المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة ترقيق الألف بعد أحرف التفخيم



أهــل الحـديث
22-09-2012, 09:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرورأنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنلا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيمًا ﴾ .
ثم أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد ﷺ .
هذا بحث مختصر أنتاول فيها قضية ترقيق الألف بعد الأحرف المستعلية :
وهل رجع ابن الجزري في النشر عما قاله في التمهيد ؟
وهل الجعبري أول من قال بترقيق الألف بعد أحرف الاستعلاء ؟
وهل قصد العلامة الجعبري ترقيق الألف بعد أحرف الاستعلاء كما ذكروا ؟
كل هذه التساؤلات سأحاول وضع جواب له من خلال ما تبين لي من كلام الأئمة وأسأل الله التوفيق والسداد .

مخرج الألف : تخرج الألف من الجوف وهو مخرج حروف المد .
وهناك من ذهب إلي أن مخرجها من أقصي الحلق .

قال في النشر : أما مخارج الحروف : فقد اختلفوا في عددها فالصحيح المختار عندنا وعند من تقدمنا من المحققين كالخليل بن أحمد ومكي بن أبي طالب وأبي القاسم الهذلي وأبي الحسن شريح وغيرهم سبعة عشر مخرجاً ، وهذا الذي يظهر من حيث الاختبار وهو الذي أثبته أبو على بن سينا في مؤلف أفرده في مخارج الحروف وصفاتها.

وقال كثير من النحاة والقراء هي ستة عشر فأسقطوا مخرج الحروف الجوفية التي هي حروف المد واللين. وجعلوا مخرج "الألف" من أقصى الحلق "والواو" من مخرج المتحركة وكذلك " الياء " .

وذهب قطرب والجرمي والفراء وابن دريد وابن كيسان إلى أنها أربعة عشر حرفاً فأسقطوا مخرج النون واللام والراء وجعلوها من مخرج واحد وهو طرف اللسان، والصحيح عندنا الأول لظهور ذلك في الاختبار.)ا.هـ

صفات الألف : الجهر ـ الاستفال ـ الانفتاح ـ الرخاوة ـ الإصمات ـ الخفاء ـ .

أحكام الألف في التجويد : حروف المد الثلاثة : الألف - الواو- الياء. والألف الممالة : مثل "مجريها". والألف المفخمة...وغيرها من الأحكام .
ما يتميز به الألف :
قال في النجوم الطوالع : ... وقال مكي بن أبي طالب عند ذكر الألف الهوائي :
إنما هو حرف اتسع مخرجه في هواء الفم ، ولذلك قيل له : "هوائي" و"هاو" .. ولا تقع الألف إلا ساكنة أبدا ، ومفتوحًا ما قبلها أبدا ، ولا يبتدأ بها أبدا ، ولا تكون إلا بعد حرف متحرك أبدا ، فهي متفردة بأحوال ليست لغيرها.. قال :" فيجب على القارئ أن يعرف أحوالها وصفاتها ، وإن يلفظ بها حيث وقعت غير مفخمة ولا ممالة ، ولا يميلها إلا برواية ، ولا يغلظ اللفظ بها إلا برواية، ويلزم في لفظها التوسط أبدا حتى ترده الرواية إلى إمالة أو تغليظ، وهذا مذكور في كتب اختلاف القراء في الإمالة والفتح وما هو بين اللفظين".)ا.هـ

اختلاف القراء في قضية أصل الألف :
قال في النشر : ومنه الحروف المستفلة وضدها المستعلية ، والاستعلاء من صفات القوة وهي سبعة يجمعها قولك: قظ خص ضغط. وهي حروف التفخيم على الصواب وأعلاها الطاء كما أن أسفل المستفلة الياء ، وقيل حروف التفخيم هي حروف الإطباق ، ولا شك أنها أقواها تفخيماً.
وزاد مكي عليها الألف وهو وهْمٌ فإن الألف تتبع ما قبلها فلا توصف بترقيق ولا تفخيم والله أعلم.)ا.هـ

