوشت فيه الأفكار قال الشيخ:

سبحان الله ؟؟

هذا هو رأيي الذي أدين الله به وأنتم قولوا رأيكم، وليتبع الناس ما يرونه حقا

أما أنا فلن أرسل لشخص فلسا واحدا وأعرف أنه سيستعين به في إيذاء أخيه

فما بالك بقتاله أو بقتله !!

ولقد رأيت وجه الشيخ محمرا من الغضب والتوتر..

حينها قال الشيخ سعيد بن زعير:

ياشيخنا والله نحن نحبك ونقدرك ونرى أن رأيك لا تبتغي به غير وجه الله لكن الإخوان

رغبوا في النقاش والحوار حتى تتضح لكم الصورة ، فهذا جهاد قد أنفقت عليه مبالغ

طائلة وأرواح كثيرة ودعم من هذا البلد وأهله طوال سنوات طويلة فهمنا الأكبر أن لا

تشوه صورته الناصعة ..

ثم قام الدكتور سعيد وقبل رأس الشيخ واعتذر منه وانفض المجلس.

بعد ذلك توجهنا لمكتب الدكتور عبد الله التركي ومنه خرجنا لصلاة الظهر

في الجامع الكبير .....

كنت برفقة الشيخ وكذلك كان معنا الدكتور عبد الله التركي ...

حينما رأى الشيخ الجمع الهائل من طلبة الجامعة والذين غص بهم كل المسجد..

فلا ترى فيه موطئ قدم من كثرتهم..

قال الشيخ : ياأخ عبد الله كم يتسع هذا الجامع..؟؟

قال: حوالي الثلاثين ألفا ...

ثم قال الشيخ : الله المستعان كم سيخرج لنا عالما من هؤلاء !!!

بعد الصلاة ألقى الشيخ كلمة قصيرة في المصلين يحثهم فيها على الحرص على العلم

واستغلال الأوقات ونحو ذلك ...

ثم خرجنا بالكاد من الجامع بسبب تكاثر المسلمين على الشيخ ..

توجه الشيخ برفقة الدكتور عبد الله التركي في سيارته الفارهة ..

ولم أكن أعرف وجهتنا فقد كان كل شيء مرتبا مسبقا !!

قالوا لي: أركب في هذه السيارة وأشاروا لسيارة فيها شاب أدم .عليه مرايات ..

وفي الطريق تعارفنا وعرفت مقصدنا ..

كان ذلك الشاب هو ابن الدكتور سعيد بن زعير ونحن متجهون للغداء في منزلهم..

وصلنا لمنزلهم فكان في استقبالنا جمع كبير من الناس ..

لم اعرف منهم سوى من ذكرت بالإضافة لشيخ كبير ضعيف البنية ..

سألت عنه : فقيل لي: هذا الشيخ عبد الله بن جبرين .. حفظه الله ورعاه ..

حينما ترى ذانك الشيخان الجليلان سويا تزداد تلك الجلسة رونقا وبهائا..

كان الشيخ عبد الله وشيخنا يتبادلان الحديث وإجابة الناس حول ما يسألان عنه

بكل أدب وسمو يليق بهما ..

لا حظت شيخنا مرارا يهمس في أذن الشيخ عبد الله بكلام فيضحك الشيخ منه!!

بعد ذلك رافقنا شخصا لا اعرفه حينها ..

جسمه وطوله وبنيته اقرب ما يكون من شيخنا ..؟؟؟

سأل الشيخ : ما عرفتنا على الأخ ؟

فقال : هذا فلان أحد تلاميذنا ، ولقد قال لي : إنه يرغب في صحبتي ليستفيد من علمي

ويخدمني كما خدم ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم..

شعرت بالخجل ، وتسمرت في مقعدي ولم أتكلم ..

وصلنا لمنزل الرجل في حي النسيم بشرق الرياض..

بجوار جامع الهدى القريب من مدرسة سلاح الحدود..

ونحن ننزل أغراضنا سألت الشيخ : من هذا الرجل؟؟

فقال : هذا أخي عبد الرحمن!!!

الأستاذ عبد الرحمن رجل فاضل جدا وخلقه وطيبته وسماحة نفسه يشهد عليها جميع

من عرفه ، وشيخنا يحبه ويثق فيه وينزل دوما في الرياض في بيته ...

وذلك قبل أن يبني شيخنا بيته في الرياض والذي هو ملاصق لمنزل أخيه عبد الرحمن..

حدثني الشيخ عن مرض أخيه عبد الرحمن ..وهو صغير ..

حيث أنه بقي طريح الفراش مدة من الزمن حتى يئس الأطباء من علاجه ..

فبقي أهله حوله يترقبون ساعة أجله وهم بلا حول له ولا قوة...

غير أن جارا لهم أو أحد أصحابهم احضر لهم طبيبا شعبيا ..

ففحصه وقلبه يمينا ويسارا وهو كالجثة الهامدة ..

قرر ذلك المعالج الشعبي أن يكويه في بعض مواضع جسمه ..

فكواه .. ثم انتظروا عدة أيام ..

فبدأ عبد الرحمن يستعيد عافيته حتى عاد صحيحا كما كان وأفضل ..

والأمور بيد الله سبحانه قبل كل شيء...

غير انه للأسف وبعد عدد من السنوات التي كانت فيه علاقتي مع الأخ عبد الرحمن

ممتازة لم يتركه صاحبنا حتى أغار صدره علي والله المستعان..

كنت أتوقع أننا سنبقى في منزل الأخ عبد الرحمن طوال فترة بقاءنا في الرياض..

ولقد أحببت الرجل من أول ما رأيته ... وأحببت البقاء في بيته ..

ألقى الشيخ محاضرة تلك الليلة في إحدى جوامع الرياض ثم توجهنا لمنزل أبناء عمومة الشيخ

حيث حضر جمع لا باس فيه من الأقارب متفاوتي الأعمار ..

ومنهم أخو الشيخ الدكتور عبد الله العثيمين الأديب المشهور ..

ومنهم ابن الشيخ البكر عبد الله العثيمين.. وغيرهم ..

بعد العشاء رافقنا الأخ عبد الله ابن الشيخ لمنزله المستأجر ..

حيث أنه يقيم في بشكل مؤقت قبل رجوعه لعنيزة..

كان عبد الله مهذبا جدا وغير متحفظ ..

والظاهر أن صاحبنا لم يلحق أن يفسد الأمور مع الجميع جملة واحدة ..!!

في اليوم التالي .. توجهنا بعد العصر للمطار وذلك للعودة للقصيم ...

حينما جئنا لتفتيش المعادن أخذ جهاز الإنذار يرن حينما مر الشيخ ؟؟

فأمر العسكري الشيخ بالرجوع وإنزال ما لديه من معادن.. ولم يعرف الشيخ..

ابتسم الشيخ ولم يرد إحراج الرجل فبدأ بخلع ساعته المعلقة في جيبه ..

