المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حول شيخنا التملي بمدرسة أبي مروان العتيقة رحمه الله



أهــل الحـديث
18-09-2012, 01:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمان الرحيم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
وبعد: هذه كلمة ألقيت في مدرسة أبي مروان القرءانية العلمية العتيقة بقبيلة إداوسملال في الحفل الذي أقيم بها في فاتح شهر ربيع باسم القبيلة بعد شهرين من وفاة شيحنا سيدي الحاج إبراهيم رحمه الله ــ مع تغيير يسير في المقدمة وبعض المواضع ــ وقد نشرت بعضها في بعض المنتديات والمواقع التواصلية ورأيت أن أجعل هذه الآية الكريمة عنوانا لها:
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا}
فأقول، وبالله المستعان:
إن هناك أناسا يعيشون في هذه الدنيا سنوات عديدة وأزمنة مديدة وأعمارا طوالا يأكلون ويشربون وينامون ويقومون ثم يموتون فينسون عاجلا أو آجلا كأنهم لم يعيشوا إلا أياما أو كأنهم لم يكونوا يوما: لم يضعوا بصمة لهم في حياة الناس ولم يتركوا أثرا يدل عليهم ولم يستفيدوا من تلكم الأعمار الطوال، ويمكن أن نمثل بقوم عاد وثمود وقوم نوح الذين لبث فيهم نبيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الإيمان وتوحيد الله بالعبادة فلم يؤمن معه إلا قليل, وكم من مثل لهم في دنيا الناس ممن لم يخلفوا أثرا يذكرون به بعد موتهم ويترحم عليهم به وهم كثيرون كثيرون في القديم والحديث. وإن هناك ـ في مقابل هؤلاء ـ أناسا قليلين عاشوا مددا قليلة وأعمار قصارا في الدنيا لم تبلغ في طولها عشر أعمار الآخرين ولكنهم تركوا بصماتهم في حياة الناس وخلفوا من الأعمال الصالحة ما نفع أجيالا بعد أجيال إلى آلاف السنين يلحقهم نفعها وبركتها وثوابها فأضافوا أعمارا إلى أعمارهم, وعاشوا حياتهم وحياة غيرهم لا يذكرون إلا بألسنة صدق كما سأل الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ ربه ـ عز وجل ـ فقال: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}
وإن من هذه الطائفة شيخنا وشيخ الجماعة سيدي الحاج إبراهيم أيت هماد التملي ـ رحمة الله عليه ـ فقد كان حيا معنا في هذه الدنيا قبل أشهر قليلة، وكنا نستفيد من علمه وتواضعه وخلقه، كما كنا نكن له كل الحب والاحترام. والآن أصبح بين من انتزعهم الموت . ولكنه لم ينتزع معه علمه . بل بقي علمه بعده حيا، كما لم ينتزع الموت حبه من القلوب، بل بقي صيته الحسن وحبه الكبير في قلوب الناس. وسنورد في إشارات لامحة بعض الصفات التي جعلته محبوبا لدى الخاص والعام من كل من يعرفه من أبناء قبيلة إداوسملال ومن طلبته وغيرهم بعد الإشارة إلى نقط تتعلق بمولده ونشأته {على شكل ما يسمى: رؤوس الأقلام} فنقول:

1ــ ولد الفقيه سيدي الحاج ابراهيم بن محمد بن أحمد نحو سنة 1349هـ /1931م

2ــ حفظ القرءان بمسجد قريتهم "توريرت نأيت أومزيل" بقبيلة "أملن" بناحية "تافراوت" على يد سيدي محمد بن بلعيد الغازي نسبة إلى "أيت الغازي" بناحية "تانالت نأيت صواب".

3ــ انتقل إلى مدرسة إيمي أوساك لتثبيت حفظ القرءان ب"سلكة" أي ختمة على يد الفقيه سيدي محمد بن العسري من تلاميذ سيدي الطاهر الإفراني رحمهم الله جميعا.

4ــ افتتح العلوم في نفس المدرسة بدراسة المتون الابتدائية كلها كما أخذ فيها بعضا من مختصر الشيخ خليل في الفقه.

5ــ انتقل 1367هـ تقريبا إلى مدرسة أبي مروان السملالية فأرسله فقيه المدرسة حينئذ إلى مدرسة تازموت السملالية أيضا.

6ــ لم يستقر في تازموت عند فقيهها الحسن الكوسالي السملالي الأديب سوى مدة قصيرة.