أقول : لم يقصد الإمام مكي أن كل ألف مفخم ، فقد قال في الرعاية بعد ذكره لحروف التفخيم ص43:" ...ومثلها في التفخيم في كثير من الكلام (الراء ـ اللام ـ الألف ) نحو "ربكم " و"رحيم" و"الصلاة " والطلاق في قراءة ورش )ا.هـ فهو يقصد الألف في قراء ورش ، وكذا قال عند ذكره للألف المفخمة " فهي نقيضة الألف الممالة . وبذلك قرأ ورش عن نافع في الصلاة ...وقال بعض النحويين : وذلك كتبت الصلاة بالواو على لغة الذين فخموا الألف )ص33
وقال مكي بن أبي طالب عند ذكر الألف الهوائي :"...فيجب على القارئ أن يعرف أحوالها وصفاتها ، وإن يلفظ بها حيث وقعت غير مفخمة ولا ممالة ، ولا يميلها إلا برواية ، ولا يغلظ اللفظ بها إلا برواية ، ويلزم في لفظها التوسط أبدا حتى ترده الرواية إلى إمالة أو تغليظ ، وهذا مذكور في كتب اختلاف القراء في الإمالة وألفتح وما هو بين اللفظين".ص61

فهذا النص يؤكد مذهب الإمام مكي ومقصده من تفخيم الألف فقوله (وإن يلفظ بها حيث وقعت غير مفخمة ولا ممالة ) فهذا أصل الألف أن ينطق غير مفخمة ولا ممالة ، ثم قال " ولا يغلظ اللفظ بها إلا برواية " ثم يؤكد هذا بقوله " ويلزم في لفظها التوسط أبدا حتى ترده الرواية إلى إمالة أو تغليظ" فاللفظ بها "متوسطة" أكّد مقصده بالألف المفخمة .

قال في النشر: وأمّا الألف فالصحيح أنها لا توصف بترقيق ولا تفخيم بل بحسب ما يتقدمها فإنها تتبعه ترقيقًا وتفخيمًا ) أ.هـ 1/215 .

وهذا الكلام عجيبٌ من العلامة ابن الجزري فمهما كانت الألف تابعة لما قبلها ـ وما قبلها لا يكون إلا مفخمًا أو مرقَّقًا ـ فعلى كلّ هي : إمّا مفخمة أو مرققة فيصحّ أن توصف بأنها ترقق تارةً وتفخم تارةً . اللهم إلا أن يُقصد أصل الألف فلا يكون له حكم مستقلّ ولكنه بحسب ما قبل . والله أعلم .
فظهر من ذلك أن مكي القيسي لم يقصد أن الألف مفخم أبدا . والله أعلم

وقال في التمهيد :" ....وأما ترقيقها وتفخيمها( أي الراء) فقد أحكم القراء ذلك في كتبهم فلذلك أضربنا عنه هنا ولا بد من تفخيمها إذا كان بعدها ألف واحذر تفخيم الألف معها...
واحذر إذا فخمتها قبل الألف أن تفخم الألف معها فإنه خطأ لا يجوز وكثيرا ما يقع القراء في مثل هذا ويظنون أنهم قد أتوا بالحروف مجودة وهؤلاء مصدرون في زماننا يقرئون الناس القراءات فالواجب أن يلفظ بهذه كما يلفظ بها إذا قلت : (ها يا) قال الجعبري :
( وإياك واستصحاب تفخيم لفظها ... إلى الألفات التاليات فتعثرا )
وقال شيخنا ابن الجندي - - وتفخيم الألف بعد حروف الاستعلاء خطأ وذلك نحو خائفين و غالبين و قال و طال و خاف و غاب ونحو ذلك . )ا.هـ

ومعلوم أن كتاب التمهيد ألفه قبل كتاب النشر ، ومن هنا أطلق البعض أن الجعبري وتلميذه ابن الجندي ممن قالوا بترقيق الألف بعد الحروف المفخمة هذه من جهة .
ومن جهة أخري ذكروا أنهم يقصدون بهذا النص (أي بترقيق الألف بعد حرف مفخم ) الترقيق على حقيقته قال الإمام الطيبي[1]: حكم الألف الساكنة :