فدخل تحت الجهاز فرن مرة أخرى!!

فعاد الشيخ وأخرج كومة المفاتيح من جيبه .. وهكذا تكرر ذلك ثلاث مرات..

حينها تقدم شاب من عائلة الشيخ للعسكري وهمس في أذنه فارتفع حاجباه ..

واحمر وجهه خجلا وقال : الله المستعان هذا الشيخ ابن عثيمين ؟؟

والله ما عرفتك ياشيخ ؟؟ اللي ما يعرف الصقر يشويه ..!!

ثم قبل رأس الشيخ واعتذر منه وأصر أن يصحبه حتى أجلسه عند باب السفر

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:45 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثانية والعشرون

عدنا لعنيزة والعود أحمد ولكن كانت تنتظرني حوادث لم تخطر على البال..

لكن رحمة الله تعالى سبقت تلك المكائد والشرور فجعلت من دون ذلك فتحا قريبا!!

وصلنا للمطار استقبلنا نسيب الشيخ الأخ خالد المصلح ..

وأنعم بأبي عبد الله علما وخلقا وتفانيا في الدعوة إلى الله ..

والشيخ خالد من قبيلة حرب ومن عائلة ثرية ووالداه مقيمان في جده ولقد أحبه شيخنا

وقربه وزوجه اكبر بناته فنعم النسيب ونعم الصهر !!

وهو متخصص في علوم غير شرعية في الأصل.

حيث هو خريج جامعة البترول والمعادن وعمل في التدريس فترة بسيطة ثم فصل ..

والتحق بجامعة الإمام ودرس وحصل على أعلى النسب وهو الآن دكتور في نفس

الجامعة وأظن تخصصه مادة العقيدة ...

قادنا الأخ خالد لعنيزة وفي الطريق توقف بجوار أحد المساجد المتقدمة بأطراف عنيزة..

ودخل الشيخ للمسجد وصلى ركعتين سنة القدوم من السفر..

لم أرى شخصا محافظا على أداء السنن مهما كانت الظروف والأوضاع لم أرى مثل شيخنا

في ذلك، لا أقول في كثرة العبادة بل الاستمرارية في كل ظرف ..

تعبدا لله تعالى..

أذكر مرة موقفا لن أنساه ...

جاء أحد الطلبة للشيخ وقال له: ياشيخ أليس من وقع على يده حائل من وصول الماء

إلى البشرة من صمغ أو دهان ونحوه فإنه يجب عليه أن يعيد وضوءه وصلاته إن صلى

حتى ولو جهل أو نسي أو كان قليلا ...؟؟

قال : بلى...

قال: ياشيخ إن على يدك أثر دهان !!

وفعلا كان على يد الشيخ دهان فشق ذلك عليه ..

وجلس يفكر منذ كم يوم وقع ذلك الدهان على يده؟؟

فقال لي: لقد جاءنا الدهان في اليوم الفلاني وذلك قبل أربعة أيام !!

استقبل القبلة وأعاد جميع الصلوات للأربعة أيام الماضية بل بسننها والوتر والضحى ..

ولم يعجل في ذلك بل صلى بكل أناة كما هي عادته!!

وكان في تلك السنة يبلغ حوالي تسعة وستين عاما رحمه الله..

ختم صلاته ثم أوصلاني للسكن .. ونسيت حقيبتي في سيارة خالد..

لم أخبر أحدا من الطلبة بسفري برفقته سوى من ذكرت ..

ولكن الخبر انتشر كما تنتشر النار في الهشيم..

وكنت أشاهد من غالبهم نظرات الغيرة الطبيعية والتي فطرت عليها قلوب الأوادم..

ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه الإخلاص ..

أن الحسد شيء فطر عليه الخلق فهو من طبائعهم ولكن المذموم منه ما ترتب عليه

تعد أو إيذاء بلفظ أو بفعل ...

ولكنني لم أحاول إشغال نفسي بردود الأفعال على ذلك وعشت بينهم بكل احترام

وسلام.. ولكن مع بعضهم؟؟

أو مع غالبهم؟؟

سوى صاحبنا ومن يدور في فلكه..!!

ظننت أن ذلك اليوم يوم عطلة وليس هناك درس للشيخ هكذا ظننت !!

وما اكذب الظن!!

شيخنا لا يفرط في درسه ولو جاء من سفر بعيد قبله بدقيقة !!

أذكر مرة جئت مع الشيخ من الرياض برا ..

برفقة تلميذه الأمير عبد الرحمن بن سعود الكبير ..

وصلنا على أذان المغرب ..

سألت الشيخ : هل الليلة درس ؟؟

قال : نعم .؟ بالتأكيد إن شاء الله اذهب وأحضر كتبك وتوجه للجامع!!

يقول لي أحد الطلبة الذين حضروا وفاة والدة الشيخ عليها رحمة الله ..

يقول في ذلك اليوم .. توقعنا بل جزمنا أن الشيخ لن يحضر الدرس ؟؟

ولذلك كان الحضور ليس بذاك ومع ذلك حضر شيخنا وألقى درسه ..

حفاظا على أمانة التعليم ...

وصدق صلى الله عليه وسلم حينما قال : وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما

يصنع...

نسيت أن أقول أن الشيخ أحضر معه موافقة رسمية من مدير الجامعة

الدكتور عبد الله التركي بقبولي في المعهد العلمي في عنيزة تحت اسم فلان الشمري!!

حيث كتبت معروضا للدكتور فشرح عليه بالموافقة ..مع أن الدراسة قد ابتدأت منذ

حوالي الأسبوعين !!

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:45 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثالثة والعشرون

حضرت الدرس تلك الليلة وجلست في مكاني المعتاد ..

صافحت جاري العزيز !!

فبادلني السلام والكلام غير أن القلوب شواهد!!

في اليوم التالي توجهت صباحا لبيت الشيخ لكي آخذ حقيبتي ..

وكنت واعدت جاري المذكور بناء على طلبه هو !!

أن يوصلني لمنزل الشيخ..

حيث قال لي : أريدك في موضوع...!!

في اليوم التالي ضحى وفي الطريق لمنزل الشيخ بدأ يسألني أسئلة كثيرة تدور عن أصلي

وفصلي وأين كنت أعيش ..؟؟

وأين يقيم والداي ...؟؟

ونحو هذه الأسئلة الكثيرة التي ارتبت فيها!!

وارتبت في توقيتها بالذات ؟؟

أوقف سيارته أمام المنزل وتركها مدارة وبقي يسألني بوقاحة وبقصد الإيقاع بي في

مصيدة..!!

حتى ضجرت وارتفعت أصواتنا بالجدال والنقاش المرير ...

جدال بين اثنين ..

أحدهما رجل عاقل رشيد عمره فوق الثلاثين قد حصل من العلم والخير والاستقرار

والحظ مالله به عليم..

والآخر ضائع مشتت في مقتبل العمر قليل الخبرة والعلم لا أهل له ولا بيت ولا مال سوى الله سبحانه

وتعالى ورحمته وفضله ..

