المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما قست قلوبنا جفَّت دموعنا



أهــل الحـديث
22-09-2012, 05:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة هذه مقالة لشيخنا أبي عد الله حمزة النائلي حفظه الله بعنوان عندما قست قلوبنا جفت دموعنا نشره فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم



بسم الله الرحمن الرحيم



عندما قست قلوبنا جفَّت دموعنا

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
كثير منا أيها الأحبة يسمع أو يقرأ ما جاء في فضل البكاء من خشية الله، سواء كان ذلك من الآيات القرآنية ، كقوله تعالى عن عباده المؤمنين (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) [الإسراء :109]
قال الإمام القرطبي –رحمه الله-:"هذه مبالغة في صفتهم ومدح لهم، وحُق لكل من توسم بالعلم وحصل منه شيئا، أن يجري إلى هذه المرتبة فيخشع عند استماع القرآن، ويتواضع ويذل". تفسير القرطبي (10/341)
أو من الأحاديث النبوية كقوله صلى الله عليه وسلم :" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ،الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال:إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".رواه البخاري(629) ،ومسلم (1031) واللفظ له من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- .
قال الإمام النووي – رحمه الله- :" فيه فضيلة البكاء من خشية الله تعالى وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها". الشرح على صحيح مسلم ( 7/123)
وقال صلى الله عليه وسلم :"عينان لا تَمَسُّهُمَا النار ، عينٌ بَكَتْ من خَشْيَةِ الله،وعينٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سبيل الله".رواه الترمذي (1693) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما - وصححه العلامة الألباني –رحمه الله-.
قال المباركفوري -رحمه الله- : " قوله ( عين بكت من خشية الله ):وهي مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالما أو غير عالم، ( وعين باتت تحرس ): وفي رواية تكلأ ( في سبيل الله ): وهي مرتبة المجاهدين في العبادة وهي شاملة لأن تكون في الحج أو طلب العلم أو الجهاد أو العبادة والأظهر أن المراد به الحارس للمجاهدين لحفظهم عن الكفار ". تحفة الأحوذي (5/221)
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يبكي من خشية الله مع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليَّ القرآن، قال: فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك، وعليك أُنزل؟!، قال: إني أَشْتَهي أن أَسْمَعَهُ من غيري، فقرأْت النساء حتى إذا بلغت ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) [النساء:41]رفعت رأْسي ،أو غَمَزَنِي رجل إلى جنبي فرفعت رأسي، فرأَيت دُمُوعَهُ تَسِيلُ ". رواه البخاري (4306) ومسلم (800) و اللفظ له .
قال الحافظ العيني –رحمه الله- :" لأنه تمثل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه، والإيمان به وسؤاله الشفاعة لهم، ليريحهم من طول الموقف وأهواله ، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن".عمدة القاري (20/ 57)
وقال الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"وكان بكاؤه صلى الله عليه وسلم تارة رحمة للميت،وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية " . زاد المعاد (1/183)
وسار على هديه في البكاء من خشية الله صدر هذه الأمة من الصحابة و التابعين (رضي الله عنهم) ، فعن هانئ مولى عثمان قال: كان عثمان – رضي الله عنه- إذا وقف على قبر بكى حتى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فقيل له : تُذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟! فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن القبر أَولُ منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم يَنْجُ منه فما بعده أشدُّ منه"،قال:وقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ما رأيت مَنْظَرًا قَطُّ إلا الْقَبْرُ أَفْظَعُ منه".رواه الترمذي (2308)وحسنه العلامة الألباني-رحمه الله- .
وعن محسن بن موسى-رحمه الله- قال:"كنت عديل سفيان الثوري إلى مكة فرأيته يكثر البكاء، فقلت له:يا أبا عبد الله بكاؤك هذا خوفا من الذنوب؟قال: فأخذ عودا من المحمل فرمى به فقال إن ذنوبي أهون علي من هذا ولكني أخاف أن أسلب التوحيد".شعب الإيمان للبيهقي (865)
أيها الأحبة بعد أن عرفنا ذلك ، ألم نسأل أنفسنا لماذا لا نبكي مثلهم من خشية الله؟ أين ذهبت دموعنا؟
والجواب واضح !
قست قلوبنا فجفَّت دموعنا ! وأولئك القوم لما صلحت قلوبهم ذرفت عيونهم، فالعين تتبع القلب ، فإذا رق القلب دمعت العين وإذا فسد جفَّت العين .
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- : ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى فاعلم أن قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي".بدائع الفوائد ( 3 / 743)
لقد غلب علينا أيها الكرام اتباع شهوات الدنيا وملذاتها،وكثرت ذنوبنا ومعاصينا ، ففسدت قلوبنا وقحطت أعيننا عن البكاء ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إِن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فإذا هو نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ -نظف قلبه- وإِن عاد زِيدَ فيها حتى تَعْلُوَ قَلْبَهُ،وهو الرَّانُ الذي ذَكَرَ الله(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) [المطففين :14].رواه الترمذي ( 3334 ) وحسنه الشيخ الألباني.
قال الإمام الخطابي – رحمه الله- :" الران و الرين لغتان : وهو ما يغشي القلب ويتخلله من ظلمة الذنوب". غريب الحديث للخطابي ( 3/71)
إن المسلم أيها الكرام يستطيع أن تدمع عيناه عندما يُليِّن قلبه بإذن الله ، وذلك بالقضاء على أسباب قسوته، بالتوبة النصوح من البدع والمعاصي، وأنواع المخالفات، وفي المقابل مدُّه بأسباب قوته من الإيمان وأنواع الطاعات، ثم حمايته بكثرة الاستغفار.
قال الله تعالى(وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )[ النور :31]
قال الشيخ ابن سعدي–رحمه الله-:"فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله ، ظاهرا وباطنا ، إلى ما يحبه ظاهرا وباطنا، ودل هذا،أن كل مؤمن ،محتاج إلى التوبة،لأن الله خاطب المؤمنين جميعا، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة " تفسير السعدي (ص 567)
وعليه أن يدعو الله جل جلاله دائما أن يغرس في قلبه خوف الله وتعظيمه وتوقيره في السر و العلانية فهو أكرم الأكرمين الذي أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة حيث قال جل و علا (ادعوني أستجب لكم ) [غافر :60]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :" هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه، وتكفل لهم بالإِجابة ". تفسير ابن كثير (7/153)
و عليه أيضا أن يُكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى في كل وقت ، قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى، وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي؟ قال:(أذبه بالذكر)،وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة،كما يذوب الرصاص في النار فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل".الوابل الصيب(ص 99)
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا و إياكم أيها الأحبة قلوبا خاشعا وأعينًا دامعة، وأن لا نقول ولا نفعل إلا ما يرضيه عنا ، فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النايلي