ولام لـلـه وحـــرف الــــراء
ومــا عــدا أحرف الاستعلاء
فاحكم لها بما تلت، كما وصــف
فرققــنه مطــلقا، إلا الألـــف
وبعد ما رقق رقــق فـاعلـمــا
فــفـــخمنها بعد ما قد فخـــما
ورده في "نشره" ابن الجزري
وأطلق الترقيق فيها الجعبري
ترقــيقهـا من بعــد لام فخما
وكـان في "تمهيده" قد ألزما
وقــال: إن حكمـها أن تتبــعا
لــكنه عـن ذاك بعــد رجـــعا
ولا بترقيـق لـدى التقســيم
فــــلم تكـن توصف بالتفخيم

ثم جاء بعد الطيبي من ذَكر هذين الإمامين ونسب لهما قضية ترقيق الألف وذكروا أن ابن الجزري رجع عن ترقيق الألف .
والظاهر من كلام النشر أن ابن الجزري لم يذكر رجوعًا في النشر ، بل برّر قائلاً : " وأما الألف فالصحيح أنها لا توصف بترقيق ولا تفخيم ، بل بحسب ما يتقدمها فإنها تتبعه ترقيقاً وتفخيماً ، وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير مما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو ، أو يريدون التنبيه على ما هي مرققة فيه )ا.هـ

ثم قال في النشر : وأما نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فهو شيء وهِمَ فيه ولم يسبقه إليه أحد ، وقد رد عليه الأئمة المحققون من معاصريه ، ورأيت من ذلك تأليفاً للإمام أبي عبد الله محمد بن بضحان سماه : التذكرة والتبصرة لمن نسيَ تفخيم الألف أو أنكره قال فيه : اعلم أيها القارئ أن من أنكر تفخيم الألف فإنكاره صادر عن جهله أو غلظ طباعه، أوعدم اطلاعه ، أو تمسكه ببعض كتب التجويد التي أهمل مصنفوها التصريح بذكر تفخيم الألف. ثم قال : والدليل على جهله أنه يدعي أن الألف في قراءة ورش (طال وفصالا) وما أشبههما مرققة وترقيقها غير ممكن لوقوعها بين حرفين مغلظين والدليل على غلظ طبعه أنه لا يفرق في لفظه بين ألف (قال) وألف (حال) حالة التجويد والدليل على عدم اطلاعه أن أكثر النحاة نصوا في كتبهم على تفخيم الألف ثم ساق نصوص أئمة اللسان في ذلك ووقف عليه أستاذ العربية والقراءات أبو حيان فكتب عليه : طالعته فرأيته قد حاز إلى صحة النقل كمال الدراية، وبلغ في حسنه الغاية... وهي أن أصل الخلل الوارد على ألسنة القراء في هذه البلاد وما التحق بها هو إطلاق التفخيمات والتغليظات على طريق ألفتها الطباعات، تلقيت من العجم. واعتادتها النبط واكتسبها بعض العرب، حيث لم يقفوا على الصواب ممن يرجع إلى علمه ، ويوثق بفضله وفهمه، وإذا انتهى الحال إلى هذا فلا بد من قانون صحيح يرجع إليه، وميزان مستقيم يعول عليه، نوضحه مستوفياً إن شاء الله ))ا.هـ