قلت له : يافلان ... ؟

مالذي تريده من وراء ذلك ؟ عندها كشف أوراقه

وقال : أنت كذبت في كل ما قلته !!

ولقد عرفت حقيقتك كلها!!

أنت رجل خطير ..

أنت اسم قبيلتك الحقيقية كذا ووالدك هو كذا وكذا ..

ثم أخذ يسرد حقائق ووقائع تدل على أنه قد تقصى عني حتى عرف عني كل شيء!!

ثم ختم كلامه بقوله: أنا اتصلت بوالدك بالأمس وتحدثت معه وأخبرني بأنك فار من

المنزل وأنك قد أوقعته بحرج شديد بفعلك وتركك لدراستك ... الخ الكلام ..

ثم حينها : انقلبت تعابير وجهه فاسود وتساقط الشرر من عينيه .. وقال:

أقسم بالله إن لم تغادر عنيزة وتترك الشيخ سأفعل بك وأفعل ...!!

وهددني بكلام لا ينطق به عاقل فكيف بطالب علم !!

لم يكن يهمني كلامه بقدر أن أهمني أن يعلم شيخنا بذلك ...

فرق كبير أن أخبر الشيخ أنا بالحقيقة من قبل أو أن يخبره ذلك الرجل بما يريده..!!

هناك فرق شاسع لمن يعلم طبائع الناس بينهما...

ولا شك أن الحقيقة الناصعة هي سلبية مهما كان الناقل .. أنا أم هو

غير أن الأمر يختلف كثيرا حينما يفسر ولو لم يكن له تبرير منطقي!!

ثم طردني من سيارته وذهب ..

بقيت أمام باب الشيخ منتظرا لأكثر من نصف ساعة وأنا متردد ماذا سأفعل؟؟

إن رجعت للسكن وسكت فالعواقب غير معلومة..

وإن تحدثت مع الشيخ الآن فلا ادري هل سيقبل مني أم لا ؟؟

احترت حيرة لا يعلم مداها إلا الله تعالى...

لقد مرت علي في الشهور الماضية التي قضيتها في عنيزة مرت علي أيام جميلة..

ولحظات لا تنسى من الجد والاجتهاد .. هل يذهب كل ذلك سدى؟؟

هل سيضيع كل ذلك بجرة قلم أو كيد حاسد؟؟

أنا مخطئ لا شك فيما فعلته .. ولكن هل قصدت ارتكاب ذلك الخطأ؟؟

لم أكن مجرما والله أو مرتكبا لعظيمة والحمد لله ..

هي أخطاء ولو كانت في نظر البض جسيمة بنيت على السفه وعدم تقدير الأمور حق

قدرها..

بنيت على عدم الناصح والمرشد الصدوق قبل ذلك ..

بنيت على الحرمان والضياع والخوف ...

هل سأحرم من ذلك العلم الجليل بسبب ذلك الخطأ ؟؟

هل سينتهي كل شيء الآن ...؟؟؟

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:47 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الرابعة والعشرون

أخيرا قررت أن أطرق الباب على بيت الشيخ ..

وليست غايتي هي حقيبتي أو أي شيء آخر !!

كنت أريد التأكد فقط هل علم الشيخ بكلام صاحبنا ؟؟

طرقت الباب .. فرد ت علي امرأة من سماعة الباب ...

فسألت عن الشيخ ... فقالت من يريده ؟؟

فقلت : فلان.....

فلم تجبني وأغلقت الخط في وجهي ...!!

وبعد دقيقة أو دقيقتين .. خرج الشيخ وبيده الحقيبة ..

ركزت النظر في عينيه ووجهه..

كنت أتوسم في تعابير وجهه ،فرأيت منه ابتسامته المعتادة !!

غير أنها هذه المرة متكلفة ومصطنعة !!!

بل ومعها احمرار شديد في بشرة الوجه !!!

سلمني الحقيبة ببرود متوقع وقال : انتظر الابن عبد الله و سوف يوصلك الآن للسكن..

ثم دخل وقد بدا لي أنه يستعجل الذهاب !!

يبدو أن عبد الله قد وصل برا لعنيزة في الليلة الماضية ..

ولا شك أن هناك أمرا جللا عجله أو شيئا آخر!!!

خرج عبد الله ووضعت الحقبة خلف السيارة ثم جلسنا في المرتبة الأمامية..

الأخ عبد الله رجل جريء وصادق ولا يعرف اللف والدوران ولذلك دخل في الموضوع

مباشرة!!

وقال: من أنت ؟

ومن بعثك؟

أنت رجل ثبت لنا أنك مخادع وكذاب ..

وكذبت على الوالد في أمور كثيرة .....

وانطلق يتكلم بكلام كثير لا أستجمعه ... بقيت صامتا طوال المسافة القصيرة للسكن ..

والتي مرت علي كأنها دهر !!

لم أناقشه ، ولم أحاول الرد على كلامه .. فواضح جدا أنه قد ملئ قلبه علي والله شاهد

لم أصدق وصولنا للسكن .. بقيت متسمرا مكاني وخفت أن يختم بكلامه بلطمة على

وجهي .. وليته فعل ولم يتكلم بكلامه الذي تفوه به...!!

ثم قال لي : انزل وخذ حقيبتك ...

نزلت ثم لحقني وقال : والله ما أضمنك تحط لي شيء في السيارة؟؟

ثم حملت متاعي وصعدت لغرفة السكن والحمد لله أنني لم أجد فيها أحدا!!

سقطت على فراشي وبقيت أبكي بكاء الثكلى ..

كان موقفا هائلا وكلاما شديدا يصعب على من هو في سني تحمله ..

لقد وصفت بأقذع الأوصاف، ورميت بتهم عظيمة لا استحقها والله ؟؟

لكن هل ألومهم ؟؟

أنا لا ألوم عبد الله ابن الشيخ ولا عبد الرحمن أخ الشيخ ولا عائلة الشيخ

لا ألومهم ولا أحمل الضغينة عليهم والله الآن ..

لقد مرت على تلك القصة سنون عديدة ..

فهي الآن فقط ذكريات بقيت في الخيال ..

هم بشر وقد نقل لهم عني ما يسئ ..

وثبت لهم بعض ما نقل عني فكانت تهمة متلبسة بجميع تفاصيلها!!

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ربما يكن أحدكم ألحن بحجته فأحكم له فيقتطع

قطعة من النار .. إنما أنا بشر !!!) إذا كان هذا من رسول الله فما بالك بمن سواه..

اللوم كثير منه يقع على ذلك الناقل اللذي امتلاء قلبه حقدا وغلا علي لا لشيء سوى

ظنه الغبي أنني جئت لأجل منافسته على المكانة التي حصل عليها من شيخنا..


هل كل من كان أكثر علما هو خير الناس ؟؟

ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب

ما فائدة العلم الذي تعلمناه إذا كان سيوصلنا لهذه الحال...؟؟؟

اللوم أيضا يقع علي أنا في عدم إخبار الشيخ بالوقائع فور قدومي لعنيزة ..