7ــ عاد إلى مدرسة أبي مروان عند فقيهها الشهير سيدي الحاج عبد الله الإغشاني دارسا ثم مدرسا أكثر من خمسين عاما رحمه الله.

8ــ سلم زمام التدريس بعد أن ألمت به علل في السنوات الأخيرة لولده شيخنا سيدي الحاج محمد حفظه الله.

9ــ كان رحمه الله مخلصا في عمله يظهر ذالك لكل من رءاه أو جالسه أو استمع لكلامه.

10ــ كان يجمع في دروسه بين التربية و التعليم، شأن العلماء السابقين من سلف هــــذه الأمة الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .

11ــ كان ينصح الناس جميعا ويحضهم على الاهتمام بدينهم وخصوصا الصلاة باعتبار أنها عماد الدين وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

12ــ المؤمنون عنده سواسية لا يميز بين الغني والفقير ولا بين الكبير والصغير .

13ــ طلبته عنده سواسية بحيث لا يميز بينهم لدرجة أنه لا يعرف أسماءهم وإن كان يعرف وجوههم فإذا أراد أن ينادي أحدا ناداه بلقب "السيد"

14ــ كان يربط نظامه بالصلوات الخمس ولا يخالفه.

15ــ كانت دروسه خالية من التكلف وسهلة التحصيل، ولهذا استفاد منه الكثيرون بالإضافة للإخلاص الذي يتصف به.

16ــ ما سمعته وما رأيت من سمعه يغتاب أحدا أو ينقص من قدر أحد سواء كان فردا أو جماعة فأحبه الأفراد والجماعات.

17ــ كان من أهل التصوف السني ولهذا لا يقصي أحدا. كان يجلس مع الصوفي والسلفي والتبليغي ومع الغني والفقير و و و

18ــ كان حديثه مع هؤلاء جميعا "قال الله" أو "قال المصطفى صلى الله عليه وسلم" ولذالك يقدرونه جميعا حق قدره.

19ــ انتشر علمه في جميع الأقطار من هذا البلد الحبيب فقل أن تدخل مدرسة أو مسجدا إلا وتجد تلميذا له أو تلميذا لبعض تلامذته.

20ــ من تلاميذه المباشرين {على سبيل المثال لا الحصر} من يتولون التدريس الآن في المدارس التالية: "بومروان" و أيت وافقا" و "بونعمان" و "الكرايما" و "تازموت" و "إلغ" و "أفلا أكنس" و "إزربي" و إيمي أوساك" و "أفيلال" و "إلماتن" و "أنزا" وغيرها وغيرهم. وأما غير المباشرين فحدث عن البحر ولا حرج. بله الخطباء وأئمة المساجد, فهو شيخ الجماعة في عصره وقطره.

21ــ كان يحافظ على الصلاة في أول وقتها لايؤخرها إلى آخر الوقت، فضلا عن أن يخرجها عن الوقت.

22ــ كان يحافظ على قيام الليل بتلاوة القرءان والصلاة في رمضان وغيره.

23ــ كان بعد قراءة الحزب الصباحي يستقبل القبلة يذكر الله حتى تطلع الشمس فيصلي الضحى ثم يقوم إلى عمله ولا يستند أبدا لا في هذه الجلسة ولا عند تلاوة القرءان رحمة الله عليه.