فقول ابن الجزري: وأما نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فهو شيء وهِمَ فيه ولم يسبقه إليه أحد) لا يشير فيه إلي رجوع عما قاله في التمهيد ولعل قوله في التمهيد يقصد به ما علله في النشر بقوله (وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير مما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو ، أو يريدون التنبيه على ما هي مرققة فيه)ا.هـ فالتحذير من لغة الأعاجم ، وكذا المبالغة في التفخيم حتى تصير الألف مثل الواو يدلك أنه يقصد هذا الذي قاله ، ودليل ذلك قوله في الجزرية (فرققن مستفلا من أحرف وحاذرن تفخيم لفظ الألف) ثم كرر هذا البيت بتمامه في متن الطيبة ومعلوم أن الطيبة نظمها بعد النشر ، فلا بد أنه يقصد أمرًا آخر ، فقوله (فرققن مستفلا ) فهو يقصد الأحرف المستفلة أي حروف الترقيق ثم ذكر(وحاذرن تفخيم لفظ الألف) أي الألف التي تأتي بعد الأحرف المستفلة ، وهذا الأمر الآخر ذكره لنا ابن الناظم وهو الإمام أحمد حيث قال في الحواشي المفهمة في شرح الجزرية : ..فأمر بترقيق الحروف المستفلة وهي ما عدا المستعلية ، ثم أكد من بالتحذير من تفخيم الألف إذا جاورت فقال : وكن حذرًا من تفخيم الألف إذا كانت بعد حرف مستفل ، أما لو كان بعد حرف مستعل فإنها تكون تابعة في التفخيم فإن الألف لازمة لفتحة الحرف الذي قبلها ، بدليل وجودها بوجودها ، وعدمها بعدمها ، وكذلك لا يكون قبل الألف إلا مفتوحًا ، فحيث كانت الألف مع حرف مستعل أو شبهه استعلت الألف للزومها لها ففخمت ، وحيث كان مع حرف مستفل استفلت الألف للزومها لها فرققت وأعني شبهه الحرف المستعل الراء ..... ولا اعتبار بمن قال :" ينبغي المحافظة على ترقيق الألف خصوصا إذا جاءت بعد حرف الاستعلاء فإن الذي ذكرناه هو الحق وقول الناظم ـ تعالي ـ محمول على ما ذكرنا وبه نأخذ )ا.هـ ص185 وما بعده .

ما قاله ابن الناظم هو الحق ؛ لأن الإمام ابن الجزري كيف يعيد أمرًا رجع عنه ؟ ففي النشر رجع عن ترقيق الألف كما يقولون ، ثم يعود في متن الطيبة ويكرر البيت بعينه دون تغيير فلابد أنه يقصد أمرًا آخر .. إذا كان الأمر كما سبق ..فكيف نوجه كلام ابن الجزري في التمهيد " واحذر إذا فخمتها (أي الخاء) قبل الألف أن تفخم الألف معها ، فإنه خطأ لا يجوز، وكثيراً ما يقع القراء في مثل هذا ويظنون أنهم قد أتوا بالحروف مجودة ، وهؤلاء مصدرون في زماننا ، يقرئون الناس القراءات وقال شيخنا ابن الجندي - - وتفخيم الألف بعد حروف الاستعلاء خطأ"؟؟
نوجهه بكلام ابن الجزري نفسه وهو قوله (وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير مما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو ، أو يريدون التنبيه على ما هي مرققة فيه)ا.هـ
ثم نعود لإشكال آخر وهو قوله ( وقد رد عليه الأئمة المحققون من معاصريه..) فهذا الكلام يحتمل أن يكون للعلامة الجعبري كما قال الطيبي " وأطلق الترقيق فيها الجعبري" والعلامة ابن بضحان (ت 743 هـ)
من معاصري الجعبري (ت 732) وقول ابن بضحان (الألف في قراءة ورش (طال وفصالا) وما أشبههما مرققة وترقيقها غير ممكن لوقوعها بين حرفين مغلظين) وبالفعل ذكر الإمام الجعبري في باب اللامات ( وإياك وتفخيم الألف المصاحبة للام كـ"الصلاة "و " الطلاق" و "طال " فإنه لحن ) فهل بالفعل الجعبري يقصد ما ذُكر عنه أو يقصد ما ذكره ابن الجزري ؟؟

