المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في نازلة الاعتداء على السفارات



أهــل الحـديث
17-09-2012, 08:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تأمُّلات في نازلة الاعتداء على السفارات
المعترك الفكري يتسابق مع المعترك البدني فيغلب أحدهما الآخر إذا كان أحد الخصمين ضعيف الحجة قليل الحيلة . استنبطت هذه القاعدة من قصة أوردها أهل السِّير في ترجمة العلامة أبو بكر الباقلاني (ت: 403هـ ) رحمه الله تعالى ،خلاصتها : أنَّ قيصر الروم بعث الى عضد الدولة الديلمي( ت: 372هـ ) يطلب منه أن يُوفد إليه عالما للمناظرة في النبوات . فوقع اختيار الديلمي على العلامة الباقلاني . فلما وصل إليهم أدخله الحُجَّاب على قيصر من جانب بيت الصنم ، ليدخل كالساجد للصنم فيشمتوا به! ، فلما رأى الأصنام مستقبلة الباب، فهم قصدهم وولَّى الصنم ظهره ودخل القهقرى، فبطل مكرهم.
ووجد النصارى مجتمعين حول قيصر . فقالوا له : امراة نبيكم زانية!! . فقال الباقلاني: امراة اختلت في الطريق برجل أجنبي اشدُّ انكارا في العقل، أم ولادة امراة ليس لها زوج ؟! فبهتوا .
ثم قالوا له : أنتم تشهدون بنبوة عيسى عليه السلام ولا نشهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ! . فقال : إنما نشهد بنبوة عيسى الذي شهد بنبوة محمد لا بمطلق عيسى، فإن المُسمَّين بهذا الاسم عندنا كثير ولا نقول بنبوتهم . فاستحسنه قيصر وبُهت الرهابين ، وشمت قيصر بضعف حجتهم ، وأكرم الباقلاني وعاد معظَّما الى بلده .
والمناظرة طويلة اختصرت منها ما يكون مقدِّمة لهذه العجالة .
تشهد بعض بلاد المسلمين اليوم اتلافا لسفارات الغرب وقتل بعض من فيها من المستأمنين والمعاهدين ، لغرض الانتقام لعرض الحبيب صلى الله عليه وسلم ، بعد بثِّ المادة المرئية العفنة التي أوجعت قلوب الملايين . والاستهزاء بالأنبياء ظاهرة قديمة أشار إليها القرآن في قول الله تعالى : " ولقد استهزىء برسلٍ من قبلك " ( الرعد :32 ) .
ولا شك أن السكوت عن الاساءة لعرض الحبيب صلى الله عليه وسلم منكر ووبال على الأمة الاسلامية . لكن الدفاع عن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون بمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم !! .
واذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين المنُدسِّين في صفوف الصحابة رضي الله عنه لما همُّوا بقتله في غزوة تبوك ، فإن الكفَّ عن جهل الغرب مع المسلمين أولى وأحرى وأقوى .
ووالله إن مقابلة الاساءة بالاحسان لأولئك الجهلة الحاقدين لهو أجدى لدحر كيدهم ومكرهم وخبثهم . وقد قال الله تعالى :" إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون " ( النساء: 104 ) . وقد قُذفت عائشة أُّمنا الطاهرة ( ت: 58هـ ) رضي الله عنها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم يزدد الحبيب صلى الله عليه وسلم الا ثباتا وشموخا ، حتى في نفوس اعدائه .
وقد قال الامام مسلم ( ت: 261هـ ) رحمه الله تعالى : " الاعراض عن القول المطرح أحرى لاماتته واخمال ذكر قائله ، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه " .
وقد روى نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرسولي مسيلمة حين قرأ كتابه: "ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، قال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " . أخرجه أبو داود بإسناد حسن .
وثبت أيضا في الحديث: "إني لا أحبس البُرد" ومعناه : أن البريد أو الرسول لا يقتل، وإنما يؤمَّن حتى يرجع إلى الجهة التي جاء منها . أخرجه أبو داود بإسناد حسن .
فيستفاد من كل ما تقدم أن حِفظ العهود مع المعاهدين والمستأمنين واجب لا يجوز تجاهله أو انكاره لغرض الانتقام من نازلة وقعت على المسلمين من طرف السفلة .
وعليه فلا يجوز قتل البعثات الدبلوماسية والوفود الاجنبية في ديار الاسلام ، ويلحق بهم اللاجئون والمبتعثون والمقيمون . والقاعدة الفقهية نصَّت على أن المباح إذا اشتبه بالمحرم ، غُلِّب جانب المحرم توُّرعا عن نقض العهد أو الوقوع في الغدر أو سفك الدم الحرام .
إن المغتربين من المسلمين في بلاد الغرب يضطربون وجلا من تبعات هذه النازلة خوفا على مساجدهم ومدارسهم وأعراضهم وأموالهم ، والضرر الخاص كما قيل يتحمل لدفع الضرر العام .
إن شفاء غليل المسلمين المكلومين لا يكون الا بتنظيم استراتيجية قوية لردع السفلة من الغرب وعملائهم الحاقدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن ذلك مقاطعة كل سلعة يُروِّج لها الغرب ، وهذا ما فعله ثمامة بن أثال( ت: 11هـ ) رضي الله عنه، بعدما أسلم، حيث قال لكفار قريش: "والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حِنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك أيضا التعريف بالحبيب صلى الله عليه وسلم باللغات العالمية . ومما يذكر فيشكر
قيام دولة قطر بالاعداد لانتاج مادة مرئية عن حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، بلغت ميزانية تمويله ( 450 مليون دولار ) . وقد اشترطت لبثِّه اجماع علماء الامة على محتواه .
نحن نعلم أن الغرب يبثُّ الفتن والدسائس للمكر بين المسلمين، وإيقاظ الفتن الطائفية ليجد موطء قدم في بلاد المسلمين لاستنزاف ثرواتها وخيراتها . ونعلم أيضا أن المسلمين يعانون من الضعف والهوان والتكالب على شهوات الدنيا وملذاتها . فلا مناص من تقوية بلادنا وعتادنا بما يؤهلنا لمنافستهم وكسر شوكتهم .
إن تقوية المعترك الفكري في الساحة الاسلامية ، لمناهظة الدعاية الغربية المغرضة من أوجب الواجبات على المربين والمصلحين وولاة الامر . فإن تأثير الكلمة اليوم بما يسمى بالاعلام الموجَّه من أمضى الاسلحة المعنوية في قلوب الناس .
أما العبث بمقدرات الغرب واتلاف أموالهم فإنه دليل على افلاسنا وضعف حجتنا ومخالف لسنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم . والله من وراء القصد . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
المصادر :
1-تاريخ بغداد / للخطيب البغدادي /5/379 .
2-وفيات الأعيان/ لابن خلكان / 4/ 324 .
3-مقاصد الشريعة / لليوبي / 44 .
4-اصول العلاقات الدولية /لعمر الفرجاني / 36 .
5-القاموس السياسي / أحمد عطية الله / 345 .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
http://lojainiat.com/main/Author/2083