24ــ كان ينشد أبياتا شعرية تحمل معاني سامية تحث على الخير والزيادة فيه وتحرض على التخلق بالأخلاق الفاضلة كما تدل على حب الخير للناس جميعا... كــقــول الــقـائـل {وهو أول ما استفدته منه} :
ـــ ورج الفتى للخير ما إن رأيته *** على السن خيرا لا يزال يزيد
وفي معرض حث الطلبة على التسابق للخيرات على العموم وخصوصا الصلاة وحصة الدرس ينشد:
ــ السباق السباق قولا وفعلا *** حذر النفس حسرة المسبوق
وينشد أيضا:
ـــ وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام. ويفسر النفوس هنا بالعقول.
ــ ولا تترك التكرار فيما حفظته *** فمن ترك التكرار لا بد أن ينسى
ــ فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام رباح
ــ كل له غرض يسعى ليدركه *** والحر يجعل إدراك العلا غرضا
ــ ترق إلى صغير الأمر حتى *** يرقيك الصغير إلى الكبير
ــ شفاء العمى طول السؤال وإنما**دوام العمى طول السكوت على الجهل فــكن ســـائلا عما عـــناك فـإنـما ** دُعـــيــت أخـــا عقــل لتبحث بالعقــل
إلى غيرذالك من منشداته الدالة على حسن اختياره
قد عرفناك باختيارك إذ كا ××× ن دليلا على اللبيب اختياره
ــ فهذه أكثر من عشرين نقطة، وهي قٌلُّ مِن كٌثْر وغيض من فيض ونقط من بحر زاخر من الصفات الحميدة والخصال المجيدة التي يتصف بها هذا الشيخ الجليل رحمه الله تعالى. والخلاصة أنه انطبقت عليه الآية الكريمة: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا" فقد وضع الله له القبول، وجعل محبته في قلوب الناس .
وقد سمعت من أفواه كثيرين ممن يعرفون الفقيه من الكبار أنه كان متصفا بهذه الصفات الحميدة منذ زمن الطلب بل منذ زمن الصبا, وليس هذا بغريب, فقد قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "تأملت الذين يختارهم الحق عز وجل لولايته والقرب منه, فقد سمعنا أوصافهم ومن نظنه منهم, ممن رأيناه. فوجدته سبحانه لا يختار إلا شخصا كامل الصورة, لا عيب في صورته, ولا نقص في خلقته, فتراه حسن الوجه, معتدل القامة, سليما من آفة في بدنه, ثم يكون كاملا في باطنه, سخيا جوادا عاقلا, غير خب ولا خادع, ولا حقود ولا حسود, ولا فيه عيب من عيوب الباطن. فذالك الذي يربيه من صغره, فتراه في الطفولة معتزلا عن الصبيان, كأنه في الصِّبا شيخ, ينبو عن الرذائل, ويفزع من النقائص, ثم لا تزال جشرة همته تنمو حتى يرى ثمرها متهدلا على أغصان الشباب, فهو حريص على العلم, منكمش على العمل, حافظ للزمان, مراع للأوقات, ساع في طلب الفضائل, خائف من النقائص..." {صيد الخاطر} إلى آخر كلامه المنطبق على الفقيه رحمهما الله وجميع موتى المسلمين.
وأحب أن أختم هذا الحديث بكلمات جميلة للشيخ علي بن عبد الخالق القرني أراها مناسبة: "إن المتملي والمتأمل لواقع أمتنا اليوم يجدها تكاد تفتقر إلى القدوات، وينقصها المثال, ولذالك فتحت باب استيراد القدوات من خارج الحدود, فتنكرت لتاريخها, وتعاظم سخفها وجهلها بسلفها وقدوتها, وتناقص عنصر الخير فيها بمرور الأيام, وخفتت قوة الضوء فيها, لأنها ابتعدت عن مصدر الضوء, وعن مراكز الإشعاع فيها.
إذا تمثل ماضينا لحاضرنا *** تكاد أكبادنا بالغيظ تنفطر
ولذا كان لا بد للأمة أن ترجع لتاريخها, لا للتسلية, ولا لقتل الفراغ, ولا لاجترار الماضي, ولا للافتخار بالآباء فحسب, بل لنتعظ ونعتبر ونتشبه, ونعرف ذالك الجدول الفياض الذي نهل منه أسلافنا, لنعب منه كما عبوا, ولنعلم ماذا فعلوا, لنقتدي بهم فيما فعلوا, لنعلم كيف وصلوا, لنصل كما وصلوا. ما أحوجنا إلى أن نترسم خطاهم, ونتلمس العزة في طريقهم, ونسير على هداهم. {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} غابت شخوصهم. فلنسمع ولنع أخبارهم, فلعل ذالك يقوم مقام رؤيتهم على حد قول القائل:
فاتني أن أرى الديار بطرفي *** فلعلي أعي الديار بسمعي" {من روائع القرني}
انتهى كلامه حفظه الله. وكذالك نحن كتبنا هذه الكلمات ليعيها من لم يرى الشيخ بطرفه, لعل شخصا ـ أو أكثر ـ يقتدي به, فيكون ذالك مرة أخرى في ميزان حسنات شيخنا رحمه الله. يكون قدوة في الخير بعد موته كما كان في حياته
أسأل الله أن يسكنه فسيح جناته, وأن يجزيه عنا وعن الإسلام خير الجزاء, وجميع علماء المسلمين. كما أسأل الله تعالى أن يحفظ نجله شيخنا سيدي الحاج محمدا, وأن يجعله خير خلف لخير سلف في نشر العلم والنصح والخير في البلاد والعباد. آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. اه
بقلم تلميذهما: صالح المنقوش السملالي بمدرسة إلماتن الرسموكية .
الجمعة 12 جمادى الآخرة 1433 هـ / 4 ماي 2012 م