وقبل الجواب عن هذا السؤال نطرح سؤالا تمهيدا للجواب على السؤال السابق : من أول من قال بالألف المفخمة ؟
ذكر الطيبي "وأطلق الترقيق فيها الجعبري" ، وقال د/غانم قدوري في تحقيقه لشرح الجزرية لابن الناظم : قد يكون مكي أبو طالب ذهب هذا المذهب فقد قال في الرعاية ص160 وهو يتحدث عن الألف " فيجب على القارئ أن يعرف أحوالها وصفاتها ، وإن يلفظ بها حيث وقعت غير مفخمة ولا ممالة..)ص382
قلت : وهذا غير صحيح ولو أكمل العبارة التي نقلها تبين له مراد مكي والعبارة هي(ولا يميلها إلا برواية ، ولا يغلظ اللفظ بها إلا برواية) فالرواية إن جاءت بالتفخيم فخم ، وقال في الرعاية عند حديثه عن القاف ( فيجب على القارئ أن يفخم القاف تفخيما بالغا إذا أتي بعدها ألف ...ثم قال " وكذلك يبينها بيانا خالصا ويفخمها إذا انفردت مفتوحة أو مضمومة نحو "قليلا "......)ص69 فالمبالغة في التفخيم بعد الألف لا يكون إلا بتفخيم الألف بخلاف المفتوحة والمضمومة وتنطق عند حكاية الحرف (قاف) وهذا ما استدل به في الطرازات المعلمة للأزهري ص71 .

وما قاله الإمام عبد الوهاب القرطبي (ت 446) قد يكون هو أول من قال بهذا المذهب من حيث ظاهر النص حيث قال :( ... والذي يتعين اعتماده والأخذ به أن يجعل كلَّ حرف من الحروف في حال وصله بالألف كما هو في حال فصله ، يبقي المجهور على جهره والمهموس على همسه والمطبق على إطباقه ولا يزيد اتصاله بالألف شيئا عما كان عليه لأن هذه الحروف لا تقبل التفخيم وإنما يكون التفخيم المحكي عن هؤلاء في الألف وتفخيم الألف ليس بالمختارعلى ما ذكرناه .....) ا.هـ الموضح ص72

وقوله ( وتفخيم الألف ليس بالمختار) وهذا بعد قوله (يبقي المجهور على جهره) وكذا (والمطبق على إطباقه ولا يزيد اتصاله بالألف شيئا) فهو مع هذا القول الواضح على ترقيق الألف مطلقا بعد المجهور والمطبق إلا أنه يقصد الألف التي ذكر تبريرها ابن الجزري (فإنما يريدون التحذير مما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو) ويدلُّك علي هذا ما قاله عند الحديث عن الألف المفخمة حيث قال ( وأما ألف التفخيم : فهي ضد ألف الإمالة ، لأن الإمالة يؤخذ بالألف فيها نحو الياء ، والتفخيم يؤخذ بها نحو الواو ، وذلك بأن تنحى بالفتحة التي قبلها نحو الضمة ، فتخرج هي الواو وبين الألف . وزعموا أن كُتْبَهم في المصحف (الصلوة والزكوة) ونحو ذلك بالواو على هذه اللغة .
فإن قال قائل : فما الألف المفتوحة الأصلية حينئذ ؟
قلنا : الألف المفتوحة الأصلية هي التي يؤتي بها بين منزلتين ، بين التفخيم الذي تقدم وبين الإمالة المشبعة التي تقدم ذكرها )الموضح ص40 فهو يقصد ألا تنحو بالألف نحو الواو .
ونعود للجواب عن السؤال السابق : هل بالفعل الجعبري يقصد ما ذُكر عنه أو يقصد ما ذكره ابن الجزري ؟؟
الجعبري أيضا لا يقصد إلا ما برَّر به ابن الجزري حيث قال الإمام أبو إسحاق الجعبري في "الكنز" في باب الإمالة : "والألف تنقسم إلى لفظ مستقيم وهو الفتح، وهو مرقق على كل حال، وتفخيمه لحن معدود من لغة الأعاجم ..)
والشاهد قوله (وهو مرقق على كل حال، وتفخيمه لحن معدود من لغة الأعاجم ..) فهو عدّ تفخيم الألف من فعل العجم ، بل لم يكن الأمر كذلك وفقط ؛ وقال ردّا على الإمام مكي بقوله :
...... والألف الأصيل صلاني
...................................
وتحفـــظن بها عــن الاثخـان
للزومها الاسكان بعد تجانس
ترك الصواب وعذّ في اللحان
قد جد في تفخيمها كالواو من