ولا اشك ثانية واحدة أن شيخنا لن يتردد في حلها بصرف النظر عن علاقتي به..

فهو رجل علم وإصلاح ورأيت من المواقف ما هو أصعب من مواقفي سعى شيخنا

بحلها والإصلاح فيها ...

كدت أجن من الحزن والهم والضيق لم أكن أعلم مالذي سأفعله ...

أذن الظهر فلم أطق الاستعداد للصلاة ...

انتظرت قدوم الشيخ للمسجد.. حيث يمكنني مشاهدته حينما يقدم ماشيا ..من نافذة

غرفتي ... وحينما رأيته قادما زادت حسرتي وألمي عليه وعلى تلك الساعات التي

قضيتها معه ولو أنها قليلة ولكنها باهظة الثمن!!

قلت في نفسي: ما ذنب شيخنا من هذا كله ؟؟

أنا الملوم وأنا من يستحق اللوم ؟؟

أنا الذي أسأت إليه ويجب علي بصرف النظر عن كبر الخطأ وصغره يجب علي أن اعتذر

منه.. وأشرح له ما حصل ..

استجمعت قواي ونزلت للمسجد وصليت مع الجماعة ..

وبعد الصلاة رافقت الشيخ لبيته ...

لم يكن يلتفت إلي مع أنني كنت أسير بجواره فعلمت أن الشيخ غاضب مني ..

والله المستعان وعليه التكلان .......

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:48 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الخامسة والعشرون

حينما رأيت الشيخ معرضا عني سبب لي ذلك صدمة عنيفة..

صحيح أنني نعمت بظل أبوته لفترة وجيزة من الزمن ..

غير أنها لا يمكن أن تعوض!!

خنقتني العبرة وكدت أبكي بمشهد الناس ..

لاحظ الشيخ ذلك بالتفاتة سريعة منه نحوي ...

فأشار للجميع بالرجوع وبقيت أنا وهو نمشي دون أن نتكلم بكلمة..

واضح أن الأمر محرج للشيخ وأنه شعر في نفسه بخيبة الأمل ..

فقد كان يطمح مني شيئا غير ما فعلت فيه ..

لقد كان اهتمامه بي نابعا من سماحة نفس ورغبة في تنشئتي تنشئة صالحة

وهو فضل منه بعد فضل الله ولو شئت لحدثتكم بكلمات وعبارات من شيخنا

فيها من الرحمة والعذوبة واللطافة أملاء بها صفحات وصفحات ..

غير أن القصد من هذه القصة هو تسليط الضوء على جزء من حياة شيخنا

قصة هو بطلها وهو مخرجها وهو كاتب حروفها غير أني راصد وأحكي لكم ما صار .

والله على ما أقول شهيد...

وصل لبيته ، فقلت له ياشيخنا : اسمح لي بالحديث معك في داخل البيت ..

فقال : لا بأس ...

دخل للمنزل ورد الباب ثم فتح باب الملحق الخارجي ..

وأنا انتظر الشيخ ليفتح باب الملحق مر صاحبنا الذي نفخ بوق هذه الفتنة بجوار المنزل..

فلما لمحني وحيدا وأهم بالدخول للمنزل غاب بسيارته خلف البيوت المجاورة..

أصبحت كالطريدة بالنسبة إليه وخيل إلي أنه كحيوان مفترس يريد النيل مني !!

دخلت للبيت وتوجه الشيخ للقبلة لصلاة السنة الراتبة للظهر...

جلست بجوار مكان جلوسه المعتاد في صدر المجلس ..

صلى ثم سلم ثم دنا من مكانه فقال : هات ما عندك!!

بدأت بحمد الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام ..

قلت يا شيخنا: لقد كنت شابا حبب الله لي العلم وطلبه..

.. فمنذ التزامي واستقامتي

وأنا منصرف له بكل ما أوتيت من طاقة وجهد ..

ثم رويت للشيخ تفاصيل أموري مما سردت بعضه عليكم في الحلقات الماضية ..

وحدثته عن مشكلتي مع الوالد .. وكذلك عن سفري للرياض..

ثم تعرفي على سعود المعاشي ..

وقصة الانتساب لقبيلة شمر ... حتى وصلت للقصيم ..

كنت أتحدث معه والعبرة تخنقني ..

وأحاول جاهدا أن لا أفقد أعصابي ..

لم يكن الشيخ يقاطعني بل كان يستمع لي بكل إنصات ..

مع أن ملامح وجهه لم يظهر منها علامات القبول لكل ما كنت أقوله ..

وله الحق في ذلك فالتهمة قد ضخمت حتى وصلت لحد أطلعكم عليه لاحقا..

حيث لم أعرف كل شيء آنذاك...

شيخنا رجل أريب ولماح وشديد الذكاء ..

فهو يميز الغث من السمين ويزن الأمور بموازين دقيقة ..

هذه الموازين والمقاييس أو المعايير ليست مبنية على الهوى والظن والتشكك والبناء على

ذلك.. بل هي مبنية على سبر الأغوار ودراسة المسألة من جميع وجوهها مع خشية الله

تعالى وتأله ومراقبة وابتغاء مرضاته لا تأخذه في الحق لومة لائم .. وهكذا العلماء هم

قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)...

بقيت أتكلم أكثر من ساعة كاملة ..

فلما ختمت حديثي قال لي: ما فعلته خطأ وتصرف أهوج ..

ولو أنك أطلعتني من أول الأمر على ما حصل .. لأمكننا التصرف .. ولكن

قدر الله وما شاء فعل...

أذهب الآن للسكن ، وسوف أرى ماذا يمكننا عمله..

قبلت رأس الشيخ وخرجت وأنا خائر القوى لا أكاد أستطيع السير..

يتبع ان شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:49 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة السادسة والعشرون

رجعت للسكن وانتقلت لغرفة الأخ محمد زين العابدين بأمر من الشيخ!!

هل هو تحفظ علي ؟؟ لكي يراقبني؟؟ أم كان ذلك بسبب آخر أجهله ؟؟

كان الأخ محمد هو غالبا الوسيط بيني وبين الشيخ وقد لمحت مرارا

الأخ محمد يلتقي بصاحب الفتنة!!

لا أقصد من ذلك أبدا أن أتهم الأخ محمد ، فراية محمد والله عندي بيضاء ولكنه رجل

حصيف يسعى للإصلاح والتقارب بكل الوجوه الممكنة .

لقد كانت ردة فعله طوال المشكلة أنه لم يظهر الانفعال والغضب بل كظم غيضه

وانتظر ما تصير عليه الأمور بيني وبين الشيخ...

تغيرت الوجوه علي وتنكرت النفوس وضاقت علي الأرض بما رحبت ..