فقد حذر الإمام الجعبري مما ذكره ابن الجزري (فإنما يريدون التحذير مما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو) وعلى ذلك يحمل كلامه .
قال الإمام أحمد بن محمد بن عمر شهاب الدين الخفاجي المصري الحنفي : وتفخيم الألف إمالتها إلى مخرج الواو ، لا ما يقابل الإمالة المعروفة ، ولا ضدّ الترقيق وقوله : ( فيميلها ) تفسير له وكتابتها بالواو هو الرسم العثماني.
واعلم أنّ المصنف تبع الزمخشري في قوله إنّ الألف تفخم ، فتجعل كالواو .
وقد ردّه الجعبريّ وقال إنه ليس من لغة العرب فلا حاجة للتوجيه به لأنّ الرسم سنة متبعة وزعم ابن قتيبة أنه لغة ضعيفة فلو وجهه بأنه اتباع للفظه في الوقف بوقف حمزة كان حسنا صحيحا.)ا.هـ حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي ( الْمُسَمَّاة ): عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي .
وفي كلام الإمام شهاب الدين الخفاجي ما يدلك على أن الإمام الجعبري قصد لغة الأعاجم وهذا يظهر من قوله (وقد ردّه الجعبريّ وقال إنه ليس من لغة العرب فلا حاجة للتوجيه به لأنّ الرسم سنة متبعة) وقد بينت هذا من قبل.والله أعلم

فيبقى أمر كتاب الإمام محمد بن أحمد بن بضحان " التذكرة والتبصرة لمن نسيَ تفخيم الألف أو أنكره" فعلى مَن قام ابن بضحان بالردّ إذن ؟
لم يبيّن ابن الجزري مَن المقصود بهذا الردّ ، وأيضا لم أجد في مصدر من المصادر التي اطلعت عليها ( قبل عهد ابن الجزري ) من ذكر اسمًا ، بل غاية ما في الأمر أن القراء الذين نسبوا ذلك للجعبري وابن جندي ربطوا بين كلام ابن الجزري في التمهيد وبين ما قاله في النشر ، وكان يسيرا على العلامة ابن الجزري أن ينقض ما ذكره في التمهيد صراحة ولكنه لم يفعل ، وقد فعل من قبل مع العلامة القيجاطي حيث انتقده في النشر في مسألة ترقيق اللام من اسم الله إذا وقعت بعد الراء المرققة في قراءة ورش نحو( غير الله ) دون ذكر لاسمه ثم ذكره صراحة في ترجمته في غاية النهاية ، قال د / حميتو : وممن رد مذهب القيجاطي هذا ولم يرتضه الحافظ ابن الجزري فقال في النشر بعد ذكر طائفة من النقول عن ابن شريح وأبي شامة والجعبري وغيرهم تدل على بقاء التفخيم في اسم الجلالة بعد ترقيق الراء المذكورة:
وهو مما لا يحتاج إلى زيادة التنبيه عليه وتأكيد الإشارة إليه لظهوره ووضوحه، لولا أن بعض أهل الأداء من أهل عصرنا بلغنا عنه أنه رأى ترقيق اسم الله تعالى بعد الراء المرققة" ...ثم قال بعد ذلك :"وقال ابن الجزري في ترجمة القيجاطي في الغاية في سياق ذكره لبعض الرواة عنه، فسمى منهم أبا الحسن على بن عيسى البسطي الأندلسي وقال حدثنا عنه برسالة كتبها في تجويز ترقيق اسم الله تعالى بعد ترقيق الراء لورش في نحو "لذكر الله" و"أفغير الله"، وهي رسالة وهم فيها، وقاس الترقيق على الكسر، والتزم أنه هو الإمالة حقيقة، مع اعترافه أنه لم يسبقه إلى هذا القول أحد، ولكنه احتج فيه بمجرد القياس، وصمم على أن هذا القياس هو الصواب الذي لا يجوز غيره، وهو من القياس الممنوع لما بيناه في "النشر" و "الله أعلم"غاية النهاية 2/244 ترجمة 2423.)أ.هـ

فقد ذكر في غاية النهاية ما أبهمه في النشر ، وفي مسألتنا لم يفعل ذلك في ترجمة العلامة مكي القيسي ولا في ترجمة الجعبري ، ويظهر احتمالان :
الأول : أن هناك غير الجعبري هو من قال بترقيق الألف في كل حال فسوّى بين ألف (حال ) وألف (قال) .
الثاني : أنه الجعبري وفُهِمَ كلامه على غير مراد الجعبري .
فالأمر متوقف على معرفة الاسم ، وحتى لو كان الجعبري فهو بخلاف ما يقوله الجعبري نفسه ، وما اعتذر به ابن الجزري للقائلين بترقيق الألف بعد حروف الاستعلاء بقوله (وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير مما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو ، أو يريدون التنبيه على ما هي مرققة فيه) .
ونخلص من ذلك :
* أن ابن الجزري لم يذكر رجوعًا عمّا قاله في التمهيد ، وجانب بعض الشراح الصواب حيث نبسوا الرجوع لابن الجزري في النشر .
* أن الجعبري لم يمنع تفخيم الألف مطلقًا ، بل كان مقصده ما يفعله الأعاجم من المبالغة في تفخيمها حتي يصيروها كالواو . والله أعلم .
هذا ما من الله به علينا وأسأل الله السلامة من كل ذلك وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل آمين .
والحمد لله ربالعالميـــــــن
أبو عمر عبدالحكيم
[1] ينظر: المرادي؛ المفيد في شرح عمدة المجيد في علم التجويد، ص (44).
[2] نهاية القول المفيد؛ محمد مكي نصر، ص (39).
[3] تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين، ص (20 - 21).
[4] المسعدي؛ الفوائد المسعدية شرح المقدمة الجزرية، ص (24 - 25).
[5] شرح المقدمة الجزرية؛ غانم قدوري الحمد، ص (277).
[6] ينظر: مكي ابن أبي القيسي؛ الرعاية، ص (52).
[7] النشر في القراءات العشر؛ ابن الجزري (1/ 165).
[8] ينظر: الرعاية، ص (52).
[9] النشر (1/ 165).
[10] ينظر: عبدالفتاح القاضي؛ الوافي، ص (37 - 38).
[11] ينظر: الضباع؛ الإضاءة في أصول القراءة، ص (53)، الوافي، ص (139).
[12] الإضاءة، ص (55).
[13] ينظر: ابن الطحان الإشبيلي؛ مرشد القارئ، ص (43)، الإضاءة (32).
[14] الوافي، ص (118).
[15] الرعاية، ص (52 - 53).
[16] المرجع السابق، ص (123).
[17] المرجع السابق، ص (138).
[18] جهد المقل، ص (35).
[19] المرجع السابق، ص (60).
[20] تنبيه الغافلين، ص (20).
[21] نهاية القول المفيد، ص (40).
[22] تنبيه الغافلين، ص (20 - 21).
[23] جهد المقل، ص (62).
[24] الفوائد المسعدية شرح المقدمة الجزرية، ص (68).
[25] جهد المقل وبيان جهد المقل، ص (87).
[26] جهد المقل وبيان جهد المقل، ص (87).

[1] منظومة المفيد في التجويد ص 11 تأليف : الإمام شهاب الدين أحمد بن أحمد بن بدر الدين الطيبي المتوفى سنة 979 هـ تحقيق : الدكتور / أيمن رشدي سويد