أصبح السكن بالنسبة لي ككابوس مخيف ونفق مظلم لا نهاية له

لم يؤذني أحد بكلام أو فعل الحمد لله ،

ولكن كانت مجرد النظرات والصمت الرهيب حولي

يولدان الكآبة والحزن والأسى في نفسي ..

لم يكن الطعام في السكن مع الطلبة لي مستساغا بل أصبح غصة في الحلق ..

ولذلك لم أحرص على مخالطة الطلبة ولا أن أتحدث معهم ..

كنت أطلب من علاء الدين أن يعطيني الطعام فأذهب به لغرفتي

أو أن أنتظر خروج الطلبة فآتي فآكل من الطعام البارد وحدي..

كنت أجلس في الغرفة اقرأ القرءان ..

حينما يمر المرء بأوقات عصيبة فإنه يحتاج لمن يؤنسه ..

لقد كان أنيسي في تلك الليالي القرءان وأنعم به من أنيس..

لقد كنت أقرأ السور بتأن وتدبر وأشغل فكري بمعانيها العظيمة مما أفهمه وأدركه ..

فيكون في ذلك من الأنس والتطمين والترويح ما جعلني أغتبط بما أنا فيه!!

من السور العظيمة التي قرأتها مرارا وتكرارا سورة يوسف ..

حيث كنت كلما وصلت لمقطع انكشاف شخصية يوسف لإخوته وقد صار سيد مصر

تصيبني نوبة بكاء ثم يتبعه أمل واستبشار قريب بفرج الله تعالى..

من السور التي تأثرت بها كثيرا في تلك الأيام سورة فاطر!!

إن في هذه السورة من المعاني والعبر والتوجيهات والإشارات العظيمة

مالو تأمله المرء لخرج بآلاف مؤلفة من العبر والفوائد..

من السور التي تأثرت أيضا بها سورة القصص وقصة موسى عليه السلام وإلقاء

أمه له في التابوت وخوفها عليه ثم عيشه وترعرعه في بيت عدوه

وما وجده في حياته من العنت والمطاردة والخوف حتى بعثه الله سبحانه وتعالى

لفرعون وقومه وبني إسرائيل ...

القرءان يا إخوتي الكرام يا أخواتي هو خير صديق ومؤنس في الشدائد

وصدق الله تعالى حينما قال ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)


في ذاكرتي عن تلك الأيام تشويش رهيب فكلما طرقت باب الذاكرة

لكي تفتح لي نافذة أو كوة أو خرقا صغيرا نحوه ترفض ذلك رفضا قاطعا ..!!

كأنها تقول لي : مالك ومال تلك الأيام ...!!

ألم يكف ما تجرعته فيها من آلام هائلة!!

دع تلك المآسي في جوفي ، ولا تفتح الباب فتفسد على نفسك ما بقي من عمرك!!

فيكفيك ما أنت فيه الآن من متاعب أنت في غنى عن المزيد منها ..!!

وخوفي أن يأتيك ما كنت تظنه عبرة وعظة للآخرين فيكون في مجرد ذكره

تعجيل حتفك !!!

فهل تريد الآن أن تنبش الأوجاع وتعيد الذكريات الحزينة!!

قلت لها : دعينا يا ذاكرتي الحزينة دعينا نروي للناس ما حصل حتى يعتبروا من حالي ..

وليعلموا كيف أن رحمة الله سبقت سخطه وعقابه ..

حينما هبت جنود أبليس وأعوانه لنجدة أشرار الناس في النيل من علم الأمة

دعيني أحكي لهم كيف طردني الناس ورموني بالأحجار حتى فررت منهم على قارب

صغير غرقت به في منتصف البحر .. فبقيت أسبح وأسبح حتى وصلت للشاطئ المقابل!!

ولم أكد أصل !!

ثم زحفت على بطني على الرمال حتى ارتفعت على تلة في الشاطئ.. تشرف

على غابة أمامي ...

فتجولت بناظري حولي فرأيت من خلف الأشجار المظلمة ..

عيونا لا تختلف نظراتها عن تلك النظرات التي فررت منها ..

والتي تطورت حالها من مجرد العتاب أو الحقد ليتبعها الإيذاء والمطاردة!!

حينها سقطت مغشيا علي ...

دعيني أروي لهم كيف أن شيخنا لمحني من بعيد ملقيا على شاطئ الأحزان..

فجاء ذلك الشيخ الجليل يسير من داخل تلك الغابة ووقف على رأسي ...

فرآني لا يكاد يسترني ثوب من العري..

قد تشققت أشداقي من العطش ..

وقد ضمر بطني من الجوع

وقد تتابعت أنفاسي الضعيفة من الجهد فكدت اتلف وأموت ...

حينها انحنى الشيخ نحوي ..

ووضع يده الباردة على وجهي ومسح بها دمعتي وقال:

لا تحزن يابني إن الله جاعل لك فرجا قريبا !!

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:50 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة السابعة والعشرون

لقد ولد الصمت الرهيب حولي بعد تلك الجعجعة التي مرت في الرياض ولد ذلك

في نفسي فراغا وخواء ورغبة في الموت أو الانتحار!!

ليس هو الانتحار بمعنى إزهاق الروح بل بالعودة من حيث أتيت !!

لم أترك فكرة تدور في خلد أي إنسان إلا وفكرت فيها ..

بقيت معلقا بين السماء والأرض أيهما يجذبني ..

حين ذلك وأنا في معمعة الفكر استدعيت من الشيخ ..من طرف الأخ محمد زين العابدين

قال لي شيخنا: استمر في حضور الدرس مثلك مثل الآخرين ولا تقصر في الطلب ..

وسوف أتحدث مع والدك في الموضوع أو أنه قال : لقد تحدثت مع والدك في الموضوع ؟؟

نسيت والله ..!!

والنتيجة : إن خطأك وجسارتك على والدك وهروبك من المنزل وتركك لدراستك وتغيير

نسبك كل ذلك لا يجوز أن يمنعك من طلب العلم..

كان الشيخ كمثل الطبيب يشخص المرض ويضع يده على موضع الألم ثم يقرر الدواء ..

هل سيكون بالبتر أو بالترياق أم بالحمية؟؟؟

قلت له: جزاك الله خيرا إن كلامك هذا يعطيني بصيص أمل ..

لم أطل معه الحديث ...

عدت بعدها للسكن ..

أتعرفون مالذي فعله صاحبنا ذاك؟؟

لقد صار يصحب شيخنا مشيا على قدميه بعد كل صلاة لظنه أنني لن أجرؤ على

السير مع الشيخ بحضوره!!

ظن ذلك المسكين أنني بمجرد ذهابي مع الشيخ بعد الدرس فقد كسبت وده ..!!

إذا فما حال عشرات الطلاب الآخرين ؟؟

هذا من فضل الله تعالى علي والحمد لله ..

في البداية هبته وخشيت شره وبطشه خاصة بعد الذي فعله في من إساءة وتشويه سمعه..

ولكنني عدت لسابق عهدي فحينها مل وتراجع !!

ولكنه لم يعدم حيلة لمنعي من الخير ..

كلف شخصا اعرفه جيدا بمراقبتي فكان ذلك المعتوه يسير خلفنا بسيارته السوداء

وينتظرني بعد

كل صلاة فيسير بالسيارة حتى يصل الشيخ لبيته حينها أسلم على الشيخ وارجع!!

شعر الشيخ بعد أيام بما يفعله الرجل فاستدعاه وسأله مالذي يفعله ومن كلفه بذلك ؟؟

فتعذر بأعذار يعيب علي ذكرها هنا !!

حينما عزمت على حضور الدروس بعد الحديث مع شيخنا ..

وجدت أن مكاني قد سيطر عليه شخص آخر جاء من طرف جاري القديم!!

ولكنني لم استسلم لهذا التعامل الرخيص البليد...

صرت احضر مبكرا وأنازع على المكان الذي حافظت عليه شهورا حتى دان الجميع لي

بذلك..

كنت اجلس بجوار ذلك الحقود ولكن بيني وبين قلبه كما بين المشرق والمغرب!!

والحمد لله يشهد علي جميع من عرفني أنني لم أتفوه نحوه ولا في ظهره بعبارة واحدة

تسيء له.. بل كنت أقر بفضله وعلمه وسبقه مع بغضي لفعله معي والله حسيبي وحسيبه

بعد عدة أيام استدعيت من الشيخ مرة أخرى وهذه المرة مع محمد زين العابدين..

أذكر تلك اللحظة جيدا كانت بعد صلاة عشاء ..

سرنا ثلاثتنا إلى بيت الشيخ دون مرافق آخر ..

كان الشيخ يتكلم ونحن منصتون، يقول لي:..

فلان قد حمل عليك ويريد منك أن تترك عنيزة وهذا لا حق له فيه ولا أوافقه عليه ..

ولكن أنت يجب عليك أن تحاول كسبه والتودد إليه ..!

أو ابتعد عنه ولينصرف كل واحد منكما لطلب العلم ...

ثم عاتبني الشيخ في تحدثي مع الرجل ذاته سابقا في أمور تخص الشيخ وكيف أن الناس سيستغلون ذلك ضدي!!

وأنه زعم أنني جاسوس مدسوس ضد الشيخ !!

وكلفت بالتقرب منه لكي أكسب ثقته ومن ثم أطلع على أسراره وخصوصياته ..

فابعثها لمن اتبعه!!

فقلت له ياشيخ : هل تصدق هذا الكلام ؟؟

صمت الشيخ ولم يرد أن يسمع الأخ محمد جوابه !!

خوفا من أن يصل الكلام لصاحبنا فيفهم أن الشيخ في صفي وخيرا فعل !!

وعدت شيخنا خيرا وأن استمر في العلم وفي دراستي النظامية إرضاء لوالدي ..

فقال : سوف أتصل على والدك حتى يأتي هنا لكي أتفاهم معه!!

فقلت له : افعل ياشيخنا ما تراه الأصلح وأنا أرضى به ..

ثم طلب الشيخ مني التأخر قليلا ليتكلم مع محمد على انفراد ..

فتكلما قليلا وهما يسران .. ثم دعاني الشيخ..

فكرر علي كلامه السابق كأنه يتوثق مني ثم قال ..

سوف أسافر بعد أسبوعين لمكة لأداء العمرة وسوف اطلب من والدك الحضور لمقابلتي

هناك!!

ولم يذكر لي هل سأرافقه أم لا؟؟
يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:51 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثامنة والعشرون

لقد كانت تلك القضية على طوال عدة أيام وقد تتجاوز الأسبوع مثار قلق لشيخنا

فأشغلت باله وتفكيره ..

خاصة وان صاحبنا لم يترك طريقة أو وسيلة للنيل مني إلا وفعلها..

ولولا خوفي من غضب بعض الإخوة ممن يعرف الرجل لحدثتكم بأشياء

فعلها وقالها لا تكاد تصدق ..!!

لقد سعى صاحبنا في البداية للنيل من شخصي ووجد مبتغاه في بعض الأمور..

ولكنه حينما رأى الوضع توجه للهدوء،أراد إثارة زوبعة أخرى ولكن هذه المرة

من داخل بيت الشيخ !!

لا أريد سرد تفاصيل ما حدث مما قد يفهم منه النيل من أبناء الشيخ وزوجه وولده وأقاربه..

فهم والله كرام أبناء كرام ولهم في قلبي كل المعزة والاحترام ويزيد حقهم علي

بصلتهم بشيخنا رحمه الله


ومهما بدر منهم فلا ألومهم واللوم كله أو جله يقع على ذلك الرجل وعلي أنا في جزء منه

كما سبق بيانه..

لقد سعى صاحبنا ذلك فأفسد قلوبهم علي فرأيت منهم من الجفاء والكره والتأفف

ما حطم فؤادي وشق صدري من الأسى ..

غير أنه لم يكتف بذلك بل إنه أفسد قلب بعض أقارب الشيخ على الشيخ نفسه ..

ولو شئت لذكرت ذلك بالأسماء والمواقع وما قاله، ولكن حفظا لسر شيخنا وعدم الفائدة

من ذلك ثانيا أمتنع عن فتح الباب ...

ولقد آذى ذلك شيخنا وضيق صدره حتى حنق على الرجل كما سيأتي ذكره لاحقا إن شاء

الله..

مرت الأيام وأوشكت الأمور أن تعود كسابق عهدها ...

تأثر بعض الطلبة بتلك الواقعة حيث هجرني عدد منهم استهجانا لفعلتي ..

انتقل الأخ محمد من السكن وعين الأخ دخيل الشمراني مشرفا على السكن لفترة وجيزة

لم تطل..

استدعاني مرة وكان يحمل في يده ملفي الذي كان في أدراج ملفات طلبة السكن فقال لي:

أنت لست من قبيلة شمر ؟ أنت من قبيلة كذا؟؟

فقلت له : هذا الموضوع لا يعنيك ثم انصرفت وتركته!!

كفاني ما أنا فيه من مشاكل حتى أفتح على نفسي جبهة جديدة!!

أذكر أنني في تلك الأيام التي سبقت سفري أن أموري مع الشيخ كانت على ما يرام..

وفي إحدى الليالي بعد صلاة العشاء طلبت من شيخنا أن يوفر لي جهاز تسجيل صغير..

لكي أقوم بتسجيل فتاويه التي يلقيها في طريقة للبيت مما يصلح للنشر..

أعجب الشيخ بالفكرة ولا أدري هل سبقني عليها أحد؟؟

أشترى لي جهازا ممتازا وباهظ الثمن ولكنه ثقيل الوزن وينفع للضرب!!

لا تستعجلوا علي سأحكي القصة لا حقا!!

طلب مني الشيخ أن أستعد للسفر برفقته لجده ...

حيث أنه رتب مع والدي اللقاء هناك.. بعد أداء العمرة...

لم أجرؤ على أن استفسر من الشيخ ما دار بينه وبين والدي !!

وكنت في نفسي أقول ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوؤكم)!

اشتريت التذكرة بالدرجة السياحية ... على ذات الرحلة مع الشيخ...

ظن صاحبنا أن الموضوع انتهى وأنني لن أعود لعنيزة فقد كان على اتصال بوالدي طوال

الأسبوعين المنصرمة كما سيأتي ذكره ..

ولذلك لا حظته مبسوطا مستبشرا مع الطلبة

بخلاف الأيام الخالية فهو لا يكاد يرفع رأسه من الغيظ والغضب..!!

سألت الشيخ هل ستعتمر ؟

قال نعم..

فقلت : هل أشتري لي إحراما ؟

فقال : إن شئت...

في يوم السفر توجهت لمنزل الشيخ فطرقت الباب ..

ففتح لي باب الملحق...

لقد فتح لي الباب شاب في سني تقريبا وفيه شبه كبير بوجه شيخنا ..

هذا هو عبد العزيز ابن الشيخ ..

تعرفت عليه ، وفهمت من كلامه أنه سيكون برفقتنا!!

يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:52 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة التاسعة والعشرون

قادنا للمطار هذه المرة ابن الشيخ عبد الله وشيعنا للمطار تقريبا جميع أبناءه

كان الشيخ متوترا على غير العادة وقليل الحديث وأنا أتفهم سبب ذلك!!

فلقد كان غالب أبناءه متوجسين من وجودي ويعتبروني دخيلا غير مرغوب فيه..

وصلنا للمطار على موعد الإقلاع تقريبا ...

سألني الشيخ ونحن متجهون للطائرة أين إحرامك؟

فقلت له في الكيس الذي أحمله في يدي..

قال : لو أنك لبسته في بيتك كان أسهل عليك ...

لاحظت أن الشيخ يلبس الإزار من تحت ثوبه بحيث أنه إذا حاذى الميقات

خلع ثوبه ثم يلبس الرداء ...

وهذا ما كان ...

بقيت أنا وعبد العزيز ابن الشيخ متجاورين في الدرجة السياحية ..

ووالده شيخنا في الدرجة الأولى حيث هو مستضاف من مركز الدعوة في جده لإلقاء

محاضرات وندوات ولقاءات عامة ونحو ذلك مما سيأتي ذكره ..

كان لعامل السن دور كبير في تسهيل التعامل مع الأخ عبد العزيز ..

وكذلك لين جانبه وتمتعه بالأخلاق السامية جعلا من رفقته مكسبا لي ..

حاولت جاهدا أن أغير الصورة التي رسمها ذلك الرجل عني في مخيلة جميع أبناء الشيخ

وأقاربه ، غير أنني لم افلح فهو بهم أوثق ومنهم أقرب وعلاقته أرسخ وأقدم!!

وأنا في موضع تهمة وغريب وثبت علي ما يخل بوضعي !!

ولكنها بالتفحص والنظر المنصف ليست مبررا للهجران والقطيعة أو الظلم والإيذاء!!

بقيت أتحدث أنا وعبد العزيز في أمور عامة وتجنبنا الحديث في الأمور الخاصة

فقد كان كلانا متحفظا!!


سمعت كابتن الطائرة يقول على الميكرفون ..

نرحب بفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المرافق لنا على هذه الطائرة ..

بعد انقضاء أكثر وقت السفر واقترابنا من الميقات جاء إلينا الشيخ بنفسه ..

وهو لابس للإحرام ولحيته تقطر من طيب الدهان .. ويرى أثره على لحيته البيضاء..

فقال لنا : قوما والبسا إحرامكما ولبيا للعمرة ...

لبسنا الإحرام ولبينا ودخلنا في النسك..

هبطت الطائرة لمطار جده ...

وتوقفت وفتحت أبوابها ...

خرجت أنا وعبد العزيز من الباب الخلفي للطائرة .. وكان همنا أن نجد الشيخ..

ونحن ننزل من الدرج لاحظنا عددا من السيارات الفارهة تقف أمام سلم الطائرة لتستقبل

ضيوفا لا نعلم أننا نحن المقصودون بذلك!!

كان الشيخ واقفا يصافح حشدا من الناس أمام السلم مباشرة ..
توجهنا للشيخ فأشار لابنه عبد العزيز وإلي أن أركبا مع أحد السيارات..

ركبنا في السيارة وخرجنا من المطار..

وتوجهنا لحي الروضة في جده..

توقفت السيارات أمام بيت فاره كبير ذا لون أبيض ..

أنزلنا حقائبنا وثقلنا ودخلنا البيت لكي نرتاح قليلا..

هذا المنزل هو المكان الذي اعتاد شيخنا النزول فيه كل مرة ينزل لجده..

وهو منزل الوجيه الشيخ صالح بن إبراهيم الزامل..

هذا الرجل الكريم صاحب المرؤة العالية والنبل النادر المحب للعلماء ..

رجل قد أغناه الله من واسع فضله .. فهو من أثرياء ووجهاء جده يقول لي أحد معارفه:

كان أبو إبراهيم رجلا مقبلا على الدنيا يملك القصور والفلل في سويسرا ولندن وأمريكا

ثم إنه تاب إلى الله تعالى وتوجه للطاعة فتصدق بجزء كبير جدا من ماله ..

يحبه شيخنا حبا جما ، ويكرمه بالنزول في ضيافته كل مرة ..

سمعت من شيخنا ثناء عاطرا على هذا الرجل ونعم الرجل أبو إبراهيم ..

بارك الله له في ماله وولده..

مكثنا قليلا ووضع لنا الغداء وبعدها توجهنا لمكة لأداء العمرة...

كان مرافقنا بالإضافة إلى الشيخ صالح الزامل هو دليلنا الآخر الأخ علي السهلي..

وهو شاب محب للعلماء من سكان جده ويتحفك بالحديث والطرائف ..

فيكون النصب والإرهاق في صحبته متعة!!

بارك الله فيه وجزاه الله خير الجزاء...

كان الشيخ طوال الطريق يلبي ويرفع صوته بالتلبية .. حتى يكاد يبح صوته من ذلك..

كنت أراقبه وأفعل مثل ما يفعل وأقول مثلما يقول...

وكان يقطع أحيانا ذلك بالحديث معنا والسؤال عن شيء يهم..

غير أنه في الغالب لا ينقطع عن الذكر والتسبيح...
يتبع إن شاء الله

بنت نجد
27-01-2006, 01:53 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الحلقة الثلاثون

وهكذا انتهينا من مناسك العمرة وكانت سهلة ميسرة ..

واعتمرت عمرتي التي أعتبرها أول عمرة أعملها قريبة أو هي على السنة على الإطلاق..

توجهنا للحلاقين اللذين على باب المروة ..

وكعادتهم يصرخون على المعتمرين كل ينادي على محله..

فاختار الشيخ رجلا كبيرا في السن من الباكستان ولحيته حمراء ..

وقال ذلك الرجل له : أنا أعرفك أنت فيه مطوع كبير !!

حلق الشيخ وحلقت، وأبى عبد العزيز أن يحلق بل كان يريد التقصير ..

فقال له الشيخ : ياولدي أكسب دعوة رسول الله حيث دعا مرتين للمحلقين ، ففعل..

انتهينا من الحلق ، وتوجهنا للسكن وهي عبارة عن شقة تابعة لأحد أصحاب الشيخ

تقع أمام باب المروة مباشرة ، وقد هدت لاحقا ...

حصل لي في تلك العمارة موقفان لا أنساهما أبدا .. ولعل فيهما طرفة !!

واسمحوا لي أن أحكيه لكم فيها لا تخلوا من فائدة ودعابة !!

كانت الشقة التي نقيم فيها في الدور الأخير وهو العاشر ..

وذات مرة في إحدى الزيارات لمكة .. صعدت مع الشيخ .. على مصعد الشقق الوحيد

وصعد برفقتنا الشيخ سعد البريك الداعية المعروف والمقيم في نفس العمارة ..

نزل الشيخ سعد في طابقه وغادرناه لطابقنا العاشر..

وفجأة توقف المصعد عن العمل وبقينا معلقين بين طابقين..

ضغطت على زر النداء فلم يجبنا أحد وكدنا نختنق من الحر وقلة الهواء..

عندها قمت بدفع بابي المصعد وفتحتهما بعد محاولات عديدة وبالكاد فتح!!

ولكن تبقى المشكلة أنه معلق بين طابقين، ولكن من رحمة الله بنا أن بقيت في أسفله

فتحة بسيطة .. يمكن المرور منها

ولكن بمشقة ، وفيها خطورة حيث من الممكن أن يتحرك المصعد في أي لحظة فيحصل

مالا يحمد عقباه !!

نزلت أنا أولا فخرجت بنجاح ، وبقيت ألح على شيخنا بالنزول حتى وافق على

مضض..فتدلى من الباب فخرج والحمد لله !!

ولولم نفعل ذلك لهلكنا بلا شك ..

والموقف الآخر ،

ذات مرة جئنا لنفس السكن ولكن هذه المرة كان المصعد عطلانا بالمرة ولا يعمل..

فكان الواجب علينا الصعود على الدرج لعشر طوابق ..!!

صعد الشيخ بكل خفة ورشاقة أما أنا فتعثرت مرارا وهممت أن أرجع للحرم وأترك

الشيخ!!

فكان الشيخ يسحبني ويجرني وهو ابن السبعين حتى وصلت وكاد نفسي ينقطع!!

غير أن الشيخ حينما وصل للسكن تذكر أن لديه مكالمة مع الأمير عبد الله ولي العهد ..

وهي ضرورية ولا يمكن تأخيرها ..

فقال لي : احضر الهاتف لكي اتصل .. فبحثت عن جهاز الهاتف في كل غرف الشقة..

فلم أجده فتتبعت سلك الهاتف الموصل بالفيش فوجدته موصولا بغرفة مغلقة وليس

لدينا لها مفتاح!!


علمت من وجه الشيخ وملامحه أن لا خيار لديه ..

فقررت النزول لشراء جهاز له ..

فقال لي: سوف انزل معك ..

قلت له : أبدا ، وكنت أعلم أنه سينزل معي مجاملة لي تخفيفا للمشقة!!

وخوفا علي من أن أموت قبل الرجوع!!

فأصر على النزول معي فأذعنت لذلك ..

نزلنا وما أسهل النزول كما ما أسهل الهدم !!

نحن أهل الدعوة نبني ونتعب ونعاني أما أهل الشر من أهل العلمنة والنفاق فيهدمون

وما أسهل ذلك فالكل يقدر على الهدم لمن لا ضمير له أما البناء فهي مهنة الشرفاء ..

جعلنا الله منهم..

بحثنا في المحلات فوجدنا أجهزة متعددة ومختلفة الأسعار ..

فكنت أريد شراء جهاز معقول الثمن حيث أنني علمت أن حاجتنا إليه لمكالمة واحدة فقط..

غير أن الشيخ له رأي آخر !!

بحث عن أرخص جهاز بالسوق وقيمته عشرة ريالات وهو أشبه بلعب الأطفال!!

فقلت له : ياشيخنا هذا ما ينفع لشيء !!

قال : ياولدي مكالمة واحدة فقط !!

فأخذناه واستحييت والله من شراءه ولكن هذه هي رغبة الشيخ ..

وليس هذا بخلا منه كما قد يظن بعض أهل الغفلة بل الشيخ من أكرم الناس

كما يشهد بذلك من عرفه ولكنه مقتصد على نفسه بأقصى الحدود رحمه الله وعفا عنه..

صعدنا الدرج ويا للعذاب !!

فظن شرا ولا تسأل عن الخبر..

وصلت للشقة فرميت نفسي تحت دش الماء واغتسلت من العرق والجهد!!

دخل شيخنا وأراد إصلاح خط التلفون فما استطاع فانتظرني حتى خرجت من الحمام..

فقال : تعال أصلح لي الهاتف..

فتأملت ... ثم

قلت له : ليس من سبيل سوى بقطع سلك تلفون صاحب المنزل وتوصيله..

فأبى الشيخ وقال : هذا ليس من المرؤة هل تريده يقول : أفسدوا سلك تلفوني!!

فقلت له : ما العمل ؟؟

فبحثنا وتتبعنا السلك حتى وصلنا لفيش التلفون ..

فقمت بفكه بسكين ووصلت أسلاك تلفوننا المبتذل ولكن أين اللاصق الذي يثبته!!

فقلت : ياشيخ التلفون يعمل ولكن نحتاج للاصق فهل سننزل من اجله للسوق ؟؟

فقال : كلا بل أوصل السلك بيديك وأمسك به حتى أنهي المكالمة!!

كانت فكرة شاقة ولكنها أهون على نفسي من النزول من الدرج ..

اتصل شيخنا على مكتب الأمير .. فرد عليه عامل البدالة .. فعرف الشيخ بنفسه ..

فرحب به الرجل وقال له سأوصلك بطويل العمر..!!

فاستمر في الانتظار دقائق معدودة حتى يوصلوه بالأمير وكنت خائفا والله ..

أن يرد طويل العمر فيسقط السلك من يدي فأحاسب حسابا عسيرا !!

ولكن الله سلم ..

كلم شيخنا الأمير وقضى منه ما يريد ثم لففنا التلفون وأهديناه لأولاد صاحب البيت

لكي يتسلوا به!!

يتبع إن شاء الله

الفيلسوف15
16-02-2006, 10:25 PM
موضوع شيق ومفيد للاجيال القادمه مشكوره على الجهد الطويل وجزيت خيرأ

الواافي؟؟؟
23-02-2006, 05:51 PM
شكرااااااااا :11umbup: